نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الأول: المعرفة الولائية الحسينية من المشتات إلى المنهجة

هواجس ومخاوف

 

هذه الحالة الفكرية التي تختلج في وعي المجتمع وتصبغ رؤاه ومواقفه، لهي حالة تفرز من النفس الهواجس، وتخلق في قلوب الحريصين على المعارف الإلهية والدينية الخوف والوجل على مستقبل المجتمع الإسلامي، إذ أن هذه الحالة لا تخلّف انطباعاً حسناً عن ما سيئول إليه وعي المجتمع، والوعي هو الذي يضع المجتمعات في رتبهم في حركة الحضارات وتنافسها على الريادة، فأهمية الوعي من أهمية الأهداف التي تسعى في اتجاهها أي حضارة، والحضارة الإسلامية إنما تسعى لإصلاح الإنسان وإصلاح حياته من أجل رضا الخالق عز وجل، وعن طريق تحمّله لأعباء الرسالة واتخاذها آلية للإصلاح، لضمانتها من الانحراف والتجاوز، لأنها ذات مصدر إلهي قويم، يقول تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الأَْمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الأَْرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الإِْنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً...}[1]. فالمهمة بيد الإنسان وللإنسان، ولكنه يحتاج إلى الوعي لتخطّي حالة الظلم والجهل.

ويزداد الخوف خوفاً عند إدراكنا للخطط التي يرمي إليها أعداء الدين ممن يعملون جاهدين بتخطيط ودراسة لإضعاف الدين ويتربصون به الدوائر، لقتله في نفوس الناس وتوهينه في وعيهم، لكي لا يؤتي أكله كل حين.

مآل هذا الشتات الثقافي إذا أهمل من علماء الدين والمفكرين الإسلاميين، إلى ذوبان المجتمع الإسلامي في التيارات الإعلامية الغربية والانصياع لها في ما تروّج له من أفكار وآراء، تجهد نفسها نحو سلب وشاح الصبغة الدينية عن مجتمعنا وانتزاع سور الاستقلالية الفكرية عن وعيه، تحقيقاً لإرادة الهيمنة، ذلك الوقود الذي تتكئ عليه المنظومة الغربية..

فالجهود الهائلة تبذل من أجل خلخلة المجتمعات لزعزعة وعيهم الديني، وفصم هويتهم الثقافية، فكما دلّت الدراسات أن أكبر صناعة لدى الولايات المتحدة منفردة لديها ليست الطائرات أو الحواسب أو السيارات، بل هي الترفيه والإعلام الثقافي، والسلع الثقافية، ذات السمة الغربية، حيث بلغ قيمة عائد السلع الثقافية إلى 200 بليون دولارا، وهي مستمرة بالنمو ،كما و أن الترفيه في جانب الأفلام الهوليودية فقط بلغت 30 بليون دولاراً على نطاق العالم عام 1997م، وهي في نمو سريع ومستمر [2]..

فهم يعمدون لاختراق ثقافي يزلزل الوعي الديني الذي يميّز حركة المجتمع المسلم عن غيره، يميّزه بارتباطه الإلهي وانتمائه الرباني لله تعالى ،البعد الذي تمثّله الثقافة الولائية في عمقها وتترجمه إلى واقع عملي صادق.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[3]، و عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، قَالَ: إِيَّانَا عَنَى)[4].. فهنالك ارتباط بين تقوى الله تعالى وكوننا منتمين ثقافياً مع أهل البيت (ع) الصادقين، الذين لهم الولاية الحقّة من عند الله تعالى، بل جاء في الحديث عن الصادقين شمول أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بهم ـ أي بالصادقين ـ، (عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  قَالَ الصَّادِقُونَ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ الصِّدِّيقُونَ بِطَاعَتِهِمْ)[5].

فيتعيّن علينا الحرص التامّ على ثقافتنا الولائية وتنقيحها وتنقيتها من الشوائب الدعائية، و الأغراض الدنيوية الزائلة، لأنها السبيل القويم إلى الله تعالى، فقد جاء (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّهُ قَالَ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً وَ جَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً وَ جَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ نَحْنُ)[6].

 


[1] سورة الأحزاب، آية 72

[2] راجع تقرير التنمية البشرية لعام 1999م، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

[3] سورة التوبة ، آية 119

[4] الكافي     208     1    باب ما فرض الله عز و جل و رسوله ص م

[5] الكافي     208     1    باب ما فرض الله عز و جل و رسوله ص م

[6] الكافي     183     1    باب معرفة الإمام