ملحمة بطولة وجهاد عز..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

هيهات منا يا حسين الذلة

فاجعة الطف ثورة عالمية إنسانية دينامية دماؤها حياة تستنهض همم الشعوب ضد إرهاب حكام العصر

بقلم / نوال اليوسف

ولد الأمام الحسين (ع) نبراس الهدى ومصباحه سنة 4 للهجرة، وكان يوم مولده زاهيا بأنوار الشهادة، وأنوار الخلود والسعادة الأبدية .

وتربى في حجر محمد نبي الله وسراجه المنير وحجته الواضحة على العالمين، و أحاطه باهتمام بالغ، وعناية فائقة منذ ولادته لكونه يعلم من الله تعالى مالا تعلم أمته بأن الأمام الحسين سيكون هو الامتداد الطبيعي لسلالة النبي الطاهرة حيث تُنبت ذرية الرسول الأعظم منه، ومن أخيه الحسن، كذلك الأمر بالنسبة لامتداد الرسالة المحمدية في الجانبين المعنوي و الرسالي، ومن المعروف عن النبي (ص)، حبه الكبير للحسين (ع) ومن الأقوال التي يحفظها التأريخ لنا للنبي، في حبه لسبطه الحسين، ما جاء عنه "حسين مني و أنا من حسين أحب الله من أحب حسينا"، كما كان عليه الصلاة والسلام دائم اللثم لثنايا أبا عبد الله ولصدره الشريف أما عن سبب لثمه لثناياه وهو طفل فلأنها موضع تكسير الثنايا بالقضيب، وللثمه بالصدر حكمة فهو موضع السهم المثلث في قلب الحبيب، و موضع حز المنحر وركض الخيل على الصدر الشريف ،ونلحظ هنا أنه أيضا كان يقبل رأسه الشريف لكنه ربما كان عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقبل الصدر ويرشف الثنايا أكثر لكون الألم الناتج عن حز الوريد والمنحر، وكسر الثنايا أعظم وأشد ألما من قطع الرأس وفصله عن الجسد الطاهر، كذلك الأمام علي عليه السلام ساهم في تغذية الحسين مع الرسول و تشريبه منابع الإسلام وقيمه الفاضلة العالية والرفيعة، كما ساهمت أيضا الزهراء البتول في تخريج هذه البذرة الرسالية لتكون خير بذرة زرعت على وجه الأرض.

إذن نحن والأمة الإسلامية من السنة والشيعة برمتها نعلم أن الحسين سيد شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين هكذا أخبرنا بذلك الرسول وأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، وعُرف رسولنا بين قومه قبل وبعد البعثة المحمدية بالصدق و الأمانة، فلماذا إذن يحاول جزءا من العالم الإسلامي انتزاع هذا الحق من سبط المصطفى؟‍‍! هذا الحسين الابن الذي نهل العلم على يد صاحب الرسالة التي تضمنت رسالته ثلاث عناصر هي : الفاعل وهو قائد الرسالة المحمدية والمربي للأمة والممسك بزمام أمورها، والتنظيم المستمد من شريعة السماء، والأمة أو المجتمع وهو الحقل الذي تصب فيه قيم التنظيم و التشريع الرباني والمحمدي، هو ذاته الذي ثار على الظلم ضد الطغاة وعارض حكمهم الظالم للعباد، فحريا بنا إذن أن نجدد ذكراه ونناصر ثورته الجهادية ضد الظلم ونستلهم منها الدروس والعبر، خصوصا ونحن نعيش في عالم دنيوي يعج بالحكام الظالمين الذين يعيثون في الأرض الفساد، ويسرفون ويهدرون أموال الشعوب، ويسحقون كرامتها، ويقهرونها بالقمع المسلح وبالحرمان من الثروات و الرفاه، كما أنهم يرفضون الإصلاح معللين ذلك أن الإصلاح هو بغية الغرب لا بغية الشعوب المستضعفة المحرومة من ثرواتها، ومن فرص العيش بسلام والحرية في المعتقد وفي الفكر، وفي ممارسة الحياة، غير مدركين إلى النتائج التي يمكن أن تستقيها هذه الشعوب المهضومة والمسلوبة الحقوق من ثورة الإمام الحسين (ع)، الثورة التي نهضت من أجل الإصلاح في أمة محمد (ص) باعتبارها ثورة عالمية إنسانية بالدرجة الأولى تسعى لاسترجاع الحقوق و درء انحراف الزعامات، وإعادة الكرامة المسحوقة للإنسانية المظلومة، إلى جانب نزع التشويه الذي أصاب تطبيق الشريعة الإسلامية بعد وفاة الرسول نتيجة لمخالفة نص وصيته بتغيير الحاكم وتغييب الدور القيادي للأئمة (ع).

ونتيجة لهذا التشويه الحاصل في التطبيق أصبح الكثير من الناس في وقتنا الحاضر وحتى بعض الشيعة منهم يظن، أو يعتقد أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام وسائر الأئمة الأطهار عليهم السلام هي منحسرة في خسارتهم للحكم فحسب وأنهم رجال حرموا من حقهم في حكم الدولة الإسلامية لذا فينظر الناس إليهم كمظلومين مقهورين أصاب دورهم الانحسار نتيجة لاستقصائهم عن ممارسة الحكم منذ علي عليه السلام إلى عهد المغيب صاحب العصر و الزمان (ع) وهذا إجحاف بحقهم حيث أنهم عليهم السلام لم يتوقفوا عند نقطة سلب حقهم في حكم الدولة الإسلامية باعتبارهم الامتداد الطبيعي لصانع تجربة الدولة الإسلامية ومربيها والمدبر والمسير لكافة أمورها في شتى جوانب الحياة المختلفة، حيث نجد أن ثمة معارضة شديدة نشأت من أئمة آل البيت عليهم السلام بدءاً بعلي الذي قتل بسيف ابن ملجم ورفضه للظلم رغم الهدنة التي وافق عليها على مضض ليس خوفاً من الطامعين بل لضمان سلامة الدين وبقاءه وخلوه من شوائب الجاهلية، وكلنا يعلم الدور الرائد الذي قام به أمير المؤمنين ولسنا بمعرض ذكره في هذا المقال، وكذلك الأمر بالنسبة للإمام الحسن (ع) الذي عقد الهدنة مع معاوية حقناً للدماء وصوناً للإسلام، ومساندة الإمام الحسين (ع) له حيث أنه قاد زمام الأمور بعد استشهاد والده الإمام علي (ع) خلال خلافة معاوية كمساند ومؤازر لأخيه الإمام الحسن (ع) و بدأ يتحمل مسؤولية الأمة فكان معاوناً لأخيه الإمام الحسن في مكافحة ظلم معاوية والحفاظ على الإسلام من التحريف، وصيانة المجتمع المسلم من الانحراف، والانفلات الذي وجد أبان العهد الأموي الغابر رغم محافظته على عهده لمعاوية إلا أنه عليه السلام كان يعارض حكمه، و يمارس دوره في كشف حقيقته للأمة و قتله لأصحاب أمير المؤمنين كحجر بن عدي، لكنه ما أن أنفك من عهده لمعاوية الذي عقد معه هدنة الصلح أخيه الحسن بن علي (ع) بموته سنة 60 للهجرة، حتى بدأ إعلان تمرده ومعارضته الصريحة التي أسفرت عن ملحمة الخلود والصمود ،وثورة الدم الكربلائية التي بدأت تتفتح صفحاتها حينما بعث يزيد بن معاوية شارب الخمر والفجور والفسوق والتجبر لواليه على المدينة آنذاك (الوليد بن عتبة) آمراً إياه بأخذ البيعة له من الحسين بصفة خاصة ومن عموم الناس – عندها دار بينهم حديث ورفض السبط الحسين خلاله بيعة يزيد و أعلن عن ثورته ضد الظلم والفسوق والجبروت، وبدأ رحلته النضالية الهادفة بخروجه من مدينة جده رسول الله (ص) إلى مكة المكرمة في الثامن والعشرين من شهر رجب سنة 60 للهجرة .

وتدور الأحداث في مكة ويتمحور حول الحسين المسلمين فيها، لأنهم كانوا يرون فيه شخص رسول الله وعلي عليهم السلام، كما كانوا يرون فيه خير قائد لحكم بلاد المسلمين آنذاك، وخير من يستطيع تخليصهم من الذل والهوان والظلم والاستبداد الذي استشرى في عهد الدولة الأموية الفاسقة كما أتته الأخبار أيضا والمطالبة بالخروج ضد يزيد وحكومته المتسلطة الفاسدة من الكوفة بالعراق، ولم يهمل الحسين رسائل مريديه ومحبيه والراغبين في نصرته لهم بل أرسل إليهم من يتحرى الأمر والصدق فيهم كسفير يمهد الأمور لمقدمه عليهم وثورته ضد الظلم والجبروت – واختار ابن عمه (مسلم بن عقيل )، لكي يقوم بهذه المهمة وبالفعل أقبل عليه من كاتبوا الإمام يطلبون نصرته مبايعين ،إلا أن الأحداث سارت نحو منحى آخر بمقدم اللعين عبيد الله بن زياد إلى الكوفة على اعتبار أن يزيد بن معاوية قد ضم حكم الكوفة لوالي البصرة وذلك بمؤامرة دنيئة وتخطيط شيطاني من حاقد يدعى سرجون الرومي وهو أحد الجواسيس المستنفعين من حكومة معاوية ومن ضمن الذين تسللوا لمركز القيادة في بلاد المسلمين منذ عهد معاوية .

وتتتابع أحداث معركة النضال الحسينية ضد قوى البغي اليزيدية الأموية ويصل إلى سمع الحسين نبأ عزم يزيد اللعين على تجهيزه خطة لاغتياله (ع) ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة المشرفة، فعمد الطهر إلى مغادرة مكة في شهر ذي الحجة من سنة ستين للهجرة ميمماً وجهته نحو العراق، وكان معه جمع من الناس إضافة إلى أهل بيته ومحبيه إلا أنه في الطريق تخل بعض المنافقين عنه خوفاً وطمعاً في الغنائم، ولم يبق معه إلا أهل البيت عليهم السلام وجمعاً قليلا من المخلصين من أنصاره .

سار الحسين إلى العراق ليكمل مسؤوليته تجاه الأمة وينهض بها حفاظاً على الدين الإسلامي، من الانحراف حيث قال قولته الشهيرة الخالدة (أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولكن خرجت للإصلاح في أمة جدي )، وهذا بالفعل ما دعا إمامنا الحسين للخروج و ليس كما يدعي المغرضون أنه خرج يريد الحكم لنفسه ولو إنه كان أحق الناس بحكم الدولة الإسلامية التي رباها ووضع أسسها وتجربتها الرسول كونه الامتداد الطبيعي له في الحفاظ على الرسالة السماوية وقيمها الإنسانية النبيلة من الانحراف كون الإمام الحسين (ع) وقبله الإمام (علي) والإمام الحسن (ع) وبعدهم الأئمة الأثنىعشر هم الأوعية التي حملت وتحمل داخل صدورها وعقولها العقيدة الإسلامية الصحيحة النقية التي استقتها وشربتها من خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله حيث كان هو المدرس والمهذب والمربي الأول لها، إضافة إلى كونه إمام معصوم نصت الآيات القرآنية بعصمته وطهارته من الرجس، كما في قوله تعالى "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراًً "كيف لا يكون طاهر من الرجس وكيف لا يكون إماماً معصوماً وهو ابن فلذة كبد رسول الله ومربيه في حجره و مرضعه الرسالة؟ .

هل بعد هذا كله من شك في حق الحسين بالقيادة لأمة جده الرسول الأعظم محمد (ص)،الذي قاد بل وتزعم التجربة الإسلامية وحصنها من التدهور والانفلات عن مبادئها وقيمها بصفته شخصاً عقائدياً معصوماً عن الانحراف وممارسة الخطأ .

ويتجسد دور الإمام الحسين (ع) الإيجابي في إيقافه لانحراف الحاكم الأموي ومواجهته له باعتباره زعامة منحرفة بصمود وصلابة وقوة وإرادة إيمانية لم تتزعزع كما أنها لم تلين بسبب قلة الناصر والمعين، ومشقة الطريق والسفر وسفك الدماء، وبمعارضته لحكم يزيد تارة ومواجهته له تارة أخرى استطاع الحسين أن يعكس الوجه المضيء للتجربة الإسلامية التي قادها لحماية الدين من الانحراف من خلال تطابق الرسالة مع الأهداف النبيلة التي من أجلها أريق دم أبا عبد الله الحسين وأنصاره الذين نزل معهم كربلاء وكان معسكره الصغير لم يتجاوز المائة رجل بينما حشد الشر ضم جيش دولة بني أمية ثلاثين ألف مقاتل ودارت رحى المعركة التي خلدها دم السبط الطاهر ودماء أنصاره الميامين الهداة في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام حيث جاهد الحسين وأنصاره عن العقيدة جهاد بطولي رائع ومستميت من أجل الدفاع عن القيم ومناهضة الظلم والاستعباد والقهر، بينما الجانب الآخر كان يدافع عن حفنة نقود وكراسي الولاية وانحراف السلوك والملة، تكالباً على الدنيا الفانية، وكانت نتيجة معركة الصمود والظفر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بعد معركة ضارية وحامية الوطيس، واستشهاد أصحابه الذين جاهدوا بين يديه ونالوا رضا الله والجنة وعددهم (73) ناصراً وشهيداً كما أستشهد معه (17) شهيداً من أهل بيته وكان ذلك في عصر اليوم العاشر من المحرم الحرام سنة (61)هـ ودفن في أرض مصرعه كربلاء تلك الأرض الحزينة السعيدة التي ضمت جسده المبضع بسيوف الغدر وخيانة الأمانة التي خلفها رسول الله في أمته وخرج بذلك الإسلام معافى من الانحراف ولكنه أصيب أو ثلم بتشويه التطبيق الذي استمر إلى عصرنا هذا الذي تعاني فيه شيعة آل محمد من التكفير بسبب حبهم للرسول وحبهم وموالاتهم لآل بيت رسول الله (ص) وأحيائهم لذكرى مقتله الذي لم يشهد له التاريخ مثيل رغم أن ثورته (ع) كانت للإنسانية جمعاء وليس للمسلمين الشيعة فحسب نظراً لأن مبادئ وقيم الإسلام عالمية والتي منها حرية المعتقد والتفكير، والعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة بين البشر، والمساواة في الحقوق والواجبات، وحرية الرأي والديمقراطية المنطلقة من مبادئ الشورى في الحكم، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان.

لذا علينا إذن كمسلمين أن نتجاوز صدمة الفاجعة في مصابنا الجلل بأبي عبد الله الحسين، كما أنه علينا كشعوب أن نشرع لتغيير مجتمعاتنا وتغيير حكامنا الظالمين المستبدين الناهبين لثروات الشعوب والمفقرين لهم في كل الدنيا دون استثناء . فهل نهب كما هب الحسين في دعوته للحب ونتوحد بدين الحسين النقي وهو الإسلام نحو الله ونكون بذلك جميعا دعاة محبة وسلام في الأرض التي خلقت للسلام ؟‍ ومتى ؟! .

نقطة عبور : ذاك المنى لو أن ذلك يحصل.

كاتبة وصحافية سعودية مستقلة

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ