نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثالث: رؤية تاريخية.. انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية

الفصل الثالث

رؤية تاريخية

انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية

 

 الثورة الثقافية

وقعت المعركة الكربلائية الدامية على أرض الطف في سنة إحدى وستين للهجرة، وانبجست منها منظومة من القيم الربانية العظيمة، قاصدة ربوع العالم الإسلامي، بل تجاوزته إلى غيره من العوالم، هذا على النحو الفعلي، أما الصفة الذاتية للثورة الحسينية فإنها ثورة عالمية وشمولية، أي أنها أخذت في اعتباراتها صلاح العالم بأسره  عبر القيم التي أسستها وأحيتها، فلم تتقيد بمجتمع دون آخر، ولم يسلبها زمانها ومحدودية مكانها من الانطلاق إلى رحاب العالم.

عندما نقرأ الثورات التي أثّرت في المجتمعات البشرية، نجد بواعث قيامها إما لتحقيق قيمة جديدة ما أو للمطالبة بإقامة قيمة معطلة، ولكن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مع تحقق كلتا الخاصيتين فيها إلا أنها أيضاً كانت مصنعاً للقيم، فكانت ثورة لصناعة ثروة كبيرة من القيم .

وإننا نجد أن الباحثين الذين تعاطوا مع هذه الثورة المباركة بالبحث والدراسة، أجمعوا على أمر واحد، هو عجزهم عن الإحاطة بمنظومة القيم الحسينية والكربلائية واستيعابها بشكل كلي، فكلما أمعن أحدهم النظر ودقّق البحث في جوانبها فإنه يستكشف آفاقاً جديدة ورؤى لم يكن قد رآها من ذي قبل .

وقد غدت تلك الثورة مغذية لجميع الثورات الشيعية التي انطلقت بعدها، فرفعت ثورة التوابين شعار الأخذ بثأر الحسين من القوى الظالمة بقيادة سليمان ابن صرد الخزاعي الصحابي الجليل، وهكذا المختار الثقفي في ثورته ضد ظلم بني أمية،  وحركة أهل المدينة في واقعة الحرة، وكذلك  زيد بن علي بن الحسين، وابنه عيسى ، والسادة الحسنيين من أبناء الإمام الحسن (ع)، وغيرها من الثورات والحركات وإلى تاريخنا المعاصر جعلت الثورة الحسينية في مقدمة أدبياتها التي تستلهم منها رؤاها وقيمها، ومنها الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني (قدّس سره)، وقد قال قولته المشهورة : "كل ما لدينا من الإمام الحسين (عليه السلام)".

كما أن تلك القيم التي انطلقت من الثورة الحسينية توجّهت نحو الآخر، فعلى الصعيد الإسلامي السني تحدث الشيخ محمد عبده قائلاً : "لو لا الحسين لما بقي لهذا الدين من أثر"، بياناً لتأثير تلك الثورة على الواقع الإسلامي والحركات الإسلامية المختلفة.

وإشارة إلى بعد المأساة وقيمتها وصفها المؤرخ الإنجليزي الشهير (جبيون) بقوله : "إن مأساة الحسين المروعة، بالرغم من تقادم عهدها، وتباين موطنها لا بد أن تثير العطف والحنان في نفس أقل القرّاء إحساساً وأقساهم قلباً" .

وهذا غاندي الذي تمكن من دحر الاحتلال البريطاني من وطنه الهند، ورغم عدم انتمائه للإمام الحسين عقيدياً إلا أنه نهل من قيم الثورة الحسينية قيمة (المظلومية) واستطاع توظيفها لصالح قضيته، وقد عبر عن ذلك قائلاً : "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر" .

فالثورة الحسينية إنما كان من خصائصها أن قامت بدور ثقافي غير محدود، وهو عملية إنتاج وصناعة الأفكار والقيم للأجيال التي جاءت وستجيء بعدها، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) بحق مصباح الهدى الذي استضاءت به الكثير من الحركات والقادة بعد الثورة، فكانت الثورة بداية لا نهاية، "ففاجعة الطف كانت البداية، فمنذ القطرة الأخيرة التي أريقت من دم أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه بدأت شجرة الإسلام بالحياة من جديد، وكان ذلك اليوم بداية الربيع، حيث أن عشرات الملايين من البشر اهتدوا بأبي عبد الله الحسين (ع)، وبدأت مسيرة التاريخ تتكامل وتتكامل، وتتحقق كلمة الرسول الأعظم (ص)، حيث قال صلى الله عليه وآله : (حسين مني وأنا من حسين)[1].


[1] الإمام الحسين قدوة الصديقين ، لآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي ، ص 120