ملحمة بطولة وجهاد عز..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

المقاييس الرسالية في شهداء كربلاء أبو الفصل العباس نموذج رسالي

 

إن من خصائص البصيرة في الدين والتبني العقيدي له أن نحمل همّ رسالتنا، ونعيش همّ قضيتنا، ونتفاعل مع أمتنا، ونشعر شعور ضعفائنا، وفقرائنا.. لا نكتفي بالتلقي المجرد، وأداء العبادات والواجبات في إطارها الخارجي دون أن يملك علينا قلوبنا ويؤثر في نفوسنا.

وعملية التبني العقيدي للإسلام، تحقق الهم الرسالي للإنسان الذي يعيش أبعاد الرسالة، ويحمل هموم القضية، ويتفاعل معها.. فتأخذ عليه، قلبه وعقله، ومشاغله، ويكون مندكاً في واقع هذه المشكلة، فلا يفكر في غيرها، لأنها أصبحت جزءاً من اهتمامه، بل هي الأجدر في الاهتمام، وهذا الهم من نتاج الوعي لحقيقة ودور الرسالة في حركة الأمة الإسلامية ولا يعني إنها بلاء وشقاء وتعب، بالعكس إنما هو سلوة الفؤاد وراحة الضمير، واطمئنان النفس في أداء الواجب الرباني.. وشخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الهداة (عليه السلام) جسدوا حمل هذا الهم، فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حان موعد الأذان، ينادي على بلال المؤذن، بقوله (أرحنا يا بلال) حيث مع بدء الصلاة ينقطع الهم والغم فأصبحت هذه الدرجة من التفاعل، تحتل كل شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يوجد أي مدخل لأية مشكلة أخرى، لتشارك هذا الهم.

وهكذا، لا يمكن لأية أمة مهما كانت أن تفعل شيئاً لنصرة مبادئها وقيمها، ما لم تصل إلى درجة التبني ومن هنا، يعيش الإسلام في حياة المتبني، متناً لا هامشاً، وحقيقة فيه، لا فعلاً طارئاً عليه، وهو واقع أساسي وثابت وبقية المشاغل الأخرى ثانوية وهوامش.

هذا الإنسان الذي يحمل هماً في قلبه وبين جوانحه، وفي أعماق جوارحه، يحيا ويموت، وهو يحمل هذا الهم، وهو لا يشعر بطعم الراحة، وسعادة الحياة إلا بحمله، وهذا الهم يبني لدى حامله شخصية قوية، مؤثرة على الآخرين بالخير والصلاح في حياتها ومماتها، بل إذا لم يحمل الإنسان هذا الهم وهو يملك الوعي، فسوف يعيش حياة مضطربة غير مستقرة.

وحملة الهم الرسالي هم الشهداء فبدمائهم الزكية تقوم نهضة المسلمين وتحرّك المستضعفين بل وانتصار الانتفاضات والثورات ذات القيم والمبادئ متعلقة بتقديم تضحيات عزيزة وشهداء أوفياء وفضلاء وعلماء.

والشهادة تحتاج إلى خمسة مقوّمات رئيسية:

1- شخصية إسلامية مخلصة، ذات استعداد ذاتي، ناتج عن قناعة، لتحمل أعباء الطريق حتى النهاية.

2- نفاسة معدن الشهيد، ونقاء جوهره، وسلامة نيته.

3- جوانب متعددة، صادقة وكفوءة، لتربية الشهيد كالتحركات الاجتماعية والأعمال الخيرية والقدرة الجهادية القتالية.

4- تقوية الإرادة الشخصية والتربية الروحية والقدرة العلمية ومحاسبة النفس اليومية للشهيد.

5- اختيار، واصطفاء، وانتفاء، وتوفيق من الله سبحانه وتعالى للشهيد.

هذه المقومات يمكن استخلاصها من شهداء كربلاء، حيث هم الأنموذج الأرقى والقدوة والأسوة المثلى لجميع شهداء العالم، وبهم يقاس أحقية الثورات وبطلانها فما كانت على مبدئهم هو الحق وما خالفهم هو الباطل، وأيضاً الإمام الحسين (عليه السلام) كان يردد بين الحين والآخر الإشادة عليهم وذكر فضائلهم وأنهم خير الأصحاب والأهل وأوفاهم بعدما خَبِرَ معادنهم ولمس نقاء أصولهم.

ولكن هناك خصوصية لأبي الفضل العباس (عليه السلام) وأشار إليه أحد الأئمة (عليهم السلام) بأن للعباس (عليه السلام) منزلة في الجنة يغبطها جميع أهلها، ويروى عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه في زيارة العباس (عليه السلام) قال: بعد السلام – أشهد لك بالتسليم والتصديق، والوفاء، والنصيحة لخلف النبي المرسل، السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله، ولأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليه السلام) السلام عليك ورحمة الله وبركاته ورضوانه... إلى أن قال: أشهد أنك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين ومتبعاً للنبين..)

فهنا أثبت الإمام الصادق (عليه السلام) شهادات واضحة في معالم شخصية العباس (عليه السلام) وما اتسمت به من سمات رسالية، وأبعاد واسعة المدى جعلت من العباس إسلاماً متجسداً يمشي على الأرض، وبكل همومه وأبعاده وتعاليمه السامية.

شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ