q
لم تتأخر روسيا في الاستجابة لطلب رئيس كازاخستان توفير الدعم الأمني لقواته، في محاولة لاحتواء الأزمة، في إطار منظمة الأمن الجماعي الإقليمية. وأرسلت عددا من أفراد قواتها إلى البلد الجار، علما أن موسكو تتعامل بحساسية كبيرة تجاه الأحداث في الدول الجارة التي كان يجمعها معها لواء المطرقة والمنجل...

ظلت كازاخستان، التي انبثقت عن تفتت الاتحاد السوفياتي سابقا في 1991، بعيدة إلى حد ما عن أحداث الساحة الدولية، وبرز اسمها عربيا خاصة عند احتضانها في مدينة أستانا، العاصمة التي تحول اسمها إلى نور سلطان، مفاوضات السلام السورية في يناير/كانون الثاني 2017.

ومنذ الأحد 2 يناير/كانون الثاني، أصبح هذا البلد محط اهتمام الرأي العام الدولي مع اندلاع مظاهرات عنيفة به، خلفت عشرات القتلى وأعدادا كبيرة من الجرحى، وخرج المتظاهرون نهاية الأسبوع الأخير إلى الشوارع في جاناوزين، منطقة مانغيستاو في غرب البلاد، للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال المستخدم في السيارات، قبل أن تتوسع رقعة المظاهرات بشكل غير مسبوق، لتصل إلى مدينة أكتاو الإقليمية الكبرى، على ضفاف بحر قزوين.

وعلى الرغم من قمع قوات الأمن وخفض أسعار الغاز، تواصلت الاحتجاجات، فيما استنجد الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي توعد بالرد "الحازم"، بما يعرف بـ"منظمة الأمن الجماعي" الإقليمية التي تترأسها روسيا، فبادرت موسكو بإرسال دفعة من القوات، من المقرر أن تبقى في هذا البلد شهرا كاملا على الأقل.

البلد الغني بالثروات

نالت كازخستان استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، وكان نور سلطان نزارباييف الرئيس السابق للحزب الشيوعي، البالغ من العمر 81 عاما، أول رئيس للجمهورية، وحكم البلاد بقبضة من حديد حتى 2019، ليسلم مقاليد السلطة إلى خلفه قاسم جومارت توكاييف بعد انتخابات مشكوك في نزاهتها.

لكن المراقبين يجمعون على أن الرئيس السابق نزارباييف لايزال يدير دفة الحكم من الخلف. ووظف الثروة النفطية الهائلة لبناء عاصمة جديدة، أستانا، بدل ألماتي، أكبر مدن البلاد، وأطلق عليها لاحقا اسم نور سلطان تكريما له.

وكازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم بمساحة تزيد عن 2,7 مليون كيلومتر مربع. وتضم مركز قاعدة "بايكونور" الفضائية التي استأجرتها روسيا، والتي لا تزال أكبر منصة إطلاق في العالم بعد حوالى 60 عاما من انطلاق رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين منها ليصبح أول رجل في الفضاء.

وتتمتع كازاخستان بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى. وشهدت في الماضي نموا كبيرا، لكنها تضررت عام 2014 جراء هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه كثيرا. كما تضررت أيضا عام 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية في روسيا ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الكازاخستانية "تينغ".

وشكل النفط 21% من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد عام 2020، بحسب البنك الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد بنسبة 3,7% هذا العام. وينتج أبرز حقل نفطي في البلاد "تنغيز" ثلث الناتج السنوي لكازاخستان وتسيطر على 50% منه شركة "شيفرون" الأمريكية. كما تعد أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتتوفر أيضا على كميات كبيرة من المنغنيز والحديد والكروم والفحم.

وهذه الأحداث التي يتردد أنها انطلقت احتجاجا على أسعار الوقود، أعمق بكثير من ذلك، وتعكس "شعورا بالظلم" لدى مواطني هذا البلد، "الغني بموارد النفط واليورانيوم. فيما لا تستفيد منه إلا القلة القليلة من الناس وهم الطبقة الحاكمة".

"الوضع مؤلم بالنسبة لمواطن يعيش في بلد مستوى الفقر فيه يصل إلى حوالي 13 بالمئة"، " هؤلاء المواطنين وجدوا قدرتهم الشرائية تتراجع إلا أن هناك طبقة حاكمة تستفيد لوحدها من ثروات البلاد" في غياب عدالة اجتماعية حقيقية. بحسب فرانس برس.

صراع روسي غربي؟

لم تتأخر روسيا في الاستجابة لطلب رئيس كازاخستان توفير الدعم الأمني لقواته، في محاولة لاحتواء الأزمة، في إطار منظمة "الأمن الجماعي" الإقليمية. وأرسلت عددا من أفراد قواتها إلى البلد الجار، علما أن موسكو تتعامل بحساسية كبيرة تجاه الأحداث في الدول الجارة التي كان يجمعها معها لواء المطرقة والمنجل سنوات الاتحاد السوفياتي.

لذلك، لا تخفي موسكو انزعاجها من أي محاولة غربية للتوغل سياسيا في بلد من هذه البلدان. وفي كل مرة تحدث فيها اضطرابات بالمنطقة، يثار الصراع القائم بين روسيا والغرب بها، "وهو صراع موجود فعلا في كازاخستان"، حسب الغرابلي، يستشف "من خلال الاتهامات الروسية للأمريكيين بأنهم وراء هذه الاحتجاجات".

فالخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي لهذا البلد، يجعلانه محط صراع بين مجموعة من القوى، علما أن "حجم كازاخستان هو خمس مرات حجم فرنسا، وبها مخزون كبير من موارد الطاقة، وتعد الحديقة الخلفية لروسيا"، يشير الغرابلي، وإن كان ذلك لا يمنع نور سلطان من فتح بابها منذ سنوات لشركات أمريكية تستثمر في مجال الطاقة.

وهذا التعاون مع موسكو من جهة والغرب من جهة أخرى، يبدو مقصودا من السلطات الكازاخستانية. ويفسره الغرابلي بأنه محاولة منها لخلق "نوع من التوازن مقابل الهيمنة السوفياتية التي استمرت مع روسيا. وتريد نور سلطان أن تقول للروس من خلاله أن هناك شريكا آخر في مجال الاقتصاد هو الولايات المتحدة. وكانت واشنطن قد وقعت معاهدة عسكرية مع كازاخستان...".

ولم تدخل كازاخستان في شراكات مع الولايات المتحدة لوحدها بل نوعت تعاونها مع جهات مختلفة، فحتى تركيا المنافسة لروسيا في أكثر من منطقة بالعالم، لها وجود كبير فيها. وهذا، يساعد نور سلطان على الخروج من التبعية الروسية. "وإن كانت هذه الدولة تبدو أنها ضمن الحديقة الخلفية لروسيا، إلا أنها بدأت تخرج من النفوذ الروسي باتجاه الولايات المتحدة، وباتجاه تركيا أيضا التي تعتبرها من العالم التركي".

الرئيس يفتح النار بدون إنذار مسبق

وفي تطور الاحتجاجات رفض رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف أي تفاوض مع المحتجين واعدا "بالقضاء" على "المجرمين المسلحين" بعد أيام من أعمال الشغب الدامية في البلاد.

وقال توكاييف في خطاب متلفز إن تصفيتهم "ستتم قريبا"، مشيرا إلى أن ألماتي كبرى مدن البلاد تعرضت لهجوم من قبل "عشرين ألف مجرم" لديهم خطة واضحة" ويتمتعون "بمستوى عال من الاستعداد القتالي".

كما قال إنه سمح للشرطة بإطلاق النار "بدون إنذار مسبق" لوضع حد لأعمال الشغب الفوضوية التي تهز البلاد. وصرح في هذا الشأن "أعطيت الأمر بإطلاق النار للقتل من دون إنذار مسبق". مضيفا أن "الإرهابيين يواصلون تدمير الممتلكات واستخدام أسلحة ضد المواطنين".

ووصف توكاييف الدعوات إلى التفاوض مع المحتجين بـ"العبثية" لا سيما في الخارج. وقال "ما نوع المفاوضات التي يمكن أن نجريها مع مجرمين وقتلة؟ كان علينا التعامل مع مجرمين مسلحين ومدربين (...) يجب تدميرهم وسوف يتم ذلك قريبا".

وكان الرئيس الكازاخي قد أكد في وقت سابق استعادة النظام الدستوري "إلى حد كبير" في البلد بعد أيام من اضطرابات وأعمال شغب غير مسبوقة. وقال إن "قوات إرساء النظام تبذل جهودا حثيثة والنظام الدستوري أعيد إلى حد كبير في كافة المناطق"، مؤكدا أن عمليات إعادة النظام ستستمر "حتى القضاء على الناشطين بشكل كامل". مضيفا بأن "الهيئات المحلية تسيطر على الوضع لكن الإرهابيين ما زالوا يستخدمون أسلحة ويلحقون أضرارا بممتلكات المواطنين".

هذا ووجه توكاييف شكرا حارا إلى نظيره الروسي وحليفه فلاديمير بوتين لإرساله قوات للمساعدة في إنهاء أيام من أعمال الشغب الدامية في البلاد. وقال في خطابه "أشكر بشكل خاص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد استجاب بسرعة كبيرة وقبل كل شيء بطريقة ودية لندائي".

من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية في بيان منفصل عن "تصفية 26 مجرما مسلحا" واعتقال أكثر من ثلاثة آلاف من "هؤلاء المجرمين" ومقتل 18 من أفراد الشرطة والحرس الوطني منذ بداية الاحتجاجات هذا الأسبوع. وأكدت الداخلية أن جميع المناطق "تم تحريرها وتم تشديد إجراءات الحماية فيها" مع إقامة سبعين نقطة تفتيش في البلاد. مضيفة أنه وفي ألماتي التي شهدت أعنف أعمال الشغب "تؤمن قوات حفظ النظام والقوات المسلحة والرديفة لها، النظام العام وحماية البنى التحتية الاستراتيجية وتنظيف الشوارع".

تحذير أمريكي للقوات الروسية

من جانبها، حذرت الولايات المتحدة الخميس القوات الروسية التي تم نشرها في كازاخستان من السيطرة على مؤسسات الجمهورية السوفياتية السابقة، مشيرة إلى أن العالم سيراقب أي انتهاك لحقوق الإنسان. وقال الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين إن "الولايات المتحدة، وبصراحة العالم، سيراقب للكشف عن أي انتهاك لحقوق الإنسان"، مضيفا "سنراقب أيضا للكشف عن أي خطوات قد تمهد للسيطرة على مؤسسات كازاخستان". وأكد برايس بأنه سيترك حكومة كازاخستان لتبرر دعوتها لتدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا.

وكان رئيس المنظمة الحالي، وهو رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، قد أفاد بأن التحالف استجاب لطلب جاء على إثر "تدخل خارجي". وفيما لم يرد على التعليق مباشرة، كرر برايس دعوته إلى كازاخستان للتعامل مع المشكلات التي أدت إلى الاضطرابات التي أثارتها مظاهرات حاشدة نادرة من نوعها نتيجة ارتفاع أسعار الوقود. وقال برايس "نأمل بأن تتمكن حكومة كازاخستان قريبا من التعامل مع المشكلات التي تعد اقتصادية وسياسية في طبيعتها"، مضيفا بأن الولايات المتحدة تعد "شريكا" للدولة الواقعة في وسط آسيا.

وأجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق الخميس اتصالا مع نظيره الكازاخستاني مختار تليوبيردي ودعا إلى حل سلمي للأزمة واحترام حرية الإعلام. وشدد بلينكن "على دعم الولايات المتحدة الكامل لمؤسسات كازاخستان الدستورية وحرية الإعلام ودافع عن حل سلمي للأزمة يحترم حقوق الإنسان"، بحسب برايس. وأفاد برايس أن وزير الخارجية الأمريكي استغل الاتصال لمناقشة المخاوف المرتبطة بتحركات الجنود الروس قرب الحدود الأوكرانية.

عشرات القتلى

وقتل "عشرات" المتظاهرين بأيدي الشرطة وجرح نحو ألف آخرين ليل الأربعاء الخميس في كازاخستان أثناء محاولتهم الاستيلاء على مبان إدارية في إطار تظاهرات وأعمال شغب بدأت احتجاجا على زيادة أسعار الغاز وما زالت متواصلة.

وقتل كذلك 12 من عناصر قوات الأمن وجرح 353 آخرون في أعمال الشغب والتظاهرات التي تهز كازاخستان منذ أيام، على ما أعلنت السلطات المحلية الخميس.

وأخفق الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف حتى الآن في قمع الاحتجاجات على الرغم من تنازله على صعيد أسعار الغاز واقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر تجول.

ونقلت وسائل إعلام محلية الخميس عن المتحدث باسم الشرطة سالتانا أزيربك أن "عشرات" المتظاهرين قتلوا أثناء محاولتهم الاستيلاء على مبان إدارية ومراكز للشرطة.

وقال إن "القوى المتطرفة حاولت الليلة الماضية اقتحام مبان إدارية ومراكز للشرطة في مدينة ألماتي"، مؤكدا أنه "تم القضاء على عشرات المهاجمين".

ظهرت في لقطات على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مشاهد فوضى من نهب محلات تجارية واقتحام بعض المباني الإدارية وإحراقها في ألماتي فيما سمعت طلقات أسلحة آلية.

على خلفية مشاكل في عمل الإنترنت، أعلنت المتحدثة باسم المصرف المركزي أولجاسا رمضانوفا تعليق عمل كل المؤسسات المالية في البلاد.

ونتيجة للفوضى، شهد اليورانيوم الذي تعد كازاخستان أحد المنتجين الرئيسيين له في العالم، ارتفاعا حادا في سعره، بينما انهارت أسعار أسهم الشركات الوطنية في بورصة لندن.

وتشكل كازاخستان مركزا لتعدين البتكوين الذي يشهد أيضا انخفاضا حادا.

واتخذ الرئيس الكازاخستاني الخميس سلسلة من الإجراءات الطارئة التي تهدف إلى "ضمان استقرار عمل الخدمات العامة والنقل والبنية التحتية" وتعزيز جاهزية القوات الأمنية واستئناف عمل المصارف.

ومنع تصدير بعض أنواع المنتجات الغذائية من أجل تثبيت الأسعار.

وأكد توكاييف أن "عصابات إرهابية (...) تلقت تدريبات مكثفة في الخارج" تقود التظاهرات.

وقال في خطاب بثه التلفزيون إن "مجموعات من العناصر الإجرامية تضرب جنودنا وتهينهم وتجرهم عراة في الشوارع وتهاجم النساء وتنهب المتاجر".

في الليالي السابقة، أطلقت الشرطة قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع على الحشود لكنها فشلت في منعهم من السيطرة على بعض المباني الإدارية.

وأفادت وسائل إعلام محلية وشهود على مواقع التواصل الاجتماعي، أن المتظاهرين توجهوا بعد ذلك إلى المقر الرئاسي في المدينة حيث أضرموا النيران، إلى جانب مبنى إدارة المدينة ومحطة تلفزيونية.

وتعذر الخميس الحصول على رؤية كاملة للوضع في البلاد والاتصال بالصحافيين والشهود عبر الإنترنت أو الهاتف اللذين قطعا.

والمتظاهرون غاضبون خصوصا من الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف (81 عاما) الذي حكم البلاد من 1989 إلى 2019 وما زال يحتفظ بنفوذ كبير. وهو يعتبر راعي الرئيس الحالي توكاييف.

وتعيش في كازاخستان كبرى الجمهوريات السوفياتية الخمس السابقة في آسيا الوسطى وأكبر اقتصاد في المنطقة، أقلية كبيرة تعتبر روسية اتنيا وترتدي أهمية اقتصادية وجيوسياسية حاسمة بالنسبة لروسيا.

توقيف أكثر من خمسة آلاف شخص

ونقلت وسائل إعلام محلية عن السلطات الكازاخستانية قولها الأحد إن أكثر من خمسة آلاف شخص أوقفوا في البلاد بسبب الإضطرابات التي عمت أكبر دولة في آسيا الوسطى خلال الأسبوع الحالي.

وأوضحت وزارة الداخلية التي أوردت تصريحها وسائل الاعلام أن 5135 شخصا أوقفوا في إطار 125 تحقيقا مختلفا.

ونقلت وسائل الاعلام الأحد عن وزارة الداخلية قولها إن التقدير الأولي لقيمة الأضرار المادية الناجمة عن هذه الاضطرابات بلغ حوالى 175 مليون يورو.

وسُجّل نهب أكثر من مئة متجر ومصرف وتدمير أكثر من 400 سيارة على ما أكد المصدر نفسه.

وقال وزير الداخلية إرلان تورغومباييف "لقد استقر الوضع في كل مناطق البلاد. وعملية مكافحة الإرهاب متواصلة لإعادة فرض النظام".

وعاد هدوء نسبي ليخيم على ألماتي فيما يطلق عناصر الشرطة النار في الهواء من حين إلى آخر لمنع السكان من الاقتراب من الساحة المركزية في المدينة على ما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس السبت.

وفي مؤشر خجول إلى عودة الوضع إلى طبيعته، أعاد حوالى ثلاثين متجر سوبرماركت فتح أبوابه في ألماتي الأحد على ما ذكرت وسائل الاعلام في كازاخستان في وقت يعرب فيه السكان عن قلقهم من حصول نقص في المواد.

وتشكلت طوابير طويلة في الأيام الأخيرة أمام محطات الوقود على ما أفاد صحافيو وكالة فرانس برس.

أما مطار الماتي الذي احتله المتظاهرون لفترة وجيزة فسيبقى مغلقا "حتى يستقر الوضع" على ما أفادت السلطات الأحد. وكان يفترض أن يستأنف نشاطه الاثنين.

توقيف الرئيس السابق لجهاز الأمن

واعتقل الرئيس السابق لجهاز الأمن في كازاخستان كريم ماسيموف بتهمة الخيانة بعد إقالته في أعقاب أعمال شغب في البلاد.

وقالت "لجنة الأمن الوطنية" (كاي إن بي) إن مديرها السابق (56 عامًا) أوقف الخميس بعد بدء تحقيق بتهمة "الخيانة العظمى".

وأقيل كريم كاجيمكانولي ماسيموف، حليف الرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف والمقرب منه، من منصبه في رئاسة الجهاز خلال الأسبوع الجاري بعد أعمال شغب جاءت ردا على زيادة في أسعار الغاز.

وورد في البيان الذي اعلن توقيفه "في السادس من كانون الثاني/يناير من العام الجاري، فتحت لجنة الأمن الوطنية تحقيقا أوليا بتهمة الخيانة العظمى". وأضاف "في اليوم نفسه، أوقف المدير السابق للجنة الأمن الوطنية ك. ك. ماسيموف وأودع مركزا للتوقيف الموقت مع أشخاص آخرين".

وشغل ماسيموف مرّتين منصب رئيس وزراء في عهد نزارباييف، وكات رئيس "لجنة الأمن الوطنية" منذ العام 2016.

ونفى الناطق باسم نزارباييف أيدوس اوكيباي الشائعات حول مغادرة الرئيس السابق البلاد، وقال إن هذا الأخير يدعو الكازاخستانيين إلى دعم الحكومة.

وقال أوكيباي السبت إن الزعيم السابق موجود في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان وعلى "اتصال مباشر" مع توكاييف.

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس من ألماتي السبت بأن المدينة كانت هادئة وسط أجواء توتر، مشيرا الى سماع أصوات طلقات نارية تحذيرية من جانب القوى الأمنية لمنع الناس من الاقتراب من الساحة الرئيسية في المدينة.

وكان توكاييف أعلن الجمعة أن ألماتي تعرضت لهجوم من "عشرين ألف من قطّاع الطرق" لديهم "خطة واضحة وإجراءات بتنسيق جيد ودرجة عالية من الاستعداد القتالي". واتهم الإعلام "وبعض الأشخاص في الخارج بلعب دور المحرض" في هذه الأزمة.

وأضاف "عملية مكافحة الارهاب مستمرة، الناشطون لم يلقوا السلاح، هؤلاء الذين لن يستسلموا سيتم القضاء عليهم".

وحاولت الحكومة استيعاب الغضب الشعبي عبر خفض الأسعار مجددا، لكن ذلك لم يوقف التظاهرات.

مكالمة هاتفية مع بوتين

من جهته أشار الكرملين إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الكازاخستاني قاسم جومرت توكاييف أجريا محادثة هاتفية "طويلة" وناقشا وضع الأزمة في كازاخستان.

وأفاد البيان أن "الرئيسين تبادلا وجهات النظر حول التدابير المتخذة لإعادة النظام في كازاخستان"، مضيفًا أنهما اتفقا على البقاء على تواصل "دائم".

واستنكرت موسكو التصريحات "الفظة" لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي أكد أن إخراج القوات الروسية من كازاخستان سيكون "بالغ الصعوبة".

ما هي منظمة معاهدة الأمن الجماعي؟

طلبت حكومة كازاخستان ليل الأربعاء الخميس مساعدة عسكرية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي ضد ما أسمته بـ"الجماعات الإرهابية"، للرد بشكل فوري على الاضطرابات المتفاقمة التي تشهدها منذ أسبوع.

وهذا التحالف العسكري الذي تقوده موسكو مكون من ست دول سوفياتية سابقة، وتأسس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وأنشئت المنظمة بشكل رسمي عام 2002 بعد أشهر من تدخل تحالف تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان إثر اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وتضم المنظمة إلى جانب روسيا، كل من بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وهي من الدول الموقعة على اتفاق أمني يعود إلى التسعينيات بين جمهوريات من الاتحاد السوفياتي السابق. وفي حينه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "إننا نعيش في عالم سريع التغير، وبالتالي يتعين علينا تطوير المعاهدة التي تربطنا وتكييفها مع التهديدات الجديدة".

وأسس التكتل قوة رد سريع قوامها 20 ألف فرد في 2009، وتعترف الأمم المتحدة بوحدة حفظ السلام التابعة له المكونة من 3600 عنصر.

تعتبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تهيمن عليها موسكو وجيشها الحديث "نوعا من الثقل الموازن الروسي في مواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو)" وهي "تعتمد على القدرة العسكرية الروسية لإظهار القوة"، وفق المتخصص في الشؤون الأوروبية-الآسيوية ديفيد تيورتري.

واعتبر المسؤول العسكري الفرنسي السابق والباحث باسكال أوسير أن المنظمة "لا ثقل لها" بدون الروس، مؤكدا أنها "من بقايا حلف وارسو" الذي كان قائما في حقبة الحرب الباردة. ووصف منظمة معاهدة الأمن الجماعي بأنها "ناتو مصغر... تقوده روسيا مقابل الولايات المتحدة على الجانب الآخر". إلا أنه شدد على أن جيوش حلف الأطلسي الذي يضم 30 دولة تعمل جنبا إلى جنب منذ أكثر من 70 عاما، في حين أن التكتل الذي تقوده روسيا "متأخر كثيرا" عنه.

كما اعتبر باسكال أوسير بأن "إرسال قوات عن طريق منظمة معاهدة الأمن الجماعي وسيلة تغطية لموسكو عبر إعطاء صورة لتدخل تشارك فيه كل دول القوقاز وليس فقط روسيا".

وأضاف الباحث الفرنسي بأن "الرسالة الضمنية (من موسكو) هي: أقوم بتسوية الفوضى وأقود منظمة يمكنها نشر قوات على الأرض. أنا مسؤولة هنا في بيتي، في منطقة نفوذي". لكنه حذر من أن ترتكب القوات "أخطاء فادحة"، مشيرا إلى أن "العسكريين ليسوا أبدا الخيار الصحيح لإخماد أعمال الشغب".

اضف تعليق