المرجع الشيرازي يؤكد على ضرورة بناء الذات وهداية الآخرين في شهر رمضان

 

بمناسبة قرب حلول شهر الرحمة والغفران شهر رمضان المبارك استقبل سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي جمعاً من العلماء والمبلغين والفضلاء القادمين من مدينة أصفهان يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر شعبان المعظم 1425 هجرية في بيته المكرم.

وفي معرض تفسيره لقوله سبحانه وتعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان» قال سماحته: طبقاً للرؤية الشرعية، فإن شهر رمضان المبارك سيحل علينا في الأيام القادمة، وقد سمى الله تعالى القرآن الكريم الذي أنزله في هذا الشهر الفضيل بالهداية والبينات. ونحن أهل العلم نجد أنفسنا أمام أمرين مهمين، الأول: أننا منذ أن سلكنا هذا الطريق، اعتُبرنا جنوداً للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، الأمر الذي يحمل أعظم المعاني، ولن يكون شيئاً أسمى منه إن هو وجد مصداقه فينا. وقد أشار الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه ضمن حديث أكد فيه للعلماء من أصحابه البررة إلى أن أكبر همّ الشيطان أن يحرفكم ويغويكم.

وقال السيد المرجع: إن شهر رمضان المبارك فرصة مميزة للتغلب على الشيطان وكيده، لأن هذا الشهر فيه ما يساعد على تكريس الإيمان والعقيدة والأخلاق الفاضلة، مما يعني ضرورة استعدادنا لذلك.

وثمة قضية أخرى تتعلق بما أكده الأئمة المعصومون سلام الله عليهم وأوصوا به، وهو محاسبة النفس في كل يوم، إذ قالوا صلوات الله عليهم في أكثر من مناسبة: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم».

فإن لم يحاسب الإنسان نفسه، فإن من الممكن أن يفلت منه زمام هذه النفس، ولهذا نجد في شهر رمضان المبارك فرصة مميزة للقيام بهذه المهمة التربوية السامية، ومن المتناسب جداً أن يحاسب المرء نفسه خلال دقائق معدودة على ما قام به خلال أربع وعشرين ساعة،لما لهذه العملية الأخلاقية الأثر الأكبر في أبعاد القضية الثانية، وهي: قضية هداية الآخرين التي نجد أنفسنا ملزمين بممارستها في كل آنٍ ومكان.

وأكد فضيلة السيد المرجع: إن هداية الناس واجب شرعي مميّز، يفرض علينا الالتزام به في مختلف الأحوال وبشتى الأساليب حتى نعذر بما يسمى عذراً شرعياً أو عقلياً. فالمطلوب منا أن نعمل الصالحات ليقتدي الآخرون بنا، وهذا نوع من أنواع ممارسة الهداية، كما يفترض بنا أن نكتب للناس ونحدثهم لتتوفر أسباب الهداية المرجوّة.

وفي إشارته إلى عظيم أمر هذه الفريضة الشرعية، نقل سماحته عن جملة من كتب الأحاديث، ما قاله الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه لحارث بن المغيرة، وهو من أجلاء أصحابه. ففي رواية عن الحارث بن المغيرة قال:

لقيني أبو عبد الله (الصادق) سلام الله عليه في طريق المدينة فقال:« من ذا، حارث؟» قلت: نعم، قال:« لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم »، فأتيته واستأذنت عليه فدخلت فقلت: لقيني من ذلك أمر عظيم، فقال:« ما يمنعكم _ إذا بلغكم عن الرجل ماتكرهون، ومايدخل علينا به الأذى _ أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه تقولوا له قولاً بليغاً؟» فقلت له : جعلت فداك إذن لايطيعوننا ، ولايقبلون منّا ، فقال :« اهجروهم واجتنبوا مجالستهم».

ولكن ما هي حدود قدراتنا في هداية الآخرين؟

لاشك أننا نملك الكثير من القدرة بحيث تحملنا على أن نصمم ونعزم على الالتزام بالأخلاق العملية واللفظية وممارسة التبليغ والموعظة والإرشاد والتأليف والتربية لنجد أنفسنا موفقين وناجحين في إنجاز هذه المهمة الجليلة.

ونقل سماحة السيد المرجع عن أحد الخطباء، وكأن أحد أساتذته دام ظله حيث قال: أخوف ما أخاف أن لا تقبل لي صلاة يوم القيامة، بسبب تقصيري في هداية الناس.

وبخصوص أهمية الإرشاد وفق الأساليب الطيبة والمناسبة، استدل سماحته بقول الله تعالى: «ادفع بالتي هي أحسن السيئة..» باعتبار أن إيجاد صيغة مشتركة بين الهداية والأخلاق قضية من الأهمية بمكان، إذ الأخلاق الطيبة والأسلوب المناسب يضمنان النجاح في عملية الإرشاد والنصح.

وقصّ سماحته عن أحدهم ولم يكن ترعرع في جو ديني، حيث قال: حينما كنت حديث الزواج وضعت في أصبعي خاتماً من ذهب، ولم يكن الأمر متعارفاً عليه، وذلك قبل حوالي أربعين عاماً، فكان كثير من الناس يواجهونني بالنصح العنيف ويأمرونني بخلعه، مما كان يزيد من إصراري على التمسك به، وذات يوم حضرت أحد مجالس الوعظ، فلفت انتباهي أن أحد طلاب العلوم الدينية يطيل النظر إلى خاتمي الذهبي، فقررت في تلك اللحظة أن أواجهه إذا ما تحدث معي حول أمر الخاتم، ولكنه همس بعد هنيئة في أذني قائلاً: من المناسب أن تهدي خاتمك إلى زوجتك لتضعه في أصابعها.. الأمر الذي فاجأني وترك في نفسي أثراً طيباً حملني على تقبل النصيحة والالتزام بالحكم الشرعي القائل بحرمة لبس الرجال للذهب.

وأضاف سماحة المرجع الشيرازي: سمعت من أحد العلماء أن الروايات المنقولة عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله قليلاً ما تضمنت كلمة «حرام» لما فيها من القوة والمباشرة. وقد نقل أن بعض المشركين طبخوا حرباءً ودعوا النبي عليه وآله الصلاة والسلام إلى الأكل، فأجابهم بأنه لا يشتهي ذلك، ولم يصرح لهم بالحرمة، وذلك كله يأتي في سياق المداراة في النصح والإرشاد.

ثم نقل فضيلة السيد المرجع عن صاحب الجواهر رحمه الله قائلاً:

ذات يوم قصد صاحب الجواهر أستاذه ومربيه السيد جواد العاملي مؤلف موسوعة (مفتاح الكرامة) ليستشيره في أمر الدعوة التي قدمها له بعض المؤمنين والوجهاء القادمين إلى النجف الأشرف من مدينة أصفهان ليكون مبلّغهم وعالمهم. ولكن السيد العاملي منعه من تلبية هذه الدعوة.

يقول صاحب الجواهر: فامتثلت أمره ورفضت الدعوة٠

ولكنهم قصدوا الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وكان أستاذ وشيخ صاحب (مفتاح الكرامة) ليطرحوا عليه الأمر، فأشار علي بالذهاب، فأعلنت له رغبتي في مواصلة الدراسة في النجف الأشرف وعدم الذهاب معهم إلى مدينة أصفهان. فتكررت منهم الدعوة، وتكرر الرفض مني أكثر من مرة، حتى اضطر الشيخ كاشف الغطاء إلى تكليفي بالذهاب بشكل قاطع، فأبديت له السمع والطاعة. ثم ذهبت إلى السيد العاملي لأطلعه على نيتي في الذهاب، فأعرب عن عدم رضاه من ذلك، ولكنه أمرني من جانب آخر بامتثال الشيخ كاشف الغطاء (وكان ذلك قبل حوالي مئتي عوام).

قال صاحب (الجواهر): فبدأت بالاستعداد وتهيئة عدة السفر، قصدت والدتي لتوديعها، ولكنها رفضت بالسماح لي بالذهاب حتى وإن كان ذلك بأمر الشيخ كاشف الغطاء، فلم يبقَ لي إلا الرجوع للشيخ جعفر كاشف الغطاء لاُطلعه على عدم رضا والدتي، فقال لي: حيث إن الأمر قد بلغ إلى ما بلغ، فلا مبرر لك بالذهاب... ثم علمت فيما بعد أن السيد العاملي أبلغ والدتي بضرورة عدم السماح لي بالسفر إلى أصفهان لأن بقائي في النجف الأشرف ومواصلة الدراسة أنسب وأوفق لخدمة الدين.

وعلّق سماحة السيد المرجع على القصة بالقول: وهذه هي التربية والأخلاق..

وقال سماحة آية الله العظمى الشيرازي: رغم الأجواء الإرهابية العصيبة التي حاصر خلالها العباسيون المؤمنين، إلا أن الشاب من أتباع مدرسة أهل البيت سلام الله عليهم استطاعوا هداية كثير من الناس إلى المذهب الحق بالاستعانة بالأساليب الأخلاقية المناسبة.

وختاما؛ دعا سماحة السيد المرجع بالتوفيق للجميع ببركة الإمام صاحب العصر والزمان سلام الله عليه، وببركة شهر رمضان المبارك.