رمضان في الاردن: حمى الاستهلاك تجتاح غالبية الاردنيين

 

اجتاحت حمى الاستهلاك معظم الاردنيين فيما تضرب ‏مطرقة الحرمان بقيتهم مع حلول شهر رمضان المبارك رغم نداءات الجهات المعنية ‏والمفكرين ورسامي الكاريكاتير الداعية الى ترشيد الاستهلاك والالتفات الى ‏روحانية شهر الصيام.‏   

‏ وهرعت غالبية الاردنيين الى الاسواق التجارية ومراكزالتسوق العصرية الكبرى ‏وحتى باعة الارصفة لابتياع السلع الرمضانية من خضار وفواكه وتمور ولحوم ومشروبات ‏رمضانية من العرقسوس والتمر الهندي والخروب اضافة للمكسرات ولوازم صنع الحلويات ‏استعدادا لاقامة ولائم الافطار للاهل والاقارب والمعارف وزملاء العمل.‏   

‏ واندفع هؤلاء للشراء المحموم اما برغبة دينية صادقة فى بر الوالدين وصلة ‏الارحام أو الالتزام بالتقاليد الاجتماعية والظهور بمظهر المقتدر على ابداء الكرم ‏والبذل وهي طبيعة متأصلة فى المجتمع الاردني رغم ضيق ذات اليد.‏   

‏ وتبدو حمى الاستهلاك واضحة للعيان فى الاسواق المكتظة بالمشترين فى انحاء ‏العاصمة الاردنية عمان وضواحيها حيث يعيش اكثر من نصف الشعب الاردني وتتمتع ‏بمستوى حياة أعلى بينما تظهر بصورة أقل حدة الى الشمال من عمان فى اربد وجرش ‏والسلط بخلاف مدن الجنوب مثل الكرك والشوبك والطفيلة ومعان التي كان اقبال ‏‏المتسوقين على الشراء فيها ضعيفا بسبب وضعها الاقتصادي.‏   

‏ وعلى صعيد قطاع الخدمات فقد شهد حمى مماثلة على تباين واضح يحدده تفاوت ‏مستويات المعيشة فبينما انهمك معظم أهل العاصمة بمتابعة الاعلانات المكتوبة ‏والمتلفزة عن الخيم الرمضانية وأماكن السهرات واحدث نغمات الهواتف النقالة الخاصة ‏بمواعيد الصلاة والسحور والافطار والتهنئة بقدوم رمضان يكتفي اغلب الناس فى بقية ‏المحافظات بشراء المواد الأساسية والاستعداد لمشاهدة برامج ومسلسلات التلفزيون ‏والاذاعة الاردنية بهذه المناسبة.‏   

‏ وأدى تهافت المشترين على مختلف السلع الرمضانية فى مختلف الاسواق التجارية ‏ومراكز التسوق فى الايام الثلاثة الماضية الى ارتفاع اسعار بعض انواع الفواكه ‏والخضار والتمور واللحوم بسبب ارتفاع الطلب المفاجئ عليها.‏   

‏ كما اضطرت مختلف المؤسسات المعنية امام حمى الاستهلاك التي سرت فى المجتمع الى ‏التدخل كل بطريقتها لتخفيف الافراط فى الشراء فأكد رئيس غرفة تجارة عمان حيدر ‏مراد ان جميع المواد التموينية متوفرة فى الاسواق بكميات تزيد عن الحاجة داعيا ‏التجار الى الالتزام بواجبهم الديني والوطني فى الشهر الفضيل وعدم رفع الاسعار. ‏   

‏وطمأنت مديرية الجودة ومراقبة الاسعار فى وزارة الصناعة والتجارة ‏المواطنين الى استقرار اسعار المواد الغذائية بأنواعها مؤكدة فى تصريحات للصحف ‏‏المحلية ان معدلات الاسعار توحي بأنها ستعود الى مستوياتها الطبيعية فى بضعة ايام ‏نظرا لوفرة هذه المنتجات بكميات تلبي حاجة جميع المواطنين.‏   

‏ وزار رئيس الوزراء الاردني فيصل الفايز امس سوقا رئيسيا تابعا للمؤسسة ‏الاستهلاكية المدنية واطمأن على مدى توفر المواد التي تعرضها الموءسسة للمنتفعين ‏واكد خلال الزيارة ضرورة توفير جميع المواد التي يحتاجها المواطن باسعار معقولة ‏وجودة عالية.‏   

‏ وفتحت المؤسستان الاستهلاكيتان المدنية والعسكرية اسواقهما المنتشرة فى مختلف ‏مدن المملكة منذ ثلاثة ايام خارج أوقات الدوام الرسمي لتمكين المنتفعين من شراء ‏ما يريدون من المنتجات الرمضانية وبهدف تحقيق توازن الاسعار في السوق المحلية ‏ومنع الاحتكار.‏   

‏ وتقول الحاجة ام حسن وهي مديرة مدرسة متقاعدة لـ(كونا) ‏انها حضرت الى السوق لابتياع اصناف من المنتجات حددت انواعها وكمياتها مسبقا ‏وتضيف ان الافراط فى الشراء ينم عن نقص فى وعي المواطن رغم ان غالبيتنا متعلمين ‏مؤكدة انها قصدت السوق لشراء الاساسيات فقط.‏   

‏ ووصف احد التجار ويدعى ابو ماهر هذا " الاندفاع العجيب " للمستهلكين الى شراء ‏كل ما يصادفهم بانه جنون استهلاكي يغري بعض التجار برفع اسعار منتجاتهم منبها الى ‏ضرورة شراء ما يحتاجه المواطن من جميع الاصناف على دفعات خلال شهر الصوم والى ‏ضرورة ادراك زملائه التجار ان هذا الشهر هو " موسم التجارة مع الله " سبحانه ‏وتعالى.‏   

‏ واضاف ان هذا السلوك ينم ايضا عن انعدام التخطيط الاقتصادي لدى معظم الاسر ‏التي تعيش يوما بيوم دون الالتفات الى اهمية الاقتصاد فى النفقة والتخطيط ‏للمستقبل القريب ناهيك عن المستقبل البعيد.‏   

‏ وقال عصام احد العاملين فى واحد من اكبر مراكز التسوق لـ(كونا) ان ‏المستهلكين أتوا على جميع محتويات بعض اجنحة المركز الذي باع من المخللات فى يوم ‏واحد فقط ما تصل قيمته الى 30 الف دينار واضاف انه وزملاءه زودوا رفوف السوق ‏بدفعات جديدة من البضاعة التي تم بيعها.‏   

‏ وحتى الكتب الدينية لم تكن فى منأى عن حمى الاستهلاك فقد استعدت المكتبات ‏وأكشاك بيع الصحف والمجلات لهذا الموسم وبدأت منذ عدة ايام تعرض المصاحف المفسرة ‏‏وغير المفسرة والمزخرفة بطرق مختلفة اضافة الى الكتب الدينية الخاصة بالادعية ‏واحكام الصلاة والصوم وروحانيات الشهر المبارك وفضله.‏   

‏ ويقول رائد العمري ان المسلمين يقبلون على شراء هذه المنشورات اضافة الى لوحات ‏مختلفة الاحجام تحمل صور الحرمين الشريفين او قبة الصخرة المشرفة والمسجد الاقصى ‏ولوحات الخط العربي لايات قرآنية كريمة أو أحاديث نبوية شريفة.‏   

‏ ويعلل العمري هذا الاقبال بقوله ان البعض يشتري هذه الاصناف للاقتناء ‏واستعماله الخاص مع اسرته او لاهدائها الى الاهل والاصدقاء فى سبيل تثبيتهم على ‏طريق الهدى والاجتهاد فى العبادة فيما يقدمها المحسنون الى مكتبات المدارس او ‏المساجد انطلاقا من رغبتهم فى العمل الخيري التطوعي فى الشهر الكريم.‏   

‏ ودعا بعض الكتاب الصحافيين الاردنيين مواطنيهم فى عدة مقالات الى نبذ الافراط ‏والاسراف فى الشراء فى حين نشرت رسوم هزلية (كاريكاتير) تصور طبيعة هذه الظاهرة ‏ونتائجها وأظهر احدها موظفا مدينا ينوء بحمله من السلع الرمضانية استعدادا لدعوة ‏عشيرة كاملة الى مأدبة افطار ليذهب فى اليوم التالي الى " موائد الرحمن " التي ‏تقام للفقراء والمساكين وابناء السبيل فى مختلف المدن الاردنية.‏   

‏ ودأبت وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الاردنية منذ عدة سنوات على ‏اقامة موائد الرحمن فى مختلف مناطق المملكة لتقديم وجبات الافطار للمحرومين من ‏الفقراء والمساكين واقتدى بهذا النهج كثير من الاغنياء الراغبين فى الاستزادة من ‏البر والاحسان.‏   

‏ ورغم ان عشرات المقالات والرسوم الهزلية من هذا النوع تنشر كل سنة الا انها لم ‏تفلح فى اقناع الاردنيين بالتخلي عن سلوكهم الاستهلاكي العجيب الذي تشاركهم فيه ‏الشعوب العربية والاسلامية الشقيقة ولكن يبقى الامل موجودا فى ان تؤدي هذه ‏الرسائل الاعلامية دورها المنشود ولو بعد حين.

المصدر: كونا