الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

الخطاب الحسيني والمستوى الثقافي للمجتمع

محمود الموسوي

هل يمكن أن تتحرّك الحركات وتنطلق محققة تطلعاتها من غير أن تكون في تفاعل إيجابي مع المجتمع في مستوياته الثقافية المتنوّعة؟ .. بالطبع لا يمكن ذلك ، فالمجتمع بحكم تعدده الفردي وتعدده في المجاميع والدوائر الثقافية التي ينهلونها لا يشكّل وحدة واحدة صمّاء ، فهناك تعدد ثقافي سببه التنوّع في المشارب ، لذلك فإن المتحركين والماسكين بأزمة الحركات الإصلاحية والتغييرية لابد أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم ، ويضعون لها خطّة في التعامل الخطابي.

هذا فضلاً عن الإهتمام قدر الإمكان بإيصال الخطاب بتنوّعه الذي يتنوّع وفقاً للمستوى الثقافي للمجتمع ، إلى أوسع قدر ممكن ، والإستفادة من كافّة المنابر الإعلامية، فهذا من شأنه أن يحقّق التفاعل الإيجابي في المجتمع مع الخطاب الحركي.

فمن المشكلات التي يعاني منها بعض الخطاب الإسلامي المعاصر ، هي أنه لا يتضح لديه التفريق بين القيمة الأساسية للخطاب ، مع مفهومه لمراعاة الواقع الإجتماعي واختلاف الأفهام ، فيلجأ إلى سلوك احترازي مملوء بالهواجس لعبّر عن فكرته بمغايرة عن المطلوب حيناً أو الإضطرار إلى الإخفاء والسكوت عن المقاصد حيناً أخرى ، أو التعبير عن الأفكار بأسلوب واحد لا يتناسب إلا مع فئة معينة كالنخب مثلاً أو الإكتفاء بالخطاب الجماهيري العام وما شابه ذلك ، ونتيجة لهذه السياسة التي لا تراعي المستوى الثقافي المتنوّع في المجتمع في خطابها ولا تغتنم كل فرصة لتوسعة إطار الخطاب إجتماعياً ، قد وجدنا في التاريخ القديم والحديث من الحركات والشخصيات العديدة قد غابت مقاصدها الحقيقية عن قراءة الناس في الوقت الحاضر ، وتسبب ذلك في عدم وضوح توجهاتها وعدم معرفة حقيقتها ، فضلاً عن التشويش الفكري في وقتها التي كانت فيه.

الأصل الفكري لمسألة التفاعل الإيجابي للخطاب في المجتمع مع مراعاته لتعدد المستويات ، هو مستلهم من الخطاب الحسيني في المسيرة المباركة ، فنلاحظ في البدء أن الإمام الحسين (عليه السلام) منذ بداية انطلاقته من مكة المكرّمة وحتى كربلاء ، أنه نزل في عشرين منزلاً كمّا عدّها المؤرخون ، وقد تكون أكثر من ذلك ، فكما هي العادة لدى المسافرين لمسافات طويلة أنهم ينزلون منازل استراحة بين الفينة والأخرى ، فهذه المنازل التي نزلها الإمام لم تكن لمجرد الإستراحة من تعب السفر ، بل كانت عبارة عن مواطن ومحطات لنشر المبادئ والقيم وتوضيح الغايات لأكبر قدر ممكن من الناس ، فقد اغتنم الإمام (ع) الفرص وعبّر عن رأيه في كل ما يريد وأوصل خطابه لمساحة واسعة ، وقد نقل المؤرخون مجموعة خطابات ألقاها الإمام بعد إقامته للصلاة أو في رسائل جوابية ، أو توجيه إلى فئة أو أفراد ، لذلك فإن خروج الإمام قد اشتهر آنذاك شهرة واسعة، وقد كان من بعض الشخصيات أن اجتهدت للخروج إلى الإمام (ع) لإقناعه بالعدول عن رأيه ، وبعض وجّه رسائلاً وخطابات لتثنيه عن مسيرته ، والمفاد من هذا التوسّع هو وصول خبر المسيرة إلى الآفاق البعيدة.

أمّا الأسلوب وطريقة التعامل مع أولئك الذين كانوا في المنازل المختلفة أو مع القادمين إليه فيها ، فكانت تحكمه القاعدة النبوية التي أطلقها الرسول (ص) : (إنا معاشر الإنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم) ، أي وفقاً لمستواهم الثقافي ووفقاً لما يحتاجونه من توجيه في سبيل تعريفهم بكنه المسيرة الحسينية ، والقارئ للخطابات والحوارات التي دارت في مجموع المنازل التي نزل بهاالإمام سيلاحظ اختلاف التعابير واختلاف المعالجة لفكرة هذا ولفكرة ذاك ، هذا فضلاً عن النكات التفصيلية التي اتسم بها الخطاب واختلافه من البداية وحتى النهاية..

فقد كان الإمام يعلل خروجه للبعض بأنه استجابة المبدأ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الإصلاح أمام الفساد القائم ، وتارة يذكر كتب أهل الكوفة ، وتارة يذكر للبعض الرؤى التي رءاها للرسول الأعظم تأمر بالمضي ، وتارة يذكر للبعض بأن الموت لا مفر منه في هذا الرحلة ، وتارة يذكر المصيرين إما الموت وإما الحياة العزيزة ، بل قد يكون الخطاب شاملاً ومستوعباً كالذي ألقاه الإمام (ع) في أصحابه والمصاحبين للحر الرياحي ، وحيناً أخرى يعالج الإمام المشكلة التي تكتنف خطاب الآخرين في مفاهيمهم ، كما كان ذلك عند ردّه على خطاب من عامل يزيد في مكة بأنه سيطيه الأمان ، رد الإمام (ع) (بأن خير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا).

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ