شهر رمضان شهر رعاية لجميع أبعاد الإنسان

 

بما أن إصابات الناس، ونقاط ضعفهم تختلف.. والشيطان يتسلل إلى كل ثغرة، ويصرعه بإغراء.. والتركيبات العنصرية والنفسية المتنوعة، مؤثرة في تنوع الاستجابة للعاهات.. وكل يحتفظ بعرق انحراف خاص.. واختلاف الأوباء بسبب اختلاف الأدواء.. ولهذه الحقيقة نجد مستحبات رمضان، تشكيلة كثيرة التنوع والاختلاف ففيها الصلوات والأدعية، والأذكار، والمناجاة، والصدقات، والأغسال، والزيارات، والمواعظ وقراءة القرآن والإفطار والسحور.. لتحتوي هذه المجموعة على كل ترجبة ودواء، لاستئصال جذور الداء مهما كان، كيما تطهّر من يمارسها من أي مرض يهدُّ فيه.. حتى إذا لم تصب تجربة عرق الداء، تصيبه الأخرى..

وهكذا يتكامل شهر الله الأعظم، بملزماته التي تتضافر، لتوسع الفرد بهزة عامة، تنفض منه التطفلات، ونهضة تطهير تشمل روحه وعقله وجسمه..

وتتركه بعد رمضان، غيره قبل رمضان..

فالنظرة الشمولية سمة الدين الإسلامي في جميع تشريعاته فلا يغفل أي جانب مهما كان والذي يهم الناس في هذا العصر الجانب المادي أكثر من غيره وحتى ذلك الجانب أعطاه حقه، فهناك وصايا لنوعية الفطور خصوصاً بدءه بالتمر والماء الساخن والحث على أكل السحور فإن فيه البركة ولو بلقمة واحدة حتى لا يضعف جسم الإنسان ويستمر في الصيام وليغير من روتين حياته بقيامه في الليل وهدوءه واستشعار أثر الروحانيات في سكينة الليل والمناجاة مع رب الأرباب بخفايا الصدور، وبث الحزن والشكوى إليه تعالى فسبحان من بيده ملكوت كل شيء ومما يلفت الانتباه التساؤلات المتداولة في الأسر بشأن الأطفال: متى أسمح لطفلي بتجربة الصوم؟ وهل يمكن تحمّل الجوع والعطش في السن المبكرة؟

هل يؤثر الصيام في قدراته الذهنية والتعليمية خلال اليوم الدراسي؟

كيف أحافظ على صحة طفلي في أثناء صومه؟

ما هي المكونات الأساسية لوجبتي الفطور والسحور التي يمكن أن تعوضه ما يفقده خلال فترة صومه وتوفر له احتياجاته الغذائية؟

هذه التساؤلات تتجدد دائما داخل الأسرة عندما يهل علينا رمضان شهر الصيام‏,‏ وتجمع مائدة إفطاره شمل الأسرة صغيرها وكبيرها‏..‏ مما يدفع الصغار دائما إلي محاولة تقليد الكبار في الامتناع عن الطعام والشراب‏,‏ بالرغم من أن أعمارهم قد تكون دون سن التكليف‏(‏ البلوغ‏),‏ فيحتار الكبار ويتساءلون‏:‏

متي نسمح لأطفالنا بالصيام؟ ومتي نمنعهم؟‏..‏

يجيب الدكتور يحيي الجمل أستاذ طب الأطفال والمناعة بجامعة عين شمس ويقول إنه إذا كانت سن التكليف بالصيام هي سن البلوغ‏,‏ فيجب أن نعود الطفل علي الصوم قبل ذلك تدريجيا‏,‏ فيمكن أن نبدأ من سن السادسة فيصوم الطفل يومين أسبوعيا مثلا حتى موعد صلاة الظهر‏,‏ ثم يمكن أن تزداد إلي ثلاثة أيام‏,‏ وفي العام التالي تزيد فترة صومه إلي موعد صلاة العصر‏..‏ وهكذا حتى تكتمل مواعيد الصيام في سن التكليف وأحيانا قبلها‏.‏

وهذا التدريج في الصوم ـ كما يقول د‏.‏يحيي يتيح لأنسجة جسم الطفل أن تتعود علي الحرمان التدريجي من السوائل والأغذية التي تحتاجها دون أن تتأثر وظائفها بطريقة مفاجئة‏.‏

وينبه د‏.‏يحيي الأمهات إلي ضرورة ملاحظة أطفالهن خلال فترة صيامهم خصوصا مع الانتظام في الدراسة مما يزيد من المجهود البدني والذهني الذي يبذلونه خاصة الذين يشكون أصلا من بعض المشاكل الصحية‏,‏ فمن لديه مشاكل في جهازه التنفسي مثل حساسية الصدر نجده يشكو من صداع وزغللة نتيجة سوء التغذية والانيميا‏,‏ وأحيانا تكون الشكوى من الإرهاق وسوء الهضم مصاحبة لاضطرابات الكبد خصوصا بين أطفال الريف المصري الذين تكثر بينهم الإصابة بالأمراض الطفيلية والتي تنتشر أيضا في الأحياء الشعبية والعشوائية‏,..‏ وهنا لابد من أن يبدأ الوالدان في تقليل فترات صيام الطفل تحت سن التكليف‏,‏ والاستعانة بالمشورة الطبية‏..‏ وكذلك في حالة إصابة الطفل في سن التكليف بمرض معين لابد من استشارة الطبيب المختص‏,‏ وإذا ما وافق علي صيامه فلابد من التنسيق بينه وبين والدي الطفل المريض لضمان تنظيم غذائه‏,‏ وتناوله دواءه‏..‏

وينصح د‏.‏يحيي الجمل الأمهات بضرورة ضبط نشاط الطفل في أثناء ساعات الصيام‏,‏ فيقلع تماما عن الأنشطة البدنية التي تزيد من إحساسه بالعطش والجوع نتيجة ازدياد حاجة الجسم للماء والسعرات الحرارية لمواجهة هذا المجهود العضلي الزائد‏,‏ والتركيز علي شغل وقت الطفل بألعاب مسلية وأنشطة تعتمد علي المجهود العقلي كالشطرنج والقراءة ومشاهدة التليفزيون‏.‏

وبخصوص النظام الغذائي الواجب إتباعه في إفطار الطفل وسحوره يقول د‏.‏يحيي‏:‏ إن وجبة الإفطار لابد ان تعوض كل ما يحتاجه جسم الطفل من السوائل والأغذية نتيجة الصيام‏(‏ في حالة الصيام الكامل‏)‏ السكريات والنشويات والأرز والمكرونة والخبز والحلوى‏)‏ التي تمد الطفل بالسعرات الحرارية اللازمة لحركته طوال اليوم‏,‏ وكذلك البروتينات والفيتامينات اللازمة لنموه كاللحوم والخضراوات‏..‏

ويمكن أن يبدأ إفطاره بالمشروبات الساخنة‏,‏ ولكن بكميات قليلة‏,‏ ويستمر تناول الطفل للسوائل علي فترات تمتد من موعد الإفطار حتى السحور‏,‏ لأن مفاجأة المعدة بكمية كبيرة من السوائل ساعة الإفطار تؤدي إلي الإحساس بالانتفاخ وعسر الهضم‏.‏

أما السحور فهو في غاية الأهمية ـ كما يشير د‏.‏يحيي ـ بالنسبة للطفل ويفضل فيه الأغذية البطيئة الهضم والامتصاص مثل الفول المدمس والدهنيات بوجه عام كالقشدة والزبدة‏,‏ والجبن بأنواعه والإقلال من الحوادق والمخللات والأغذية الحريفة في وجبة السحور‏,‏ لأنها تزيد من إحساس الطفل بالعطش في الصيام‏.‏

وأخيرا يلفت د‏.‏يحيي النظر إلي أن المكسرات والأغذية المميزة لرمضان مثل قمر الدين‏,‏ التين‏,‏ القراصيا‏,‏ المشمش‏,‏ كلها تحتوي علي كمية كبيرة من أملاح الاكسلات التي إذا زادت نسبتها تترسب في الكلي ومجري البول‏,‏ مما قد يؤدي إلى أن يشكو الطفل من حرقان في أثناء التبول أو قد تؤدي إلي تكوين حصي في الكلي أو مجري البول‏..‏ لذا يلزم الإقلال منها قدر الامكان‏.‏

وفي محاولة للتعريف بالوجبة الصحية التي يجب مراعاة تقديمها للأطفال الصائمين في رمضان عند الإفطار والسحور تقدم الدكتورة سلوى أحمد مصطفي الشبيني أستاذ الصحة العامة والتغذية بالمركز القومي للبحوث نماذج لوجبات غذائية متوازنة‏..‏

‏*‏ النموذج الأول لوجبة إفطار‏:‏

‏4‏ ـ‏5‏ حبات بلح‏,‏ طبق صغير من شوربة الدجاج أو اللحم بالشعرية‏,4‏ ملاعق سلاطة خضراء‏,‏ قطعة لحم متوسطة أو ربع دجاجة أو شريحة سمك متوسطة‏,‏ طبق من خضار الموسم‏,‏ طبق متوسط من الأرز أو نصف رغيف‏.‏

‏*‏ النموذج الثاني لوجبة إفطار‏:‏

‏4‏ ـ‏5‏ حبات تمر‏,‏ طبق صغير شوربة عدس‏,4‏ ملاعق سلاطة خضراء‏,4‏ وحدات من السمبوسة أو من الجلاش بالسبانخ‏,3‏ أصابع كفتة‏,‏ طبق مكرونة صغير أو‏2/1‏ رغيف‏.‏

‏*‏ ما بين الإفطار والسحور‏:‏

كوب عصير فاكهة أو فاكهة الموسم‏,‏ قطعة من الحلويات الشرقية أو كيك‏,‏ أو طبق صغير من الأرز باللبن أو المهلبية

‏*‏ وجبة السحور‏:‏

كوب لبن أو زبادي‏,‏ طبق صغير فول مدمس بالزيت والليمون مع قطعة جبن‏,‏ أو‏2‏ بيضة مسلوقة أو مقلية وقطعة جبن أو‏4‏ حبات سمبوسة باللحم وقطعة جبن‏,5‏ حبات زيتون‏,2‏ ملعقة عسل أسود بالطحينة‏,‏ أو‏2‏ ملعقة عسل أبيض‏,‏ أو‏2‏ ملعقة مربي‏,‏ وثمرة طماطم أو خيار أو جرجير‏...‏

‏**‏ كما هو معروف فإن الأطفال يمرون بمراحل نمو كبيرة وخصوصا في فترة البلوغ‏,‏ وتكون أجسامهم في حاجة ماسة لتناول جميع العناصر الغذائية بما تحتويه من سعرات حرارية وبروتينات وفيتامينات وأملاح معدنية مختلفة‏..‏ لذا تنبه د‏.‏سلوى إلي أن الأطفال من سن‏10‏ سنوات إلي حين اكتمال نموهم عند‏18‏ سنة يحتاجون إلي سعرات حرارية عالية تتراوح بين‏2100‏ و‏2800‏ سعر حراري‏,‏ وتختلف من الذكور عنها للإناث‏.‏

ومن أهم مصادر السعرات الحرارية المواد النشوية كالخبز والأرز والمكرونة والمعجنات‏,‏ وكذلك المواد السكرية والسكر والعصائر والحلويات بأنواعها‏.‏

وتنبه أيضا أستاذ الصحة العامة والتغذية إلي أن السكريات من المواد المهمة عند الإفطار لاستعادة مستوى السكر في الدم الذي ينخفض أثناء فترة الصيام‏..‏

ومن هنا نري أن مشاركة الأطفال في صيام رمضان تسلتزم مراعاة تنوع وجبتي الإفطار والسحور واحتوائهما على جميع العناصر الغذائية وتناول الكميات المناسبة من السوائل والماء‏.