الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا

 

ملامح من المشروع النهضوي لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده)

الإمام الشيرازي وعمله لنهضة أمة الإسلام

الدكتورة بارعة شقير *

سعى الإمام محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي (قده) إلى استنهاض روح الإيمان والتقوى والجهاد والعمل الصالح وخدمة المستضعفين، وذلك عبر الخطاب الجماهيري، ومؤلفاته وإقدامه العملي في جميع مجالات العمل الصالح.

وكان هدف الإمام الشيرازي الأسمى إيجاد جيل من الشباب المؤمن الواعي، وجو اجتماعي يرى الإيمان والتقوى، ومؤسسات تحتضن النشاط الديني، وروح إسلامية تصد خطر التيارات المنحرفة، ورغم ما تعرض له من ضغوط داخلية وخارجية مختلفة إلا أنه لم يكن يهتم إلا بتحقيق أهدافه النهضوية مبتعداً عن الخلافات الجانبية والقضايا الهامشية، بإيقاع ثوري جهادي ضد الحكومات الظالمة المتعاقبة، وفي ظل جو من المطاردة والاعتقال لأنصاره وأعوانه.

1- من أسباب تخلف المسلمين:

يؤكد سماحة الإمام الشيرازي في كتابه كلمات حول نهضة المسلمين أن الجهل أهم أسباب تخلف بلدان العالم الثالث ومنها بلاد المسلمين، ويشير إلى أهمية العقل والتعقل في محاربة الجهل عبر أحاديث الرسول والأئمة، إذ يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، (ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته، وما يضمر النبي (ص) في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله تعالى حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم، ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولوا الألباب الذين قال الله تعالى وما يتذكر إلا أولوا الألباب).

وعن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: (صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله).

وعن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: (يا هشام إن الله بشر اهل العقل والفهم في كتابه فقال: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).

وأضاف الرضا عليه السلام قائلاً: (يا هشام إن لقمان قال لأبنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيس لدى الحق يسير، يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد غرف فيها عالم كثير، فتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر، يا هشام إن لكل شيء دليلاً ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام إن الله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول.

إلى أن قال: يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت قلبك عن أمر بك، وأطعت هواك على غلبة عقلك، يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرضى بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم).

ومن أسباب تخلف المسلمين أيضاً ترك اسباب التقدم، حيث يقول الإمام الشيرازي في كتابه (من أسباب ضعف المسلمين) لقد تقدم الغرب علينا عندما أخذوا بالعمل ببعض قوانين الإسلام، مثل حق الانتخاب والتصويت، وخلع الحكام الطغاة المستبدين، ومطالبة الحقوق والحريات، ومثل النظم في الأمور، والإتقان في العمل، ولقد تقدم الغرب علينا لرفعة قيمة الإنسان فيما نحن المسلمون – وكذلك حكامنا – قد تغيرنا بحيث لم نعر أي أهمية للإنسان الذي فضله الله وكرمه وحرم ماله وعرضه ودمه، ولذلك ترى الحكام الطغاة يقتلون الناس كما يقتلون البق.

كما أنَّا لا نرى أهمية للوقت، وقد أصبح هدر الوقت وعدم الالتزام بالمواعيد صفة من صفات المسلمين.

ويضيف الإمام الشيرازي:

من اسباب تخلف المسلمين أيضاً الحكام الطغاة، غير الشرعيين على مر التاريخ من الأوائل إلى الأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين الذي نشاهده ونلمس أثاره حتى اليوم، فإن الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً، كما هو في صحة الإنسان، فإن الإنسان الذي لا يراعي صحته في صغره لا بد وأن يكون في كبره معرضاً للآفات والاسقام وما أشبه وهناك العديد من القصص التاريخية التي تدل على ذلك.

ويستكمل الإمام الشيرازي نظرته في أسباب تخلف المسلمين ويقول في كتابه العمل الصالح طريق التغيير: (ومن أهم الأسباب التي وصلت المسلمين إلى هذه الحالة – إضافة إلى ما قلناه – هو ابتعادهم عن الدين ودخول العقائد المنحرفة الاستعمارية إلى أغلب البلدان الإسلامية، وانتشار التحلل الخلقي إلى غير ذلك من الأسباب.

ولأجل الخروج من هذه الحالة المتخلفة والعودة إلى روح التقدم علينا الرجوع إلى تعاليم الدين التي هي ثورة فكرية تقود الإنسان إلى الكمال والرقي في جميع ميادين الحياة المتخلفة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم)

فإذا وضعنا ما سبق نصب أعيننا نكون قد وضعنا منهجاً تربوياً صحيحاً يساهم في تكوين الأجواء الإسلامية الواعية والصالحة لتربية النفس والأسرة والمجتمع المسلم.

وبذلك نضمن مستقبلاً زاهراً، كما ساهمت دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

في بداية الدعوة الإسلامية في بناء شخصيات عظيمة كأبي ذر وعمار، والمقداد، وسلمان (سلام الله عليهم) وغيرهم، وهذه المهمة مهمة حضارية ستظل أمانة في أعناق أبناء الأمة في جميع طبقاتهم.

2- الحضارة بيد الشعب:

(باني الحضارة هو الشعب الحر) يقول الإمام الشيرازي في كتابه (العمل الصالح طريق التغيير) ويضيف: (فإذا أخذ الحكام بمخالفة العلماء ومحاربتهم وسلبوا الحريات من الشعب، فحينئذ لم ير الشعب في الحكام مظلة للتقدم وكان ذلك سبباً في خمود الشعب، فيتأخر الكل عن ركب الحضارة والتقدم.

وإلا فيكف يكون من المعقول أن ألفي مليون مسلم ليس لهم من الصناعة شيء يذكر، بينما يعج الغرب بالصناعات، مع أن الحضارة والصناعة والعلم كان للمسلمين ومنهم انتقل إلى الغرب.

إذن، فالحضارة تتولد من الشعوب ولا يتمكن الشعب من إيجاد الحضارة إلا إذا أطاع الحكام والعلماء وأعطوا للشعب كامل الحرية التي منحها الإسلام قال سبحانه وتعالى في وصف الرسول الأعظم (ص) (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

وليس سلب الحريات عن الناس سبباً لتأخرهم الصناعي والحضاري فقط وإنما يتأخرون عن الركب في السياسة والاجتماع والطب والاقتصاد والثقافة وغيرها من مختلف شؤون الحياة).

3- الإسلام يهتم بالإنسانية جمعاء:

يقول الإمام الشيرازي في كتابه (كلمات حول نهضة المسلمين):

(إن عالمية وشمولية الرسالة الإسلامية هي من أهم السمات التي تميزت بها، فقد قال تعالى: وما إرسلناك إلا لكافة الناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كما ورد عن الرسول الأكرم (ص) قوله: (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي كان قبلي: أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر و.. ولهذا فإن الرسالة الإسلامية تحمل معها مقومات انتشارها وديمومتها، إذ استطاع النبي الكريم محمد (ص) خلال فترة وجيزة بسط نفوذ الرحمة الإسلامية في ربوع الجزيرة العربية ومن ثم البلاد المجاورة.

وقد استمر المسلمون على هذا المنوال من نشر مبادئ الإسلام العالمية حتى استطاعوا إيصال صوت الإسلام إلى شرق الأرض وغربها.

كما تقبلت الأمم الأخرى الرسالة الإسلامية برحابة صدر، تاركين ما كانوا عليه خلف ظهورهم لما وجدوا في الدين الإسلامي من العدل والرحمة وما يتماشى مع الفطرة الإنسانية، قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

والإسلام يرى الكون جهازاً موّحداً يرتبط بعض أجزائه ببعض كارتباط الطائرة بعض آلاتها ببعض، فالكل مرتبط في تناسق بديع، وإحكام رصين، والكل في قبضته يديرها كيف يشاء، يقول سماحة الإمام الشيرازي قدس سره في كتابه العدالة الإسلامية ويضيف (وإذا كان الإسلام ينظر إلى الكون هذه النظرة، فمن البديهي أن يقرر القوانين العادلة، وينظم الأنظمة المستقيمة للسير بالكون إلى الإمام، حتى أن كل منهج من مناهجه، وكل حكم من أحكامه أول ما يلاحظ فيها العدل.

فالاجتماع الرصين، والسياسة الراشدة، والقضاء العادل، والاقتصاد المتكامل، والنفس المستقيمة، هو هدف الإسلام الذي يتوخاه، من جعل الأنظمة وسن الدساتير).

4- طريق التغيير باتجاه نهضة المسلمين:

أوضح الإمام الشيرازي في كتابه (كلمات حول نهضة المسلمين): (اللازم أن تنظم الحريات، بحيث يكون الكل حراً في جميع أمورهم باستثناء المحرم، وأن تجعل الأحزاب السياسية في إطار القوانين الإسلامية، مما لهم الحق الكامل في اختيار الحاكم المؤهل للحكم، وأن تجعل شورى الفقهاء ممن تقدلهم الأمة حتى يديروا الأمور بأكثرية الآراء، ويكونوا هم السلطة العليا للدولة، حيث يكون تحت نظرهم السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وأن يعدل قانون الاقتصاد والاجتماع، حتى لا يكون استغلال الإنسان للإنسان بالأسلوب الرأسمالي أو الشيوعي وحتى يكون المجتمع سليماً في الأسرة والعائلة.

وأن يعدل قانون ارتباط الأحزاب والتنظيمات بعضها ببعض وكذلك بالنسبة إلى سائر الأمور الاجتماعية من المعاملات وغيرها، إلى غير ذلك من المناهج اللازمة مثل كيفية التعامل مع الأقليات وحفظ حقوقهم المشروعة وقانون الترابط والتعامل بين دولة الإسلام وبين سائر الدول.

وحنيذاك لا يكون الاستعمار بمختلف أشكاله العسكرية والفكرية والاقتصادية والسياسية قادراً على اختراق الأمة، فلا قواعد ولا أحلاف في بلاد الإسلام، ولا تشتت ولا فرقة ولا اتجاه فكري مستورد من بلاد الاستعمار، ولا تكون الثقافة في المدارس والمعاهد والإعلام على وفق الثقافة الاستعمارية، ولا يكون الاقتصاد على نحو الرأسمالية الغربية أو الشيوعية الشرقية، وحينئذ لا يكون استغلال للأفراد بعضهم لبعض ولا استغلال من قبل الدولة للإنسان.

5- خلاصة:

إن مهمة إنقاذ المسلمين، بل مهمة إنقاذ العالم البشري، إلى رحمة الإسلام وعدله، يقول سماحة الإمام الشيرازي قدس سره في كتابه (كلمات حول نهضة المسلمين) ويضيف: إن هذه المهمة مهمة كبيرة وصعبة فلا بد من التهيؤ لها، ومن أهم مقدمات ذلك هو التنظيم، ويجب أن يكون التنظيم الديني الدنيوي غير ضار بالحريات المشروعة، لأن الأصل في الإنسان الحرية، فالناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم ثم تأخذ سائر الأمور بعد ذلك مجراها.

ولا نتوهم أن بين الأمرين تناقضاً إذ من الممكن جعل النظام على أساس التنافس الحر، بالإضافة إلى جعل برامج خاصة للسمو الروحي مما يوجب العمل الدائب تلقائياً بدون جبر وإكراه.

والمحفز الروحي، والمنافسة في تحصيل رضى الله، هو الذي أوجب تلك الإنطلاقة الفريدة في تاريخ المسلمين أو ظهور الإسلام).

من المؤكد أن ما طرحه سماحة الإمام محمد بن المهدي الشيرازي قدس سره من أفكار حول نهضة المسلمين كثيرة وقد تناولها في كتب عديدة يصعب شرحها في مقال واحد، إلا أنه من المؤكد أيضاً أن هذه الأفكار تستحق الدراسة والتفكير فيها خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية بما يتيح إيجاد مكان لنا في هذا العالم الذي يحاول جبابرته التحكم بالبشرية جمعاء لجعلها عبيداً تحت قديمه.

 

* د. من كلية الإعلام جامعة القاهرة

مدرسة في قسم الإعلام بجامعة دمشق

باحثة في التاريخ الإسلامي

  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا