نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثاني: في سبيل ثقافة ولائية

التبرّي وجلاء الولاية

 

لكي نصل إلى ثقافة ولائية نقيّة من أي شوائب قد تشوبها، علينا أن نحافظ على مستوى رغبتنا في تحقيق هذا الهدف، فإننا بمعرفتنا للولاية وأهميتها في حياة الإنسان قد اعتبرناها ضرورياً من ضروريات الدين والحياة .. وعندما تجلّت الولاية في أهل البيت (ع) فإن قلوبنا قطعاً ستتعلّق بهم حبّاً وستحيط بهم ولاءً..

ولكن هذا الحب لابد أن تصاحبه معرفة حقيقية بهم (عليهم السلام) ليكون حبّاً صادقاً يسير في طريق الحق ونحو الحق..

ومن النتائج التي تنتهي إليها حقائق الولاية هي البراءة من أعداء الولاية والبغض لهم، كنتيجة طبيعية نابعة من المضمون المفهومي للولاية والتولي للحق ولمن تمثّل في الحق .. ولكن هذه النتيجة تعد أيضاً أساس من أسس الثقافة الولائية الصحيحة، فهي أول النتائج المستخلصة من مسألة الولاية، وتساهم بعد ذلك في عملية استخلاص الحقائق الناصعة، و في القبول النفسي لها.

        إن الله سبحانه وتعالى يقول : {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[1]، فللوصول إلى التمسّك بالعروة الوثقى التي لانفصام لها، لابد من شرطين هما الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، والإيمان بالله هو الاتجاه الإيجابي الذي يسعى إليه الإنسان، أما الكفر بالطاغوت فهو الاتجاه السلبي الذي ينتهجه، و موقعه في طريق الوصول للحقائق هو التباعد التام عن أي شائبة أو ظلمة للوصول إلى نور الحق.

فقال الإمام علي (ع) : (مفتاح الخير التبري من الشر)[2]، كقاعدة عامة للدخول في دائرة الخير هو أن يتبرأ الإنسان من الشر ورموز الشر، وهكذا قالت فاطمة الزهراء عن حقيقة التقوى والإخلاص : (و التبري من الشرك إخلاصا للربوبية فاتقوا الله حق تقاته و أطيعوه فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء)[3].

وعنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِأَصْحَابِهِ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الصِّيَامُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْحَجُّ والْعُمْرَةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْجِهَادُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ وَ لَيْسَ بِهِ وَ لَكِنْ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَ تَوَالِي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَ التَّبَرِّي مِنْ أَعْدَاءِ اللَّه)[4].

وفي تجسيد البراءة من أعداء الله والرسول والأولياء في موضوع الولاية، ينبغي أن يزيل المؤمن من قلبه أي ذرّة حب يحتفظ بها لمن يعادون الله والرسول والأولياء، لأنه إن بقى شيء من الحب في قلب المؤمن فسيكون ذلك حائلاً بينه وبين معرفة الولاية، والإيمان بها.

        ولذلك نرى في الكثير من الأدعية والزيارات موضوع التولي لأولياء الله والتبرّي من أعدائه يشكل ركيزة أساسية وبعداً هاماً في علامة المؤمن، جاء في زيارة للإمام الحسين(ع) : (اللهم إني أشهد بالولاية لمن واليت ووالت رسلك، وأشهد بالبراءة ممن تبرّأت منه وبرئت منه رسلك). 

وفي حديث صريح يلخّص الدين وموضع التولي والتبري (عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ انْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ وَ مُوَالَاتِي إِيَّاكُمْ قَالَ: فَقَالَ نَعَمْ ،قَالَ: فَقُلْتُ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ قَلِيلُ الْمَشْيِ وَ لَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ قَالَ: هَاتِ حَاجَتَكَ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ أَنْتَ وَ أَهْلُ بَيْتِكَ لِأَدِينَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ وَ اللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ دِينِي وَ دِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ الْإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ الْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا وَ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا وَ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا وَ انْتِظَارَ قَائِمِنَا وَ الِاجْتِهَادَ وَ الْوَرَعَ)[5].

فأعداء الله والرسول والأولياء لا يتمنون الولاية إلا لأنفسهم ويسعون جاهدين لكسب الآراء لصالحهم، فمن يكنّ لهم حبّاً، بل حتى من لم يعادهم ولم يبغضهم، فإنه لن يسعى للوصول إلى حقائق ولائية تنافي مصلحة أولئك الأعداء، أو يعمى القلب، ويتذرع بالتبريرات والتأويلات لمجانبة الحق ..


[1] سورة البقرة، آية 256

[2] غررالحكم ، ص 106.

[3] كشف‏الغمة ، 480 ، 1 

[4] الكافي ، 125، 2

[5] الكافي ، 21 ، 2