نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الأول

 مصادر السيرة الحسينية

كيف انتقلت أحداث الواقعة ؟ وكيف صورت ؟

 

بعض الحوادث حدودها من الزمان ، مدتها فقط فلا تشغل أكثر من خمس دقائق مثل طعامك قبل شهر ، استغرق عشر دقائق ، ثم إنك نسيته أنت فضلا عن سائر الناس ثم ينتهي ، نعم لو كان فيه جهة محرمة كأن يكون غصبا أو حراما فإن تبعته تبقى وأثره الوضعي يستمر ، وهكذا لو كان فيه جهة خيرة .

وهناك بعض الحوادث  طبيعتها أن تبقى وتؤرخ لما فيها من الجهة العامة التي ترتبط بالآخرين كما هو الحال في المعارك العقائدية والمناظرات الفكرية ، بل الأحداث السياسية.

 .. وقضية الإمام الحسين عليه السلام تحتوي على كل عناصر البقاء والاستمرار في التاريخ ، بل في وعي الأمة الإسلامية .. وذلك لارتباطها بكل التيارات ـ من جهات مختلفة ـ  فإن اتباع الخط الأموي كان عليهم أن يجيبوا على أصل موقف السلطة التي اتخذته من الإمام عليه السلام ومن أهل بيته وأنصاره ، ثم تفاصيل الممارسة ، وفي المقابل كان أتباع أهل البيت عليهم السلام ينشرونها ، والمحايدون يحاولون التفتيش عن جواب مقنع لن يكون  موجودا ، إلا بمعرفة بني أمية على حقيقتهم .

لقد انتقلت الحادثة بتفاصيلها الكثيرة ، بمواقف أبطالها ، وكلمات شجعانها ، ورجز مقاتليها من جهة ، وانتقلت بعمق مأساتها ، بجروح الضرب والتنكيل ، والسلب والتشهير ، وبغربة النساء ، ( تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ليس لهن من ولاتهن ولي ولا من حماتهن حمي ..) وبلوعة الأطفال واليتامى . انتقلت من الأفئدة المكلومة والعيون الباكية إلى صدور الناقلين ثم إلى كتب التاريخ ، ولقد حاول الكثيرون تزييف الحادثة ، أو إسدال ستار النسيان على أحداثها ، لكن خابوا فما زالت أحداث الواقعة حية ساخنة وكأنها قد حدثت ليوم خلا .

ويتعجب الناظر إلى تلك التفاصيل الدقيقة التي ترصد كل حركة وكلمة ، فهذا نافع بن هلال في جوف الليل يحرس الحسين من دون أن يشعر وعندما يراه عليه السلام يشجعه على الفرار والنجاة بنفسه ، فيقول ما هو أهله ، وما يخلده . وهذه زينب وهي تحدث أخاها الحسين في ليلة عاشوراء وتسأله عن وضع المخيم والأنصار و ..

من الذي نقل كل هذه التفاصيل ، وما هي مصادرها ؟

يمكن أن نوجز في ما يلي مصادر الواقعة :

 1/ التأريخ العام مثل تاريخ الطبري وابن الأثير ، والمسعودي ،..وغيرهم . فقد اعتمد هؤلاء المتأخرون على المؤرخ المعروف لوط بن مخنف الأزدي(1)، بل قد يمكن القول أن ما جاء في الطبري هو خلاصة لما كتبه أبو مخنف المذكور ، وكان في ذلك أكثر من جهة فائدة ، فقد فُقد كتاب مقتل الحسين للأزدي ، وتم استخراج ما نقله عنه الطبري باعتباره المقتل ، بينما لم يكن كل المقتل وما جرى فيه . وهو يروي عن من شهد الواقعة كحميد بن مسلم بواسطة . والضحاك المشرقي .

2/ وشهود عيان في المعسكر الأموي ، فإن بعضهم كان بمثابة المؤرخ ، والناقل للأخبار مثل حميد بن مسلم(2)، أو غيرهم ممن نقل ( بطولاته ! ) : مثل كعب بن جابر لما قتل برير بن خضير عتبت عليه زوجته وقالت أنها لن تكلمه ، فقال أبياتا منها :

 ولم تر عيني مثلـهم في زمانهم                ولا قبلـهم في الناس إذ أنا يافع 

 أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى              ألا كل من يحمي الذمار مقارع .

 وذلك الذي قال :

ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا وشمالا، وتلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على العسكر بكامله ، فما كنا فاعلين لا ام لك(3).

وهلال بن نافع : كنت واقفا نحو الحسين وهو يجود بنفسه فما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه وقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه(4)..

( يشار هنا إلى الفرق بين هلال ( المخسوف ) بن نافع الأموي الذي كان عاقبة أمره خسرا وبين نافع بن هلال الحسيني الذي نفع نفسه بموقفه ، والذي يقول :

 ارمي بها معلمة أفواقهـا      والنفس لا ينفعها إشفاقهـا

 وهو الذي تقدم باللواء للمشرعة يوم السابع وكان له موقف رائع في انفراده مع الحسين عليه السلام ليلة العاشر كما كان له في المعركة مواقف مشرفة إلى أن استشهد ) .

ومثل هاني بن ثبيت الحضرمي : إني لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسين إذ نظرت إلى غلام فأقبل عليه رجل يركض بفرسه حتى إذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله . مسروق بن وائل الحضرمي : كنت أول الخيل لعلي أصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد فلما رأيت ما صنع بابن حوزة ( أو حويرثة في بعض الكتب ) علمت أن لأهل هذا البيت حرمة فتركت القتال (5) ..

3/ وشهود عيان من معسكر الحسين عليه السلام : مثل الضحاك بن عبد الله المشرقي(6) ، وعقبة بن سمعان مولى الرباب الذي صحب الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق( ولم أفارقه حتى قتل وسمعت جميع كلامه فما سمعت منه ما يذكر الناس من أنه يضع يده في يد يزيد وأن يسيره إلى ثغر من الثغور)  .

 والمرقع بن ثمامة  الأسدي الذي أُسر فاستأمنه قومه  فنفاه ابن زياد إلى الزارة والحسن بن الحسن ( المثنى ) الذي قاتل إلى جانب عمه الحسين  عليه السلام حتى قتل سبعة عشر من الأعداء ثم قطعت يده، وأخذه أسماء بن خارجة الفزاري لأن أمه فزارية ، وزيد بن الحسن وعمرو بن الحسن ..وهكذا نساء أهل البيت .

4/ أئمة أهل البيت عليهم السلام : فالإمام السجاد استفاد من جميع الفرص بما هو غير خاف . والإمام الصادق في تشجيعه للراثين والرثاء ، وعن طريق نقل الأخبار فقد صلى ركعتين في الحنانة وقال هاهنا وضع رأس الحسين عندما أخذ للكوفة . وعندما شبت النار في الأخبية ، نقل موضوع حرق الخيام ، وتأتيه جارية بطفل في أثناء الرثاء فيذكر بمصاب الطفل الرضيع ..

5/ الزيارات : مثل الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة(7) والتي تعرضت في تفصيل جميل لمقدمات الثورة ووضع  المجتمع الإسلامي في تلك الفترة ، والدوافع التي حركت الإمام الحسين عليه السلام للثورة ، وكيف كان مسير المعركة ، وأخيرا فيها تفصيل للمقتل مما صار على ألسنة الخطباء نصا ثابتا (.. فلما رأوك ثابت الجأش ، غير خائف ولا خاش ، نصبوا لك غوائل مكرهم ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم ، وأمر اللعين جنوده ، فمنعوك الماء ووروده ، وناجزوك القتال ، وعاجلوك النزال ، ورشقوك بالسهام والنبال ، وبسطوا اليك اكف الاصطلام ولم يرعوا لك ذماما ، ولا راقبوا فيك آثاما ، في قتلهم أولياءك ، ونهبهم رحالك ، وانت مقدم في الهبوات  ، ومحتمل للأذيات ، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات . وأحدقوا بك من كل الجهات ، واثخنوك  بالجراح ، وحالوا بينك وبين الرواح ، ولم يبق لك ناصر ، وانت محتسب صابر ، تذب عن نسوتك وأولادك . حتى نكسوك عن جوادك ، فهويت الى الأرض جريحا ، تطؤوك الخيول بحوافرها ، وتعلوك الطغاة ببواترها ، قد رشح للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفا خفيا الى رحلك وبيتك ، وقد شغلت بنفسك عن ولدك واهلك ، واسرع فرسك شاردا ، والى خيامك قاصدا ، محمحما باكيا . فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور(8) على الخدود  لاطمات وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القنا رأسك ، وسبي اهلك كالعبيد ، وصفدوا  في الحديد ، فوق أقتاب  المطيات ، تلفح وجوههم حر الهاجرات ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة الى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق . فالويل للعصاة الفساق ، لقد قتلوا بقتلك الإسلام ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن والأحكام ، وهدموا قواعد الإيمان ، وحرفوا آيات القران ، وهملجوا في البغي والعدوان ..)(9) ، وزيارة الإمام الحجة للحسين والتي فيها أسماء الشهداء مع الحسين مع اسماء قاتليهم وستأتي في قسم الملحقات .

 


(1) ذكره النجاشي في رجاله فقال :  لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الازدي الغامدي ، أبو مخنف ، شيخ أصحاب الاخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يُسكن إلى ما يرويه ، روى عن جعفر بن محمد عليه السلام . وقيل : إنه روى عن أبي جعفر [ عليه السلام ] ولم يصح . وصنف كتبا كثيرة ، منها : كتاب المغازي ، كتاب السقيفة ، كتاب الردة ، كتاب فتوح الإسلام ، كتاب فتوح العراق ، كتاب فتوح خراسان ، كتاب الشورى ، كتاب قتل عثمان ، كتاب الجمل ، كتاب صفين ، كتاب النهر ، كتاب الحكمين ، كتاب الغارات ، كتاب مقتل أمير المؤمنين عليه السلام ، كتاب قتل الحسن عليه السلام ، كتاب قتل الحسين عليه السلام ، كتاب مقتل حجر بن عدي ، كتاب أخبار زياد ، كتاب أخبار المختار ، كتاب أخبار الحجاج ، كتاب أخبار محمد بن أبي بكر ، كتاب مقتل محمد ، كتاب أخبار ابن الحنفية ، كتاب أخبار يوسف بن عمر ، كتاب أخبار شبيب الخارجي ، كتاب أخبار مطرف بن المغيرة بن شعبة ، كتاب أخبار ال مخنف بن سليم ، كتاب أخبار  الخريت بن راشد الناجي وخروجه أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال : حدثنا عبد الجبار بن شيران الساكن بنهر جطى ، قال : حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي قال : حدثنا عبد الله بن الضحاك المرادي قال : حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مخنف  لوط بن يحيى .

(2)  قد يقول بعض أن حميد بن مسلم وإن عده البعض من أصحاب السجاد ـ بالمعنى العام ِأي المعاصرة ـ وأنه لا توثيق له لا بالتوثيق الخاص ولا العام ولذا لا يمكن الاعتماد على رواياته .. لكن ذلك غير صحيح فإن المدار في النقل التاريخي على الثقة بالرواية وهذا حاصل في هذا المورد فإن حميد بن مسلم ـ وهو بحسب الموقف ـ في الجيش الأموي لا يمكن أن ينقل ما هو في صف خصمه ، ولذا لو نقل عن بطولات الأصحاب ومأساة النساء ، فإنه في هذا غير متهم ، بل ربما كان أدعى للقبول ـ بهذا الاعتبار عند بعضهم ـ ممن يكون في الصف الحسيني .

(3) ذوب النضار في الأخذ بالثار لابن نما الحلي ص 9

(4) مقتل الحسين للمقرم 282

(5) المصدر السابق 231

(6) روى أبو مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت اصحاب الحسين عليه السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن  عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني ، وبينك ، قلت لك : اقاتل عنك ما رايت مقاتلا ، فإذا لم أر فأنا في حل من الانصراف ، فقلت لي : نعم . قال : فقال : ( صدقت ، وكيف لك بالنجاء ! قدرت على ذلك فأنت في حل ) . قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ، أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لاصحابنا بين البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدى الحسين عليه السلام رجلين ، وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين عليه السلام يومئذ مرارا : ( لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله ) ! فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ، ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية ، قرية قريبة من شاطئ الفرات ، فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه ! فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم : بلى والله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم . قال : فلما تابع التميميون أصحابي كف الاخرون ، قال : فنجاني الله .

ومع أن الضحاك لم يحظ بشرف الشهادة بين يدي الحسين عليه السلام ، وفاته هذا التوفيق العظيم إلا أن بقاءه نفع في نقل تفاصيل الواقعة من عنصر كان شاهدا ، وتفاصيل أحداث ما جرى في المخيم ولعل الناظر إلى مقتل الحسين للأزدي ، وغيره يرى بوضوح أثر رواياته تلك

(7) هناك رأيان بالنسبة إلى الزيارة هذه فهناك من يرى بأن الزيارة صادرة عن صاحب الزمان عجل الله فرجه ، ولذا اشتهر اسمها بأنها زيارة الناحية المقدسة وقد ذكر محمد بن المشهدي المتوفى في سنة ( 610هـ  ) : ومما خرج من الناحية عليه السلام إلى بعض الأبواب قال : تقف عليه صلى الله عليه وتقول ...

 وهناك رأي آخر يرى عدم ثبوت كونها كذلك وإنما هي من إنشاء بعض العلماء المتقدمين كالسيد المرتضى . اما العلامة المجلسي في البحار 98 فقد قال وقد  ذكر الشيخ المفيد بعد الزيارة التي نقلناها من المصباح ما هذا لفظه : زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى. . وقال العلامة المجلسي بعد أن ساق الزيارة إلى آخرها مثل ناقلا عن المزار الكبير للمشهدي :  فظهر أن هذه الزيارة منقولة مروية ، ويحتمل أن لا تكون مختصة بيوم عاشورا ، كما فعله السيد المرتضى - ره - . وأما الاختلاف الواقع بين تلك الزيارة وبين ما نسب إلى السيد المرتضى فلعله مبني على اختلاف الروايات والأظهر أن السيد أخذ هذه الزيارة وأضاف إليها من قبل نفسه ما أضاف . أقول : لا يمكن دعوى أنهاـ فيما اتفق من لفظ الزيارتين ـ  من إنشاء السيد المرتضى مع ذكرها من قبل استاذه الشيخ المفيد رضوان الله عليهما .

(8) سوف يأتي في الأسئلة بيان الوجه في هذا المقطع من الزيارة .

(9) المزار 503