نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية

المقدّمة

 

بكل ثقة واطمئنان نقول إن  الحسين (عليه السلام) ثقافة، بل ثقافة ربانية، متصلة بالله عز وجل، ولهذا يعتبر الخوض في الثقافة الحسينية من أهم الأمور وأولاها، لأنها حسينية أولاً، ولأنها ثقافة ثانياً، فلماذا يحتل الوعي بالثقافة الحسينية بهذا الحجم من الأهمية؟

وللإجابة عن هذا التساؤل نقول : عندما يكون أمر ما ثقافة، فهذا يعني أنه يحمل المكونات التي تتكوّن منها الثقافة بمفهومها العام، والتي تعني فيما تعني أنها منهاج سلوك، وطريقة تفكير، وآداب معيشة، وهي تقوم على أساس مجموعة من المبادئ والقيم، تقوم بدورها برسم المسار العام لكل بعد من أبعاد الحياة، ولا شك أن من لا يمتلك ثقافة ما تؤسس لحركته في الحياة، فهو بعيد عن فطرة الإنسان، إذ لا يمكن تصوّر قوم بلا منهاج وبلا مبادئ معينة، إلا في الأقوام التي تعيش حالة الفوضى أو الخارجين عن حدود الزمن الإنساني، إذن فالثقافة هي التي تعطي الإنسان البصيرة ليمشي بها في الناس والحياة، وأي أمر يحمل صفة الثقافة فهو يعطي ما تعطي، ويتكون مما تتكونّ.

وعندما نقول الثقافة الحسينية فهي منتسبة للإمام الحسين بن علي (ع)، وهذه النسبة تضيف إليها لوناً خاصاً ومفهوماً متميزاً، لأنها تلقي الضوء على حياة الإمام الحسين (ع) وحركته ومسيرته التي هي عبارة عن أسس للمسير ومنهاج للتفكير، ولم يأتِ هذا اعتباطاً، بل جاء من أساس وجوب الاقتداء بالنسبة للإنسان المسلم بالإمام المعصوم، والإمام الحسين هو ثالث الأئمة، بل و تعتبر حركة الإمام الحسين (ع)، للإنسان غير المسلم، منظومة من القيم، وتجربة فذّة قل نظيرها، تساهم في تغذية حركة الإنسان بما هو إنسان ،بما يحمل من صفة الحرية .. وقد ألمح الإمام الحسين (ع) نفسه، لهذا المعنى، عندما قال للناس الذين يواجهونه، لكي يستجيبوا إليه : (إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم)[1]، فالإمام الحسين (ع) يمثل ثقافة لكل الناس، بغض النظر عن انتماءاتهم وأديانهم، والثقافة الحسينية هي ثقافة عالمية بكل معنى الكلمة، وقد أثبتت تجارب كثيرة صدق هذا القول.

وعليه، فإننا بحاجة ماسّة ودائمة لإثارة تراث المسيرة الحسينية، بالدراسات والبحوث في جميع جوانبها، ليست العسكرية فحسب، بل والجوانب الاجتماعية والثقافية، والسياسية، فما نراه أن كثرة التعاطي والتناول لهذه المسيرة المباركة في واقعنا، هو تعاطي مع الحرب، لا مع الثورة، وتناول الجزئيات دون الكليات، ولذلك نرى أن البعض يقع في أخطاء، منها على سبيل المثال مقولة (أن ثورة الإمام الحسين كانت ثورة دفاعية لا ثورة ابتدائية)، والخطأ الحاصل هو أن الثورة الحسينية هي ثورة ابتدائية، لأنها مبدئية، وقد عبر الإمام الحسين (ع) بكلمات كثيرة عن نقض معاوية للعهد الذي كان مع الإمام الحسن (ع)، وعن أن الإمام الحسين (ع) لا يبايع مثل يزيد شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة.

ويمكن تصحيح المقولة بأن (حرب الإمام الحسين وقتاله، كانت حرب دفاعية لا ابتدائية)، وليست الثورة .

كما أن البعض قد يقع في أخطاء ناتجة عن عدم دراسة الكليات وربط الجزئيات والوقائع بها، لكي يتعرّف على تفسيرها الواقعي، ولهذا تكوّنت لدى البعض إشكالات على رواية أحداث واقعة كربلاء، نرى أنها تتلاشى عندما نربطها بكليات الدين، فيبقى الحدث على صفائه ونقائه.

خلافاً للعادة، فإننا في هذا الكتاب أردنا أن نتعاطى مع المسيرة الحسينية ثقافياً، والإلماح إلى بعض المعطيات الثقافية، وتسليط الضوء على دور الثقافة ومكانتها في هذه المسيرة المباركة، لكي نستكشف ولو ومضة نور من تلك الثقافة التي تحمل المؤهلات التي تؤهلها لأن تغذي البشرية بالبصائر والحكمة في الحياة، و لتخطّي حالة التيه التي وقع فيها المفكرون الذين لم يتخذوا ثقافة السماء منهاجاً يحتذى  ولا طريقاً يسلك، فنأمل أن نكون قد وضعنا يدنا على شيء من المطلب، ونسأل الله التوفيق لما هو أرحب من ذلك.

محمود الموسوي/ بني جمرة، البحرين

 


[1] بحارا لأنوار ،50، 45، بقية الباب 37