نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثاني: في سبيل ثقافة ولائية

بصائر الغيب

 

تواجه الإنسان المؤمن في تكوين ثقافته الولائية الكثير من المفاهيم والظواهر والصفات التي يتمتع بها أهل البيت (ع)، كاصطفائهم الإلهي وعلمهم اللّدني وخلقهم الأول وولايتهم التشريعية والتكوينية وجميع صفاتهم التي أفاضها الله عليهم واستحصلوها من ذوبانهم في الله تعالى، تتطلب منه أن يعيها ويؤمن بها.

فهذه الخطوة هي الخطوة الرئيسة في معرفة الولاية واستيعابها، و إنما يصعب الإيمان بها على الإنسان الذي لا ينتهج نهج السماء في تفسير الظواهر وتشكيل الأفكار، إذ أن المنهجية التي يتبعها الآخرون ممن لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون بالغيب ككاشف للحقائق، إنما تعتمد منهجيتهم في بلورة ثقافتهم على التفسيرات المادية البحتة، والممارسات التجريبية التي تجعل الفكر معتمداً على اجتهادات إنسانية خالصة  ،عادة ما تبوء بالفشل وتقع في وحل الخطأ.

لكن الإنسان المؤمن هو الذي يربط الظواهر الحياتية بالغيب، ويضع في حسابات التفكير لديه قدرة الله وفيوضاته على أوليائه إذا أراد أن يبلور في عقله ثقافة ولائية ناضجة : فعن صفات المؤمنين يبلغنا الله عز وجل عن أولها (الإيمان بالغيب) ثم يرتب على ذلك أفعاله وسلوكه النابعة من ثقافته، يقول تعالى : {ألم . لِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}[1].

فإذا نظرنا لأهل البيت وولايتهم، فينبغي أن لا نتعجّل الحكم وينبغي أن نعقل العقل بعقال الغيب لكي لا يشطّ ويزل .. هذه الحقيقة نجدها ماثلة أمامنا بوضوحٍ في مسألة مشابهة تماماً لما نحن بصدده، في القرآن الكريم عندما اصطفى الله تعالى مريم ابنة عمران على العالمين، وأعطاها ما أعطاها من صفاتٍ قد لا يدركها من لا يؤمن بالغيب، يقول تعالى : {وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ . يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ . ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[2].

فالصفات التي اكتسبتها مريم وهي التي تشكل ثقافتنا فيها وفي أولياء الله هي الاصطفاء الإلهي لها .. والتطهير .. والتفضيل على نساء العالمين .. هذه الثقافة تدعو للسلوك العبادي، فأمرها الله بالقنوت والسجود والركوع مع الراكعين .. ثم تنبؤنا الآيات بأن هذه الثقافة والسلوك إنما هي من أنباء الغيب إذ أننا لم نتحصّل على علوم الأولين ولم ندرك الألطاف الإلهية إلا عندما يخبرنا عنها العالم بالغيب فما كنا لديهم إذ يختصمون.

فإذا أجهد الإنسان كل أعضائه بالعبادات والطاعات ولم يؤمن بالولاية لأهل البيت عليهم السلام فستذهب كل أفعاله جفاء كالزبد، كما أوضحنا بالرويات السابقة. 

 


[1] سورة البقرة ، آية 1 ، 2

[2] سورة آل عمران ، آية 43