نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثالث

أسئلة في السيرة والنهضة الحسينية - 1 -

 

سؤال: ماذا يعني قول الإمام زين العابدين (ع)  لعمته زينب  (ع): (أنت عالمة غير معلمة)؟

الجواب: هذا النص ورد في كتاب الاحتجاج للشيخ الطَّبَرسي(1) (رحمه الله) فإنه بعدما نقل خطبة العقيلة زينب  (ع)  في جموع أهل الكوفة، نقل قول الإمام علي بن الحسين  (ع) لها: (يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة، أن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر، فسكتت. ثم نزل  (ع)  وضرب فسطاطه، وانزل نسائه ودخل الفسطاط)(2).

وأما معناه، فقد ذكر عدد من العلماء فيه أقوالاً:

1- أنه  (ع) يريد أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاماً لا بتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة، وإنما كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدّها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية وبقي مقتضى اللطف الفياض وحده، وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لإفاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة فأفيض عليها بأجمعه إلا ما اختص به أئمة الدين  (ع)  من العلم المخصوص بمقامهم الأسمى، على أن هناك مرتبة سامية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وهي الرتبة الحاصلة من الرياضات الشرعية والعبادات الجامعة لشرائط الحقيقة لا محض الظاهر الموفي لمقام الصحة والأجزاء، فإن لها من الآثار الكشفية ما لا نهاية لأمدها، وفي الحديث: (من أخلص لله تعالى أربعين صباحاً انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة)(3).

وحاصل الجواب السابق: أنها  (ع)  تمتلك جهات: منها اشتراكها مع آبائها الطاهرين وكونها من طينتهم فإن ذلك يؤثر وراثياً في استعدادتها العلمية. ومنها ما حصل لها من تهذيب آبائها وتربيتهم لها مما أكمل شخصيتها ورفع عنها الموانع والحجب التي تحجب العلم. ومنها ما كان لها بنفسها من رياضات شرعية وعبادات دينية وهذه تؤثر في تعرف الإنسان على الحقائق، ومع إخلاصها لله طول عمرها تكون ينابيع الحكمة قد تفجرت في داخل قلبها. كل تلك العوامل أكملت علل إفاضة العلم الإلهي على قلبها، ومع وجود الاستعداد والقابلية عندها وارتفاع الموانع منها، أفيض عليها العلم إفاضة.

2- يحتمل أن يكون المقصود من ذلك الكلام المنقول عن زين العابدين  (ع)  أنها لم تتعلم على يد أحد أصلاً وإنما علمها كعلم آبائها غير اكتسابي.

لكن يرد على هذا الاحتمال أنه ثبت أن المعصومين  (ع)  قد أخذوا عن آبائهم فإن أمير المؤمنين  (ع)  وهو من هو في العلم قد أخذ عن رسول الله (ص)  وروي عنه أنه قال: (علمني ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب)(4)، وأن الحسن (ع) قد أخذ عن أبيه، وعلمه أبوه كما ورد في وصيته إليه المذكورة في نهج البلاغة(5): (ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية، وأن ابتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره)(6)، قد ورد أنها أخذت عن أبيها  (ع)  كما ورد في تعليمها تأويل آية (كهيعص) حيث أخبرها أبوها كما ورد في بعض المرويات التاريخية أنها كانت تفسر القرآن الكريم فلما وصلت إلى سورة مريم، وبدأت في تفسير أولها، أخبرها بتأويلها.

ولا يعتقد أن المعصومين  (ع)  يأخذ بعضهم عن بعض بينما لا تأخذ  (ع) عن أحد منهم!

3- الاحتمال الثالث: أن يكون المقصود من أنها (غير معلمة) أنها لم تتعلم إلا على يد المعصومين، ولم تأخذ العلم إلا من أبيها وأمها وأخويها. وفائدة ذلك أن ما عند الناس -غير المعصومين- خليط من الصواب والخطأ، والحق والباطل وليس بالضرورة أن يطابق الواقع.

وأما ما هو عند المعصومين فهو العلم المطابق للواقع(7)، والذي لا يتخلف عن الحق فعلي -كإمام معصوم- مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار. وليست هذه خاصة أمير المؤمنين  (ع)  دون بقية أبنائه. فما ثبت له -مما يرتبط بمنصب الإمامة- ثبت لهم بعدم الفصل.

وأثر تلمّذها على هؤلاء المعصومين دون غيرهم، هو أن يكون علمها مطابقا للواقع ولذا لا يأتي إشكال أنه ما الفرق بينها وبين مثل ابن عباس أو غيره ممن تتلمذ على يد أمير المؤمنين، خصوصا مع طول الفترة بينه وبينهم. فإنهم لما أخذوا عن غير المعصومين واختلط علمهم بعلم العلماء الآخرين، لم يعد مرآة للواقع وإنما أصابته الكدورة على أثر ذلك.

سؤال: هل يجوز رسم صورة الإمام الحسين  (ع)، أو صور باقي الأئمة؟ فإننا نجد أن بعض الأماكن يوجد فيها رسومات يشار إلى أنها صور الأئمة؟

الجواب: تارة نتكلم في أصل الرسم والتصوير بغض النظر عن (المصوَّر والمرسوم) وأخرى بالنظر إليه.

وإجمال المطلب في الجهة الأولى: أن هناك إجماعاً(8) مدّعى على عدم جواز تمثيل الحيوان والإنسان -في الجملة- بصورة التماثيل الكاملة وهو المعروف في الفنون الحديثة بـ(النحت)، بل قد ادُّعِيَ على ذلك إجماع المسلمين(9).

وأما غير ذلك كتمثيل النباتات وسائر المناظر الطبيعية، ففيه خلاف، والمختار عند أكثر علمائنا أنه لا بأس به سواء كان مجسّماً أو لم يكن(10).

أما بالنسبة إلى رسم الحيوان والإنسان فقد ذهب قسم من مذاهب المسلمين إلى تحريم ذلك كما نقل عن الحنابلة، وأما عند علماء الشيعة فقد ذهب قسم منهم إلى عدم الجواز بالنسبة للرسم الكامل، وقال آخرون بالجواز بعد تضعيف ما ظاهره حرمة التصوير مطلقاً سنداً، وإمكان حمله على التمثيل المجسم.

وأما (التصوير الفوتوغرافي) فالرأي المشهور بل يكاد يكون المتفق عليه عند علمائنا هو الجواز. ولكن حرّمه فريق من علماء السنة لنفس الأدلة الدالة على حرمة الرسم والنحت.

وأما في الجهة الثانية: فإنه لا يظهر أن هناك مانعاً لو تم القيام برسم تخيلي للمعصوم بناءً على ما ورد في صفاته التي نقلت في الكتب ما لم يكن فيه محذور من هتك أو غيره كصورة غير لائقة.

نعم لا يترتب عليه أثر، فلا يصح أن يخبر عنه بأن شكل الإمام كان هكذا فإن ذلك كذب.

في غير ذلك الأثر لا يوجد هناك مانع من تصوير شكل معين اعتماداً على ما ورد في الكتب التي نقلت صفات المعصوم، بل ربما كان راجحاً لو أدّى تصوير قضية كربلاء وما فيها من معان ومآس بالصورة الفنية المعهودة في هذه الأيام مما يؤدي إلى انتشارها، وتعرُّف الناس عليها من مختلف زواياها. بالطبع لا بد أن يكون ذلك متناسباً مع عظمة صاحب المناسبة وقداسة الواقعة. وقد ذكرنا في موضع آخر ما يرتبط بالتمثيل السينمائي والمسرحي لموضوع كربلاء.

سؤال: نسمع في أيام المحرم أصوات قراءة النساء في المآتم، ونرى أنه ليس من الصحيح ذلك فإن صوت المرأة عورة، وكيف تريد الواحدة أن تقرأ في مأتم الحسين  (ع) والحال أنها تظهر صوتها في الميكرفون فيسمعه الرجال وهو عمل محرم فكيف يكون في المأتم ما هو حرام؟

الجواب: يظهر أن السائل الكريم قد (أفتى) بالحرمة!! اعتماداً على فكرة مسلمة عنده وليست مسلمة عند الفقهاء وهي أن (صوت المرأة عورة). فرتب آثاراً بناءً على ما ليس بصحيح.

ويبدو أن الفكرة المذكورة متأثرة بما هو مألوف وخاطئ في مجتمعنا من تهميش دور المرأة، واعتبار ما يصدر عنها أنه واقع في دائرة الفتنة والحرمة بالضرورة وليس كذلك. وهو يعبر عن الأزمة التي يعيشها البعض في نظرته إلى المرأة، فلا هو يستطيع أن يخرج من (تراثه الاجتماعي) الذي يهضمها حقها، و لا هو يستطيع أن يتقبل السعة التي أعطتها الشريعة لدور المرأة(11).

وسوف نحاول في السطور القادمة أن نبين أن:

صوت المرأة ليس بعورة محرمة:

فمع أن هذه الفكرة منتشرة ومشهورة بين الناس إلا أنها لا نصيب لها من الصحة.

قد قرر علماؤنا(12) هذا الأمر اعتماداً على جملة من الأدلة، بعدما لم يكن دليل صالح للقول بأنه عورة إذ لا يوجد خبر عن أهل البيت  (ع)  بهذا النص ولو كان ضعيفاً(13).

كذلك فإن سيرة المعصومين  (ع)  قاضية بأنهم كانوا يستقبلون النساء السائلات عن المسائل الدينية من غير إنكار منهم عليهن ومن غير ضرورة تلجئهن مثلما أشارت إليه رواية أبي بصير قال: (كنت جالساً عند أبي عبدالله  (ع) إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه، فقال أبو عبدالله  (ع): أيسرك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها قال: وأجلسني معه على الطنفسة قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا هي امرأة بليغة فسألته.. إلى آخر الحديث)(14).

فأنت ترى أن الإمام  (ع) قد استمع إليها، وعرض على أبي بصير الاستماع إلى حديثها..

كما دلّت على سماع أصوات النساء من قبل المعصومين  (ع)  صحيحة ربعي بن عبدالله عن الصادق  (ع): (كان رسول الله يسلم -أي يلقي التحية- على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر مما طلبت من الأجر)(15). والرواية ظاهرة في أن الأمر لم يكن نادراً بل كان كثيراً. وأن أمير المؤمنين  (ع) قد فرض أنه يوجد أجر في إلقاء السلام عليها، لكن مع (إعجاب) الرجل البادئ بالسلام وتلذّذه بجوابها قد يدخل عليه أكثر مما طلب من الأجر.. ولا شك أن هذا هو للتعليم وإلفات للسامعين أنه لو لزم من السلام واستماع الجواب تلذّذ فإنه ينبغي أن يترك.

فلو اعترض على الاستدلال بما قامت به الصديقة الزهراء  (ع) من خطبتها في المسجد بمسمع من الحاضرين، أو ما قامت به العقيلة زينب وبنات الحسين في الكوفة والشام بمحضر من الإمام زين العابدين وعدم اعتراضه من الخطابة أمام الناس لو اعترض على ذلك بأن ضرورة نصرة الإسلام تبيح ذلك، فإن الروايات المتقدمة، فيها ما يظهر منه صريحاً عدم الاضطرار(16).

كما أشار الفقهاء إلى أن الممنوع من صوت النساء هو (الخصوع في القول) وذلك لما يعقبه من (طمع من في قلبه مرض) فليس استماع صوت النساء مطلقاً غير جائز وإنما حصة منه هي التي فيها خضوع في القول وترقيق وإثارة.

وبناء على ما سبق فإن مجرد خروج صوت المرأة وهي تقرأ العزاء بحيث يسمعها الرجال الأجانب ليس ممنوعاً بحدّ ذاته أو كما يقول العلماء (في نفسه) وإنما لو لزم منه محذور، بأن كان بكيفية مثيرة للشهوات.. وما شابه ذلك.

وهذا لا يعني أن تتعرض المرأة إلى ذلك وتتعمده فإنه لا ينسجم مع الرسالة التي يريد المنبر الحسيني إبلاغها للناس من إيجاد جوٍّ عام من العفة والتنزّه عمَّا يوجب الإثارة.

كما لا يصح أن يطلق العنان لمكبرات الصوت لكي ترجّ البلدة بصوت النساء بل ولا بصوت الرجال أيضاً.. فإن للجيران وللمرضى ولعامة الناس حقوقاً لا يستطيع الخطيب ولا الخطيبة تجاوزها.. نعم ما جرت العادة عليه سواء في الوقت أو في الصوت قد لا يكون في حيّز المنع.

سؤال: ما هو الموقف تجاه يزيد بن معاوية هل يجوز لعنه مثلاً؟ أو لا يجوز ذلك؟ فإننا نجد اختلافاً بين المسلمين.

الجواب: في موضوع يزيد بن معاوية يوجد اتجاهان بين المسلمين:

الأول: وهو اتجاه محدود يذهب إلى أنه لا يصح لعنه، ولا يجوز. ولهم في ذلك توجيهات خلاصتها كالتالي:

- لم يثبت أنه قد قتل الحسين وإنما كان مخالفاً لذلك، ولم يثبت منه فسق أو كفر يُوجِب لعنه.

- سدّ الذرائع فنحن نمنع من لعنه لكي لا ينتقل ذلك إلى لعن معاوية أبيه.

- وأنه لا ينبغي أن يتعود الإنسان على اللعن فليس بمسؤول عنه أنه لِم لم يَلْعَن.

وأما تفصيل أدلتهم، فقد عبر عنها أبو حامد الغزالي(17) عندما سئل عمَّن صرح بلعن يزيد هل يحكم بفسقه أم هل يكون ذلك مرخصاً له؟ وهل كان مريداً قتل الحسين  (ع) أم كان قصده الدفع؟ وهل يسوغ الترحم عليه أو السكوت عنه أفضل؟

فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلاً، ومن لعن مسلماً فهو الملعون(18)، وقد قال رسول الله  (ص) : (المسلم ليس بلعان). ولا يجوز لعن البهائم، وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي  (ص) ، ويزيد صح إسلامه(19)، وما صح قتله الحسين، ولا أمره ولا رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك منه لا يجوز أن يظن ذلك به، فإن إساءة الظن بالمسلم حرام. ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به، فينبغي أن يعلم أن به غاية الحماقة(20)، فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله، أو من الذي رضي به، ومن الذي كرهه، لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف ولو كان في بلد بعيد وفي زمن قديم قد انقضى، فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد، وقد تطرق التعصب في الواقعة، فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب، فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلاً، وإذا لم يعرف وجب إحسان الظن به. ومع هذا لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلماً، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف من تاب عن قتل، ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقاً عاصياً لله تعالى. ولو جاز لعنه فسكت عنه لم يكن عاصياً بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لم لا تلعن إبليس؟ ويقال للاّعن: لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون؟ والملعون هو المبعد من الله عز وجل، وهو غيب لا يعرف إلاّ في من مات كافراً، فإن ذلك علم بالشرع. وأما الترحم عليه، فهو جائز بل مستحب، بل هو داخل في قولنا في كل صلاة: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) فإنه كان مؤمنا والله أعلم، كتبه الغزالي(21).

في الصواعق المحرقة لابن حجر: لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره، فإنه من جملة المؤمنين، وأمره إلى مشية الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه.

وقال التفتازاني الحنفي (22) في شرح المقاصد عن منعهم لعن يزيد.. فإن قيل: من علماء المذهب من لم يُجَوِّز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا: تحامياً أن يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى.

والتوجه الثاني بين المسلمين وهو الأكثر منها يرى جواز لعنه، ويستدل على ذلك بأمور:

- إن من يفعل ذلك يتبع فيه القرآن الكريم، حيث لم يوفر حظا للكافرين والفاسقين، ولم يدخر وسعا في التأكيد على لعنهم، ويظهر أن أمر لعن الكافرين والفاسقين والظالمين الهادف لإيجاد الفاصل النفسي، والحاجز القلبي بين المؤمن بالديانة السماوية وبين تلك الفئات المنحرفة، ليس من مختصات هذه الرسالة بل كان موجودا في سائر الرسالات السماوية أيضا فالقرآن يتحدث عن لعن أنبياء بني إسرائيل للكافرين فيقول:

- (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)(23).

بل حتى أهل الكتاب الذين أبوا أن يؤمنوا برسالة النبي محمد (ص) وقد كانوا يستفتحون من قبل على كفار العرب، فإذا بهم اليوم ينكرون ما بشروا به من قبل، لذلك استحقوا اللعنة الإلهية:

- (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ)(24).

ولعل قائلاً يقول: إنه وإن وردت اللعنة في القرآن على الكافرين إلا أنه لا يصح أن يُلعن مسلم، فيقال في جوابه: إن العلة واحدة وهي التخلف عن إطاعة الله ورفض العمل بشريعته جحوداً ونكراناً، وفي هذا لا يختلف الاثنان بل ربما كانت الملامة على من يحمل صفة الإسلام أعظم.. ولهذا فقد صب القرآن الكريم اللعنة على مسلمين، وإن لم يسمهم، لكن التاريخ قد تكفل بالإخبار عنهم، وحتى لو أمكن إخفاء أسمائهم فإن الصفات الموجودة تكفي من إيذاء الله ورسوله، ومن الفساد في الأرض وقطع الأرحام، ومن النفاق والإرجاف في المجتمع المسلم، ومن الصد عن سبيل الله ومن كتمان الحق عن طالبيه، والكذب فتعال عزيزي القارئ، واتلُ ما في القرآن الكريم وتدبر آياته البينة:

- (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)(25).

وقد جاءت هذه الآية المباركة بعد آية الصلاة على النبي  (ص) : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(26).

وكأنها تريد أن تنقل صورتين متقابلتين من الاحترام للنبي (ص) ومن الإيذاء له وإغضابه.

وتقوم آيات أخرى بالتهديد للمنافقين من المسلمين، والمرجفين من (الطابور الخامس)(27) الذي يثبط المسلمين عن الجهاد ويحبط عزائمهم، وتصفهم بأن اللعنة تلاحقهم أينما ثقفوا، وكيفما تصرفوا.

- (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(28).

- (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)(29).

- (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(30).

- (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ)(31).

- (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ)(32).

فهذا القرآن الكريم لم يوّفر أحداً من المجرمين والمنافقين بل صبّ عليه اللعنة صبًّا لتتلى ليل نهار، قول هؤلاء: ونحن نتبعه في لعن من تتوفر فيه صفات الملعونين بل وجدنا القرآن يلعن أسرة بكاملها، وشجرة بتمامها حتى لقد صارت (الشجرة الملعونة) كأنها اسم من الأعلام:

- (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلا طُغْيَاناً كَبِيراً)(33).

وفي موضوع الملاعنة بين الزوجين نجد أن طلب اللعنة الإلهية لتحل بالكاذب والفاسق هي خاتمة مطاف الملاعنة:

- (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(34).

- يقول هؤلاء إنهم: يتبعون حديث رسول الله (ص) الذي لعن طوائف مختلفة فقد لعن من يرتبط بالخمر تسعة أصناف فقد روي أنه قال  (ص) : (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها).

وروي أنه قال: (لعن الله الراشي والمرتشي).

وروي عنه: (لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده وهم يعلمون).

وروي عنه: (ستة لعنتهم، لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله تعالى، والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي).

وروي عنه: (من أخاف أهل المدينة أخافه الله عز وجل، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً).

وروي أيضاً أنه قال: (لعن الله سبعة من خلقه من فوق (سبع) سماواته وردد اللعنة على واحد منهم ثلاثا ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه فقال ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من ذبح لغير الله ملعون من أتى شيئا من البهائم ملعون من عق والديه ملعون من جمع بين المرأة وبين ابنتها ملعون من غير حدود الأرض ملعون من ادعى إلى غير مواليه)(35).

وقد ذكر أن الإمام الحسن المجتبى  (ع) قد استشهد بلعن رسول الله (ص) لعدد من (صحابته!!) كما في المناظرة التي نقلها الطبراني في المعجم الكبير حيث قال: (ثم صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم وقع في علي (ع) ثم قيل للحسن بن علي اصعد فقال لا أصعد ولا أتكلم حتى تعطوني إن قلت حقًّا أن تصدقوني، وإن قلت باطلاً أن تكذبوني فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.

فقال: بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أن رسول الله (ص) قال: (لعن الله السائق والراكب) أحدهما فلان؟(36) قالا: اللهم بلى.

قال أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله (ص) لعن عَمْراً بكل قافية قالها لعنة؟ قالا اللهم: بلى

قال: أنشدك الله يا عمرو وأنت يا معاوية بن أبي سفيان أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قوم هذا؟ قالا: بلى. قال الحسن: فإني أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا)(37).

- ولعن أمير المؤمنين  (ع) أشخاصاً وقنت عليهم في الصلاة، وقد نقل الشريف الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة عنه، لعنه للأشعث بن قيس بينما كان الإمام على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض  (ع) إليه بصره، ثم قال: ما يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين!

- وقد نقل(38) عن بعض علماء السنة جواز اللعن فقد استدل الإمام أحمد بن حنبل على لعن يزيد بآية (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)(39) كما حكاه أبو الفرج بن الجوزي(40) في الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد، عن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء، إذ روى في كتابه المعتمد بإسناده عن صالح بن أحمد، قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبوننا إلى توالي يزيد. فقال: يا بني! وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟!

فقلت: لِمَ لا تلعنه؟

فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئاً؟! لِمَ لا يُلعن من لعنه الله في كتابه؟!

فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) الآية، فهل يكون فساد أعظم من القتل؟

وفي رواية: يا بني! ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه؟

وقال الآلوسي: لو سلم أن الخبيث كان مسلماً فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان. قال: وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين. انتهى.

وقال القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي -وقد صنف كتاباً فيه بيان من يستحق اللعن وذكر فيهم يزيد-: (الممتنع من لعن يزيد إما أن يكون غير عالم بجواز ذلك، أو منافقاً يريد أن يُوهم بذلك، وربما استفز الجهال بقوله  (ص) : (المؤمن لا يكون لَعَّاناً)، وهذا محمول على من لا يستحق اللعن)(41).

كما أن أبا الفرج ابن الجوزي عبد الرحمن بن على البغدادي الحنبلي المتوفى سنة (597هـ) ألف كتاب (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد) قال فيه: (سألني سائل عن لعن يزيد، فقلت قد أجازه العلماء الورعون، منهم أحمد بن حنبل، فبلغ كلامي إلى شيخ قد قرأ أحاديث مروية ولم يخرج عن العصبية العامية. فأنكر ذلك)، إلى آخر كلامه.. مشيراً إلى كتاب ألفه عبد المغيث بن زهير الحنبلي في منع لعن يزيد.

لماذا يُلعن الظالمون؟

1- إن من أهم مكونات الوعي والفكر لدى الإنسان، معرفته التاريخية، وما يحمله من قصص سابقة، وأحاديث عن حياة الماضين من أمم ورجال ومتى كانت تلك المعرفة وافية وصحيحة، فإن البناء الفكري لذلك الإنسان يكون صحيحاً وسليماً.

ولذلك وجدنا حرص القرآن الكريم على استعراض جملة كبيرة من قصص السابقين من الأمم والأنبياء والطواغيت، مع توجيه الأحداث بما يناسب الحالة الوعظية، واستفادة العبرة.

فهناك فرق بين إبراز صورة شخص على أنه قوي وصلب وأنه مسيطر على الأمور، وبين إبراز صورته باعتباره طاغوتا ظالما.

ومع الأسف فإن الصورة المتوارثة في كتب التاريخ الإسلامي عن الأمويين والعباسيين -على سبيل المثال- هي صورة خلفاء الرسول، وأمراء المؤمنين الحريصين على الإسلام وهي صورة كاذبة بلا ريب.

ويصر هؤلاء الكتاب متعمدين في ذلك على نسبة تقدم المسلمين في المجالات المختلفة إلى الحاكم والسلطان، فإذا فتح المسلمون بلادا، فإنما هي (فتوحات الخليفة) وإذا ازدهرت الحالة العلمية في بلاد المسلمين بجهود العلماء والمفكرين فإنما ذلك من (إنجازاته، ومميزات عصره). ويتطرف البعض حين ينسب إليه فضائل لا تنسجم معه، ويفصلون له ثوبا ليس على مقاسه!!

وقد أدى هذا الأمر إلى نشوء أجيال من المسلمين على ثقافة سلطوية تخديرية، تدين الثائرين والمطالبين بحقوق أمتهم. وكان من الطبيعي مع ثقافة التقديس للحاكم الأموي والعباسي أن يُدان كل فعل معارض له، وأن يعادى كل ثائر عليه!!

بتحديد الموقف من قضايا التاريخ وما جرى فيه، والانتصاف للمظلومين و الاحتكام على الظالمين والجائرين، يمكن أن تُنشأ معرفة صحيحة، ويُربى جيل جديد واع يستند إلى حقائق التاريخ، ويكتسب منه حكمة، ويتعلم (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(42)..

2- رسالة للحاضر: لا يظن الظالمون أنهم يستطيعون أن يعبثوا بدين الله، ويظلموا عباد الله، ويعيثوا في بلاده فساداً، ثم يرحلون بمخازيهم، وتنتهي القضية عند هذا الحد.

وإنما سوف ينتظرهم منذ بدء حلولهم تحت التراب عذاب البرزخ، وتلاحقهم فوق التراب اللعنات، والبراءة منهم ومن أعمالهم.

وهذا وإن كان عملاً بالنسبة للظالمين في الزمن الماضي، إلا أنه رسالة لظلمة الحاضر. وفي الواقع فإن الشيعة -بل عموم المسلمين- عندما يلعنون رمزا من رموز الظلم في تاريخ المسلمين فهم يتخذون موقفا، ويمارسون (إسقاط) هذا الموقف من الرمز التاريخي على الواقع المعاصر. فهم لا يعيشون في الماضي إلا بمقدار ما يجعلهم (شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) الذين عاشوا في تلك الفترات، وارتكبوا ما ارتكبوا من الفظائع.


(1) الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي أستاذ رشيد الدين محمد بن علي بن شهراشوب السروي الذي توفي سنة (588هـ) عن مائة سنة إلا عشرة أشهر، فهو من أهل المائة الخامسة الذين أدركوا أوائل السادسة أيضاً، له كتاب (الاحتجاج) فيه احتجاجات النبي (ص) والأئمة  (ع)  وبعض الصحابة وبعض العلماء وبعض الذرية الطاهرة وأكثر أحاديثه مرسل إلا ما رواه عن تفسير العسكري  (ع)  كما صرح به في أوله بعد الخطبة التي أولها: (الحمد لله المتعالي عن صفات المخلوقين المنزه عن نعوت الناعتين) إلى قوله: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول عليه أو لاشتهاره في السير والكتب من المخالف والمؤالف، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري  (ع)  فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه) إلى آخر كلامه الصريح في أن كل ما أرسله فيه هو من المستفيض المشهور المجمع عليه بين المخالف والمؤالف، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام كالعلامة المجلسي (رحمه الله) والمحدث الحر (رحمه الله) وأضرابهما.. عن الذريعة - آقا بزرگ الطهراني ج 1، ص 281، له غير الاحتجاج (تاريخ الأئمة)، و (فضل الزهراء J)، و (مفاخر الطالبية)، و (الكافي في الفقه).

(2) الطبرسي، الشيخ أحمد بن علي، الاحتجاج، ج2، ص29.

(3) النقدي، الشيخ جعفر، زينب الكبرى.

(4) صحيحة رواها الشيخ الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: (حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، وإبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر  (ع) قال: قال علي  (ع) : (علمني رسول الله (ص) ألف باب يفتح ألف باب).

(5) نهج البلاغة، الكتاب رقم 31.

(6) هذا بناء على غير الرأي القائل بأن هذه الخطبة وأمثالها هي من نحو التعليم للآخرين، واستنان طريقة لهم.

(7) الكافي ج1، ص62: (صحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق  (ع) قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ونحن نعلمه)، وموثقة سماعة: (سألت أبا الحسن موسى  (ع) أكلُّ شيء في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه برأيكم؟ فقال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه (ص)). وما عن بصائر الدرجات، ص363: (عن الصادق (ع) إن رسول الله أنال وأنال وأنال -يشير بيده كذا وكذا- وعندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه وأواخيه).

(8) نقله في مستند الشيعة.

(9) هناك بعض الآراء الجديدة في صورة إثارات ودراسات ترى أن التحريم والنهي بالنسبة إلى المجسم من تماثيل الحيوان والإنسان من حيث إنه كان يكرّس ثقافات باطلة سابقة على الإسلام، ويعيد للذاكرة الحالات الجاهلية في تقديس المجسمات والأصنام وأن النهي قد صدر لهذه الجهة، ويرون أن الموضوع في هذه الأزمنة قد تغيّر، وأن النحت وصناعة التماثيل هي فن من الفنون التي يقصد منها إظهار المهارة والصور الجمالية، وأنها الآن لا ترتبط بتكريس تلك الثقافات الباطلة، فلا ينبغي أن يكون الموضوع واحداً في الحالين، ويضمون إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أن بعض الأحكام تبعاً لتغير موضوعاتها -بحسب تطور الزمان- يمكن أن تتغيّر مع الإذعان بأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ولكنهم يرون أن الأحكام تتبع العناوين والمواضيع فإذا تغيّر العنوان والموضوع لحقه حكم الحلية بينما كان مثلاً في السابق حكمه الحرمة، فإنه وإن كان الزمان لا دخل له في تغيّر الأحكام إلا أن له دخلاً في تغير جهات الموضوع فيتغيّر الحكم تبعاً لها، مثلما ذكروا في بيع الدم فقد كان الرأي المشهور في السابق هو الحرمة لكونه نجساً ولعدم وجود منفعة عقلائية محللة له، بينما اليوم حلية بيع الدم هي المشهور بعدما صار الدم له منافع عقلائية واضحة. ولكن تبقى هذه الآراء في حدود الإثارات والدراسات، ولا يعتقد أن أحداً من المعروفين يفتي بها.

(10) اعتماداً على روايات كصحيحة البقباق عن أبي عبد الله  (ع) (في قول الله: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ)؟ فقال: والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه).

(11) للتفصيل يراجع كتاب: نساء حول أهل البيت (ع)، للمؤلف.

(12) قال السيد اليزدي (رحمه الله) في العروة الوثقى: (يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية وبالعكس على الأقوى إذا لم يكن هناك ريبة أو خوف فتنة، حيث إن صوت المرأة من حيث هو ليس عورة). انتهى.. ولم يعلق على المتن أحد من العلماء مما يعني موافقتهم له (بالطبع السلام هنا لا يعني المصافحة حتى لا يشتبه الأمر على البعض!).

(13) نعم قد ورد في كلمات بعض الفقهاء المتقدمين كـ(المحقق الحلي في الشرائع) عند الاستدلال على أنه لا يجوز للأعمى سماع صوت المرأة لأنه عورة، وعورض هذا الاستدلال عند المتأخرين بأنه لم يقم دليل على التعليل، وأنه حمل على ما لو كان بتغنج ومسبباً للإثارة الشهوانية. والعلامة الحلي في مختلف الشيعة في مسألة أذان المرأة للرجال معلقاً على قول شيخ الطائفة في المبسوط أنه لو أذّنت المرأة للرجال اعتدوا به وأقاموا، قال: الوجه المنع؛ لأن صوتها عورة. لكنه قطع في التذكرة بأن التحريم مشروط بصورة التلذّذ أو خوف الفتنة. والمحقق الكركي في جامع المقاصد في مسألة الأذان أيضاً واستدل كالعلامة. لكنه قيده في ج12 بأنه عورة يحرم استماعه مع خوف الفتنة لا بدونه، واستشكل الشهيد الثاني في المسالك في إطلاق الحكم اوشموله لغير صورة التلذذ (لما في ذلك من الحرج والضرر المنفي، ولعدم دليل صالح عليه، وكون صوتها عورة لا يدل على التحريم مطلقاً) واستجود اشتراط تحريم الاستماع بالتلذّذ أو خوف الفتنة.

وقال المحقق البحراني في الحدائق: (المشهور بين الأصحاب تحريم سماع صوت المرأة الأجنبية، مبصراً كان السامع أو أعمى، وإطلاق كلامهم شامل، لما أوجب السماع، التلذّذ والفتنة أم لا، ولا يخلو من إشكال، لما علم من الأخبار المتكاثرة، من كلام النساء مع الأئمة(ع)، وسؤالهن عن الأحكام، بل غير ذلك أيضاً، وسيما كلام فاطمة  (ع) مع الصحابة، كسلمان وأبي ذر والمقداد، وخروجها للمطالبة بميراثها في المسجد من أبي بكر، وحضور جملة من الصحابة يومئذٍ، وإتيانها بتلك الخطبة الطويلة المتفق على نقلها، بروايات الخاصة والعامة، أشهر من أن ينكر، مع أنها معصومة ومن المعلوم أن خروجها إنما يكون بإذن أمير المؤمنين  (ع) ، وهذا كله، مما يدفع ما ذكروه. نعم لا بأس بتخصيص الحكم، بما إذا أوجب التلذّذ والفتنة، وعليه يحمل ما أوهم خلاف ما ذكرناه).

وقال صاحب الجواهر بعد أن تعرض إلى ما ذكره المحقق في متن الشرائع، وغيره من العلماء في أن صوتها على الأعمى والمبصر عورة ولا يجوز لهما استماعه وما يمكن أن يكون دليلاً على ذلك، قال: (لكن ذلك كله مشكل بالسيرة المستمرة في الإعصار والأمصار من العلماء والمتدينين وغيرهم على خلاف ذلك، وبالمتواتر أو المعلوم مما ورد من كلام الزهراء وبناتها عليها وعليهن السلام، ومن مخاطبة النساء للنبي (ص) والأئمة (ع) على وجه لا يمكن إحصاؤه ولا تنزيله على الاضطرار لدِين أو دنيا، بل قوله تعالى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) دال على خلاف ذلك أيضاً، ولعله لذا وغيره صرح جماعة كـ(الكركي والفاضل) في المحكي عن تذكرته وغيرهما ممن تأخر عنه كـ(المجلسي) وغيره بالجواز، بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع بالجواز فضلاً عن ملاحظة أحوالهم في ذلك الزمان، من كونهم أهل بادية، وتقام المآتم والأعراس وغيرها فيما بينهم، ولا زالت الرجال منهم مختلطة مع النساء في المعاملات والمخاطبات وغيرها. نعم ينبغي للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع وتحسينه وترقيقه حسبما أومأ إليه الله تعالى شأنه بقوله: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) إلى آخره، كما أنه ينبغي للمتدينين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة حسبما أومأ إليه أمير المؤمنين  (ع) في تعليم الناس فيما رواه عنه الصدوق قال: كان رسول الله (ص) يسلم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين  (ع) يسلم على النساء ويكره أن يسلم على الشابة منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ من الإثم أكثر مما أطلب من الأجر).. إلى آخر ما ذكره. وورد أن: (النساء عي وعورة فاستروا عيهن بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت).

(14) وسائل الشيعة (آل البيت) ج20 ص 197: محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال:.. وليس في السند من يتوقف فيه غير المعلى بن محمد (البصري) فالقوم فيه على رأيين: التضعيف لكلام النجاشي فيه أنه (مضطرب الحديث والمذهب) وقبول روايته كما عليه بعض أساتذتنا حيث إن كلام النجاشي ليس سوى وصف لحديثه لا للراوي، وهو مثل ما نقل عن ابن الغضائري: (أنه يعرف حديثه وينكر) وقد فسرت تلك الكلمات بأن أحاديثه ليست على مستوى واحد من المتانة والقوة والانسجام. كما أنه قد ورد اسمه في رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي في القسم الأول على القول بتوثيقهم.

(15) الكافي ج5، ص535: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ربعي

(16) هناك روايات أخرى تفيد أنه (لا تبدؤوا النساء بالسلام) و (لا تسلّم على المرأة) وقد جُمِعَ بينها وبين السابقات في صراحتها بالحمل على الجواز على كراهة، أو أنه لا يُسلِّم عند خوف الفتنة أو التلذّذ.

(17) ترجمه الزركلي في (الأعلام) فقال: الغزالي (450/505هـ) محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام: فيلسوف، متصوف، له نحو مئتي مصنف. مولده ووفاته في الطابران (قصبة طوس، بخراسان) رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر، وعاد إلى بلدته. نسبته إلى صناعة الغزل (عند من يقوله بتشديد الزاي) أو إلى غزالة (من قرى طوس) لمن قال بالتخفيف. من كتبه (إحياء علوم الدين) أربع مجلدات، و(تهافت الفلاسفة) و(الاقتصاد في الاعتقاد) و(محك النظر) و(معارج القدس في أحوال النفس)، وغيرها من الكتب.

(18) العجيب أن أبا حامد الغزالي قد جوز لعن (الروافض) كلعن اليهود!!

(19) راجع ما ذكره المؤرخون عن أشعاره، وما قاله علماء المسلمين من الفريقين في حقه، وستأتي بعض كلماتهم.

(20) تبين من خلال هذه الأجزاء أن من يزعم خلاف ذلك هو في غاية الحماقة. فراجع الجزء الثاني (سؤال: هل قتل الحسين بأمر يزيد) لتزداد بصيرة.

(21) وقد تتبع العلامة محمد بن عقيل الحضرمي كلمات الغزالي، وناقشها نقاشاً هادئاً في كتابه: النصائح الكافية، ونقض غزلها ببراعة.

(22) السعد التفتازاني (712/793هـ) مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني، سعد الدين: من أئمة العربية والبيان والمنطق ولد بتفتازان (من بلاد خراسان) وأقام بسرخس، وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند، فتوفى فيها، ودفن في سرخس. كانت في لسانه لكنة. من كتبه (تهذيب المنطق) و(المطول) في البلاغة، و(المختصر) اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و(مقاصد الطالبين) في الكلام، و(شرح مقاصد الطالبين) و(النعم السوابغ) في شرح الكلم النوابغ للزمخشري، و(إرشاد الهادي) نحو، و(شرح العقائد النسفية) و(حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) في الاصول، و(التلويح إلى كشف غوامض التنقي) و(شرح التصريف العزي) في الصرف عن الأعلام للزركلي.

(23) سورة المائدة آية 78.

(24) سورة البقرة آية 88.

(25) سورة الأحزاب آية57.

(26) سورة الأحزاب آية56.

(27) يشار به إلى العملاء السريين الذين يمارسون نشاطهم داخل صفوف أعدائهم لإضعاف موقفهم. وقد استعمل مصطلح الطابور الخامس لأول مرة في الحرب الأهلية الأسبانية حين صرح أحد القادة قائلاً: (لي أربعة طوابير تتحرك في اتجاه مدريد، وطابور خامس سينهض من داخل المدينة نفسها) عن الموسوعة العربية العالمية.

(28) سورة الأحزاب آية60 - 61.

(29) سورة محمد آية 22 - 23.

(30) سورة آل عمران آية 86 - 87.

(31) سورة الأعراف آية 44 - 45.

(32) سورة البقرة آية 159.

(33) سورة الإسراء آية60

(34) سورة النور آية 7.

(35) الطبراني، المعجم الأوسط 8.

(36) وفلان هنا معاوية حيث كان أبو سفيان راكباً الجمل ومعاوية يقوده، ولم يذكر الحديث الاسم هنا بينما ذكر في بقية المصادر!!

(37) الطبراني، المعجم الأوسط، ج3، ص71.

(38) مجلة تراثنا عدد 50.

(39) سورة محمد آية 22 - 23.

(40) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج (508/597هـ) علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف. مولده ووفاته ببغداد، له نحو ثلاث مئة مصنف، منها (تلقيح فهوم أهل الآثار، في مختصر السير والأخبار) قطعة منه، و(الأذكياء وأخبارهم) و(مناقب عمر بن عبد العزيز) و(روح الأرواح) و(شذور العقود في تاريخ العهود) و(المدهش) في المواعظ وغرائب الأخبار، و(المقيم المقعد) في دقائق العربية، و (صولة العقل على الهوى - خ) في الأخلاق، و(الناسخ والمنسوخ) حديث، و(تلبيس إبليس) و(فنون الأفنان في عيون علوم القرآن) و(لقط المنافع) في الطب والفراسة عند العرب، و(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) ستة أجزاء منه، واختصره فسماه (مختصر المنتظم) وغيرها.. عن الأعلام للزركلي.

(41) مجلة تراثنا عدد (50)، نقلاً عن كتاب الرد على المتعصب العنيد.

(42) سورة الأحزاب آية 62.