المصريون ينفقون مليار جنيه لافطار الصائمين

 

حل شهر رمضان بمصر دون أن تتغير المظاهر المصحابة له بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الضغوط على المواطن المصري في ظل انهيار قيمة عملته أمام العملات الصعبة وخاصة الدولار.

فلم يؤثر الارتفاع الجنوني للأسعار والخسائر التي يعاني منها الكثير من رجال الأعمال والتجار، على استمرار أحد أهم مظاهر شهر رمضان ألا وهي موائد الرحمن.

ومائدة الرحمن هي مائدة إفطار مفتوحة يعدها ميسورو الحال والإغنياء لإفطار الفقراء والمعدمين ومن لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم وقت الافطار أو اضطرتهم أشغالهم إلى الافطار بعيدا عن أسرهم.

وقال صلاح نور أحد المواطنين المشاركين في إعداد إحدى موائد الرحمن في شارع ضيق بوسط القاهرة يبدو أن كل قاطنيه من فئة العمال الكادحين والمواطنين البسطاء،"نحن أهالي شارع أبو طالب البسيط بحي أبو العلا نكافح من أجل إقامة هذه المائدة وتوفير أفضل طعام ممكن بها لكي نفطر الناس بالرغم من ارتفاع الأسعار والغلاء الذي طال كل شئ."

وأوضح نور الذي يعمل سائقا بإحدى المصالح الحكومية أن أحدا من سكان الشارع لا يتوانى في تقديم أي مساعدة سواء طعام أو أموال للمائدة حتى تظل قائمة وفاتحة ذراعيها أمام كل فقير ومحتاج وعابر سبيل.

وقال نور "يتكلف إعداد المائدة حوالي 200 جنيه يوميا علاوة على الأطعمة التي يرسلها أهالي الشارع للمائدة."

وقال نور " المائدة ليست ملكا لأحد ولكنها تقام سنويا بجهود أهالي شارع أبو طالب الذاتية، لذا يشعر كل منا بأنها شئ يخصه ويجب الحفاظ عليه والاستمرار فيه بالرغم من كل الظروف المحيطة."

وأفادت أحدث دراسة أعدتها لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف بأن القائمين على موائد الرحمن في القاهرة وحدها ينفقون على تلك الموائد ما يربو على مليار جنيه.

كما أوضحت دراسة أخرى نشرتها جامعة الأزهر مؤخرا أن موائد الرحمن في القاهرة تتكلف قرابة مليار جنيه، فيما ينفق أهالي المحافظات الأخرى خارج القاهرة مجتمعين على تلك الموائد نحو مليار جنيه آخر.

ومن جانبه، قال الحاج فتحي المسؤول عن تنظيم العمل بمائدة ضخمة أمام أحد النوادي الكبرى بحي الدقي بمحافظة الجيزة "زادت الطاقة الاستيعابية لمائدتنا التي تقام منذ نحو 15 عاما بالرغم من ارتفاع الأسعار بنسبة تفوق 40 بالمئة، وما يعنيه ذلك من زيادة في المصروفات والتكاليف."

وقال محمود أحد رواد المائدة الذي يعمل كحارس أمن بإحدى الشركات القريبة من موقع المائدة "اعتدت المجئ إلى هنا منذ عامين ولم أشعر حقيقة هذا العام بأي تغيير أو نقصان في كمية الطعام المقدمة بل لا تزال المائدة عامرة بصنوف الطعام التي يمكن أن تجدها في المطاعم الفاخرة."

وأشار فتحي إلى أن المائدة تستخدم مطبخا خاصا بها يوجد أسفل مبنى مواجه لموقع المائدة يملكه صاحبها الذي رفض الكشف عن اسمه. وقال "هذا المطبخ أفضل من جلب طعام جاهز كدأب موائد الرحمن الأخرى. يوجد فريق كامل من الطباخين والعمال المسؤولين عن تقديم الطعام لدينا وكلهم يؤدون عملهم بجد دون كلل أو ملل."

وكانت المائدة التي تمتد أمام سور نادي الصيد ووسط منطقة راقية، تعج بالرواد قبل أذان المغرب بأكثر من نصف ساعة.

وقال فتحي إن المائدة تتسع لنحو 2000 شخص في اليوم. وأضاف "نقدم نحو 1500 وجبة جاهزة أخرى للفقراء والمحتاجين وأفراد الأمن والشرطة في محيط المنطقة الذين لا يستطيعون تناول الطعام في موقع المائدة أو يخجلون من التواجد وسط هذه الأعداد الكبيرة."

أما في مائدة شارع أبو طالب، فكان أغلب الرواد من أفراد الأمن الذين يحرسون المباني والشركات المجاورة وسائقي الحافلات العامة والمواطنين الذين لم ينجحوا في الوصول إلى منازلهم في موعد الآذان.

وذكرت جامعة الأزهر في دراستها أن عدد المواطنين الذين يحلون على موائد الرحمن في مصر يبلغ ثلاثة ملايين مواطن يوميا.

وأضافت أن عدد الأشخاص أو الجهات التي تنظم موائد الرحمن يصل إلى عشرة آلاف جهة وفرد.

وبالرغم من أن موائد الرحمن التي يقيمها رجال الأعمال والأغنياء وبعض المسؤولين في تزايد مستمر في كل عام إلا أن المساجد لا تزال هي الأشهر بين الجهات القائمة على إعداد موائد الرحمن حيث لا يخلو مسجد في ربوع مصر من مائدة رمضانية ولو كانت لا تحتوى سوى على التمر والماء.

ويقول المهندس جمال فهمي مدير عام المعلومات بوزارة الأوقاف أن وزارة الأوقاف لا تصدر "تصاريح رسمية" بإقامة موائد الرحمن في المساجد، لكنها تقام بجهود ذاتية حيث يقوم عليها أهل الخير وميسورو الحال وكل من يستطيع مساعدة الفقراء.

وأفاد محمد محسن أحد المتطوعين في العمل بمائدة رمضانية يقيمها أحد المساجد الكبرى بمدينة نصر بأن المسجد يعتمد على جمع الأموال من القادرين لجلب طعام جاهز وتوزيعه على رواد المائدة.

وقال محسن الطالب بكلية الهندسة "زاد حجم التبرعات والمساهمات من سكان المنطقة وفاعلي الخير بصورة ملحوظة بالرغم من أن البعض كان لا يستبشر خيرا بسبب معاناة الكثيرين من ارتفاع الأسعار والأوضاع غيرالطبيعية التي نمر بها."

وأشار فهمي أن وزارة الأوقاف لا تمانع بصفة غير رسمية في إقامة تلك الموائد بجميع المساجد بما فيها التابعة لوزارة الأوقاف. وقال فهمي في هذا الشأن "لا تمنع الوزارة فعل الخير. فمائدة الرحمن خير يفيض على الجميع."

وقال سائق حافلة كان ينتظر تناول طعام الإفطار في مائدة شارع أبو طالب ذات الطابع الشعبي "إن هذه الموائد دليل على أن هذا البلد بخير رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها والمعاناة التي طالت أغلب مواطنيه."

ومن جانبه قال صلاح نور وهو يتحرك بنشاط لتجهيز المائدة "بالرغم من أن مائدتنا صغيرة إلا أنها تستوعب العشرات. إنها بدأت منذ عشر سنوات وستظل هكذا طالما استمرت هذه الروح الطيبة بيننا." وأضاف باسما "الخير كثير والحمد لله."