نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثاني: في سبيل ثقافة ولائية

الفصل الثاني

في سبيل ثقافة ولائية

الولاية .. والولاء .. وطريق تجسيدها في سلوك حضاري أصيل، وبلورتها كقيمة ثقافية تنبض  بالحياة .. هي مهمة هذا الفصل من الكتاب..

 معـرفــة الـــولاية

إن عنوان الولاية عريض يتسع بالنظر إليه في أفق العقيدة الإسلامية إلى معنونات عديدة، حسب ما يسند إليه، كولاية الله، وولاية رسوله (ص)، وولاية أهل البيت (ع)، وما إلى ذلك..

والولاية التي نرومها هاهنا هي ولاية أهل البيت عليهم السلام التي تستمد شرعيتها من الفيوضات الإلهية والألطاف الربانية، حيث قال تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ)[1].

وأهل البيت (ع) هم المعصومون من الخطأ والمطهّرون من الرجس، حيث جاء على لسان أم سلمة قولها : نزلت هذه الاَية في بيتي : (إِنَما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهرَكُمْ تَطْهِيراً) [ الآية 33 من سورة الأحزاب 33] وفي البيت سبعةٌ : جبريل، وميكائيل، ورسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين.

قالت : وأنا على باب البيت، فقلتُ : يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟

قال : إنّك على خيرٍ، إنّك من أزواج النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم, وما قال : إنّك من أهل البيت[2].

وقد نادت الأحاديث وتوالت التأكيدات من رسول الله وأهل بيته على الولاية حتى جاء في الحديث: (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايَةِ وَ لَمْ يُنَادَ بِشَيْ‏ءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ)[3].، بل ولعظيم أهميتها قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب).  تقريراً لتلك الحقيقة، ما يوضح بجلاء أهميتها في نهج حياة الإنسان، لأنها تمثل الجانب القيادي في الحياة، فالولي هو قائد الإنسان إلى ما يرضي رب العالمين في سبيل قويم، وتنطلق قيمة الولاية في خطين لتشكيل نهج الإنسان .

الأول: يرتبط بالجانب العقدي الفكري للإنسان، الذي يجعله يبصر الكون والحياة بمنظور الولاية الكونية، كما في قول الله عز وجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ)[4]، وكما روي : (أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا جَعْفَرٍ (ع) فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) الْخَبَرُ حَقٌّ فَوَلَّى الرَّجُلُ مُدْبِراً فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَ بِرَدِّهِ ثُمَّ قَالَ يَا هَذَا إِنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ شُرُوطاً أَلا وَ إِنِّي مِنْ شُرُوطِهَا)، فالولاية في هذا الخط تصنّف في جهة الأصول الدينية الاعتقادية، مع التوحيد والعدل والنبوة صفاً واحداً، ومتممة لها.

الثاني : هو خط تفعيل هذا الإيمان إلى سلوك ونهج حياتي يستنير به الإنسان في عصور الظلمات بالامتثال لما بلّغوا به من بصائر وهدى، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ ..)[5]، ولذا فهي تصنف من هذه الجهة ضمن الفروع الدينية مع الصلاة والصوم والحج والزكاة، ففي الحديث عن أبي جعفر (ع) : (بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية ..)[6] .

والجانبان مرتبطان في تفاعلاتهما في تكوين الإنسان وفي نهجه مع بعضهما البعض، كلُ يؤثر في الآخر وجوداً وعدماً، انحرافاً واستقامة .. فإن الامتثال الفعلي الذي يُترجم في واقع الحياة، استّل مصداقيته وصفة الإلزام فيه من الجانب العقيدي المعرفي الذي آمن به من خلاله أهل البيت (ع) أولياءً فوالاهم .. فقد جاء عن أبي جعفر (ع) قال : (ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته..)[7]، وذلك الامتثال لا ينفع الناس إلا بالولاية، إذ هي شرط من شروط قبوله .. ففي الحديث عن الصادق (ع) قال : (أثافي الإسلام ثلاثة الصلاة و الزكاة و الولاية لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها)[8].

 


[1] سورة المائدة ، آية 55

[2] الحُسَيْنُ عليه السلام سِماتُهُ و سِيْرَتُهُ ،ص25 ، المحدّثُ المؤرّخ الشاميّ ابنُ عساكر.

[3] الكافي ، 18 ، 2 ، باب دعائم الإسلام،ص : 18

[4] سورة المائدة، آية 55 

[5] سورة النساء ، آية 59

[6] أصول الكافي ، للكليني ، والأحاديث التي بعده من نفس المصدر.

[7] الكافي : مصدر سابق

[8] بحارالأنوار، 330 ، 65  باب 27