نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الأول

أسئلة في السيرة والثورة الحسينية

 

* لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل الكوفة ؟ ولِمَ لم يقتل ابن زياد عندما زار هذا عبد الله بن شريك الأعور  ؟

الجواب: أما أنه لماذا لم يستلم مسلم الكوفة بأن يقوم مثلا بعمل انقلاب عسكري ويسيطر عليها فلأمور :

1/ ما ذكره بعض العلماء من أن مهمته التي كلف بها لم تكن إلى هذا الحد ، وذلك أن الإمام الحسين عليه السلام قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها فقال : إلى هذا الحد ، وذلك أن الإمام الحسين عليه السلام قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها حيث كتب  :

من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين . أما بعد : فإن ( فلانا وفلانا ) قدما علي بكتبكم، وكانا آخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلكم : أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله (1)  وبهذا يتبين أن وظيفة مسلم بن عقيل لم تكن السيطرة على الكوفة عسكريا عن طريق القيام بانقلاب مثلا ، أو البدء في حرب مع أنصار بني أمية . وإنما كانت مهمته أشبه بالاستطلاعية لكي يرى هل الواقع يتطابق مع ما هو مذكور في رسائل القوم ؟ أو أنه يختلف ؟ وأن عليه أن يكتب للإمام عليه السلام ما يرى ويشاهد ، حتى يقرر الإمام عليه السلام ما هو لازم بحسب خبره . وقد قام مسلم بما طلب منه وبالفعل فقد أرسل إلى الإمام الحسين عليه السلام ، بما رأى من اجتماعهم على بيعته وأرسلها إليه مع عابس بن أبى شيبب الشاكرى ( .. أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام (2)) .

2/ يحتمل أيضا أن الأمور جرت بنحو فوجئ به مسلم حيث أنه بعدما بايعه ثمانية عشر ألفا وكان الناس في رأيه وكما تشير إليه ظواهر الأمور ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، فإن ذلك كان يمثل تطمينا بالنسبة له ، لكي لا يبدأ في عملية انقلابية ، إضافة إلى ما ذكر سابقا . وكان قدوم عبيد الله بن زياد بتلك السرعة متخفيا يمثل عنصر المفاجأة التي لم تكن محسوبة بهذه السرعة .

لقد كانت السيطرة على الوضع ـ بحسب الظاهر ـ في الكوفة تامة لمسلم ، ولأشياعه .. فالنعمان بن بشير الأنصاري لم يشأ الاصطدام العنيف بمسلم ، واكتفى بسيطرته على القصر، والناس كانوا يرغبون ـ ولو على مستوى الرغبة الداخلية والنفسية ـ في تغيير الوضع القائم ، لكن الذي غيّر الأمور بشكل كامل هو مجيء بن زياد غير المتوقع أصلا ، وذلك أنه كان على خلاف مع يزيد ، ولم يكن يزيد في بداية أمره يميل إليه . لكن اقتراح سرجون بن منصور الرومي (3) ، المسيحي الذي كان مستشارا لأبيه ثم مستشارا له بأن يرسل إلى الكوفة بن زياد خلط الأمور وغيّر المعادلة . وكان الأمر بهذا النحو وبهذه السرعة مفاجئا حتى بالنسبة للنعمان بن بشير الذي قال لابن زياد لما طرق باب القصر : ما أنا بمؤد إليك أمانتي يا ابن رسول الله !!

وأما أنه كيف تمت السيطرة على الأمور بهذه السرعة لصالح بني أمية ، فذلك لأنه في أوقات الأزمات الاجتماعية لا يمكن أن يبقى الانتظار سيد الموقف للأخير ، وصاحب المبادرة هنا والاقتحام ولو كان من أهل الباطل هو الذي يأخذ بزمام الأمور فيفرض على المجتمع ، ولو لمدة ، ما يريد . والمتتبع للتاريخ منذ ما بعد رسول الله وإلى أيام الأمويين والعباسيين يرى هذا بوضوح .. فضلا عن التاريخ الإنساني العام .

 ** أما بالنسبة إلى قتل ابن زياد ، فقد ذكرت أمور لامتناع مسلم عن القيام بذلك :

1ـ الناحية الأخلاقية والشرعية : فإنه قد ذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن (الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مسلم ) (4) وفي هذا تعليم هام لجميع المسلمين أن لا يتجاوزوا في صراعاتهم للقواعد الشرعية ، فلأن يكون هدفك شريفا وساميا يتطلب منك وسيلة وأسلوبا متناسبا مع ذلك الهدف .. ولا تبرر أهمية الهدف استخدام الوسائل السيئة ، وهذا ما عرف اليوم بأن الغاية أي الهدف الجيد لا تبرر الوسيلة ( السيئة ) .

وهذا ما عرف به أهل البيت عليهم السلام في طريقتهم في العمل ، وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو لا يغدر ولا يفجر ، وإن انتهى حفاظه على القيم إلى أن ينهزم في الظاهر ، ويفوز عدوه الذي لا يلتزم بأخلاق في صراع فهو لا يطلب النصر بالجور والغدر ( والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر . ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كل غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة . ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة .. )(5)  وربما يفوز هذا الثاني لفترة مؤقتة ولكن النصر النهائي هو لصاحب المنهج الأخلاقي . وربما تقول : إذاً كيف أمر هاني ( أو شريك ) بذلك وهو أيضا من شيعة أهل البيت عليهم السلام ومن كبارهم ؟ والجواب على ذلك : هو أن ( هاني )  قد نفى أن ينطبق ذلك الحديث عليه ، فقال : إنما الممنوع هو الفتك بالمسلم بينما ابن زياد في نظره ليس بمسلم بل كافر فاجر .. وسيأتي بعد هذا ذكر ما نقله التاريخ عن الواقعة .

2/  كراهية هاني بن عروة أن يتم ذلك الأمر في بيته ، فإنه بحسب منطق صفات رؤساء القبائل وهاني بن عروة واحد منهم ، لم يكن يريد أن يعرف عنه وعن قبيلته أنه يغدرون بمن يأتيهم ، حتى لو فرض أن هناك استثناء في مسألة الفتك ، ولقد لاحظ مسلم بن عقيل هذه الرغبة ، فلم يشأ أن يتم هذا العمل في بيته مع كراهيته . فقد نقل أبو مخنف حادثتين أعرب فيهما هاني عن كراهية قتله في بيته .. فقد قال ابو مخنف أنه :

...مرض هاني بن عروة فجاء عبيد الله عائدا له ، فقال له عمارة بن عبيد السلولي : انما كيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك الله منه فاقتله ، قال هاني : ما أحب أن يقتل في داري . فخرج فما مكث إلا جمعة حتى مرض شريك بن الاعور وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء ( وكان شديد التشيع ) فأرسل إليه عبيد الله اني رائح اليك العشية .

 فقال لمسلم : ان هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه ، فان برئت من وجعى هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك امرها ، فلما كان من العشي اقبل عبيد الله لعيادة شريك .

فقام مسلم بن عقيل ليدخل وقال له شريك : لا يفوتنك إذا جلس ، فقام هاني بن عروة إليه فقال : اني لا احب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك ، فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكا عن وجعه وقال : ما الذي تجد ومتى اشتكيت ، فلما طال سؤاله إياه ورأى أن الآخر لا يخرج خشي أن يفوته فأخذ يقول :

ما تنظرون بسلمى أن تحيوها ؟ أسقنيها وان كانت فيها نفسي !! فقال ذلك مرتين أو ثلاثا ، فقال عبيد الله ولا يفطن ما شأنه : أترونه يهجر ؟ فقال له هاني : نعم أصلحك الله ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه . ثم انه قام فانصرف ، فخرج مسلم فقال له شريك ما منعك من قتله ؟

 فقال : خصلتان أما إحداهما فكراهة هاني ان يقتل في داره ، واما الاخرى فحديث حدثه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله ان الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن ، فقال هاني : اما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ...ولبث شريك بن الاعور بعد ذلك ثلاثا ثم مات(6).

 

* مقالة الحسين للحر الرياحي : ثكلتك أمك .. هل تناسب مقام الإمامة ؟

الجواب: أصل الحادثة كما نقلها المؤرخون جرت لما التقى الحر بن يزيد الرياحي مع الإمام الحسين عليه السلام في الطريق إلى كربلاء . فقد نقل الطبري في تأريخه ، أنهما لما التقيا وأقيمت صلاة الظهر ، قام الإمام الحسين عليه السلام خطيبا فقال :  

أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لاهله يكن أرضى لله ونحن أهل البيت أولى بولايته هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أنتم كرهتمونا وجعلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم .

فقال له الحر بن يزيد : إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التى تذكر!

 فقال الحسين : يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي ! فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيدالله ابن زياد ! فقال له الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك . ثم قال لاصحابه قوموا فاركبوا  فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم ، فقال لاصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر:  ثكلتك أمك ما تريد ؟

قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ولكن والله مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه(7).. انتهى ما نقله الطبري .

والثكل  يعني فقد الولد .

ويبدو أن قسما من الكلمات تتأثر في معناها المتبادر إلى الذهن العام بالزمان ، فقد يكون لفظ عندنا اليوم مستنكرا بينما هو في زمان آخر ، ليس بتلك الصورة من الاستنكار . ومن ذلك الكلمة المذكورة ، أو قولهم قاتله  الله  فإنها اليوم كلمات مستنكرة بينما لم تكن كذلك في الزمن السابق ، وإلى ذلك أشار ابن الأثير في كتابه النهاية فقال : يجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء ، كقولهم تربت يداك ، وقاتلك الله .

ونحن نلتقي في سيرة النبي صلى الله عليه وآله ، مع أصحابه بهذه الكلمات كما نقل عنه في روايات الجمهور ففي مسند أبي داود الطيالسي روي عن رسول في حديثه مع معاذ : ...فقال : يا رسول الله قولك أولا أدلك على أملك ذلك كله ؟  فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى لسانه . فقلت يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما نتكلم بألسنتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟

بل نجد بعضهم يدعو على نفسه بذلك ، كما نقل ابن قتيبة في غريب الحديث إن عمر بن الخطاب سار مع رسول الله ليلا فسأله عن شئ فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ! فقال عمر: ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا لا يجيبك ( أي ألححت عليه ) .

ونقل الكوفي في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام كلام حذيفة مع أحدهم عندما استعلم عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام فقال حذيفة : يا ربيعة إنك لتسألني عن رجل والذي نفسي بيده لو وضع عمل جميع اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كفة الميزان من يوم بعث الله محمدا إلى يوم الناس هذا ووضع عمل علي يوما واحدا في الكفة الاخرى لرجح عمله على جميع أعمالهم !

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد !

فقال حذيفة : وكيف لا يحتمل هذا يا ملكعان ( لكع ) أين كان أبو بكر وعمر و حذيفة  ثكلتك أمك - وجميع أصحاب محمد ؟ يوم  عمرو بن عبد ود ينادي للمبارزة ؟ فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فقتله الله على يديه والذي نفسي بيده لعمله ذلك اليوم أعظم عند الله من جميع أعمال أمة محمد إلى يوم القيامة .

بل نجد أمير المؤمنين عليه السلام يتحدث عن أخيه عقيل ، فيقول له ذلك كما في نهج البلاغة :

(.. وعاودني مؤكدا . وكرر علي القول مرددا ، فاصغيت إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبربها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها . فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ، أتئن من الاذى ولا أئن من لظى .. )

هذه الشواهد وهي غيض من فيض تشير إلى أن هذه الكلمة في ذلك الوقت لم تكن تعطي المعنى الذي يتبادر إلى الذهن اليوم .

بل حتى لو فرضنا أن هذه الكلمات كانت تعني الدعاء الجدي والحقيقي على الطرف المقابل بأن تثكله أمه ، وأن يموت ، فلا مانع من الالتزام بها في مورد مخاطبة الإمام الحسين عليه السلام مع الحر الرياحي ، فإن الحرـ إلى ذلك الوقت ـ كان باغيا على إمام زمانه ، ومضيقا عليه مسيره ، وهذا يعني إعلان الحرب عليه ، ولو قتل في تلك الحال لكان مصيره إلى النار دون ريب ، وكان حينئذ على من يناصر الحسين عليه السلام أن يشهر سيفه في وجه الحر ويقاتله ويقتله لو استمر ..  فلا مانع من الالتزام بهذا المعنى .

 

* هل كان الحسين عليه السلام يعلم بمقتله أم لا ؟ والأمر نفسه بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فإن كان يعلم فهو إلقاء بالنفس في التهلكة ، وإن كان لا يعلم فكيف يمكن تفسير ما يذكر على المنابر من أقوال تفيد علمها عليهما السلام بمقتلهما ؟

الجواب : بالرغم من أن هذا البحث طويل الذيل ، وفيه بعض الجوانب التخصصية ، إلا أننا سوف نسعى بمقدار ما يمكن لتبسيط الجواب ، وذكر أهم أجوبة العلماء في المسألة ثم نركز على الجواب الأسلم بينها :

فقد سئل الشيخ المفيد رضوان الله عليه  عن ذلك وأجاب بما يلي :

1/  إن إجماع الشيعة قائم على علم الإمام بالحكم في كل ما يكون ، دون أن يكون علما بأعيان ما يحدث تفصيلا ( أي أن إجماع الشيعة منعقد على علمهم التفصيلي بالأحكام ولا إجماع على ذلك في المواضيع ) ،  ولا نمنع علمه بذلك باعلام الله له .

2/ علم الإمام بقاتله وعلمه بأنه مقتول لا شك فيه ، وأما علمه بوقت قتله فلم يثبت بأثر( أو خبر تام )  .

3/ لو أتى عليه أثر لم يكن مشكلا حيث لا نمنع أن يتعبده  الله بالصبر والاستسلام ليبلغ من المرتبة ما لا يبلغه إلا به(8) .

وأما جواب الشيخ الطبرسي : إن فعله يحتمل وجهين أحدهما : إنه ظن أنهم لا يقتلونه لمكانه من رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " والآخر : إنه غلب على ظنه أنه لو ترك قتالهم قتله الملعون ابن زياد صبرا ، كما فعل بابن عمه مسلم ، فكان القتل مع عز النفس والجهاد ، أهون عليه .

أما العلامة المجلسي فقد نقل جواب العلامة الحلي رضوان الله عليهما من المسائل المهنائية فقال ـ في جواب عن مقتل أمير المؤمنين عليه السلام ـ ( ويلاحظ أن كلا جوابيه ينتهيان إلى أجوبة الشيخ المفيد )  :

* بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة ، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل . ( وهذا الجواب هو نفس جواب الشيخ المفيد في أنه لا يعلم على نحو التفصيل بلحظة المقتل ) .

 * وأن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا ، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى ، كما يجب على المجاهد الثبات ، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل (9).

لكن الذي يظهر من السيد المرتضى رحمه الله أن الحسين عليه السلام ربما كان يشاهد لوائح النصر وعلامات النجاح في الثورة ، وهذا الذي دفعه إلى التحرك والإقدام . فقال :

قد علمنا أن الإمام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين (10).

ثم قال ما حاصله : أن الأمور قد سارت فيما بعد على خلاف هذا الظن ، وأن الاتفاق السيء قد عكس هذا الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم . ثم صار بين أن يكون آخر أمره إلى الذل وربما صار مع ذلك إلى القتل من قبل عبيد الله بن زياد ، وبين أن يلجأ إلى المحاربة والمدافعة ، فاختار الشهادة والسعادة ..

أقول : هذا الذي ذكره رضوان الله عليه  يشم منه عدم علم الإمام عليه السلام بمصرعه ، وهو خلاف ما يذكره التاريخ ، والروايات ، ولذا فقد رد السيد محسن الأمين رحمه الله في كتابه لواعج الاشجان بنحو مفصل ذاكرا الشواهد التاريخية على علم الإمام بمصرعه من كلمات الإمام وغيرها فقال :

 ومما  يدل على ان الحسين عليه السلام كان موطنا نفسه على القتل وظانا أو عالما في بعض الحالات بأنه يقتل في سفره ذلك :

 * خطبته  التي خطبها حين عزم على الخروج إلى العراق التي يقول فيها خط الموت على ولد آدم ...الخ فان أكثر فقراتها يدل على ذلك .

 * ونهي  عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام له بمكة عن الخروج وإقامته البرهان على ان ذلك ليس من الرأي بقوله انك تأتي بلدا فيه عماله وأمراؤه وعدم اخذ الحسين عليه السلام بقوله مع اعتذاره إليه واعترافه بنصحه .

* ونهي  ابن عباس له ايضا محتجا بنحو ذلك من ان الذين دعوه لم يقتلوا اميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا بلادهم .

* وجوابه  لمحمد بن الحنفية حين أشار عليه بعدم الخروج إلى العراق فوعده النظر ثم ارتحل في السحر فسأله ابن الحنفية فقال له الحسين عليه السلام أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شاء ان يراك قتيلا قال ما معنى حملك هذه النسوة معك قال ان الله قد شاء ان يراهن سبايا (11).

* وقول " ابن عمر له حين نهاه عن الخروج فأبي انك مقتول في وجهك هذا فأنه دال على ان ظاهر الحال كان كذلك وما ظهر لابن عمر ما كان ليخفى على الحسين عليه السلام " وقول " الفرزدق له قلوب الناس معك واسيافهم عليك .

* وقول " بشر بن غالب له اني خلفت القلوب معك والسيوف مع بني امية وتصديق الحسين عليه السلام له .

* ونهي " عبد الله بن جعفر له وقوله إني مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك وقول الحسين عليه السلام له اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وامرني بما انا ماض له وامتناعه من أن يحدث بتلك الرؤيا " وما " رآه في منامه بالثعلبية " وقوله " لابي هره وايم الله لتقتلني الفئة الباغية " " وقوله " لاصحابه حين جاءه خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر انه قد خذلنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف وقول الحسين عليه السلام له ليس يخفى على الرأى ولكن الله تعالى لا يغلب على امره وقوله عليه السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي " وقوله عليه السلام وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني .

*  وكتابه  الذي كتبه إلى بني هاشم حين توجه إلى العراق اما بعد فأنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح .. إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع المتأمل وهذه كلها ما بين صريح أو ظاهر في المطلوب .

ثم إنه نقل ما ذكره السيد بن طاووس فقال:  وإلى هذا الذي ذكرناه ذهب ابن طاوس عليه الرحمة ايضا في اللهوف حيث قال الذي تحققناه ان الحسين عليه السلام كان عالما بما انتهت حاله إليه وكان تكليفه ما اعتمد عليه ثم اورد بعض الاخبار الدالة على ذلك ثم قال لعل بعض من لايعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد ان الله لايتعبد بمثل هذه الحالة ورده بأن الله تعالى تعبد قوما بقتل انفسهم فقال ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ) .انتهى كلام السيد الأمين .

فتحصل : أن التوجيه للمسألة بعدم علم الإمام بمصرعه ، لا ينسجم مع ما هو المختار والمشهور من علمهم صلوات الله عليهم . وتوجيهها بعدم وجود أخبار أو آثار أيضا لا يتفق مع المعروف تاريخيا . فيبقى توجيهه مع فرض العلم بالمصرع . وفيه إما أن ينفى انطباق عنوان التهلكة عليه ، فإن التهلكة بالمعنى الأخروي يعني السير في طريق لا يرضى به الله ومن المعلوم أن الطريق الذي سار عليه الحسين كان في رضا ربه .

بل حتى التهلكة بالمعنى الدنيوي أي فقدان الحياة فهي غير مرفوضة لو ترتب عليها فوائد عظيمة ، فلا تعد عند العقلاء ولا عند الشرع خسارة لو كان في مقابلها شيء عظيم ، ومن المعلوم عظمة الفوائد التي ترتبت على شهادة الإمام عليه السلام .

بل يقال أنه لا مانع أن يتعبد الله قوما بامتحان أعظم لينالوا من المراتب (12) ما لا يناله غيرهم  فيقدمون على الموت إذا كان ذلك في رضا الله ، مع علمهم بأن هذا الطريق ينتهي إلى موتهم ، وهذا في أمور الجهاد واضح حيث تجتمع من القرائن لدى الذاهب إلى القتال ما يعلم ـ علما عاديا متعارفا ـ أنه سيقتل . ومع ذلك يذهب ، بل هناك حالات يكون غيره يعلم بموته أيضا فضلا عنه ، كما نقل أن الرسول لما وجه المسلمين لمقاتلة الروم في مؤتة ، قال : إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعلى الناس عبد الله بن رواحة .. فعلم المسلمون أنهما يقتلان .

وإنها لمنزلة عظيمة أن يعلم الانسان أنه مقتول في طريق الله ومع ذلك يختار ما عند الله سبحانه .

 

* و ألا يُعد ذلك إلقاءا بالنفس في التهلكة ؟

 الجواب : إنه في البداية ينبغي أن يُعرف معنى التهلكة ، ثم يتم على ضوء ذلك تحديد أن العمل الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام هل يدخل فيها أو لا يدخل ؟ أولا هذه الكلمة وردت مرة واحدة في القرآن الكريم فقط ، وهي في سورة البقرة آية 195  ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واحسنوا إن الله يحب  المحسنين )

وقد ذكر الشيخ الطوسي في التبيان المعاني المتصورة في الآية فقال : ج 2   ص 152 :

قيل في معنى الاية وجوه :

 أحدها - قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك ، وهو المروى عن حذيفة ، وابن عباس : إن معناها " لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " بالامتناع من الانفاق في سبيل الله .

الثاني - ما روي عن البراء ابن عازب ، وعبيدة السلماني : لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة.

الثالث - ما قال البلخي ، من أن معناها : لا تتقحموا الحرب من غير نكاية في العدو ، ولا قدرة على دفاعهم . والرابع - ما قاله الجبائي لا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي على النفس .

ثم قال الشيخ والاولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك .

 أقول : تارة يراد تأويل الآية وتطبيقها على المصاديق المختلفة ، فيصح ما ذكر ، وغيره كما أن الإمام الباقر عليه السلام قد طبقها على العدول عن ولاية أهل البيت عليهم السلام ، وكل ذلك صحيح ، فلا مانع من الجري والانطباق لآية على مصاديق كثيرة ، وتارة يراد تفسيرها فيكون الصحيح هو ما ذكر من أنه أنفقوا ولكن لا تهلكوا أنفسكم بكثرة الانفاق ، وإنما يجب أن يكون الانفاق بنحو الاحسان وهو حد وسط بين الاسراف والكثرة وبين التقتير ومسك اليد، وشاهد ذلك أن طرفي الآية من الصدر والعجز ظاهران في الانفاق فلا بد أن يكون الوسط وهو ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) كذلك .

وعلى هذا فالمقصود هنا هو التهلكة الدنيوية . بمعنى أن نظام حياتكم ينبغي أن يكون قائما على أساس الاعتدال .

وأما بناء على المعنى الآخر فالمقصود هو التهلكة الأخروية ، أي أن لا يحصل منكم عمل ينتهي إلى الهلاك الأخروي وسوء العاقبة عند الله سبحانه ، بأن تتركوا ولاية أهل البيت أو تقوموا بالمعاصي ، وما شابه .

والمعنى الأول لا يرتبط بقضية الإمام الحسين عليه السلام ، كما أن المعنى الثاني غير معقول في حقه ، فإن معناه أن لا يعمل المرأ عملا يؤدي به إلى الهلاك والدخول في نار جهنم فلا بد أن يقوم بعمل ينتهي إلى النجاة و وليس سوى الطاعة ، والحسين لم يفعل إلا طاعة الله .وأي طاعة أفضل من أن يقتل المرء في سبيل الله ؟

ثم إننا "  لو تنزلنا وقلنا بحرمة التهلكة فإنما تصح لو كانت بلا عوض ، وأما التهلكة التي يعوض فيها الانسان بأسمى أنواع العوض والأجر فليست سيئة كما هو الحال في نظر الناس . فالتضحية لأجل الدين وهي هلكة بمعنى الموت ليست قبيحة في نظر العقل ..

ورابعا: أنه في الفقه الإسلامي ليست كل تهلكة حراما ، بل لو كانت الآية عامة أو مطلقة فهي مقيدة بما دل على الجهاد بقسميه ، و ( سيد الشهداء  ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله ..) ، ومثل تسليم المجرم نفسه للقضاء الشرعي ليقام عليه حد الرجم أو الجلد أو القطع " (13).

ولو كان قيامه صلوات الله عليه وشهادته تهلكة ، لكانت حركات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التاريخ الإسلامي كلها تهلكة ، ولتم حذف كل أبواب الجهاد وأحاديثه من كتب المسلمين ، فإن الجهاد ملازم للموت والهلكة الدنيوية ، ولكن فيه الحياة الأخروية الباقية والخالدة .

 

 * هناك من يقول : لماذا تبكون على الحسين مع أن النبي قد نهى عن البكاء والنياحة ؟ إننا نجد أن الشيعة يقومون في موسم محرم بذلك مع أنه غير مشروع ؟

الجواب : بالنسبة إلى مسألة البكاء سوف ننقل ـ مع شيء من الترتيب ـ في البداية رأي أحد علماء العامة وهو ابن قدامة المقدسي ـ حنبلي المذهب ـ من كتابه المغني(14) فقد كتب :

( مسألة ) قال ( والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة ) أما البكاء بمجرده فلا يكره في حال وقال الشافعي يباح إلى أن تخرج الروح . ولنا ( في أن البكاء غير مكروه ) ما روى أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان .

وقبّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت ورفع رأسه وعيناه تهراقان .

وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وان عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ..

وانه دخل على ابنه ابراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن ابن عوف وأنت يا رسول الله ؟ فقال ( يا ابن عوف انها رحمة ) ثم اتبعها بأخرى فقال ( ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون ) متفق عليهما .

 وأما الندب فهو تعداد محاسن الميت وما يلقون بفقده بلفظ النداء لانه يكون بالواو مكان الياء وربما زيدت فيه الالف والهاء مثل قولهم وارجلاه واجبلاه وانقطاع ظهراه وأشباه هذا والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب وضرب الخدود والدعاء بالويل والثبور ، فقال بعض أصحابنا هو مكروه ، ونقل حرب عن أحمد كلاما فيه احتمال اباحة النوح والندب اختاره الخلال وصاحبه لان واثلة بن الاسقع وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان ، وقال احمد : إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح يعني لا بأس ، به وروي عن فاطمة رضي الله عنها انها قالت : يا أبتاه ، من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه . وروي عن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت :

 ماذا على مشتم تربة أحمد              أن لا يشم مدى الزمان غواليا

 صبت علي مصيبة لو أنها               صبت على الايام عدن لياليا

 وظاهر الاخبار تدل على تحريم النوح وهذه الاشياء المذكورة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حديث جابر لقول الله تعالى ( ولا يعصينك في معروف ) قال أحمد هو النوح . ولعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة ، وقالت أم عطية : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح متفق عليه وعن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى  الجاهلية ) متفق عليه ، ولان ذلك يشبه الظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله

 وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( ان الميت يعذب في قبره بما يناح عليه ) وفي لفظ ( ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) وروي ذلك عن عمر وابنه والمغيرة ، وهي أحاديث متفق عليها . واختلف أهل العلم في معناها فحملها قوم على ظواهرها وقالوا يتصرف في خلقه بما شاء ، وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت ؟ ) قال الترمذي هذا حديث حسن .

وأنكرت عائشة رضي الله عنها حملها على ظاهرها ووافقها ابن عباس ، قال ابن عباس : ذكرت ذلك لعائشة فقالت : يرحم الله عمر ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ) ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه ) وقالت : حسبكم القرآن ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال ابن عباس عند ذلك والله أضحك وأبكى وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه فما قال شيئا رواه مسلم .

فتحصل أن استدلالهم على عدم جواز الندب :

1/ بما رووه من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه . ويعضده ما روي ( ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت ؟

2/ بما ذكروه من  لعن النبي النائحة والمستمعة .

3/ وبأنه يشبه التظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله .

ولا يخفى على المتأمل ما فيها ، فأما ما ذكر من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقد كفانا مؤونةَ رده ، ما قالته عائشة .. وأن معناه غير مقبول من الناحية الإسلامية ومخالف للقرآن فإما أن يكون راويه واهما في النقل أو الاحتمال الآخر .. كما أن مقتضاه أن يعذب ـ والعياذ بالله ـ مثل الشهيد جعفر بن أبي طالب الطيار لأجل بكاء النبي صلى الله عليه وآله عليه ؟؟ أو يعذب النبي ـ والعياذ بالله ـ وهو سيد الخلائق ببكاء الصديقة الزهراء عليها السلام عليه ؟؟

بل يستطيع ـ على هذا ـ شخص من الأحياء أن يزيد في عذاب ميت من أقاربه كان يعاديه بأن ينوح عليه حتى يكثر عذابه ، ويزيد .. وهو كما ترى !!

وأما ما ذكر من لعن النائحة لو ثبت فهذا يفسره ما رووه ( ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول ..) ومعناه لو تم صدوره عن النبي أن النياحة بالكذب غير جائز ، باعتبار أن الكذب غير جائز سواء كان بنحو النياحة أو الفرح أو الحديث العادي ، فهنا لا موضوعية للنياحة وإنما النهي منصب على موضوع الكذب فيها . والشاهد فيه قول الملكين : يلهزانه : أهكذا كنت ؟  فإن كانت النياحة والندب بالصدق فلا معنى للهز الملائكة .. لأنه ليس بكذب ! وما ذكر في تفسير الآية ( ولا يعصينك في معروف ..) قال أحمد هو النوح .. ونقول هو يُحمل على النوح بالباطل والكذب .

 وأما أنه يشبه التظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله ، فبين هذا وبين النياحة عموم من وجه، أي قد يكون تظلم وسخط بقضاء الله من غير نياحة ، وقد تكون نياحة من غير تسخط بقضاء الله ، وقد تكون نياحة مع التسخط .. وهنا لا يتم الاستدلال بالمنع إلا في مورد الاجتماع لا عموم النياحة كما هو واضح  ..

هذا عند جمهور المسلمين ، وأما عند  أتباع أهل البيت عليهم السلام  فيجوز البكاء والنياحة على الميت . ويستدل عليه  :

ـ بأصل الإباحة فإنه مع الشك في أن البكاء أو النياحة حرام يأتي أصل الإباحة فضلا عما سيأتي من الأدلة على الجواز بل الاستحباب في بعض الحالات     .

ـ وبسيرة المعصومين عليهم السلام فإنهم بكوا على أمواتهم ـ ولو بحسب الظاهر عند الناس كيوسف ـ إذ  بكى نبي الله يعقوب على يوسف ، وواقعا كبكاء باقي المعصومين : فقد بكى النبي صلى الله عليه وآله على إبراهيم ابنه ، وعلى أمه عندما زار قبرها فبكى وأبكى ، وأمر أن يبكى على حمزة سيد الشهداء بعد واقعة أحد ، وأظهر تأسفه على أن حمزة لا بواكي له(15) ، فلما رأت نساء الأنصار ذلك كن لا يبكين قتلاهن حتى يبدأن بحمزة ، تقول أم سعد : إلى يومنا هذا .  وبكى علي أمير المؤمنين عليه السلام على أمه فاطمة بنت أسد ، وبكت فاطمة الزهراء على أبيها ، وبكى علي والحسنان على الزهراء عليهم السلام ، وعلي بن الحسين على أبيه الحسين عليهم السلام .. وباقي الأئمة على الحسين مما يجده المتتبع لحياتهم صلوات الله عليهم .

ـ وبسيرة المتشرعة المتصلة والممضاة من قبل المعصومين عليهم السلام ، فقد بكت الفاطميات وناحت على الحسين عليه السلام ، بمسمع ومرأى من زين العابدين عليه السلام، وأنشدت الرباب الشعر في رثاء الحسين عليه السلام ، وهو يسمع . وإنشاد الشعر من قبل الشعراء أمام الأئمة في حق الحسين عليه السلام كثير ويمكن مراجعته في  باب 104 من أبواب المزار في الوسائل .

ـ وبالروايات وهي كثيرة  كما في باب 87 من أبواب الدفن و 88 من كتاب وسائل الشيعة كتاب الطهارة للحر العاملي .

 بل ورد أنه لا مانع من البكاء حتى على غير المؤمن من الضُّلال .. إذا كان على وجه الرقة والحزن والأسف على مصيرهم . مما لا يعد تأييدا لطريقتهم كما في باب 89 من الوسائل ، وعليه يحمل ما فعله بعض أجلة العلماء مثل الشريف الرضي والمرتضى مع صاحبهما أبي إسحاق الصابي حيث رثاه كل منهما بقصيدة غراء .

نعم قد يعارضه أمور :

ـ منها ما في دعوى ( المبسوط) (16) الإجماع على عدم جواز النياحة ، ولكنها كما ذكر الكثير دعوى غير مقبولة وتعجب بعضهم من دعوى الشيخ الاجماع (17) على المسألة .. نعم لو أراد النياحة المذكورة التي تنتهي إلى الكذب ، فلا مانع من ذلك لكن المدعى غيرها .

ـ ومنها ما في جملة من الأخبار الناهية عن النياحة والجزع ففي رواية جابر ( .. ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه ) وفي رواية أخرى ( النياحة من عمل الجاهلية) وما ورد من الإيصاء بأن ( لا تخمشي علي وجها ولا تشقي علي ثوبا ) وقد نقل هذا المضمون عن النبي والحسين عليهما السلام .

والجواب عنها أن الأولى ناظرة إلى النياحة الكاذبة التي كانت على زمان الجاهلية ، والثانية بأن بين ما ذكر ( خمش الوجوه وشق الثياب ) وبين النياحة عموما من وجه ، والكلام هو في النياحة التي لا يوجد فيها تلك الأمور .

ـ ومنها حسنة معاوية بن وهب ( لجهة أبي محمد الأنصاري فإنه لم يوثق بتوثيق خاص لكن مدحه محمد بن عبد الجبار في رواية في الكافي ) : كل الجزع والبكاء مكروه إلا الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام .

فإنها بعمومها تدل على منع الجزع والبكاء مطلقا ، ويستثنى من ذلك الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام ، وأما ماعداه فيبقى تحت المنع .. وقد وجهت بتوجيهات مختلفة مثل أن (مكروه ) هل هي بمعنى الكراهة الاصطلاحي أو بما يشمل الممنوع ؟ أو أن المكروه هو مجموع البكاء والجزع .. أو غيرها،  ومحلها في الفقه حيث لا يتسع المقام لبسط الكلام فيه.

أما النياحة والندبة على الإمام الحسين عليه السلام فيمكن الاستدلال عليها :

أولا : بما سبق من الأدلة الدالة على جواز البكاء والنياحة على المؤمن فكيف برأس الإيمان وإمام المؤمنين ؟

وثانيا : بما ورد من الروايات في خصوص هذا الموضوع : فمنها حسنة معاوية المتقدمة .

ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر(18).

وفي هذه الرواية إضافة إلى ذكر الثواب الكثير على البكاء مما يفيد ما هو أكثر من مجرد الجواز بل الاستحباب ، يستفاد منها جواز واستحباب ذكر الذاكر للأئمة ـ عموما وليس الحسين عليه السلام فقط ـ .

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم : عن الباقر : كان علي بن الحسين عليه السلام يقول أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفا يسكنها أحقابا . وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق ..

وثالثا : بأن البكاء والنياحة على الحسين عليه السلام مما ينطبق عليه عنوان إحياء الدين، وأمر أهل البيت وهو في أدنى درجاته مستحب . فمنها صحيحة الفضيل ـ وقد تقدم شطر منها ـ ( تجلسون وتتحدثون ؟ قلت نعم ، فقال : إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا) .

 

*هل يختص البكاء والندبة بوقت ؟

إن عمومات جواز البكاء والنياحة على المؤمن فضلا عن الحسين عليه السلام واستحبابه عليه ، لا تختص بوقت دون آخر ، نعم لو كانت مجددة للحزن على قريب الميت ، وداعية إلى تأثره وتألمه فلا ينبغي ذلك بالنسبة للمؤمن ، وأما بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام ، فلما كانت تجديدا للعهد ، وداعية للتذكر ، وباعثة على الاقتداء والتأسي ، كان من المستحب الاستمرار عليها .

إن البكاء على الحسين عليه السلام ( وسائر المعصومين ) له فوائد متعددة :

ـ فهو من جهة يمثل إعلان موقف انسجام ، وانتماء ، للحسين عليه السلام ولخطه ، ومواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وأهل البيت عليه السلام . ولعل فقرة الزيارة المشهورة ( لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري )(19) فيها إشارة إلى هذا المعنى واستمراره .

ـ وفي نفس الوقت هو صرخة رفض للطغيان في التاريخ ، وتحديد لمسؤولية المنحرفين فيه، وأن تقادم الأيام لا يمحو عبثهم بقيم الدين ، وبمصالح الإسلام ، ولا يمحو جرائمهم بل يبقى هذا السجل الأسود يلاحقهم بلعنة اللاعنين وأسى المؤمنين على مصائب الطيبين الطاهرين . وفي هذا شيء من الردع للظالمين اللاحقين لكيلا يظنوا أن بإمكانهم أن يفسدوا في الأرض ويهلكوا الحرث والنسل ثم ينسلّون من صفحة الحياة بعد ما ملؤوها ظلما وجورا ، من دون أن يعكر صفوَ حياتهم شيءٌ .. كلا .. إن لعنة المؤمنين والذكر السيء المقرون بالاشمئزاز والتنفر ليلاحقانهم في البرزخ إلى يوم القيامة إذا ( جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون) (20) ..

كما أنه موقف طبيعي للإنسان الطبيعي ..

فإن من يقرأ الحوادث التأريخية ويكون  سويا ، فلا بد أن يتفاعل معها بحسب ما يتطلبه الموقف ، والحدث الذي يقرأ عنه ، وإلا كان عديم الاحساس ، بل لم يعد من الناس . فإن من يقرا سيرة النبي صلى الله عليه وآله ، ولا يتفاعل معها في المواقف المختلفة مستحسنا عمل النبي وسيرته تارة ، ومتأسفا على جحود أعدائه لدعوته أخرى ، ومسترقا خاضعا من مناجاته لربه ثالثة ، وحزينا تغرورق عيناه بالدمع على رحيله مريضا رابعة .. من لا يكون كذلك لا بد أن يُشك في كونه طبيعيا !! وهذا لا يرتبط بكون القارئ مسلما بل بكونه إنسانا ، فإذا لم تؤثر المواقف الانسانية النبيلة في عواطفه ، فقد خرج عن الحالة الانسانية السوية .

وإذا تطلع إنسان إلى القضية الحسينية وما جرى في معركة عاشوراء على أبطالها ، رجالا ونساء وأطفالا من القتل والذبح والتمثيل والتنكيل ، والسبي والإيذاء بكل صوره المتوقعة .. فلا بد أن يتأثر ويتفاعل معها ، ولو لم يحصل له أدنى مقدار من التفاعل فلا بد أن نشكك في إنسانيته وفي كونه سويا على الفطرة البشرية ، والخلقة الالهية .

ولعل هذا ما يشير إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في تأبين ابنه ابراهيم (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن) أي إن القلب السوي لا بد أن يتأثر ويتحرك  وأن العين الطبيعية لا بد أن ينعكس عليها تأثر الداخل فتفيض بالدمع ، وإلا لما كان هذا الانسان سويا .

بل يجد الانسان أنه يتأثر حتى لحال الحيوان .. فما ظنك بسادة البشر ؟ الذين إنما تحركوا في تلك الواقعة إلا بأنبل الدوافع وأطهر الأهداف ، وضحوا بأنفسهم وأموالهم وبنيهم وأصحابهم، من أجل  حياة الدين وكرامة الانسان .. قومٌ خيرهم ربهم ـ تشريعا ـ بين البقاء وفي مقابله انهدام الدين واللقاء به باذلين مضحين :

فرأيت أن لقاء ربك باذلا      للنفس خير من بقاء ضنين 

 

* سؤال : لماذا يقام العزاء للحسين كل سنة ؟ مع أنه قتل في سبيل الله ؟ ولماذا لا يقام العزاء لغيره ممن هو أفضل منه كالرسول ؟

 أما قتله صلوات الله عليه في سبيل الله فهذا ما لا يستطيع أن ينكره إلا مكابر ، وهذا لا يبرر عدم البكاء والحزن عليه ، فقد تقدم في جواب سابق استحباب البكاء عليه سلام الله عليه .

وأما كونه في كل سنة فما هو الإشكال فيه ؟ لقد ذكرنا أن ما ورد في جواز بل استحباب البكاء عليه ليست محدودة بزمان دون غيره . بل الفوائد المترتبة على المأتم الحسيني ، وذكر الإمام الحسين عليه السلام ، من استثارة العزائم في وجه الظالمين ، ومن تذكير المؤمنين بمسؤوليتهم تجاه الدين ، وما إلى ذلك من فوائد المنبر والمأتم الحسيني ( وقد نتطرق إليها في موضع آخر ) إن كل ذلك يستوجب أن يكون تجديد العزاء ـ لفوائده ـ بنحو دائم ، ولعل هذه الجهات هي التي تدعو أهل البيت عليهم السلام إلى جعل المنبر والمأتم الحسيني مما ينطبق عليه إحياء الأمر .

وأما أنه لماذا لا يقام ذلك للرسول ويقام للحسين ، فلجهات :

ـ منها أن الحديث عن الحسين عليه السلام ، إنما يتم باعتباره امتدادا للرسول ، وناصرا لشريعته ، ومقتبسا من نوره ، ولهذا فالحديث عن الحسين حديث عن جده المصطفى صلى الله عليه وعلى آله . بل تشير بعض الروايات ويساعدها الاعتبار على أن الحسين عليه السلام كان في وقته بمثابة مجمع خصال النبوة والإمامة ، وأن التجسيد الكامل للرسول صلى الله عليه وآله ، وأمير المؤمنين ، والزهراء والحسن عليهم السلام كان قد تمحض في الحسين عليه السلام . كما تشير إليه رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي التي رواها الشيخ الصدوق في العلل قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : يا بن رسول الله كيف صار يوم عاشورا يوم مصيبة وغم وحزن وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة  ، واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام، واليوم الذي قتل فيه الحسن  بالسم ؟ فقال : إن يوم الحسين  أعظم مصيبة من جميع سائر الايام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله عزوجل كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي صلى الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين  فيهم للناس عزاء وسلوة ، فلما مضت فاطمة  كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة فلما مضى الحسن  كان للناس في الحسين  عزاء وسلوة ، فلما قتل الحسين لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم الايام مصيبة(21).

هذا مع العلم أن العزاء على سيد المرسلين وخير الكائنات محمد صلى الله عليه وآله  والبكاء عليه ، وإقامة ذكره في كل عام في الوسط التابع لأهل البيت عليهم السلام هو أمر قائم ، في مناسبة التحاقه بربه في يوم الثامن والعشرين من شهر صفر . وإنما ينبغي توجيه السؤال لمن لا يقيم ذلك لا بالنسبة للحسين ولا لجده المصطفى !!

 

* كيف يمكن تصديق الروايات التي تعد بثواب عظيم لأجل عمل بسيط وهو البكاء وترتب عليه دخول الجنة ..

 الجواب : هذا الأمر لا يختص بالموضوع الحسيني فإن هناك الكثير من الروايات لسانها ذلك اللسان ..

فقد روي عن النبي أنه قال :  من قال لا إله إلا الله دخل الجنة(22) وعنه صلى الله عليه أيضا : من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت أكثر من  زبد البحر(23).  ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف وأربع وعشرون ألف حسنة(24)..

ومثلها أيضا في المجاميع الروائية لأهل البيت عليهم السلام . ونظرا لكثرتها العظيمة في كتب الفريقين  (السنة والشيعة) فلا ينبغي الخوض في أسانيدها على أن ما فيها من الأحاديث المعتبرة شيء ليس بالقليل .. فينبغي أن يكون الجواب عاما هنا وفي سائر المواضع . والجواب قد يمكن تمهيده عبر مقدمات :

1ـ أن الثواب عند الله سبحانه وتعالى  لا حدود له ، ومشكلة الإنسان أنه يقيس المعادلات الالهية بمقاييسه هو وهي مقاييس صغيرة وحقيرة للغاية . وهناك مشكلة أخرى وهي أننا لا نعرف كيفية الارتباط بين الفعل الإنساني والجزاء الالهي ، نعم نعرف أن هناك ارتباطا بينهما وأن ( من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) لكن أي عمل هو الأفضل جزاء عند الله ، هل هو الاطول زمانا ؟ أو الأكثر تكلفة ؟ أو الأصدق نية أو غير ذلك؟ فقد نرى في بعض المواقع أن عملا لا يستغرق سوى وقت قصير ومع ذلك يترتب عليه ذلك الثواب العظيم ، وقد نرى عملا من أعمال الجوانح والقلوب ، وهي لا تحتاج إلى بذل جهد ظاهري كبير ، أفضل من حيث الثواب [من عمل من أعمال الجوارح والأعضاء مما يبذل لأجله جهد كبير .. وهكذا . فنحن لا نعرف ذلك إلا من خلال الاخبار الالهي بواسطة الوحي .

ولذلك يتعجب الإنسان من مثل هذه الروايات لأنها تأتي في سياق خارج مقاييسه ، فهو محدود وهي لا حدود لها ، وهو بخيل وهي في نهاية الكرم .. ومن جهة أخرى هو لا يستطيع إدراك قيمة هذه الأمور عند الله ..

2ـ أن هذه الآثار المذكورة هي عادة على نحو الاقتضاء في التأثير وليست بنحو العلية التامة ، وإنما تقول أن هذه الآثار تترتب على تلك المقدمات ما لم يمنع مانع من تأثيرها ، أو يلغي فاعليتها . وهذا أمر يمكن ملاحظته في الحياة العامة للإنسان فهو يذهب إلى الطبيب ويصف له هذا دواء رافعا للمرض المعين ، ولكن ذلك ليس على نحو الحتم والعلية التامة وإنما ذلك الدواء يقتضي أن يرفع المرض وآثاره ما لم يكن هناك مانع عن تأثيره كتناول أدوية مضادة لتأثير الأولى ، أو التعرض لمسببات جديدة تزيد من آثار المرض وهكذا ..

ولعله إلى هذا يشير ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله : من قال سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال لا إله إلا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال الله أكبر غرس الله لها بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش : إن شجرنا في الجنة لكثير !! قال : نعم ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك إن الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم  ) (25). فهذه الآثار تترتب ما لم يأت مانع فيمنعها أو رافع يرفعها .

3ـ إنه لا يمكن التمسك بإطلاق هذه الروايات ، بل لا بد من حملها على المقيدات ، والنظر إلى سائر القرائن ..فليس صحيحا أن يقال مثلا : أن من قال كذا دخل الجنة ولو كان في قوله مستهزءا ، أو أن من بكى على الحسين دخل الجنة ولو كان غير مسلم .. الخ .

وإنما ينبغي النظر إلى سائر الروايات والنصوص الإسلامية الأخرى التي تكون بمثابة القرينة على المقصود من هذه الروايات التي بين أيدينا ، ويستفاد من سائر الروايات مثلا : أن القائل لهذا الذكر لا بد أن يكون معتقدا به ولو على نحو الاجمال ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) . فوصفهم بالكذب مع أن مقولتهم حقيقية ، وربما يكون ذلك لأجل الاختلاف بين مقام التلفظ ومقام الاعتقاد .

وهكذا بالنسبة إلى هذه الروايات فإنها ينبغي أن تلاحظ مع سائر الروايات الأخرى التي هي بمثابة القرينة بالنسبة لها ، حتى تنتج ما هو الصحيح .

4ـ إنه قد ينطبق عنوان ما على فعل من الأفعال ، فيكون ذلك الفعل علامة الإيمان ومظهر الدين ، وحينئذ فلا ينبغي التعامل مع الفعل  باعتبار ذاته وإنما باعتبار ما يرمز إليه ويدل عليه ، فإن ( شق سنام الناقة في قران الحج أو تعليق نعل في رقبتها) أمر لو نظر إليه في حدود نفس الفعل لم يكن شيئا مهما ، ولكن حين يكون عنوانا لشعائر الله ، لا يجوز لأحد حينئذ إحلاله كما قال القرآن ( لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد..). وحين يكون فعل من الأفعال عنوانا لشخصية الإنسان ، أو كاشفا عن عمق الإيمان فإنه يثاب بمقدار أهمية المنكشف لا بمقدار قلة الكاشف . إن دمعة ندم واستغفار من مذنب في جوف الليل قد تستوجب من الثواب أضعاف ما يستوجبه مقدار كبير من النوافل والصلوات المستحبة التي تتجاوز تلك الدمعة من حيث وقتها وزمانها . وإن قول ( لا إله إلا الله ومحمد رسول الله ) بما هو إعلان للإيمان وكفر بالطواغيت يمهد الطريق للمرء للوصول إلى الجنان . ويحقن بواسطته دم القائل ويصون ماله وعرضه ، وينقله من الظلمات إلى النور ، مع أنه لا يستغرق من حيث الزمان إلا شيئا يسيرا ، ولكنه يعني الانتقال من عبادة غير الله إلى عبادة الله . فيعطي للقائل جميع حقوق الانسان المسلم ويساويه بذلك الذي عبد الله منذ صغره وقام بالنوافل ..

والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام بما يمثل من إعلان موقف في الانتماء إلى خط الإمام عليه السلام ، وإعلان صرخة الاستنكار والعداء لظالميه وقاتليه وبما هو كاشف عن استيعاب خطه المقدس يجعل ترتب ذلك الثواب عليه أمرا طبيعيا .

 

* هل أن الذي قتل الحسينَ هم شيعتُه ؟ فنحن نقرأ في بعض الكتب أن شيعة الحسين في الكوفة هم الذين دعوه ثم خانوه وقتلوه !!

 الجواب : إن تلك الكلمة تشبه الكلمة التي قالها معاوية خداعا للناس عندما قتل عمار بن ياسر ، وكانوا قد عرفوا حديث رسول الله ( تقتله الفئة الباغية ) فقال معاوية : ما قتلناه إنما قتله من أخرجه(26) ؟! يعني علي بن أبي طالب عليه السلام .

فإننا لو عرفنا من هم شيعة الحسين عليه السلام ومن هم شيعة أعدائه ومن هم قتلته لعرفنا أن هؤلاء لم يكونوا إلا أعداءه ؟ إن أهل البيت عليهم السلام يتحدثون عن شيعتهم فيحددون مواصفاتهم العامة بحيث يصبح فاقد هذه الصفات غير معدود من شيعتهم باختلاف مستويات تخلف هذه الصفات ، في درجاتها فقد يسلب أصل الصفة وقد يسلب بعض درجاتها:

 ـ شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا (27).

ـ شيعتي من لم يهر هرير الكلب ولم يطمع طمع الغراب (28).

ـ شيعتنا أهل الورع  والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة (29).

ـ شيعتنا من قدم ما استحسن وأمسك ما استقبح وأظهر الجميل وسارع بالأمر الجليل ، رغبة إلى رحمة الجليل ، فذاك منا وإلينا ومعنا حيثما كنا.

- ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله .

- شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون ، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن. -: إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

- امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها ، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا ، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها.

- إن شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا.

- إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للإخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا .

- لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عزوجل (30).

في المقابل نحن نجد أن الإمام الحسين عليه السلام وهو العليم بمن يقاتله وصف الجنود الذين كانوا في المعسكر المقابل بأنهم : شيعة آل أبي سفيان . فقد ورد أن الحسين عليه السلام لما وقع صريعا وهجم القوم على مخيمه نادى  :  ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون (31).

وفي خطابه فيهم في يوم عاشوراء يحدد صفات قاتليه فيقول ( فسحقا يا عبيد الأمة ، وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ، ومطفئي السنن ، أهؤلاء تعضدون . وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله الغدر فيكم قديم ، وشجت إليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكلة للغاصب ) (32).

بل إن هذا الأمر كان واضحا لكل الأطراف فهذا عبيد الله بن زياد كان يرى ان النصر قد حصل  لشيعة آل أمية ، وأن القتل كان من نصيب شيعة الحسين مما يعني أن القتلة كانوا من المعسكر الآخر..فإنه ( لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودى الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه  وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن على وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثم أحد بنى والبة وكان من شيعة على كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع على فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف قال فلما سمع مقالة ابن زياد قال يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذى ولاك وأبوه يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصديقين )(33)، وهكذا كانت الحوارات بين المجاهدين الحسينيين والمرتزقة الأمويين تشير إلى أن الطرف المقاتل والمعادي للحسين لم يكن من شيعته وإنما من شيعة غيره فقد تكلم  حبيب بن مظاهر وقال لهم  : أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا !  فقال له عزرة بن قيس :  إنك لتزكى نفسك ما استطعت !  فقال له زهير( بن القين ) : يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإنى لك من الناصحين أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ! فقال :  يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا !!

قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن الطريق جمع بينى وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله .. (34).

ولنا أن نتساءل عن قتلة الحسين وأصحابه ، فهل كان عمربن  سعد بن ابي وقاص من شيعة الحسين ؟ أو أن يزيد بن معاوية كان من شيعة الحسين عليه السلام ؟ أو أن عبيد الله بن زياد كان من شيعته ؟ وهل كان شمر بن ذي الجوشن من شيعة الحسين ؟ .

إن مثل هذا الكلام عندما يصدر من كاتب أو مؤرخ فإنه يكون بمثابة اشتراك واضح في الجريمة بحيث يتهم فيها غير الجاني ويبرئ الجاني الحقيقي .

 

*  هل كان مجبورا على النهضة ؟

الجواب : إن من أصول عقائد أهل البيت عليهم السلام عقيدة الاختيار ، وأن الإنسان مسؤول عن عمله بمقدار ما يكون مالكا لقراره  ولاختياره . ولهذا يكون محاسبا عليه .. وهم يعتقدون بذلك خلافا لما روجته المدارس الفكرية الأخرى التي تذهب إلى أن الانسان مجبر على عمله ، ومضطر إليه ، ولا يعمل شيئا إلا وهو مساق إليه . وقد تحدث القرآن القرآن الكريم عن هذه العقيدة الخاطئة التي تمسك بها بعض الناس لتبرير أخطائهم وانحرافاتهم بل وشركهم كما قال تعالى ( وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين  )(35). وفي آية أخرى يفضح القرآن الكريم مقاصد أولئك القوم في دعواهم بجبرية عمل الانسان ، وأنه مسير إليه لأن الله يعلم ما سيفعله هؤلاء من عمل ولم يمنعهم ، ولهذا يعتبر آمرا لهم ، وهم لا يملكون مع أمره أمرا ، فيقول ـ بعد أن ينسب الفعل إليهم مما يبين أنه لا أحد صنع عنهم العمل بل هم فعلوه ، وهم المسؤولون عنه ، ثم يقول أيضا إن الله لا يأمر بالفحشاء (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون  فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) (36).

فعقيدة أهل البيت عليهم السلام وهي القرآن ، تنص على أن الانسان مختار ـ ضمن دائرة علم الله به وأن كل شيء بإذن الله ولكن الله لا يمنع أو يقسر تكوينا وإنما يأمر وينهى تشريعا ـ وبناء على اختياره ذاك يكون مثابا ومحاسبا و( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) .

والامام الحسين عليه السلام ـ كآبائه الطاهرين ـ يتحرك ضمن هذه الفلسفة ، فهو يقول (إنما خرجت لطلب الاصلاح .. أريد أن آمر بالمعروف .. ) فهو ينسب هذه الأفعال في الحركة المباركة تلك إلى نفسه وإلى عمله واختياره هذا الطريق . وهذا ما فهمه من رافقه فعلي ابنه الأكبر عليه السلام يقول ( لا نبالي وقعنا على الموت أو وقع الموت علينا ) .

وما ينقل مما ظاهره خلاف ذلك ينبغي أن يفهم في هذا الاطار ، ذلك أن الإمام لا يقول هنا ـ في هذه الحادثة ـ شيئا يخالف ما هو عليه من الاصول الثابتة التي يصرح بها في سائر الأماكن .. كقوله مثلا ( وخِير لي مصرع أنا لاقيه ) مما يتصوره البعض أنه مجبور على ذلك، أو قوله ( شاء الله أن يراني قتيلا ) أو الرواية القائلة بأن كل واحد من الأئمة كان لديه كتاب ينظر فيه فيعمل بموجبه .. فالأولان من الأقوال معناها أن مصرعي ليس مجهولا علي وإنما يأتي عن اختيار ، وخطة إلهية ، فلست غافلا عنه كما أنه ليس ناتجا من أشر أو بطر أو شهوة للقتال وإنما هو ضمن التخطيط الالهي ، الذي سأختاره لأني أختار رضى الله وبرغبة مني في الاصلاح فسيكون نتيجة كل ذلك هو أن يراني الله قتيلا . وهناك تفصيل لهذا المعنى في سؤال خاص .

كما أن الرواية المذكورة ، لو تمت من ناحية السند (37) تعني أن طريقة عمل كل إمام من الأئمة كانت تختلف عن طريقة الإمام الآخر تبعا لاختلاف الظروف ، ولذا كان عليه أن يطيع أمر الله التشريعي في خدمة الدين بهذا النحو المعين في الوصية .

 

* سؤال : لماذا اختلف دور الحسين عن دور الحسن عليهما السلام مع قرب المدة وتشابه الظروف ؟ وما هو دور الإمام الحسين بعد الصلح ؟

 لم يختلف دور الإمام الحسين عن أخيه الإمام الحسن عليهما السلام مع وحدة الظروف الزمانية والمكانية ، نعم لما تغيرت الظروف التي عاشها الحسين عليه السلام ، كان ينبغي أن تتغير لذلك طريقة العمل وهذا ما حصل .

وبيان ذلك : أن الظرف الذي عاش فيه الإمام الحسن إلى ان استشهد ، وعاش فيه الإمام الحسين بعد أخيه مدة عشر سنوات تقريبا : فقد استشهد الإمام الحسن عليه السلام في سنة 50 للهجرة ، ومات معاوية بن أبي سفيان في سنة 60 للهجرة واستشهد الإمام الحسين عليه السلام في سنة 61 للهجرة أيام حكم يزيد بن معاوية .

وقد تميز حكم معاوية سواء أيام الحسن أو الحسين عليهما السلام بأنه كان يبقي ـ قدر إمكانه ـ الظاهر الإسلامي على الخلافة ، والحكومة ، فهو يصلي بالناس جماعة ، ويأمر بالحج ، ولا يصدم جمهور المسلمين بما يخالف معتقداتهم بشكل صريح .. بل إنه قد استأجر جيشا من المرتزقة والاعلاميين  الذين يضعون الأحاديث في فضله باعتباره كاتبا للوحي !! وخالا للمؤمنين (38) !! وفي المقابل كان يسعى للقضاء على الخط الإسلامي الأصيل من الداخل لو تمكن ، فهاهو يعلن أنه لا يحب نداء الشهادة بالرسالة لرسول الله صلى الله عليه وآله(39)،كما أنه لو ترك الوصية بأمور فإنه لا يترك الوصية بشتم علي بن أبي طالب(40).

وكان الامامان عليهما السلام قد أرادا معالجة الموقف مع معاوية في البداية بالمقاومة العسكرية ، إلا أن الظروف لم تساعدهما ، نظرا لخذلان الجيش وخيانة بعض زعمائه ، فاضطر الإمام الحسن عليه السلام باعتباره الإمام الناطق حينئذ ، إلى المهادنة ضمن شروط كثيرة ذكرها من تعرض للحديث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام .

وبدأت الحرب في غير الميدان العسكري ، وفيها انتصر خط الإمامة والأئمة عليهم السلام ، فهم من جهة سعوا إلى بيان الخط الإسلامي الصحيح المتمثل في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، ولزوم اتباعه والسير عليه ، وفي بيان الكارثة التي تترقبها الأمة لو سلمت واستسلمت لبني أمية . وقد فضح الإمام الحسن عليه السلام بشروطه التي لم فرضها على معاوية ، فضح الحكم الأموي وأماط الستار عن حقيقة عدائه للاسلام ، وأيقظ النائمين آنئذ .. والذين كانوا في وقت من الأوقات يقرنون بين علي عليه السلام وبين معاوية !!

وأيضا كانا يقومان بتجميع شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وصيانتهم في وقت كانت سياسة معاوية قاضية بإفقارهم وإبعادهم ، وإيذائهم وإيجاد المبررات لقتلهم أيضا .

واستشهد الإمام الحسن عليه السلام قتيلا بسم أموي ، بينما استمر الإمام الحسن عليه السلام في نفس الخط السابق القائم على تدعيم وتركيز خط أهل البيت عليهم السلام ، من خلال حماية الأتباع ومساعدتهم بما يمكن في تلك الظروف ـ سواء من الناحية المادية  أو غيرها ـ أو من خلال نشر الفكر الصحيح ، والانتماء لخط أمير المؤمنين عليه السلام ببيان موقعه ومنزلته من النبي ، ولزوم اتباعه والاقتداء به . فكم من المناظرات دارت بين معاوية وبين الإمام الحسن عليه السلام ، وربما اشترك في بعضها شيعته كابن عباس . ولم تكن المناظرات في ذلك الوقت عند الأئمة ترفا فكريا ، أو إظهارا للقدرة والغلبة . وكذلك كان الحسين عليه السلام في ما بعد حيث أنه كان يجمع الناس بمناسبة وبغيرها لكي يذكرها بمناقب أمير المؤمنين ومنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وآله .  ففي موسم الحج وفي عرفات يجمع بني هاشم ويقوم خطيبا في الناس ويستنشدهم الله أن أي أحد منهم يعرف منقبة أو فضيلة لأمير المؤمنين فليظهرها على الملأ حتى يعرفوها ، ثم يتحدث لهم بما يعرف من فضائل علي ، ودوره في خدمة الدين ، واجتهاده مع رسول الله وتمثيله الامتداد لخط الرسالة .ولكي يرووا هذه المعاني عنه عندما يرتحلون إلى أوطانهم .

لكن تغيرت الظروف بالكامل مع موت معاوية ، وجاء يزيد ضمن عملية انقلاب فاضح حتى على الظاهر الديني الذي كان ربما يتشبث به معاوية أمام الناس ، وقد لخص الإمام الحسين عليه السلام الموقف في جملة واحدة بقوله ( وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد ) !! والعجيب أن مثل هذه المقالة لم تصدر عن الإمام الحسين عليه السلام في زمن معاوية (41) الذي عاصره الإمام الحسين حوالي خمسة وعشرين سنة ( خمس مع أبيه وعشر مع أخيه وعشر في زمان إمامته ) ، لكن أصدرها في حق يزيد بمجرد ولايته تلك على الأمة ، فما أن وصل خبر موت معاوية ، وولاية يزيد ، ودعوة الوليد للحسين إلى البيعة ليزيد حتى قال تلك المقولة التي اختصر بها كل المستقبل ، وكان ينظر فيها بنور الله . وهنا :

فما رأى السبط للدين الحنيف شفا         إلا إذا دمه في كربلا سفكا

 

* سؤال : كيف نرد على من قال : إن الحسين اجتهد فأصاب وله أجران ويزيد اجتهد وأخطأ فله أجر ؟ 

الجواب : يُرَد على ذلك بقول الشاعر :

 فيا موت زر إن الحياة ذميمة    ويا نفس جدي إن دهرك هازل

ومن عجبٍ أن يُجعل الإمام الحسين عليه السلام وهو سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، والإمام بنص الرسول , في كفة ميزان مع يزيد بن معاوية كيف والمقايسة كما يقول الحسين عليه السلام ( إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا بدأ الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة  معلن بالفسق .. ) (42).

وتفصيل الأمر أن يقال :

1/ ما هو محل الاجتهاد ؟ فهل يستطيع أحد مثلا من المسلمين أن يجتهد في أمر وجود الله ؟ أو في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله ؟ فلو توصل مثلا إلى أن الله غير موجود ، أو أن محمدا ليس بنبي فهل يثاب على اجتهاده هذا الذي أخطأ فيه ؟ إن ذلك مما لا يقول به عاقل . وذلك أن للاجتهاد محلا محدودا في الفروع أما في الأصول فلا يمكن الاجتهاد (43).

والحسين عليه السلام بنص رسول الله صلى الله عليه وآله ، مع أخيه الحسن إمامان قاما أو قعدا وهما سيدا شباب أهل الجنة . وهما من أهل البيت الذي طهروا عن الرجس والدنس، وفيهم ورد ما ورد حتى عاد كونهم على الحق من الضروريات وشبهها عند الفريقين . وللحديث عن ما ورد في مناقبهم وفضائلهم مجال آخر .

فلا يمكن أن يدعي أحد أن أحدا يستطيع أن يجتهد في أمر قتل النبي صلى الله عليه وآله ، فيقاتله ثم يقال له إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران . ومثل ذلك قتال أمير المؤمنين عليه السلام ، والحسين .

2/ من هو المجتهد .؟ لو فرضنا أن هناك مجالا للاجتهاد ـ وهو الفروع ـ فهل يستطيع كل مسلم أن يجتهد فيها ؟ إن الاجتهاد يحتاج إلى طي مراحل مهمة في العلوم الممهدة له حتى يصل المرء إلى مرتبة المجتهد ، القادر على فهم أحكام الدين من خلال استنطاق النصوص ، ومعرفة القواعد ، وأين يزيد بن معاوية من هذا ؟ هل يحتمل أحد أن يكون يزيد من هذا القسم ؟ لقد قال الحسين عليه السلام مبينا شخصية يزيد ومستواه ، واهتماماته عندما خطب معاوية ذاكرا ليزيد أمورا كاذبة يؤهله فيها للخلافة ، قام الحسين عليه السلام فقال :

هيهات يا معاوية : فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى محلت ، وجزت حتى جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه بنصيب ، حتى أخذ الشيطان حظه الاوفر ، ونصيبه الاكمل ، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله ، وسياسته لامة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم  خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبّق لاترابهن ، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصرا ، ودع عنك ما تحاول ..) (44).

هذا هو يزيد فهل يتفرغ والحال هذه للاجتهاد ؟

إننا نعتقد أن مثل هذه الأفكار هي التي تمهد الارضية لأن يأتي بعض الجهلة من المسلمين لكي يفسّقوا الآخرين ويبدّعوهم ، وينسبونهم إلى الجاهلية أو الكفر ، ثم يقومون بقتلهم .. ولا يتقون الله في دماء المسلمين ولا أعراضهم ولا أموالهم .. وقد شهد عالمنا الإسلامي في هذه الفترة الأخيرة ما يشيب لهوله ناصية الطفل من الجرائم القائمة على هذا الاساس .. فقتل المسلمين وهو مما ثبت بالضرورة حرمته يصبح ميدانا لاجتهاد أشخاص مثل يزيد ، وانتهاك أعراضهم يصبح محلا لفتوى من ليس له نصيب من العلم بمقدار ما له نصيب من الشهوات والانحراف !! .

ثم إن نفس هذا الكلام غير صحيح حتى على مسلك القوم ، فإن مسلكهم هو التصويب ـ لا أقل في بعض الصور ـ بمعنى أن ما أدى إليه نظر المجتهد فهو الحق ، كما قال الغزالي : (فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله ( أي ما يجوز فيه الاجتهاد )  كان ما أدى إليه الاجتهاد حقا وصوابا )(45). فإما أن يقال أن يزيد مجتهد واجتهاده صحيح لأن ما أدى إليه نظر المجتهد فهو صحيح ، فكيف يكون خطأ ؟؟  لكن الحق هو ما عرفت من أن مجال الاجتهاد لا يشمل مثل قتل الحسين عليه السلام ، كما أن المجتهد هو شخص خاص قد عرف من العلوم المرتبطة بمسائل الدين ما يؤهله لاستنباط الحكم الشرعي في الواقعة . وهو لا ينطبق على يزيد قطعا .

 

سؤال : ما هي حقيقة رض جسم الحسين بخيول الأمويين ؟ هل يصح أن الخيل قد تراجعت عن رض جسم الحسين عليه السلام مع أنها لا تمتلك ارادة ؟ أو أن الخيول التي تجرأت على رضه هي خيول الأعوجية ؟

الجواب : الثابت تأريخيا أن القوم بعدما قتلوا الحسين عليه السلام وفصلوا رأسه الشريف عن بدنه ، قاموا بتنفيذ أمر عبيد الله بن زياد في رسالته الأخيرة لعمر بن سعد يوم التاسع من محرم والتي أمره فيها بنحو صارم أن ( ..  فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فإنه عاق مشاق ، قاطع ظلوم ، وليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ، ولكن علي قول : لو قد قتلته فعلت به هذا . . . ) . وقد وردت الروايات بأنهم قاموا بذلك العمل ، بل ذكرت المصادر التأريخية أسماء أولئك المجرمين الذين قاموا بالعمل المذكور فقد ذكر العلامة المجلسي في بحاره بأنه بعد مقتل الحسين عليه السلام : ( نادى عمر ابن سعد في أصحابه : من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره ، فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن الطفيل السنبسي ، وعمروبن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وواحظ بن ناعم ، وصالح بن وهب الجعفي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي ، واسيد بن مالك ، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره . قال : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال اسيد بن مالك أحد العشرة  :

 نحن رضضنا الصدر بعد الظهر              بكل يعبوب شديد الاسر

فقال ابن زياد : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى  طحنا جناجن صدره فأمر لهم بجائزة يسيرة(46) . ونفس الأمر نقله الطبري عن أبي مخنف .

نعم قد يستعظم ذلك من قبل المؤمن ولا يراه ممكنا لقداسة الحسين ، وعظمة شأنه عند الله سبحانه وتعالى ..  ولكن هذا لا يمنع وقوع أشد أنواع البلاء على أهل الايمان ، فإن من الأنبياء من نشروا بالمناشير ، ومنهم من مشط بأمشاط الحديد .. وهكذا .

نعم قد ذكر في البحار أن في الكافي رواية تدل على أن الخيول لم ترض صدر الحسين عليه السلام ، ولم أعثر على تلك الرواية . ويرى بعضهم أن الخيل العربية لا تدوس على جسد القتيل في الحالات العادية بل تقفز فوقه ، فإن صح ذلك وثبتت الرواية فيمكن أن يكون ذلك في أول الأمر ، لكن فيما بعد كان من الثابت أنهم قاموا بذلك العمل .

وأما كونها من الخيل الأعوجية ـ لو ثبت ذلك ـ فليس بصفة ذم كما يتبادر إلى الذهن بدوا ، وإنما الذم لمن ركب على ظهرها ، وأجراها في غير ميدان الطاعة . فإن الأعوجية تعتبر من الخيول القوية والسريعة ، بل يعود أصل كثير من الخيول إلى فرس بهذا الاسم كان في الجاهلية .  قال ابن منظور في لسان العرب  :

  وأعوج : فرس سابق ركب صغيرا فاعوجت قوائمه ، والأعوجية منسوبة إليه . قال الأزهري : والخيل الأعوجية منسوبة إلى فحل كان يقال له أعوج ، يقال : هذا الحصان من بنات أعوج ، وفي حديث أم زرع : ركب أعوجيا أي فرسا منسوبا إلى أعوج ، وهو فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه ، وأعوج أيضا : فرس عدي من أيوب ، قال الجوهري : أعوج اسم فرس كان لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات وبنات أعوج ، قال أبو عبيدة : كان أعوج لكندة ، فأخذته بنو سليم في بعض أيامهم فصار إلى بني هلال ، وليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلا منه ، وقال الأصمعي في كتاب الفرس : أعوج كان لبني آكل المرار ثم صار لبني هلال بن عامر .

 

 * في السيرة : هل تصح قضية الحفيرة التي حفرت لمسلم ؟

الجواب : ما وجدت فيما لدي من المصادر التأريخية والروائية شيئا عن أنهم احتفروا لمسلم حفرة في ميدان المعركة وغطوها بالسعف أو التبن والتراب ، ثم انفرجوا عنه حتى هاجمهم فسقط فيها كما يذكر ذلك بعض . والاعتبار أيضا لا يساعد على وجود شيء من ذلك ـ مع عدم ذكرها في النصوص والمصادر ـ وذلك أن المعركة كانت سريعة بحيث ان جنود عبيد الله بن زياد كانوا قد أقبلوا يتصورون أنهم سيقبضون عليه بسهولة ، لكن قتال مسلم بن عقيل بذلك النحو العنيف ، ردهم على أعقابهم حتى لقد طلب محمد بن الأشعث المدد من أميره بن زياد . فلا يعتقد والحال هذه أنهم أقدموا على حفر حفرة خصوصا وأن المعركة دارت بين الأزقة والطرقات ، وليست في منطفة مكشوفة حتى تتقدم فرقة للقتال ، وأخرى للحفر مثلا ، ولذا استعانوا بأن يرموه بالحجارة بل بأطنان القصب المشتعل بالنار من فوق السطوح(47). والله العالم بحقائق الأمور .

 

سؤال عن وقوف جواد الحسين وسؤاله القوم ؟ هل أنه لم يكن يعلم بالأرض ؟

نقل الشيخ الشريفي في كتابه كلمات الإمام الحسين (ع) ما يلي : وهناك رواية عن ابى مخنف في مقتله باسناده عن الكلبى انه قال : وساروا جميعا الى ان اتوا الى ارض كربلا وذلك في يوم الاربعاء فوقف فرس الحسين عليه السلام من تحته فنزل عنها وركب اخرى فلم ينبعث من تحته خطوة واحدة ولم يزل يركب فرسا بعد فرس حتى ركب سبعه افراس وهن على هذا الحال فلما رأى الإمام ذلك الامر الغريب . قال : ما يقال لهذا الأرض ؟ قالوا : ارض الغاضرية . قال : فهل لها اسم غير هذا . قالوا : سمى نينوى . قال : هل لها اسم غير هذا قالوا : تسمى بشاطئ الفرات . قال : هل لها اسم غير هذا . قالوا : تسمى كربلا . فتنفس الصعداء قال : ( ارض كرب وبلاء ، ثم قال : قفوا ولا ترحلوا منها فهاهنا والله مناخ ركابنا ، وهاهنا والله سفك دمائنا ، وهاهنا والله هتك حريمنا ، وهاهنا والله قتل رجالنا ، وهاهنا والله ذبح اطفالنا ، وهاهنا والله تزال قبورنا ، وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله ولا خلف لقوله ) . وقال القندوزي : فساروا جميعا إلى أن انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف جواد الحسين ، وكلما حثه على المسير لم ينبعث من تحته خطوة واحدة ، فقال الإمام (ما يقال لهذه الاءرض ) ؟ قالوا : تسمى كربلا . فقال : ( هذه والله أرض كرب وبلا ، هاهنا تقتل الرجال وترمل النساء ، وهاهنا محل قبورنا ومحشرنا ، وبهذا أخبرني جدي صلى الله عليه وآله ) . وفي رواية اخرى قال الإمام عليه السلام : ( قفوا ولا تبرحوا ، هاهنا والله مناخ ركابنا ، وهاهنا والله محط رحالنا ، وهاهنا والله تسفك دمائنا ، وهاهنا والله يستباح حريمنا ، وهاهنا والله محل قبورنا ، هاهنا والله محشرنا ومنشرنا ) .

وقد ذكر أصل الحادثة ، وأن الحسين عليه السلام قد سأل من أصحابه عن اسم تلك الأرض كل من تعرض لنزوله إلى كربلاء من دون ذكر وقوف الفرس  أو تبديله عليه السلام لأفراسه . لكن ذكر وقوف الفرس المحقق السيد المقرم  رحمه الله في كتابه ( مقتل الحسين) .

ووقوف الفرس لو ثبت كما ليس ببعيد ، ليس غريبا فإن مثاله في أكثر من موقع قد حصل ، فإن الجميع ينقلون عن ناقة النبي صلى الله عليه وآله ، أنها كانت ( مأمورة ) عندما دخل النبي المدينة واختلف المسلمون حيث أن كل قبيلة تريد أن ينزل النبي عليها ، فكانوا يأخذون بخطام الناقة ، فقال لهم الرسول : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . حتى أناخت بمربد ليتيمين من الأنصار قرب بيت أبي أيوب الأنصاري حيث نزل النبي وبنى مسجده هناك . وهكذا عندما جاء النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة ، فلما وصل الحديبية وقفت ناقته ولم تتحرك ، وكان ما كان من صلح الحديبية .

وأما سؤال الحسين عليه السلام لأصحابه ، فهو من أجل التأكيد على معنى يريد أن يرتبه على جوابهم ، وهذا من وسائل إلفات السامع وجلب نظره ، فهو يسأل في البداية لكي ينبه المسؤول على وجود موضوع ثم يرتب عليه الحكم ، والنتيجة .. ما اسمها ؟ ربما كان بعض الموجودين خصوصا من أهل الحجاز لا يعرفون تفاصيل تلك المناطق العراقية وأسماءها ، فلا بد من تعريفهم من خلال إثارة السؤال لكي يجيب عليه من يعرفها من حيث اسمها ، ثم يكمل الإمام ذلك بأن هذه الأرض هي أرض الشهادة .. وأنهم على موعد معها .

 

* سؤال : هل ما يحدث الآن للشعب العراقي من مشاكل ومآس ٍهو نتيجة دعوة الإمام الحسين ( اللهم فرقهم تفريقا .. ولا ترض الولاة عنهم أبدا ..) ؟ بل ما حدث على مر التاريخ!

 النص كما نقله في معالم المدرستين عن مقتل الخوارزمي :

...فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء ، وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمد ( ص ) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهم فامنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم  أبدا ، فانهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلونا .

الجواب : أولا من حيث ورود هذه الكلمات فقد ورد هذا الدعاء المنسوب للحسين عليه السلام في أكثر من مصدر تاريخي  فقد ورد في الارشاد للشيخ المفيد ، ومثير الأحزان لابن نما الحلي وفي البحار للمجلسي وعوالم العلوم للبحراني  ونقله في معالم المدرستين عن مقتل الخوارزمي ، ونقله الطبري في تأريخه وأبو مخنف في مقتل الحسين والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى وابن عساكرفي ترجمة الإمام الحسين عليه السلام وكثير غيرهم ..                                             

والبحث في كلمات الدعاء  يتم من خلال ثلاثة محاور :

الأول : من خلال انسجامها مع الرؤى والثوابت الاسلامية العامة : فإنه من المعلوم أنه (لا تزر وازرة  وزر أخرى ) ولا يتحمل اللاحقون مسؤولية ما اختاره السابقون بارادتهم . نعم هناك بعض الآثار الوضعية التي قد تترتب على اللاحق بسوء اختيار السابق ، ولكن هذا ليس منها قطعا ، وإلا كان قانون ( من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) متخلفا وغير كلي ، بل يصبح من يعمل مثقال ذرة شرا يراه غيره من اللاحقين ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يضع منه ويخسره  على أثر عمل السابقين من أجداد أجداد قبيلته , وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به ، وإلا بطل الثواب والعقاب والمسؤولية الفردية عن العمل.

بل ذلك يخالف عدالة الله سبحانه ، واعتقادنا فيه ـ لا سيما الشيعة الإمامية ـ القائلة بأن عدل الله هو أصل من الأصول كما هو المعروف بينهم .

فهل يعقل أن يدعو الإمام الحسين عليه السلام على مجموعة من المؤمنين المخلصين في هذا الزمان بسوء الحال وبأن يمنعوا من بركات الأرض وقطر السماء ، لأن شخصا من سلسلتهم النسبية قبل ألف وثلاثمائة وثمانين قد قام بعمل سيء ، وقاتل الحسين عليه السلام؟ هذا لا يعقل .

 ثم إن كون الانسان مولودا في منطقة جغرافية معينة أمر ليس باختياره هو حتى يكتسب الذم والاثم والمشاكل المستقبلية ، والفقر والظلم ، وإنما يكتسب الانسان تلك الأمور بناء على اختياراته .

ونحن كما نجد ما ظاهره الذم لأهل العراق أو أهل الكوفة ، وهو ليس خاصا بالإمام الحسين عليه السلام بل نقل عن الإمام أمير المؤمنين كلمات تنتهي إلى هذا المعنى .. فإننا نجد أيضا كلمات ظاهرها المدح والثناء على أهل تلك المناطق ، والاشادة بهم .. ولا يعقل أن يكون هناك تضاد بين كلمات الأئمة عليهم السلام ، فيبقى أن يقال أن الذم هو لجهة والمدح لأخرى. وتلك الجهة قد تكون بلحاظ الساكنين فيها في زمان فيذمون ، فإذا تغيروا وجاء جيل جديد يحتوي على صفات جيدة فإنهم يمدحون  فإنه قد ألف أصحابنا كتبا كثيرة في فضل الكوفة ، ورووا فيها روايات كثيرة تصف أهلها بأنهم شيعتهم وأنصارهم ..الخ .

الثاني : محور النص نفسه فقد فُرض في النص واقعة خارجية وقوم معينون محصورون ضمن موقف اتخذوه ، وقد حكم عليهم بحكم هو مفاد الدعاء الذي طلب الحسين فيه من الله سبحانه أن يجعلهم كذلك . وقد ذكر العلماء فروقا بين القضية الواقعية وبين القضية الخارجية ، منها ما يرتبط بالمقام أن القضية الحقيقيةلا يتكفل فيها المتكلم بإحراز الواقع وإنما هي قضية فرضية أو شرطية ، متى حصلت يترتب عليها الحكم ، فإذا قال مثلا : الخمر حرام فهو لا يتكفل بإحراز الموضوع وأن هذا السائل الخارجي خمر أو لا ؟ وإنما لو فرض وجود سائل وصدق عليه الخمر ـ في هذا الزمان أو غيره ـ فإنه يكون حراما .

وهذا بخلاف القضية الخارجية فإن المتكلم يحرز الموضوع ويرتب عليه الحكم . مثل علي مع الحق والحق مع علي ، فإن النبي صلى الله عليه وآله ، عين وأحرز الموضوع وهو شخص الإمام عليه السلام ورتب عليه كونه مع الحق ، وكون الحق معه .

ومقامنا هو من القسم الثاني ، فإن الإمام الحسين عليه السلام ، يشير إلى هؤلاء بقوله (اللهم اشهد عليهم .. اللهم فامنعهم قطر السماء وبركات الأرض .. ) . فهو يتحدث عن قوم موجودين أمامه ، ويدعو عليهم دون أن يتعرض إلى من سيأتي بعدهم ومن هم في أصلابهم إلى يوم الدين .

بل يزيده وضوحا ، أن الإمام عليه السلام قد علل دعاءه عليهم ، بصفات خاصة بهم ، ولا تتعداهم  إلى غيرهم ، فقد قال معللا : .. فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا . . ومثل هاتين الصفتين لا تتحقان في غير القضية التاريخية المحدودة بزمانها .. نعم يمكن أن يأتي في المستقبل ممن هم أسوأ حالا ، أو أمثالهم ، ولكن هذا بحث آخر .

الثالث : المحور التاريخي : أن الكوفة والتي كانت تعرف بكوفة الجند ، كانت مجمعا للقبائل العربية المختلفة فكان منها القحطاني والعدناني وعرب الجنوب والشمال ، وسكن فيها أكثر أفراد القبائل العربية ، وهناك تكاثروا واستوطنوها . فقد قسمت أسباعا في كل سبع كانت قبيلة .

ـ ولو نظرنا إلى ألقاب قتلة الحسين عليه السلام وأصحابه ، لرأينا التنوع بحيث لا يمكن القول بأن الذي قتلوه هم أهل العراق بالمصطلح السياسي الحديث والذي يختلف عما كان يعنيه هذا المصطلح في تلك الفترات . فنحن نجد أن الذي قتل عليا الأكبر بن الإمام الحسين عليه السلام هو  مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ، من بني عبد القيس وهذه قبيلة أصولها سكنت في البحرين ( والقطيف حاليا ) وسكن قسم آخر منها في البصرة فيما بعد أيام أمير المؤمنين ، وسكن قسم منها في الكوفة .

والذي قتل ابا الفضل العباس بن أمير المؤمنين هو (  يزيد بن الرقاد ( وقاد ) الحيتي ، وحكيم بن الطفيل الطائي ) كما ورد في الزيارة المنسوبة للإمام الحجة والتي فيها اسماء الشهداء وقتلتهم . والطائي من قبيلة طي عرب الجنوب ، وسكنهم في غرب الجزيرة العربية حاليا أي على البحر الأحمر .

والذي قتل عثمان بن أمير المؤمنين ، هو خولى بن يزيد الاصبحي الايادي ، والاباني الدارمي والأصبحي من عرب الجنوب :اليمن .

والذي قتل السلام على عبد الله بن الحسن بن علي الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل  الأسدي وبنو أسد مكانهم الحجاز وهم من عرب الشمال .

والذي قتل القاسم بن الحسن هو عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والأزديون ليسوا من الكوفة بل من البصرة ، ودورهم في حرب الجمل معروف .

والذي قتل  محمد بن عبد الله بن جعفر  قاتله عامر بن نهشل التميمي والتميميون أصولهم من عرب الشمال : عدنانيون .

والذي شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام بنحو واضح : حرملة بن كاهل  الأسدي وخولى بن يزيد الاصبحي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي . ومن ورائهم عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري . وتتنوع قبائل هؤلاء بين قحطانية وعدنانية ، ومن حيث مساكنها بين مكة والبصرة والكوفة واليمن .وحرملة وشمر وعمر بن سعد من عرب الشمال وأصولهم في مكة .

في المقابل وجدنا أن عددا كبيرا من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا من العراق والكوفة بحسب هذا الاصطلاح ، فلمَ لا يحسب هذا ويحسب ذاك . يقول أحد المحققين إن أكثر أنصار الحسين عليه السلام كانوا من الكوفة (48).

 

* سؤال : عن بعض الكتب النافعة في السيرة الحسينية ؟

الكتب التي كتبت حول الإمام الحسين عليه السلام وثورته كثيرة جدا ، وتختلف فيما بينها بحسب طريقة التناول للقضية الحسينية ، ولكن على نحو الاجمال يمكن الاشارة إلى بعض هذه الكتب ، ولا يعني عدم ذكر غيرها أن غير المذكور ليس مفيدا :

ـ كتاب أضواء على ثورة الحسين عليه السلام للشهيد السيد محمد صادق الصدر ( الثاني  ). ثورة الإمام الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية للشيخ محمد مهدي شمس الدين. وكتابه الآخر أنصار الحسين . والثالث : ثورة الحسين في الوجدان الشعبي . كتاب الشهيد والثورة للسيد هادي المدرسي . حياة الإمام الحسين للشيخ باقر القرشي .

 

* سؤال : يقرأ الخطباء جملة ( فخرجن من الخدور ناشرات الشعور ) فكيف يمكن تفسير ذلك من الناحية الشرعية ولزوم الستر .

ورد أن زينب كانت تخاطب عمر بن سعد والحسين عليه السلام صريع على الأرض قبل أن يحتز نحره : أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه .. قال  الشيخ المفيد :

وخرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص : ويحك يا عمر ! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟ فلم يجبها عمر بشئ ، فنادت : ويحكم أما فيكم مسلم ؟ ! فلم يجبها أحد بشئ )(49).

وأما عن اللفظ المذكور فهو لم يرد بهذا النص إلا في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة ، وهي إن قيل بعدم ثبوتها عن المعصوم فلا حجية فيه ، وإن قيل بثبوتها من الناحية السندية  فيمكن توجيه هذه العبارة بعدة توجيهات :

الأول : أنهن خرجن من خدورهن لا إلى المعركة على هذه الحالة ، وإنما بداية خروجهن من الخيمات الخاصة بالنساء إلى فناء المخيم أو الخيمات الأخرى ، إذ أن بعض المصادر التأريخية تذكر بأن الإمام الحسين عليه السلام يوم التاسع أمر أن تجعل خيام النساء متوسطة في المخيم ، بحيث تحيطها باقي الخيمات من الجهات المختلفة ، وهذا هو الأمر الطبيعي الذي يقوم به المؤمنون حتى في الأحوال العادية حيث يؤمنون لنسائهم أكبر ما يمكن من حال الستر والحفظ والحماية . فلما جاء جواد الحسين عليه السلام وعرفن بعظم المصيبة قمن بما تقوم به كل امرأة ثاكل وفاقد من البكاء ونشر الشعر أي حله وترك الزينة واللطم ، وخرجن من خيماتهن إلى خارجها ولكنهن ما زلن في داخل المخيم , ولم يخرجن إلى المصرع بهذه الحالة .

والثاني :  بأن خروجهن ربما لا يكون على نحو بحيث تظهر شعورهن للأجانب خصوصا مع ملاحظة بعد المسافة بين مخيم الإمام الحسين وبين موقف الجيش الأموي . فمن المعروف أن المسافة كانت على الأقل بحيث تبتعد فيها المخيمات عن المرمى المباشر للسهام والنبال، وإن كانت ربما يصل بعضها بحسب ما ورد في أحداث اليوم العاشر ، أن بعض سهام القوم ونبالهم قد وصلت إلى المخيمات ..وهذه المسافة ( وهي كما قيل أن غلوة السهم قرابة مائتين وخمسين مترا ) لا تسمح بالرؤية المباشرة .

والذي يلاحظ بقايا الاسماء للمواقع كما هي في مدينة كربلاء يجد هذه المواقع (التل الزينبي) و ( محل مقتل الحسين عليه السلام ) و( المخيم ) وفي الجهة الأخرى محل مصرع أبي الفضل العباس قرب شريعة الفرات يجد أن المسافة بين المخيم حيث أن المفروض أنه هو الموقع الحقيقي لخيام الحسين عليه السلام وبين مصرع أبي الفضل الذي كان في طريقه إلى المخيم قادما من الفرات بعدما ملأ القربة ، يجدها مسافة بعيدة لا تسمح للأعداء بالنظر والاطلاع على أحوال النساء حتى لو فرضنا خروجهن على باب المخيم .

هذا كله بالنظر إلى نفس العبارة ، وأما لو فرضنا ما نعرفه من التزام نساء أهل البيت عليهم السلام بالحجاب والعفاف ومحافظتهن عليه ، فإنه يشكل قرينة قطعية على أن المقصود من العبارة ـ على فرض صدورها من المعصوم ـ لا يراد منها معناها الظاهري جزما .

وبالطبع هذا يختلف عما بعد السبي والسلب ، فإنهن في تلك الحال كن مسبيات مسلوبات الارادة ، وليس معهن ما يستترن به بعد أخذت منهن تلك الأشياء ، وسلبت منهن . وإنما الكلام في ما قبل السبي حيث أن ظاهر العبارة أنهن فعلن ذلك بارادتهن ، وتوجيهه هو ما عرفت .

 

*  سؤال : كيف يوفق بين قول الحسين : إن الله حاميكن وحافظكن ، وبين أخذهن سبايا ؟

 الجواب : ذكر أن الإمام الحسين عليه السلام ، قال في وداعه للنساء : ( استعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله حافظكم وحاميكم ، وسينجيكم من شر الاعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذب أعاديكم بأنواع البلاء ويعوضكم الله عن هذه البلية أنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم ) (50).

مع معرفة الغاية من سبي النساء في الزمن السابق يتضح لنا الوجه في كلمة الإمام الحسين عليه السلام على فرض  صدورها .. فإن الملاحظ لحالات السبي في الزمان السابق لا سيما بالنسبة للنساء ، أن المرأة المسبية كانت تتخذ لأحد أمرين في الغالب : إما الاستمتاع الجنسي أو الخدمة المنزلية ، وقد يجتمعان في بعض النساء (51).

وهذا المعنى هو الذي جعل بعض القبائل العربية قبل الإسلام تقوم بوأد البنات خوفا من أن يسبين ويتعرضن للانتهاك بالمعنى المتقدم . بل بقي في بعض القبائل آثاره إلى ما بعد الإسلام .

وبناء على هذا فإن ما حصل طيلة فترة السبي التي امتدت لأربعين يوما ، سلكت فيها النساء مدنا وقرى ، وصحاري وأماكن بعيدة ، ودخلن المجالس ، ولم يتعرضن ـ مع توفر الدواعي ـ لأي شيء مما سبق ذكره ، بل حتى لما أراد أحد أهل الشام أن يطلب واحدة من المسبيات : هب لي هذه الجارية ! قالت له  زينب : ما ذلك لك ولا لأميرك .

ولم يقصد من كلام الإمام عليه السلام ، أنهن لن يتعرضن للضرب ، أو الأسر ، فهذا المقدار هو مقوم الأسر وإلا لم يكونوا قد أخذوهن لأجل أن يتفرجن ويتنزهن .

وبالفعل فقد حفظهن خالقهن كما سبق ، وحماهن ، وجعل عاقبة أمرهن إلى خير كما يلاحظ كل ناظر إلى النتائج التي ترتبت على ذلك السبي ، من نصر الدين وإعلاء كلمة الله ، وافتضاح أمر الظالمين ، وانقلاب الأمر عليهم .

 

* أين قبر السيدة زينب عليها السلام ؟

 الجواب : حيث أن أخانا العلامة الشيخ الصفار قد تحدث في هذا الموضوع في كتابه المطبوع والمسمى بـ ( المرأة العظيمة : قراءة في حياة السيدة زينب ) وجمع فيه أطراف الموضوع فأوعى ، لذلك سوف ننقل ما ذكره هناك حيث نراه موافقا للمختار ، وننقله مع شيء من الاختصار فقد كتب تحت عنوان :

( شيء من التحقيق ) 

 لقد بذل العديد من العلماء والباحثين جهودهم ، وخاضوا غمار البحث والتحقيق ، لمحاكمة الروايات والنقول التاريخية حول قبر السيدة زينب الكبرى .والأراء التي ناقشها العلماء والباحثون تنحصر في ثلاثة احتمالات :

 1 ـ المدينة المنورة .

 2 ـ مصر .

 3 ـ دمشق .

 

أولاً ـ المدينة المنورة

 دافع العلامة السيد محسن الأمين العاملي عن هذا الرأي باعتبار أن المدينة هي موطن السيدة زينب وأن من الثابت عودتها الى المدينة بعد واقعة كربلاء ، فاستصحاباً نحكم بأن وفاتها وقبرها في المدينة المنورة مالم يثبت العكس ، وقال نصه :

 يجب ان يكون قبرها في المدينة المنورة فانه لم يثبت أنها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها، وان كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالمدينة مجهولين ، ويجب أن يكون قبرها بالبقيع وكم من أهل البيت أمثالها من جهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصاً النساء .

 وناقش هذا القول البحاثة الشيخ محمد حسنين السابقي بما يلي : نحن لا ننكر أن يكون مدفنها الطاهر في البقيع في المدينة المنورة إذ هي وطنها الكريم وبها قبور اخوتها وشيوخ قومها وجدها وأمها ولكن بشرط أن يقوم عليه دليل قاطع أو نصٍ تاريخي .

 لأن قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديماً وحديثاً يذكرها ابن النجار في ( تاريخه ) ، والسمهودي في تاريخه الحافل ( وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ) في باب مخصوص لذكر مزارات أهل البيت والصحابة ولا نجد فيها قبر العقيلة زينب لا في القبور المعمورة ولا المطموسة .

 ولكان لمرقدها ذكر ولو في القرون الأولى كما بقي لمن دونها في الرتبة من بني هاشم بل ولمن يمت اليهم بالولاء أيضاً .

 على أن الذين ذهبوا الى هذا القول انما مستندهم الإستصحاب الأصولي وهو أنه ثبت أن العقيلة زينب دخلت المدينة بعد محنة أخيها ورجوعها من الشام وكانت بالمدينة في قيد الحياة ثم شككنا هل ماتت في الشام أم لا ؟ فالاستصحاب يقول : الأصل عدم موتها بالشام بل بالمدينة حتى يحصل لنا شيء يزيل هذا الشك ويثبت لنا باليقين أنها ماتت بالشام .

 وهذا الدليل لا غبار عليه في نفسه ولكن لا يستدل بمثله في القضايا التاريخية ، ولو قلنا به فثبت ما أزال هذا الشك بما رواه ابن طولون الدمشقي من ذهابها الى الشام وموتها بها وعليه أكثر الفقهاء المجتهدين الأصوليين .

ثانياً : بين القاهرة ودمشق

 وإذا لم يكن هناك أثر نقلي يتحدّث عن قبر للسيدة زينب كبرى في المدينة المنورة ولا يوجد مقام ظاهر ينسب لها هناك ، فإنّ الأمر ليس كذلك فيما يرتبط بمصر والشام ، حيث توجد روايات ونصوص تاريخية يستدلّ بها أنصار كلّ من الرأيين ، كما يتعالى في سماء القاهرة ودمشق مقامان شامخان ينسبان للسيدة زينب ، وتؤمّهما جماهير المؤمنين ويقصدهما الزائرون .

 لكنّ المطالعة الدقيقة والبحث الموضوعي في أدلّة الطرفين يرجّح كفّة الأطمئنان إلى أنّ مشهد الراوية في دمشق هو الأقرب إلى الصحّة والواقع .

 وذلك لتظافر الأدّلة في كتب المؤرخين والرحّالة والسّائحين منذ القرون السابقة وإلى الآن.

 ولضعف مستند القائلين بسفر السيدة زينب الكبرى إلى مصر وموتها فيها ، وللإحتمال الكبير في أن يكون المقام في مصر لزينب أخرى من أهل البيت .

 وقد أفرد بعض العلماء كتباً ورسائل لتحقيق هذا الموضوع ، ومن أبرزهم العلامة المرحوم الشيخ فرج العمران القطيفي ( 1321 هـ ) والذي ألّف رسالة تحت عنوان ( المرقد الزينبي) سنة ( 1377 هـ ) وطبعها في النجف الأشرف ـ العراق ) وكانت نتيجة البحث التي انتهى إليها في رسالته هو ترجيح المقام الزينبي في مشق ، وأنّه للسيدة زينب الكبرى .

 والبحث الآخر والأعمق هو للبحّاثة الباكستاني الشيخ محمد حسنين السّابقي ، ويقع في أكثر من (240 صفحة ) وقد طبع في بيروت سنة ( 1399 هـ 1979 م ) .

 ونقتبس منه الفقرات التالية بشيء من التصرّف والاختصار إنّ رحلة السيدة العقلية إلى مصر واقامتها هناك وتليبتها لداعي حماها وحديث مدفنها بها قضية من أهمّ القضايا التي لا يفوت ذكرها كلّ مؤرخ يقظان .

 ولا أقلّ من أن يذكره والمؤرّخين الذين نشأوا في مصر خان ولكنهم بأجمعهم لم يشيروا اليه أدنى اشارة .

 وتتجلى هذه الحقيقة بعدما نرى اهتمام المصريين باحاطة الأخبار وضبط الحوادث المتعلقة ببلادهم .

 فأول مدوّن لتاريخ مصر في الإسلام هو عبد الرحمن بن عبد الحكم المصري المتوفى (257 هـ ) له في تاريخ مصر كتاب حافل سماه « منهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك » ذكر فيه تراجم كثير من الصحابة ممن دخل مصر .

 وتبعه أبو عمرو محمد بن يوسف الكندي المتوفى ( 354 هـ ) وله عدة تأليفات في تاريخ مصر .

 ثم برع في تدوين أخبار مصر والأحاطة بحوادثها أبو محمد حسن بن إبراهيم بن ذولاق الليثي المصري المتوفى ( 387 هـ ) .

 ثم تلاه في هذا الموضوع عز الملك محمد بن عبدالله بن أحمد الحراني المسبحي المتوفى سنة ( 420 هـ ) .

 ثم المؤرخ المتتبع القاضي أبو عبدالله محمد بن سلامة القضاعي الشافعي المتوفى (453هـ) ولم يقصر همه على ضبط الحوادث التاريخية فقط بل ألف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرك التي تشد اليها الرحال وله في هذا الموضوع كتاب ( اُنس الزائرين ) ترجم فيه للسيدة نفيسة وعين مدفنها وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين ولا أثر .

 ثم اعطف الى المقريزي والسيوطي والقلقشندي وغيرهم لم نجد أحداً من هؤلاء أنه ذكر دخول السيدة زينب الكبرى في مصر ومدفنها بها .

 على أن هناك جماعة من مؤرخي مصر ممن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات والقبور والمساجد كابن يونس والهتناني والقرشي صاحب ( المزارات المصرية ) وابن سعد النسابة صاحب ( مزارات الأشراف ) وابن عطايا والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر ، وموفق الدين صاحب ( مرشد الزوّار ) ترى هؤلاء الإعلام يترجمون أصحاب القبور ويميزون بين المزارات الصحيحة والمزورة من العلويين وغيرهم في مصر .

ولم يذكر أحد من هؤلاء أن العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين مدفونة في مصر.

 إن كبار المؤرخين المطلعين على تاريخ مصر بدقة وتحقيق لم يصح لديهم دخول أي ولد لأمير المؤمنين لصلبه في مصر .

 قال الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي المتوفى ( 576 هـ ) : ـ لم يمت له ـ أي لعلي ـ ولد لصلبه في مصر .

 قال الحافظ المؤرخ أبو محمد حسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي المصري المتوفى (387هـ) : أول من دخل مصر من ولد علي سكينة بنت علي بن الحسين . وبه قال السخاوي . وفي لفظ آخر للسخاوي : إن المنقول عن السلف انه لم يمت أحد من أولاد علي لصلبه في مصر .

 فكيف من المعقول ان تدخل العقيلة زينب مصر وتقيم هناك زهاء السنة ثم تقبر على مرأى من المحاشد الجمة ومسمع ، ولا يعرف أمرها أحد من المؤرخين الذين عهدهم قريب بتلك الحادثة المهمة .

 والإمام الشافعي كان يتجاهر بالولاء لأهل البيت ، وقد ورد في سيرته أنه كان يزور السيدة نفيسة لكن لم يرد أنه زار السيدة زينب هناك.

 كما دخل مصر جملة من الرحالين كابن جبير وابن بطوطة وابن شاهين وذكروا ما شاهدوا من القبور المعروفة المقصودة للزيارة في عهدهم ولكن لا تجد أحداً منهم يذكر قبر السيدة زينب الكبرى في مصر . . اللهم الا الرحالة الكوهيني الفاسي الاندلسي الذي دخل القاهرة في ( 14 ـ محرم 369 هـ ).

 إن الاشتباه بوجود قبر العقيلة زينب نشأ لتعدد المسميات بزينب من العلويات وغيرهم المدفونات بمصر ، والذهن أسرع تبادراً عند سماع الإسم الى أشهر الأفراد وأكملها .

 ومن المعلوم أن عادة العامة والخاصة جرت أنهم ينسبون العلويين الى رسول الله وأمير المؤمنين بلا واسطة.

 والظاهر أن المشهد الزينبي المعروف في القاهرة هو للسيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

 والمصدر الأساس لدعوى هجرة السيدة زينب الكبرى الى مصر وموتها ودفنها فيها رسالة ( أخبار الزينبيات ) للنسابة العبيدلي ، وحول هذه الرسالة ومؤلفها ورواتها وبالخصوص الرواية المتعلقة بهذا الموضوع حولها كلام عند أهل التحقيق سنداً ومتناً ".

  

* سؤال : عن صوم يوم عاشوراء ما هو الاصل فيه ؟ ماهو الرأي الشرعي ولماذا يصومه بعض المسلمين  ؟

 يقول علماؤنا أنه  يحرم صوم يوم عاشوراء إذا صامه الرجل بنية التبرك والتيمن لما ورد في الرواية أن (من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد ، قال: قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار)  ، وإذا صامه بقصد انه مستحب على العموم كسائر أيام السنة التي لا خصوصية فيها ، صح صومه ووقع مكروها ، وإذا أمسك فيه عن المفطرات حزنا إلى ما بعد العصر ثم افطر كان مستحبا من غير كراهة .

وأما تفصيل المطلب فإنه يوجد في مصادر الجمهور روايات متعددة حول صوم يوم عاشوراء واستحباب ذلك ، وأنه كفارة سنة أو غير ذلك ، كما يستفاد منها أيضا أن صوم عاشوراء كان مألوفا ومعروفا في مكة فكان اهل الجاهلية كانوا يصومونه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يصومه أيضا فلما نزل شهر رمضان تركه ، بينما في روايات أخرى ما هو مخالف لهذا بل تشير إلى أن أمر صوم عاشوراء كان مجهولا ، وغير معروف حتى للنبي صلى الله عليه وآله وإنما كان موجودا لدى اليهود فاستغرب لما سمع عن صومه ، وسأل عن مناسبة ذلك فأخبروه أنه لأجل إنتصار موسى على فرعون ، فقال : أنتم أولى بموسى منهم . والأمران لا ينسجمان فإن معنى صوم أهل الجاهلية له ـ بل وصوم النبي له ـ أن يكون معروفا عند النبي صلى الله عليه وآله ، بينما استغراب النبي وسؤاله بحسب الرواية الأخرى عن هذا الصوم وما شأنه ؟ يعني أنه لم يكن معروفا عنده صلى الله عليه وآله .

فمن الروايات ما ورد في  مسند احمد عن ابن عمر قال كان يوم عاشوراء يوما يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو يوم من أيام الله تعالى من شاء صامه ومن شاء تركه .

وفيه أيضا : عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فإذا اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على  فرعون فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم أولى بموسى منهم فصوموه .

كذلك فإننا نعتقد ، ويفترض أن جميع المسلمون يعتقدون ، بأن النبي صلى الله عليه وآله كان أعلم بدين موسى وعيسى من الأحبار والرهبان الذين كانوا حينئذ ـ فضلا عن عامة اليهود والنصارى ـ . فقد سبق أن قال لعدي بن حاتم وكان على دين النصارى ومتعمقا فيه : أنا أعلم بدينك منك (52).

وفي نفس الوقت كان حساسا تجاه النفوذ اليهودي لنفوس المسلمين ودينهم فقد كان الله يعلم ( تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) ، وذلك ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) . وعندما حاول بعض المسلمين أن يقرأ التوراة وينقل ما فيها من المواعظ نهره النبي ونهاه عن ذلك . فكيف يقوم هو بأمر الناس بأن يتابعوا اليهود في صومهم !!

وقبيل الانتهاء من هذه الكتاب عثرت على مناقشة جيدة للمحقق العاملي في الموضوع فألحقت حاصلها به لتتم الفائدة : قال في كتابه الصحيح من سيرة الرسول :

ونحن نعتقد ونجزم : بأن ذلك كله من نسج الخيال . فبعد غض النظر عن :

 1 - المناقشة في أسانيد تلك الروايات ، فإن فيهم من لم يات إلى المدينة إلا بعد عدة سنين من الهجرة كأبي موسى الأشعري ، وفيهم من كان حين الهجرة طفلا صغيرا كابن الزبير ،  وفيهم من لم يسلم إلا بعد سنوات من الهجرة كمعاوية .

2 - وعن تناقضها فيما بينها ، يكفي أن نذكر : أن رواية تقول : إنه صام يوم عاشوراء في المدينة ، متابعة لليهود ، ولم يكن يعلم به . وأخرى تقول : إنه كان يصومه هو والمشركون في الجاهلية . وثالثة : إنه ترك يوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان . وأخرى : إنه لما صامه قالوا له : إنه يوم تعظمه اليهود ، فوعد أن يصوم اليوم التاسع في العام المقبل ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي ( ص )..

 وأيضا فإن إطلاق كلمة عاشوراء على العاشر من محرم إنما حصل بعد إستشهاد الامام الحسين " عليه السلام " ، وأهل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ثم إقامة المآتم لهذه المناسبة من قبل أئمة أهل البيت ( ع ) وشيعتهم رضوان الله تعالى عليهم ، ولم يكن معروفا قبل ذلك على الاطلاق . وقد نص أهل اللغة على ذلك ، فقد قال ابن الأثير ، " هو اسم إسلامي ". وقال ابن دريد : إنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية  . وثالثأ : إننا لم نجد في شريعة اليهود صوم يوم عاشوراء ، ولا هم يصومونه الآن ، ولا رأيناهم يعتبرونه عيدأ أو مناسبة لهم (53).

 ثم إنه يوجد في روايات أهل البيت عليهم السلام ثلاث طوائف من الروايات :

الأولى : ما يدل على النهي عنه وأن الصائم في ذلك اليوم حظه حظ آل زياد وهو النار كما ورد في رواية عن الصادق عليه السلام .  فعن الحسين بن أبي غندر ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة ، قلت : فصوم يوم عاشوراء ؟ قال : ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام ، فان كنت شامتا فصم ، ثم قال : إن آل امية نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، ويفرحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم ، فلذلك يصومونه ويدخلون على أهاليهم وعيالاتهم الفرح ذلك اليوم ، ثم قال : إن الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون  شكرا للسلامة ، وإن الحسين عليه السلام اصيب يوم عاشوراء إن كنت فيمن اصيب به فلا تصم ، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني امية فصم شكرا لله تعالى .

وفي رواية أخرى  عن زيد النرسي قال : سمعت عبيد بن زرارة  يسأل أبا عبدالله عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد ، قال : قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار ، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار .

والثانية : يستفاد منها أنه لا مانع منه وأن رسول الله قد صامه وأنه كفارة سنة منها ما عن أبي همام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء . ومنها ما عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه ، أن عليا عليه السلام قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر ، فانه يكفر ذنوب سنة .

والثالثة : فيها التفصيل بأن لا يصام كيوم كامل وإنما إلى ما بعد الظهر ، وأن لا يبيت الصيام فيه ، وأنه في هذه الصورة يكون مطلوبا . فعن عبدالله بن سنان قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : مم بكائك ؟ فقال : أفي غفلة أنت ؟ ! أما علمت أن الحسين عليه السلام اصيب في مثل هذا اليوم ؟ فقلت : ما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تببيت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . . .

واعتبر جمع من الفقهاء أن هذه الثالثة جامع بين روايات المنع وروايات الجواز .. هذا مع وجود قائلين بالحرمة مطلقا وقائلين باستحباب الصوم فيه مطلقا ، وقائلين بالاستحباب لو صامه على وجه الحزن ..وللحديث المفصل مقام غير هذا المقام ، سواء في جهته الأصولية أو في جهته الفقهية .

  

* سؤال : عن موضوع زواج أو عقد القاسم ؟

الجواب : نقل السيد هاشم البحراني في كتابه مدينة المعاجز ما يلي :

الرابع والثمانون العوذة التي ربطها - عليه السلام - في كتف ابنه القاسم وأمره أن يعمل بما فيها - الفخري : قال : روي انه لما آل أمر الحسين - عليه السلام - إلى القتال بكربلاء وقتل جميع أصحابه ووقعت النوبة على اولاد أخيه الحسن - عليه السلام - جاء القاسم بن الحسن - عليهما السلام - وقال : يا عم الاجازة لامضي إلى هؤلاء الكفار. فقال له الحسين - عليه السلام - : يابن أخي أنت من أخي علامة واريد أن تبقى ( لي ) لاتسلى بك ولم يعطه إجازة للبراز . فجلس مهموما مغموما باكي العين حزين القلب وأجاز الحسين - عليه السلام - إخوته للبراز ولم يجزه ، فجلس القاسم متألما ووضع رأسه على رجليه وذكر أن أباه قد ربط له عوذة في كتفه الايمن وقال له إذا أصابك ألم وهم فعليك بحل العوذة وقراءتها فافهم  معناها واعمل بكل ما تراه مكتوبا فيها ، فقال القاسم لنفسه : مضى سنون علي ولم يصبني مثل هذا الالم فحل العوذة وفضها ونظر إلى كتابتها وإذا فيها : يا ولدي ( يا ) قاسم اوصيك إنك إذا رأيت عمك الحسين - عليه السلام - في كربلاء وقد أحاطت به الاعداء فلا تترك البراز والجهاد لاعداء ( الله واعداء ) رسوله ولا تبخل عليه بروحك وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز لتحظى في السعادة الابدية . فقام [ القاسم ] من ساعته وأتى إلى الحسين - عليه السلام. وعرض ما كتب ( أبوه ) الحسن - عليه السلام - على عمه الحسين - عليهما السلام - فلما قرأ الحسين - عليه السلام - العوذة ، بكى بكاء شديدا ونادى بالويل والثبور وتنفس الصعداء ، وقال : يا ابن الاخ هذه الوصية لك من أبيك ، وعندي  وصية أخرى منه لك ولابد من انفاذها . فمسك الحسين - عليه السلام - على يد القاسم وأدخله الخيمة وطلب عونا وعباسا ، وقال لام القاسم - عليه السلام - : ليس للقاسم ثياب جدد ؟ قالت : لا . فقال لاخته زينب : ائتيني بالصندوق فأتت به إليه ، ووضع بين يديه ، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن - عليه السلام - ، والبسه القاسم ، ولف على رأسه عمامة الحسن - عليه السلام - ، ومسك بيده ابنته التي كانت مسماة للقاسم - عليه السلام - فعقد له عليها وأفرد له خيمة وأخذ بيد البنت ووضعها بيد القاسم وخرج عنهما . فعاد القاسم ينظر إلى ابنة عمه ، ويبكي إلى أن سمع الاعداء يقولون : هل من مبارز ؟ فرمى بيد زوجته واراد الخروج ( من الخيمة فجذبت ذيل القاسم ومانعته من الخروج ) وهي تقول [ له ]: ما يخطر ببالك ؟ وما الذي تريد [ أن ] تفعله ؟ قال لها : أريد ملاقاة الاعداء فانهم يطلبون البراز واني ( إلى الميدان عازم وإلى دفع الاعداء جازم ) ، فلزمته الزوجة ، فقال لها : خلي ذيلي فإن عرسنا أخرناه إلى الآخرة ، فصاحت وناحت وأنت من قلب حزين ، ودموعها جارية على خديها ، وهي تقول : يا قاسم أنت تقول  عرسنا أخرناه إلى الاخرة ، وفي القيامة بأي شئ أعرفك ؟ وفي اي مكان أراك ؟ فمسك القاسم يده وضربها على ردنه وقطعها وقال : يا بنت العم اعرفيني بهذه الردن المقطوعة فانفجع أهل البيت بالبكاء لفعل القاسم ، وبكوا بكاء شديدا ، ونادوا بالويل والثبور . قال من روى : فلما راى الحسين - عليه السلام - أن القاسم يريد البراز ، قال له : يا ولدي أتمشي برجلك إلى الموت ؟ قال : وكيف يا عم وأنت بين الاعداء وحيد فريد لم تجد محاميا ولا صديقا ؟ روحي لروحك الفداء ، ونفسي لنفسك الوقاء . ثم ان الحسين - عليه السلام - شق أزياق القاسم وقطع عمامته نصفين ثم أدلاها على وجه ثم ألبسه ثيابه بصورة الكفن وشد سيفه بوسط القاسم وأرسله إلى المعركة .. انتهى ما في مدينة المعاجز .

وقد صار موضوع عرس القاسم وزواجه محلا للنقاش والجدال بين الكتاب ، والخطباء بأكثر مما يستحقه مع أنه لا يترتب عليه أثر شرعي عملي ـ بحسب الظاهر ـ إلا فيما لو نقله أحد جازما مع عدم ثبوت الكلام عن المعصوم فإنه قد يدخل في باب الكذب عليه .

ويظهر أن المعركة الأكبر كانت بغير اللغة العربية كما هو واضح من تتبع أسماء الكتب المؤلفة في تأييد وقوع العرس وفي نفيه ، فالنصيب الأكبر هو باللغة الأردية ، تليها الفارسية وأقلها اللغة العربية .

وقد تعرض للنفي المحقق السيد المقرم في المقتل فقال : كل ما يذكر في عرس القاسم غير صحيح لعدم بلوغه سن الزواج ولم يرد به نص صحيح من المؤرخين ، والشيخ فخر الدين الطريحي عظيم القدر جليل في العلم ، فلا يمكن لأحد أن يتصور في حقه هذه الخرافة ، فثبوتها في كتابه المنتخب ( والمعروف بالفخري ) مدسوسة في الكتاب وسيحاكم الطريحي واضعها في كتابه !

كما أن الدكتور الشيخ الوائلي رأى الحادثة لا تخلو من إشكالات مختلفة فقال : إن الرواية في موضوع الزواج غير معتبرة ، يضاف لذلك أن مسألة الزواج يمكن تصورها على نحوين: النحو الأول هو الزواج بمعنى الدخول فهذا أركانه غير متوفرة فالقاسم صغير لم يبلغ الحلم يومئذ والمرأة المروي أنه تزوج بها كانت ذات بعل يومئذ يوم الطف والجو الذي كان فيه أهل البيت ليس يوم زواج أو فرح وأما النحو الثاني فهو بمعنى العقد أي أن الحسين  قد عقد للقاسم على إحدى بناته ، فيمكن أن يرد هنا سؤال وهو أنه ما هي الغاية من ذلك ؟ والامام عليه السلام يعلم أن القاسم سيقتل بعد ساعة بالاضافة إلى إشكالات أخرى (54)..   

أقول : جريان الحادثة بالنحو الذي مر ذكره في نص الفخري والذي نقله عنه في مدينة المعاجز بعيد ، فالمعروف أن عمر القاسم بن الحسن يوم كربلاء أنه لم يبلغ الحلم ، أي لم يصل إلى عمر الخامسة عشر ، بينما استشهد الإمام الحسن عليه السلام قبل حادثة كربلاء بأحد عشر سنة ، فلا يحتمل ـ بحسب الأوضاع العادية ـ أن يكون الإمام قد أوصى إلى ولده القاسم وحدثه بكل ذلك الحديث وهو في الثالثة من العمر ، وأنه قد استوعب ذلك ، وطوال هذه المدة كان ناسيا للموضوع وللعوذة حتى إذا حصل أمر كربلاء تذكر كل تلك الأمور فانحلت المشكلة !! أو أن الحسين عليه السلام كان أيضا غافلا عن وصية الزواج حتى إذا تذكر القاسم أمر العوذة وذكّر الحسين بها ، ذكر الحسين الوصية الأخرى ! خصوصا إذا تم ما نقل من أن الحسين عليه السلام قد أخبر أصحابه بمصارعهم ليلة العاشر ، ومن ضمن من أخبرهم كان القاسم أيضا ..

وكذا في قول الحسين عليه السلام له ـ بناء على ما سبق ـ أنه يريده أن يبقى له ليتسلى به فهل كان الحسين باقيا حتى يتسلى به أو أنه سيستشهد بعد قليل ؟

ثم الطريقة التي دار فيها الحوار بين القاسم وبين سكينة ، فهي في البداية لا تريده أن يخرج وإنما تريد العرس والزواج ، بينما المعروف عنها ( أن الغالب عليها الاستغراق مع الله ) وقد أضافت بعض المصادر كلمة ( فلا تصلح لرجل ) لو ثبتت فهل تلك التي لا تصلح لرجل تمنع القاسم عن نصرة الإمام في ذلك اليوم العصيب بدعوى أنها تريد الزواج ؟

وكيفية المعرفة في يوم القيامة والآخرة .. هل طريقها الردن ـ وهو طرف الكم ـ المقطوع؟

 

* سؤال  ماذا لو لم يخرج الحسين ضد يزيد؟

الجواب : حقا هو سؤال جميل ، فالعادة أن يتم السؤال عن أنه لماذا ثار الحسين عليه السلام ضد يزيد ، وهذا السؤال يتناول القضية من طرفها الآخر .. ما هي الآثار التي يمكن أن تحصل لو لم يخرج الإمام الحسين ولم يقم بثورته ؟ ويمكن تصور الآثار في عدة مستويات :

المستوى الأول : في حدود الفكر الإسلامي ـ في حدوده الزمنية في تلك الفترة وللمستقبل ـ : فلو لم يقم الحسين عليه السلام بثورته تلك ، لكان لدينا معضلة في كيفية التعامل مع الحاكم الجائر الذي يصل به الأمر إلى حدود التصريح بمخالفة العقائد الدينية كما صدر من يزيد بن معاوية . فكيف يتعامل المسلمون مع مثل هذا الحاكم ؟ هل يخضعون له  ويتبعونه ؟ أو أنهم ينهضون ضده ؟ لقد سعى الأمويون وأتباعهم إلى إشاعة الفكرة الأولى ودعموها بروايات نسبوها للرسول حاصلها أنه عليهم السمع والطاعة مهما بلغ الأمر ، وأن خروجهم عليه فيه من المفاسد ما هو أكثر من ولايته . ولقد سُخر لهذه الفكرة من الأموال والرجال ، لتكون الفكرة العامة السائدة بين المسلمين ما يفوق الوصف والعد . وكان كل حاكم يأتي يحلم بأمة الإسلام وهي خائرة العزيمة مقيدة الحركة ، لا تستطيع غير الصبر الذليل ، والخنوع الدائم سبيلا . ولولا خروج الحسين عليه السلام وتضحيته بالغالي والنفيس لما أمكن للمسلمين أن ينطلقوا من أسر ذلك الجبت الفكري .

بينما الفكرة الثانية تصطدم بسلوك الإمام الحسين عليه السلام فيما لو لم يخرج ، فلو كان الخروج والثورة مشروعة لما تركها الإمام الحسين عليه السلام .

المستوى الثاني : في حدود الوضع التاريخي الذي كان يعيشه الإمام الحسين عليه السلام ، فإن تشخيص الإمام للوضع الإسلامي آنئذ هو ما قاله : ( وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد ) . إن وجود شخص مثل يزيد وهو ( رجل فاجر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ) على رأس الحكم والقيادة ، يشبه أن تعطي قيادة حافلة مليئة بالركاب في طريق جبلي إلى سائق ثمل ، لا يعرف من السكر موضع قدميه ! بل هو أعظم .

إن ما رآه المسلمون في السنوات العجاف الثلاث التي تسلط فيها يزيد على الأمة ، وما ارتكب من مخاز ومآثم حيث قتل الحسين عليه السلام وصحبه في الأولى ، وأباح المدينة في الثانية وهدم الكعبة في الثالثة ، ولو مُد له في العمر لمد حبل الموبقات . ليشير بالصراحة إلى أنه لم يكن هناك مجال آخر أمام الحسين عليه السلام من الناحية الدينية حفاظا منه على مسيرة الأمة ، إلا الخروج والثورة .

المستوى الثالث : انسجام العمل الثوري الذي قام به الحسين مع الأصول الدينية التي يؤمن بها : فهو من جهة روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله ) من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا بقول كان حقا على الله أن يدخله مدخله  ) وقد طبق هذا على الوضع الموجود آنئذ ( ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيّر) .

ولو لم يفعل ما فعله لكان متناقضا ـ والعياذ بالله ـ ، فكيف يقول من جهة أن يزيد هكذا ثم يسالمه ويبايعه ويترك الأمر له ؟

إن مبايعة الحسين ليزيد وسكوته عنه ، يعني إمضاء الخطأ الذي ارتكبه معاوية بتولية ابنه يزيد شؤون الخلافة ، وهو الخطأ الذي وقف أمامه الحسين عليه السلام في أيام معاوية عندما قال له : لعلك تصف غائبا أو تنعت محجوبا ، فخل بين يزيد وبين الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السبق لأترابهن ودع عنه ما تحاول من الخلافة !! فهل يمضي اليوم ما رفضه بالأمس ؟  وهل يمضي ببيعته ليزيد أعماله المخالفة للدين ؟ إنه حينئذ يفقد صفات الإمام ..

قد يقول قائل : إن الحسين لو ترك يزيدا وشأنه ، فلا هو يثور عليه ، ولا يبايعه .. ألم يكن ذلك مخرجا مناسبا ؟

وجوابه : أننا لا نفتش عن مخارج للحسين عليه السلام !! ولم يكن يزيد بالذي يترك الحسين عليه السلام ، فإن هؤلاء الظالمين لا يحتملون أحدا يكون إلى جانبهم ، وهو أضعف منهم شأنا فكيف إذا كان أعلى منهم منزلة ، وأرفع شأنا عند الخلائق ؟ وقد بين الإمام عليه السلام أن الأمر قد انتهى بقوله : ( ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة(55) والذلة وهيهات منا الذلة ) وفي ذلك إشارة إلى سياسة يزيد ، وإلى رسالته لواليه على المدينة ، فإن يزيد قد أرسل رسالة ليقرأها على الناس وأرسل  إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد : فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام (56).

 

 * سؤال : هل يجوز تمثيل الواقعة الحسينية سينمائيا أو غير ذلك .؟

يستفاد من كلمات علمائنا اعلى الله درجاتهم أن تمثيل الواقعة سينمائيا لو لم يلزم منه محرم آخر كالهتك أو التوهين مثلا ، أو الكذب على المعصوم بنقل ما ليس صحيحا عنه فلا يحرم  .

بل قد يكون من المهم  في بعض الحالات ان يُصار إلى استخدام وسائل التأثير الإعلامي الحديثة لنقل القضية الحسينية بواسطتها كالمسرح والقصة والتصوير السينمائي (57).

 

*سؤال : عن وجود الإمام الباقر في كربلاء وبعدها ، وكيف يمكن تفسير قول الحسين عليه السلام لزينب عن السجاد احبسيه لئلا ينقطع نسل آل محمد . أفلا يعتبر الباقر من نسل الرسول؟

الجواب : لم أجد هذه الكلمة في ما لدي من المصادر ، حتى يتم التحقيق في صدورها من الناحية السندية والتاريخية  ، ولكن على فرض صدورها ، فإن توجيهها واضح ، وهو أن المقصود ليس مطلق النسل النبوي ، وإلا فقد كان أحفاد الرسول من سبطه الحسن موجودين إذ أنه بناء على كون أبناء الإمام الحسن عليه السلام  خمسة عشر فإن الذكور منهم كانوا ثمانية (58) ولم يشترك هؤلاء كلهم في كربلاء . وإنما المقصود منه النسل النبوي الفاعل الذي يمثل امتداد النبوة في العلم والتوجيه والارشاد للأمة فلو قتل الإمام السجاد عليه السلام حينئذ لما بقي ذلك النسل  . وهذا غير حاصل بالنسبة لأبناء وأحفاد الإمام الحسن عليه السلام باعتبار أن الإمامة كانت في نسل الحسين عليه السلام ، وأبناء الحسن وإن كان بعضهم علماء أو مجاهدين إلا أن مقاييس الإمامة الالهية لا تنطبق عليهم ولم تكن فيهم. والامام الباقر عليه السلام كان حتى ذلك الوقت صغير السن جدا ، حيث أنه لم يكن له على ما قيل في أكثر الروايات التاريخية غير ثلاث سنين ، وهذه سن لم يكن ممكنا في الحالات الطبيعية أن يقوم صاحبها بالتصرف الخارجي المباشر مع الناس ، والارشاد والتوجيه ، والأخذ والعطاء لا سيما في تلك الظروف الصعبة التي أعقبت ثورة الإمام الحسين عليه السلام .

 

* سؤال : احداث المعركة أخذت زمنا طويلا .. فهل هي أكثر من يوم . ؟

 مع أنه قد احتمل بعض العلماء كما نقل عنهم الفاضل الدربندي (59) رحمه الله في كتابه أسرار الشهادة ، ذلك الأمر إلا أنه لا يمكن قبوله ، فقد اتفقت كلمة المؤرخين قاطبة ، والروايات الواردة من طريق أهل البيت عليهم السلام ، على أن المعركة بدأت بصباح اليوم العاشر من شهر المحرم لعام 61 هـ وانتهت قبل غروب ذلك اليوم ، بشهادة الإمام الحسين عليه السلام وقبله أصحابه وأهل بيته .

نعم ربما يتصور البعض ما ذكر من خلال حجم التفاصيل المذكورة في السيرة والكتب التأريخية ، فيتوهم أنها تحدث مترتبة ، بينما هي قد تحدث متزامنة وفي وقت واحد لكن الناقل لا يستطيع إلا أن ينقل القضية من جهات المختلفة ويفرد لكل خبر منها جهة مستقلة . لكن ذلك فمثلا قد يكون الحوار الذي يجري في داخل الخيمة بين الحسين وزينب مثلا ، قد حدث في نفس الوقت الذي يكون فيه حبيب يخطب في أنصاره ويشجعهم على القتال غدا وهو في نفس الوقت الذي يكون فيه بعض الهاشميين يتعبدون أو يقرؤون القرآن ، وهذه كلها في وقت واحد ، أو حينما يحمل عدد من الأنصار في الحملة الأولى ويقاتل كل منهم في جهة ، وينشد من شعر الحماسة ما هو أهله ، فإن المؤرخ أو الراوي لا يستطيع أن ينقل ذلك إلا بإفراد خبر لكل واحد منهم ، بينما قد تكون حملتهم في وقت واحد .

ولتقريب الأمر نضرب مثال الفيلم التلفزيوني فإنه قد يستطيع المخرج أن يختصر فيه عددا من المشاهد والأفكار من خلال الصورة ، فيستطيع بذلك أن ينقل أكثر من معنى في مشهد واحد بينما لو أراد أن يتحدث متكلم عن ذلك لاحتاج إلى صفحات متعددة . 

 

*ما معنى كلمة الإمام الحسين عليه السلام  بالنسبة إلى نسائه : شاء الله أن يراهن سبايا على أقتاب المطايا ؟ هل فيها دلالة على الجبر وأن هذا الأمر كان مكتوبا عليهن ؟

الجواب : في البداية نقول أن النص الوارد في اللهوف ليس فيه ( على أقتاب المطايا ) وإنما بهذا المقدار ( شاء الله أن يراهن سبايا ) . في حادثة ينقلها (60).

وهناك تعبيرات في القرآن عن المشيئة والإرادة الإلهية تنتهي إلى أن لله إرادتين ومشيئتين: تكوينية وهي لا تتخلف فإن شاء شيئا كان من غير معالجة ، وإذا أراده تحقق ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ولتقريب المعنى ـ مع ملاحظة الفارق نقول ـ إن الإنسان لو أراد أن يصور شيئا في ذهنه ، فلا يحتاج هذا التصوير إلا إلى لمحة التفاتة فيحضر المعنى المصور في ذهنه فورا ، فلو أراد أن يتصور بحرا أو شجرة أو غيرها ، فإنه لا يحتاج إلى معالجات وإعدادات وإنما يكفي أن يتصورها ويوجه ذهنه إليها في خلق الله للأشياء يكفي أن يريد ذلك ، لكي يتحقق الموجود ، ويصبح مخلوقا خارجيا ، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المشيئة والارادة التكوينية فقال ( لو شاء ربك ما فعلوه ) ، ( ولو شاء لذهب بسمعهم ) ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ..) ..

وتشريعية : وهي أن تتعلق مشيئة الله بفعل العبد ، فهو لا يجبر العبد عليها وإنما يحثه عليها تارة ويزجره عنها أخرى بأوامره ونواهيه ، ولا يقسره على فعلها ولا يجبره على تركها ، وإنما يبين له بالرسل ، ويهديه بالعقول ، ويزوده بالارادة والاختيار لكي يختار و( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) : وهي التكاليف الشرعية ، وقد تحدث عنها القرآن الكريم أيضا بلسان الارادة الالهية فقال ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) و ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) و( ما يريد الله بكم العسر ولكن يريد ليطهركم ) .

وهذه الثانية تبقي للإنسان مجال الاختيار ، ولا يكون مسيرا فيها إلى جهة برغم إرادته ، وإنما يكون في كل حالاته مختارا يستطيع الاستمرار ويستطيع التراجع ، ومثل هذه الارادة قول الإمام الحسين عليه السلام ( شاء الله أن يراني قتيلا . وشاء الله أن يراهن سبايا ) .

كيف نعرف أن هذه إرادة تشريعية لا تكوينية ( أن يراهن ..) ؟

ـ  لمخالفة ذلك لعقيدة الاختيار التي يدين بها الإسلام ويُعرف بها أهل البيت ، هذا مع أنها كان يمكن أن تتخلف بتغيير الحسين رأيه ، أو مسيره بينما التكوينية لا تتخلف . والشاهد عليه أن محمد بن الحنفية والذي يعرف عنه القول بالاختيار والارادة تبعا لما أخذه من أبيه أمير المؤمنين عليه السلام  لم ينكر على الإمام مقالته .

هذا مع ملاحظة كلام أمير المؤمنين عليه السلام لما سأله أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر ؟ ( .. ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما . ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد . وإن الله سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا . ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الانبياء لعبا ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا " ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) .

ومعنى الكلمة : أي شاء الله أن أخرج على القوم فيحاربونني فأكون قتيلا ، وشاء أن أصحب النساء لتكميل المسيرة فيكن سبايا بعد قتلي . ويقومون بدورهم في تكميل الثورة

وبالفعل فقد كان لذلك السبي أكبر الأثر في بقاء الثورة الحسينية ، وتعريف الناس لحقيقة الحكم الأموي ومخالفته لأحكام الدين ، مما أنتج الثورات المضادة له إلى أن سقط الحكم الجائر ذاك .

 

* ماهي الفوائد المترتبة على زيارة الإمام الحسين عليه السلام ؟

الجواب : نقل ثقة الإسلام الشيخ الكليني بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة .

ونقل أيضا بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام : مروا شيعتنا بزيارة الحسين ، فإن إتيانه فرض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة .

وروى شيخ الطائفة بسند معتبر عن عبد الله بن سنان عن الصادق : بينا الحسين بن علي في حجر رسول الله إذ رفع رأسه فقال : يا أبه : ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال : يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة ، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة ، ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة ، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة (61).

في البداية لا بد من التنبيه على حقيقة هي اختيار الله مجموعةً من الناس واصطفاؤه إياهم وهذا وإن لم يقبله البعض حسدا أو جهلا إلا أنه حقيقة واقعة فقد قال الله سبحانه ( ..إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين  ..) وعرف النبي محمد صلى الله عليه وآله بالمصطفى والمختار لهذه الجهة . تماما مثلما أنه يمكن أن  يختار الله زمانا كرمضان فيشرفه ذلك التشريف العظيم بحيث تكون إحدى لياليه أفضل من ثمانين عاما ليس فيها ذلك الشهر وتلك الليلة  ، أو يختار مكانا كمكة مع أنه بحسب الظاهر ( غير ذي زرع ) ولا ضرع ولا ميزة ظاهرية  أو أشخاصا كمن ذكر . فيتعبد الله الناس باحترام تلك الأماكن والأزمنة التي اختارها وتقديسها ، ويتعبدهم أيضا بتقدير وتقديس واتباع أولئك الناس الذين اختارهم ( على علم على العالمين ) ، ويجعل صلواته وصلوات ملائكته عليهم ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . حتى لقد أصبح أمر الصلاة على النبي وآله من واجبات الصلاة عند جميع المسلمين ..

ومن ذلك أمر زيارة قبورهم .

أما مشروعية زيارة القبور : فلا شك فيها عند المسلمين وذلك لما ورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله : إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة(62).. وقد دعا صلوات الله عليه إلى زيارة قبره بعد وفاته ، فقد نقل عنه ( من زار قبري بعد موتي وجبت له شفاعتي )(63) و ( من زارني في  مماتي فكأنما زارني في حياتي) بل حتى غير قبر النبي وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قد  زار قبر أمه فبكى وأبكى(64)  وكان صلوات الله عليه يخرج فيزور قبور المسلمين في البقيع كما كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تخرج إلى المسجد فتزور أباها ثم تخرج إلى أحد فتزور عمها حمزة بن عبد المطلب (65).

وأما معنى الزيارة : ففي أصلها اللغوي هي بمعنى المَيل و القصد كما ورد في القرآن الكريم في قصة أهل الكهف ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ..) وسميت  شهادة الزور بذلك لأنها مائلة عن الحق .

 

أهداف الزيارة :

1/ تكريم المزور وأداء حقه .

2/ ارتباط بين الناس وبين المعصومين .

3/ تسليط الضوء على جهاد الصالحين وعمله ، ولذلك كان المطلوب ( عارفا بحقه ..) .  

 


(1)  إعلام الورى بأعلام الهدى 1/436

(2) الطبري ج 4   ص 281

(3)  تاريخ الطبري ج 4   ص 258 : .. فدعا مولى له يقال له سرجون وكان يستشيره فأخبره الخبر فقال له أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا ؟ قال : نعم ! قال : فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولها إياه وكان يزيد عليه ساخطا وكان هم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضائه وإنه قد ولاه الكوفة مع البصرة وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده .  قال فأقبل عبيدالله في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ولا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم إلا قالوا : عليك السلام يا ابن بنت رسول الله وهم يظنون أنه الحسين بن على عليه السلام حتى نزل القصر..

(4) قد روي هذا الحديث في كثير من مصادر الفريقين بهذا اللفظ في مناسبات مختلفة : ففي المصنف  لابن أبي شيبة الكوفي ج 8   ص 644 : قال : جاء رجل إلى الزبير أيام الجمل ، فقال : أقتل لك عليا ، قال : وكيف ؟ قال : آتيه فأخبره أني معه ثم أفتك به ، فقال الزبير : لا، سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ( الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن ). وفي مسند أحمد إن معاوية دخل على عائشة فقالت له : أما خفت أن أقعد لك رجلا يقتلك ؟ فقال : ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان ، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول . يعني : الإيمان قيد الفتك .. وفي مسند الشاميين للطبراني ج 3   ص 350 :عن عمرو بن الحمق ، عن النبي ( ص ) قال : ( الإيمان قيد الفتك ، من أمن رجلا على دمه فقتل فأنا من القاتل برئ وإن كان المقتول كافرا ) . وفي  مناقب آل ابي طالب  لابن شهر آشوب ج 3   ص 364 :عن أبي الصباح الكنانى : قلت لابي عبد الله : ان لنا جارا من همدان يقال له الجعد بن عبد الله  يسب أمير المؤمنين أفتأذن لي أن أقتله ؟ قال : ان الإسلام قيد الفتك .. والعجيب أن معاوية الذي يروي الحديث المتقدم وأنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله مارس سياسة الفتك والقتل غيلة كما لم يمارسها أحد قبله ، إلى أن كان يفتخر بقوله ( إن لله جنودا من عسل ) !! وعلى هذا النهج سار ابنه يزيد فقد أرسل كما تقول بعض الروايات التاريخية ثلاثين رجلا ، وأمرهم بقتل الحسين غيلة في مكة ، ولو كان في البيت الحرام .

(5) نهج البلاغة .

(6) مقتل الحسين لأبي مخنف  32 .. لا يخفى أن هذا الكتاب المطبوع  مأخوذ من تأريخ الطبري وقد سبقت الإشارة إلى هذا ، وقد طُبع كتاب باسم مقتل أبي مخنف يقول المحققون أنه موضوع .

(7) تاريخ الطبري  4/ 303.

(8) المسائل العكبرية  71.

(9) بحار الانوار 42/ 259

(10) تنزيه الأنبياء 227

(11) سوف يأتي جواب عن هذه الكلمات فانتظر .

(12) روى الشيخ الصدوق في الأمالي أن الحسين لما غفى على قبر جده ، ورآه في المنام قال له النبي صلى الله عليه وآله : إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة . ونقل الشيخ الطوسي في الأمالي : عن أبي عبد الله وأبي جعفر : إن الله عوض الحسين من قتله  بأن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره . . ( وهذا المعنى ورد كثيرا في زيارات الحسين عليه السلام ) .

(13) أضواء على ثورة الحسين / للشهيد الصدر.

(14) المغني لابن قدامة 2 / 410

(15) قال في  تاريخ الطبري  2 / 210 :

ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الانصار من بنى عبد الاشهل وبنى ظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الاشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(16) المبسوط في فقه الإمامية لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ( ت سنة 460هـ)  يقع في 8 مجلدات ، وهو من أوائل الكتب التي فرع فيها الشيخ الطوسي رحمه الله الفروع الكثيرة  من غير حاجة إلى الرأي والقياس ، وإنما اعتمد على ما ورد من أخبار أهل البيت ورواياتهم عليهم السلام .

(17) قد ذكروا أن دعوى الشيخ الاجماع في كتبه لا سيما الخلاف ، لا يقصد به الاجماع الاصطلاحي بالضرورة .

(18) قد يستشكل على هذه الرواية وأمثالها من جهات ، وسوف نجيب على ما تثيره من أسئلة فيما بعد .

(19) إقبال الأعمال / زيارة الحسين عليه السلام في نصف شعبان .

(20)  سورة غافر 78

(21) وسائل الشيعة ج 14 / 305

(22) سنن الترمذي  4/ 133

(23) المصدر 5 / 175

(24) مجمع الزوائد10/ 87

(25) وسائل الشيعة 7/ 187

(26) تاريخ الطبري ج 4   ص 29 :

( .. فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله ( بن عمرو بن العاص ) ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبره الخبر.  فقال معاوية : إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك ! أو نحن قتلنا عمارا ؟ إنما قتل عمارا من جاء به !  فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنما قتل عمارا من جاء به ..قال الطبري : فلا أدرى من كان أعجب هو أو هم ؟

(27) ميزان الحكمة 2/ 973

(28) ميزان الحكمة 2/ 1222

(29) نفس المصدر 2/ 1538

(30) الأحاديث من نفس المصدر ونفس الجزء .

(31) اللهوف في قتلى الطفوف 144

(32) نفس المصدر

(33) تاريخ الطبري 4/ 350

(34) نفس المصدر .

(35) النحل / 35

(36) الاعراف 30

(37) في أكثر طرقها المفضل بن صالح ( أبو جميلة ) وهو كما قالوا ضعيف كذاب يضع الحديث  كما عن رجال ابن داود ، وعن النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد أيضا تضعيفه ، وفي بعضها الآخر مجهولون .

(38) قال العلامة الأميني رضوان الله عليه في  الغدير ج 11   ص 75  ما يلي :

قال ابن تيمية في منهاجه 2 : 207 : طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كلها كذب . وقال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه ( سفر السعادة ) والعجلوني في كشف الخفاء ص 420 : باب فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح . وقال العيني في عمدة القاري : فإن قلت : قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث كثيرة . قلت : نعم ، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصح من طرق الاسناد ، نص عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما ، فلذلك قال يعني البخاري : ( باب ذكر معاوية ) ولم يقل : فضيلة ولا منقبة . وقال الشوكاني في ( الفوائد المجموعة ) : اتفق الحفاظ على إنه لم يصح في فضل معاوية حديث .

(39) ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة  ج 5   ص 129 : عن الزبير بن بكار في،، الموفقيات ، ، - وهو غير متهم على معاوية ، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة ، لما هو معلوم من حاله من مجانبة على عليه السلام ، والانحراف عنه - : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه ، فيتحدث معه ، ثم ينصرف إلى فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لامر حدث  فينا ، فقلت : مالي أراك مغتما منذ الليلة ؟ فقال : يا بنى ، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم ، قلت : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به . إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بنى هاشم ، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء  تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ، فقال : هيهات هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه ! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عدى ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر ، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات : ( أشهد أن محمدا رسول الله ) ، فأي عمل  يبقى ، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك ! لا والله إلا دفنا دفنا . وللتفصيل في هذا الأمر يراجع كتاب الصحيح من سيرة الرسول الأعظم للمحقق العاملي .

(40) لما ولى  معاويةُ المغيرةَ بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 هـ  دعاه وقال له : أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها إعتمادا على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ، ولست تاركا إيصاءك بخصلة ، لا تتحم ! ( إي لاتتجنب ) عن شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والإستغفار له ، والعيب على اصحاب علي والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والإستماع منهم .

(41) وإن كان الإمام الحسين عليه السلام قد تبادل مع معاوية رسائل عنيفة منها ما ورد في بعضها كما ذكره الشيخ الطبرسي في الاحتجاج  2   ص 21 :

....وقلت فيما تقول انظر نفسك ولدينك ولامة محمد صلى الله عليه وآله ، واتق شق عصا هذه الامة ، وان تردهم في فتنة ، فلا اعرف فتنة اعظم من ولايتك عليها ، ولا اعلم نظرا  لنفسي وولدي  وأمة جدي افضل من جهادك ، فان فعلته فهو قربة إلى الله عزوجل ، وان تركته فاستغفر الله لذنبي واسأله توفيقي لارشاد اموري ، وقلت فيما تقول ان انكرك تنكرني، وان اكدك تكدني ، وهل رأيك إلا كيد الصالحين منذ خلقت ؟ ! فكدني ما بدا لك ان شئت فاني ارجو ان لا يضرني كيدك ، وان لا يكون على احد اضر منه على نفسك ، على انك تكيد فتوقظ عدوك ، وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح والايمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير ان يكونوا قتلوا الا لذكرهم فضلنا ، وتعظيمهم حقنا ، بما به شرفت وعرفت ، مخافة امر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا ، أو ماتوا قبل ان يدركوا ، ابشر يا معاوية بقصاص ، واستعد للحساب ، واعلم ان لله عزوجل كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وليس الله تبارك وتعالى بناس اخذك بالظنة ، وقتلك اولياءه بالتهمة ، ونفيك اياهم من دار الهجرة إلى دار الغربة والوحشة واخذك الناس ببيعة ابنك ، غلام من الغلمان ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكعاب لا اعلمك الا قد خسرت نفسك ، وشريت دينك ، وغششت رعيتك ، واخزيت امانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، واخفت التقي الورع الحليم .

(42) اللهوف في قتلى الطفوف  للسيد بن طاووس / 17

(43)  قال أحمد بن علي الجصاص في كتابه  الفصول في الأصول ج 4   ص 11 :

الاجتهاد : هو بذل المجهود فيما يقصده المجتهد ( و ) يتحراه ، إلا أنه قد اختص في العرف بأحكام الحوادث التي ليس لله تعالى عليها دليل قائم يوصل إلى العلم بالمطلوب منها ، لان ما كان لله عز وجل ( عليه ) دليل قائم ، لا يسمى الاستدلال في طلبه اجتهادا ألا ترى أن أحدا لا يقول : إن علم التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاجتهاد وكذلك ما كان لله تعالى عليه دليل قائم من أحكام الشرع ، لا يقال : إنه من باب الاجتهاد ، لان الاجتهاد اسم قد اختص في العرف وفي عادة أهل العلم ، بما كلف الإنسان فيه غالب ظنه ، ومبلغ اجتهاده ، دون إصابة المطلوب بعينه ، فإذا اجتهد المجتهد ، فقد أدى ما كلف ، وهو ما أداه إليه غالب ظنه ، وعلم التوحيد وما جرى مجراه ، مما لله عليه دلائل قائمة كلفنا بها : إصابة الحقيقة ، لظهور دلائله ، ووضوح آياته

(44) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1/ 208

(45) المستصفى للغزالي 345

(46) بحار الأنوار 45

(47) الطبري 3 / في حوادث سنة 60

(48) راجع أنصار الحسين : الرجال والدلالات .

(49) الارشاد 2/ 112

(50) كلمات الإمام الحسين عليه السلام : الشيخ الشريفي

(51) وإليه يشير ما في لسان العرب لابن منظور ج 3   ص 410 :

قول أبي صرد لعيينة بن حصن وقد وقع في سهمته عجوز من سبي هوازن : أخذ عيينة بن حصن منهم عجوزا ، فلما رد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، السبايا أبى عيينة أن يردها فقال له أبو صرد : خذها إليك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا درها بماكد ، ولا بطنها بوالد ، ولا شعرها بوارد ، ولا الطالب لها بواجد .

(52) الطبري 1

(53) الصحيح من سيرة الرسول ج 4

(54) تجاربي مع المنبر / 130

(55) أي استلال السيوف

(56) مقتل الحسين للأزدي

(57) تم اعداد فيلم سينمائي عن حياة الرسول وظهور الإسلام وانتصاره وهو ( الرسالة : محمد رسول الله ) وكان له من الأثر في تعرف غير المسلمين على الإسلام الشيء الكثير ، وأيضا تم تصوير فيلم آخر بعنوان الإمام علي عليه السلام ( في ايران ) وكان موفقا في عرض تلك الفترة من التاريخ الإسلامي وبعده حول حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام  ..

(58) هذا على رواية وعلى الأخرى أن الذكور كانوا ثلاثة عشر .

(59) المولى ، آقا بن عابدين بن رمضان بن زاهد الشيرواني الدربندي ، المعروف ب‍ " الفاضل الدربندي " ، الحائري . ت 1285 فقيه أصولي متكلم محقق مدقق ، جامع للمعقول والمنقول . كان من تلاميذ شريف العلماء المازندراني . له : " خزائن الاصول " ، و " خزائن الاحكام " شرح منظومة بحر العلوم ، و " قواميس القواعد " مشتمل على دراية الحديث والرجال وطبقات الرواة ، وغيرها . توفى في طهران سنة 1285 أو 1286 ، ونقل إلى كربلاء ودفن في الصحن الحسيني . وهو مع تبحره الكامل في الفقه والأصول والرجال إلا أن كتابه ( أسرار الشهادة ) والذي خصصه لما جرى في كربلاء ، يحتوي على غير قليل من الروايات غير الثابتة . واحتمل بعضهم أنه يرى تعميم قاعدة التسامح في أدلة السنن إلى الروايات التاريخية ، بأنه حتى لو جاء بها خبر غير مسند ، فإنه لا مانع من نقلها .

(60) اللهوف في قتلى الطفوف- قال السيد ابن طاووس الحسني  ص 39 :

ورويت من كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الثقة ، وعلى الاصل إن كان لمحمد بن داود القمى بالاسناد عن أبى عبد الله عليه السلام قال : سار محمد بن الحنفية الى الحسين في الليلة التى أراد الخروج في صبيحتها عن مكة فقال يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه . فقال . يا أخى قد خفت أن يغتالنى يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذى يستباح به  حرمة هذا البيت فقال له : ابن الحنفية فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحى البر فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد فقال : أنظر فيما قلت . فلما كان السحر إرتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التى ركبها . فقال له : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا فقال : أتانى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد ما فارقتك ، فقال : يا حسين أخرج فإن الله قد شاء ان يراك قتيلا ، فقال له ابن الحنفية : إنّا لله وإنا إليه راجعون.. فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال ؟ فقال له :  قد قال لي ( أي الرسول )  إن الله قد شاء أن يراهن سبايا وسلم عليه ومضى .

(61) قد مر بيان الوجه في ترتب ثواب عظيم على عمل ـ بحسب الظاهر ـ قليل .

(62) مسند أحمد 1/ 145  ويحتمل أن يكون النهي عن زيارة القبور لو فرض صحة الحديث في هذه الجهة ، كان راجعا إلى زيارة المسلمين لقبور آبائهم المشركين ، وهو مما لا ينبغي منهم  . فإنه إذا كان بالنسبة للمنافقين ( .. ولا تقم على قبره ) فهو بالنسبة للمشركين من باب أولى .

(63) ألف الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي كتابا كاملا بخصوص رجحان واستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله ، ردا على ما زعمه بعض من خلاف ذلك ، وسماه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) .

(64) ذخائر العقبى في مودة أهل القربى لأحمد بن عبد الله الطبري

(65) وفي فعلها ذاك رد على من يدعي وجود الكراهة فضلا عن الحرمة في زيارة النساء للقبور . وأما ما تمسك به بعض من أن مجيئهن يكون سببا لارتفاع اصواتهن بالنياحة ، أو اختلاط الرجال بالنساء , ففيه أنه لو تم ذلك لكان ينبغي منع الحج لما فيه من الاختلاط و.. والعجيب أنه كيف تؤسس الفتاوى على مثل هذه المستندات !!