q
لو تأملنا اليوم في اكتشافات العلماء نلاحظ أنهم ومنذ أكثر من ربع قرن تقريباً يتحدثون عن مخلوقات غريبة لا تُرى، أطلقوا عليها اسم الثقوب السوداء، واعتبروها من أعظم الظواهر الكونية! والسؤال: كيف تتشكل هذه الثقوب ولماذا لا ترى، ولماذا هي تجري بسرعة هائلة وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها؟...

لو تأملنا اليوم في اكتشافات العلماء نلاحظ أنهم ومنذ أكثر من ربع قرن تقريباً يتحدثون عن مخلوقات غريبة لا تُرى، أطلقوا عليها اسم الثقوب السوداء، واعتبروها من أعظم الظواهر الكونية! والسؤال: كيف تتشكل هذه الثقوب ولماذا لا ترى، ولماذا هي تجري بسرعة هائلة وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها؟

ولفهم هذا الثقب، لا بأس من الإشارة إلى أمر مهم وهي أن الفضاء الفسيح يمتاز بالظلام، حتى إن كانت بعض البؤر أكثر ظلاما وقتامة من الأخرى، لكن العلماء يؤكدون أمرا جوهريا، وهو أن "الثقب الأسود" هو أكثر البؤر ظلاما على الإطلاق.

ويقول العلماء إن الثقب الأسود عبارة عن بؤرة مظلمة تصل فيها الجاذبية إلى مستوى هائل، بحيث يستطيع أن يجذب إليه كل شيء، حتى إنه يستطيع أن يمتص الضوء، وينشأ الثقب الأسود عندما يصل عمر النجم إلى نهايته، وحين تتلاشى الطاقة التي تحافظ على تماسكه خلال حياته، فتبدأ مرحلة الانهيار ويحصل انفجار هائل.

وعقب ذلك، تسقط كافة المواد التي خلفها الانفجار في نقطة صغيرة وغير متناهية، لكن الجدير بالذكر، هو أن هذه المخلفات تزيد عن كتلة الشمس بعدة مرات، والغريب في هذه الظاهرة الفلكية، هو أن هذه المخلفات التي تفوق حجم الشمس تتوارى في نقطة بالغة الصغر، ومع مرور الوقت، تبتلع هذه الثقوب موادا أكثر، فتكبر شيئا فشيئا ويستع نطاقها.

وما يبعث على استغراب الكثيرين، إزاء هذا التفاعل، هو أن نقطة صغيرة تستطيع أن تحتوي كتلة كبيرة، ويطلق العلماء مصطلح "التفرد" على النقطة التي تجتمع فيها مخلفات الانفجار النجمي، وتستطيع أن تقوم بتأثير كبير على الرغم من صغرها المتناهي، ولأن البعض قد يتساءل حول ما يمكن أن يقع إذا جعلنا مركبة فضائية تقصد ما يعرف بـ"الأفق الحدث" للثقب الأسود، وهو منطقة لا يستطيع من يوجد في خارجها أن يلاحظ في داخلها.

وإذا أرسلنا مركبة فضائية صوب هذه المنطقة، سيحدث ما يسمى بـ"تأثير المعكرونة"، إذ سيصبح جزؤها القريب من الثقب الأسود شديد الجاذبية، وبعدها، ستتمدد المركبة الفضائية بشكل عمودي، وتتحول إلى ما يشبه الشعرة أو شريط من "الباستا"، وتنسحق باتجاه الثقب، ولطالما حيرت الثقوب السوداء كبار علماء الفلك والفيزياء، وحتى مؤلفي قصص الخيال العلمي، ولكن إطلاق أول صورة في التاريخ للثقب الأسود وُصف بأنه "تقدم كبير للإنسانية جمعاء".

اكتشاف أقرب ثقب أسود إلى الأرض

منذ اكتشاف الثقب الأسود الأول في مجرتنا درب التبانة، اهتم عدد كبير من الباحثين بالتفتيش عن هذه الأجرام العجيبة في جوانب مجرتنا ودراستها، تمكن فريق بحثي من "جامعة ولاية أوهايو" (Ohio State University) الأميركية من رصد ثقب أسود يقع على مسافة 1500 سنة ضوئية من كوكب الأرض، ويجعله ذلك، أقرب ثقب أسود إلى الأرض اكتُشف حتى الآن، وسمّي "يونيكورن".

والثقوب السوداء هي المرحلة النهائية في أعمار النجوم العملاقة، إذ تنهار مادة النجم على ذاتها مع انفجار هائل يترك في المركز كرة مظلمة ذات قدرة هائلة على الجذب، إلى درجة أن الضوء نفسه لا يمكن أن يفلت من يديها.

وللتوصل إلى تلك النتائج التي قبلت للنشر في دورية "مونثلي نوتيسيز أوف رويال أسترونوميكال سوسايتي" (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society)، فحص هذا الفريق عملاقا أحمر يدور حول الثقب الأسود "يونيكورن"، بـ3 تلسكوبات، وهي مرصد "كيلت" في ولاية أريزونا الأميركية، ومرصد "أساس" بدولة تشيلي، والقمر الصناعي "تيس" التابع لوكالة ناسا.

والعمالقة الحمر هي فئة ضخمة من النجوم ذات درجة حرارة منخفضة، لو كانت الشمس بحجم حبة بازلاء لكان الواحد من هذه النجوم بحجم كرة سلّة، ولا يمكن للعلماء تحقيق رصد مباشر للثقوب السوداء، لأنها لا تشع أي ضوء بل تمتصه، لذلك فإنهم يرصدون أثر الثقوب السوداء في الأجرام المجاورة لها. وبسبب قوة جذب الثقب الأسود الهائلة، فإنه يؤثر في شكل العملاق الأحمر الذي يدور حوله، وبالتبعية يؤثر في طبيعة الضوء الخارجة منه وشدته، وحينما تلتقط التلسكوبات على الأرض الضوء الصادر من هذا العملاق الأحمر فإنه يمكن لها تأكيد أنه يدور حول ثقب أسود، وهو ما حدث في حالة "يونيكورن"، بحسب الدراسة.

أما الأكثر إثارة للانتباه في هذه النتائج فهو كتلة هذا الثقب الأسود الجديد، فهي تساوي فقط 3 كتل شمسية، وذلك يعني أنه أيضا أصغر الثقوب السوداء المكتشفة إلى الآن، وأنه يندرج في فئة جديدة تماما من الثقوب السوداء التي تتطلب مزيدا من الدراسة.

ومنذ اكتشاف الثقب الأسود الأول في مجرتنا درب التبانة، الذي سمي "الدجاجة إكس-1″، اهتم عدد كبير من الباحثين بالتفتيش عن هذه الأجرام العجيبة في جوانب مجرتنا ودراستها، والآن نعرف بوجود عشرات منها، ويظن علماء الفلك أن مجرة درب التبانة تحتوي على 10 ملايين إلى مليار ثقب أسود.

معادن الأرض مصدرها ثقب أسود!

تذهب دراسة حديثة صدرت عن جامعة كندية إلى أنّ أغلب المعادن الثمينة في الأرض، ومنها الذهب والبلاتين والتيتانيوم والبلوتونيوم، تساقطت على كوكبنا الأزرق بعد انفجار ثقب أسود أطلقوا عليه اسم "كولابسر"، بمعنى المنهار.

الخاتم الذهبي الذي يزين أصابع كثير من الناس، وإطارات النظارات الثمينة القوية وخفيفة الوزن المصنوعة من التيتانيوم، والتي يبتاعها الناس بمبالغ باهظة، والأجزاء الدقيقة التي تصنع منها مركبات الفضاء والطائرات، مصدرها انفجار كوني وهي ليست مجرد معادن ثمينة مستخرجة من أعماق الأرض.

هذه النتائج قد تغير فهمنا وفهم العلماء الذين تساءلوا عن مصدر المكونات المعدنية الثمينة النادرة في الأرض، خصوصاً أنّ العناصر الكبرى الشهيرة لا تشابه تلك المكونات، فالخشب الناتج عن الأشجار والورق الناتج عن ورق الأشجار، والحديد والنحاس والرصاص والفضة في جوف الأرض، مع عشرات العناصر الأخرى، تختلف في تركيبها الذري جذرياً عن المعادن الثمينة التي تتحدث عنها الدراسة، التي صدرت عن جامعة غويلف والتي نشرت يوم الخميس (13 حزيران/ يونيو 2019) على صفحة "ساينس ديلي" الأمريكية وكشف فيها أنّ المعادن المشار إليها تناثرت متساقطة من انفجار كوني هائل مغرق في البعد الزمني عن مجموعتنا الشمسية.

الدراسة الجديدة تذهب إلى أن ما نسبته 80 في المائة من المعادن الثقيلة تقريباً في الأرض تساقطت هي الأخرى منصهرة بشكل نافوري على كوكبنا في مرحلة التكوين. لكنّ الفرق الزمني كبير بين هذا التساقط والتساقط الذي نتجت عنه معادن ثمينة. وتتحدث الدراسة عن نجوم يفوق حجمها ووزنها بثلاثين مرة وزن شمسنا، وهي النجمة الكبرى في المجموعة الشمسية التي نعيش ضمنها، كما أكد البروفسور دانيال زيغل، قائد فريق البحث الثلاثي الذي أجرى الدراسة.

فريق البحث، وباستخدام مطيافات (أجهزة تقيس الخواص الضوئية عبر الموجات المعناطيسية)، نجح في محاكاة ديناميكية الثقوب السوداء المتساقطة، والتي نتجت عن جاذبية فائقة متراكمة أفقدت النجوم قدرتها على الطواف في الفضاء الكوني، فتحولت إلى ثقوب سوداء وتفجرت متساقطة على الكون.

اكتشاف أسرع ثقب أسود

على بعد مسافة 12 مليار سنة ضوئية، اكتشف علماء استراليون ثقب أسود وحشي في الفضاء العميق الذي يقع خارج نطاق الجاذبية الأرضية، وهو أسرع شيء نمواً في الكون، فما قصة هذا الثقب وكيف يمكن الاستفادة منه بحسب رأي علماء الفلك؟

أعلن علماء فلك أستراليون أنه تم اكتشاف ثقب أسود وحشي في الفضاء العميق - الذي يقع خارج نطاق الجاذبية الأرضية. وقال العلماء أن الثقب الذي تم العثور عليه يعد أسرع شيء نمواً في الكون حيث يلتهم كل يومين كتلة تعادل الشمس التي تدور حولها الأرض.

ويبعد الثقب الأسود الهائل الحجم عن الأرض بمسافة 12 مليار سنة ضوئية، ويقدر حجمه بما يعادل 20 مليار شمس ويتمدد بنسبة 1% كل مليون عام، وذلك وفقا لما قالته الدكتورة كريستيان وولف من مدرسة أبحاث الفلك والفيزياء الفلكية التابعة للجامعة الوطنية الأسترالية.

وأضافت الدكتورة وولف أن "هذا الثقب الأسود ينمو بشكل سريع لدرجة أنه يشع الضوء بشكل أكثر لمعانا بآلاف المرات من مجرة بأكملها، بسبب كل الغازات التي يمتصها يومياً والتي ينتج عنها كثير من الاحتكاكات والحرارة".

وعن الاستفادة من تلك الثقوب، أوضحت الدكتورة وولف أنه يمكن استخدام الثقوب السوداء هائلة الحجم، وهي تسطع، كمنارة إرشاد لمشاهدة ودراسة تشكيل العناصر في الأجرام السابقة بالكون.

وتابعت "إذا قٌدر أن يوجد هذا الوحش في مركز مجرة درب اللبانة التي نعرفها، لكان سيبدو أكثر لمعانا من القمر في أوج اكتماله بعشر مرات، ولكان سيظهر كنجم محدد الموقع بشكل مدهش، بحيث يمكنه جرف جميع النجوم السابحة في السماء".

وتعد هذه الثقوب السوداء الكبيرة وسريعة النمو نادرة للغاية، وتم رصد آخر ثقب منها باستخدام القمر الاصطناعي "جايا" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية حيث كان يقوم بقياس الحركات الدقيقة للأجرام السماوية. وتم تأكيد الاكتشاف الجديد باستخدام منظار تحليل الطيف بتلسكوب قطره 2.3 أمتار بمرصد "سايدنج سبرينج" بالجامعة الأسترالية.

ثقوب سوداء عملاقة هي سبب تشكل النجوم

رؤية النجوم تتلألا في السماء مساءا أمر يراه البعض ممتعا جدا، ولكن معرفة كيفية نشأة النجوم مازال لغزا يشغل العلماء، وآخر ما توصل إليه العلماء أن النجوم تتكون بفضل ثقوب سوداء عملاقة، فكيف توصلوا إلى هذه النتيجة؟

حصل تشكل النجوم على دفعة من رياح صادرة من ثقوب سوداء عملاقة عثر عليها في وسط المجرات، وفقا لدراسة أجراها علماء الفلك في جامعة ميريلاند نشرت في مجلة "نيتشر" العلمية. ولاحظ الباحثون أن ثقبا أسود هائل في مركز المجرة المعروفة باسم "إف11-11-9" كان هو السبب في تشتت كميات هائلة من الجزيئات المكونة للنجوم على حواف أبعد من المجرة وربما أبعد من ذلك.

ووفقا للباحث فرانشيسكو تومبيسي فإن معرفة توقيت تتطور المجرات يعتمد على الثقب الأسود الذي يقع في مركز المجرة. وقد تشكلت المجرة " اف 11- 11-9" نتيجة تصادم مجرتين، ويطلق ثقبها الأسود إشعاعات بأقصى مستوى ممكن في صورة " أشعة إكس" والأشعة تحت الحمراء، كما يقول تومبيسي. ولعل هذا هو السبب وراء اختيار هذه المجرة من بين 30 مجرة أخرى محتملة للدراسة.

مفاجأة تثبت نظرية آينشتاين

لأول مرة في التاريخ، تمكن علماء من رصد ضوء خلف ثقب أسود، رغم أن الثقوب السوداء معروفة بأنها تبتلع كل شيء بسبب جاذبيتها الهائلة. فما أهمية هذا الاكتشاف؟ وما علاقته بالنظرية النسبية العامة لآينشتاين؟

على الرغم من الأبحاث المكثفة حولها، لاتزال الثقوب السوداء لغزاً يحير العلماء، لكن يُعرف عنها بأن جاذبيتها الهائلة تجعل من الصعب أن "يفلت منها أي شيء، حتى الضوء"، على الأقل حسب ما هو معروف عنها حتى الآن. ولم يتم نشر أول صورة لثقب أسود سوى قبل عامين فقط.

لكن علماء الفيزياء الفلكية في جامعة ستانفورد الأمريكية توصلوا حديثاً إلى اكتشاف غير مسبوق حول الثقوب السوداء، فقد رصدوا انبعاثات ضوئية خلف ثقب أسود عملاق، وهو ما يثبت نظرية آينشتاين "النسبية العامة" التي وضعها قبل أكثر من مائة عام، والتي لم يكن قد تم إثباتها حتى الآن!

وذكر العلماء في ملاحظاتهم التي نشرت في الدورية العلمية "نيتشر" أن التلسكوبان الفضائيان "نوستار" و"إكس إم إم نيونونيان" رصدا "انبعاثات أشعة سينية" خلف الثقب الأسود الموجود في مركز مجرة على بعد 800 مليون سنة ضوئية.

وقال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ستانفورد، دان ويلكنز، الذي قاد الفريق العلمي الذي توصل إلى هذا الاكتشاف الجديد: "أي ضوء يدخل هذا الثقب الأسود لا يخرج، لذلك لا ينبغي أن نكون قادرين على رؤية أي شيء خلفه"، لكنه أضاف: "تمكننا من رؤية الضوء يرجع إلى انحنائه وتعديل الحقول المغناطيسية حول نفسه، بحيث استطعنا رصده خلف الثقب الأسود".

وأثناء إجراء البحث، لاحظ العلماء سلسلة من التوهجات الساطعة للأشعة السينية، ثم سجل التلسكوبان شيئاً غير متوقع: ومضات إضافية من الأشعة السينية كانت أصغر حجماً، وذات "ألوان" مختلفة عن التوهجات الساطعة. وبذلك خلصوا إلى أن الضوء يجب أن يكون آتياً من الجزء الخلفي من الثقب الأسود. واستنتج العلماء أن الثقب الأسود الهائل أجبر الفوتونات الضوئية على أن تنحني حوله.

ويشكل هذا الاكتشاف "حدثاً خاصاً" لعالم الفضاء والمؤلف المشارك في البحث، روجر بلاندفورد الذي قال: "منذ خمسين عاماً، عندما بدأ علماء الفيزياء الفلكية في التكهن بكيفية تصرف المجال المغناطيسي بالقرب من الثقوب السوداء، لم تكن لديهم فكرة أنه في يوم من الأيام قد يكون لدينا تقنيات لمراقبة هذا مباشرة ورؤية نظرية النسبية العامة لأينشتاين في حالة تطبيق عملي".

وكانت النظرية النسبية العامة لآينشتاين، والتي وضعها في عام 1915، قد تنبأت بأنه يمكن رؤية الضوء خلف الثقوب السوداء بسبب "تشوه الزمكان حولها"، كما ذكرت مجلة "سبيكتروم" الألمانية العلمية.

و"الزمكان" هو دمج لمفهومي الزمان والمكان، وهو الفضاء بأبعاده الأربعة، الأبعاد لمكانية الثلاثة التي نعرفها وهي الطول والعرض والارتفاع، مضافاً إليها الزمن كبعد رابع.

رصد أكبر حدث كوني منذ الانفجار العظيم

تشكل الثقوب السوداء أحد أكبر ألغاز الكون التي تُحير العلماء كلما حاولوا فك طلاسمها. فقد تم مؤخرا رصد ظاهرة فريدة تتتعلق باصطدام ثقبين أسودين عملاقين بقوة جبارة اعتبرها البعض ثاني أكبر حدث كوني منذ الانفجار العظيم!

حدث فلكي استثنائي بكل المقاييس وصفه آلان وينشتاين، عالم الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في حوار مع المجلة العلمية الأمريكية "بوبولار ساينس" بقوله "إنه أكبر انفجار رصدته البشرية على الإطلاق منذ الانفجار العظيم". تصريح وينشتاين جاء بصفته عضوا في الفريق العلمي الذي اكتشف تصادم ثقبين أسودين عملاقين. اكتشاف من شأنه المساعدة في تراكم مزيد من الأدلة لفهم سبب ظهور الكون بالشكل الذي نعرفه اليوم. تصادم ثم انصهار الثقبين الأسودين حدث على بعد حوالي سبعة مليارات سنة ضوئية من الأرض. مسافة تعجز مخيلة العقل البشري حتى على تخيلها. اندماج الجسمين الكونيين الهائلين أدى إلى ميلاد ثقب أسود أضخم، ما بعث بكمية من الطاقة الهائلة تسببت في اهتزاز واضطراب النسيج الزمكاني للكون. والزمكان هو مفهوم فيزيائي يدمج بُعدي (الزمان والمكان) ويمكن تعريفه على أنه الفضاء بأبعاده الأربعة (الأبعاد المكانية الثلاثة وهي الطول والعرض والارتفاع بالإضافة إلى الزمان). وتتصور نظرية النسبية لأينشتاين الزمكان كنسيج أو شبكة تضم وتحمل كل شيء في الكون ولا شيء يوجد خارجها.

وتمكن العلماء من رصد هذا الحدث الكوني الجبار من على كوكب الأرض إذ اهتز وتوسع النسيج الزمكاني ما أدى إلى ظهور موجات جاذبية وصلت حتى كوكبنا. وبالتالي لا توجد هناك صورة فوتوغرافية لحادث الانفجار في حد ذاته، لكن الباحثين تمكنوا من رصد الضوضاء التي نتجت عن الانفجار في إشارة تم تصنيفها تحت رقم "GW190521"، ولم تدم سوى عشر ثانية لم يكن للباحثين توقعها.

اكتشاف ثقب أسود عملاق قد يفسر سر الكون

كشف علماء الفضاء عن وجود ثقب عملاق أسود في مركز إحدى المجرات البعيدة ويرجّح أنه قد تشكّل في مطلع تشكل الكون. ولكن ما هو المثير في هذا الاكتشاف؟ الجواب المتفائل عن هذا السؤال قد يسلط الضوء على نظرية تشكّل الكون وعمره.

حجم الثقب الأسود الذي اكتشفه علماء الفضاء يزيد عن أحجام 12 مليار شمسا مجتمعة، ويصعب على الفرد العادي أن يتخيل معنى هذا الحجم المهول، ولكن عليه أن يتخيل تجويفا عملاقا أسود يمتص إلى جوفه كل ما يقترب منه. وكما هو الحال مع باقي الثقوب السوداء، يستقر هذا الثقب في مركز مجرته مثل عنكبوت يتوسط نسيجه الرقيق، ويمكنه أن يبتلع كل ما حوله من غازات وغبار ونجوم، ليكبر ويتسع باستمرار. وقبل أن تختفي كل المواد في الجوف الأسود، ينبعث عنه نور شديد البريق بسبب الحرارة التي ترافق عملية البلع.

"المادة المضادة" هي أغلى المواد في الكون. وتتكون المادة المضادة من جسيمات مضادة للمادة وعند التقائها بالمادة تؤدي إلى فنائهما وإلى تكوين طاقة كبيرة من الفوتونات (أشعة غاما). يُعتقد أن المادة المضادة غير موجودة على الأرض ويُقدر سعر الغرام الواحد منها بـ 780 مليار يورو.

الثقب الأسود العملاق الذي نتحدث عنه، ليس مظلما، بل هو ساطع وينبعث عنه بريق يفوق بريق 420 تريليون شمس! وهو رقم مهول آخر. ومن خلال هذه المعلومة خلص العلماء إلى أن الثقب الأسود قد تشكل في حقبة مبكرة جدا من الحقبة النظرية لتشكل الكون المعروف. وطبقا لتقديراتهم، فإن الثقب يبعد عن الأرض نحو 12.8 مليار سنة ضوئية، وهذا يعني أنّ الضوء الذي نراه صادرا عنه اليوم قد سافر عبر 12.8 مليار عاما ضوئيا ليصلنا.

المناطق التي تحتشد حول المركز الساطع للثقب الأسود الذي يتوسط تلك المجرة، تدعى "كوازارات" وهي تمثل حدود أو ضفاف الثقب الأسود . هذه الضفاف حديثة الاكتشاف ينتظر أن تكشف عن إجابات لأسئلة طالما شغلت علماء الفضاء. أسئلة من قبيل: طبقا لنظرية الانفجار الكوني الكبير، كيف كانت الأحوال بعد الاصطدام الهائل المريع الذي نتج عنه الكون؟ وما هي التغيرات التي طرأت على هذا الكون خلال مليارات السنين؟ توصل لهذه المعلومات فريق باحثين صيني يعمل في جامعة بكين، وقد نشرها في مجلة الطبيعة "Nature".

هذا ما قد يحصل: اليك الفرضيات الأكثر غرابة

في حال كنت ترغب بتخيل شكل وطبيعة الحياة داخل الثقب الأسود، فلن تجد أي شيء يرتبط بالجمال، بل سيكون مصيرك غريبا وشنيعا أكثر مما يمكن أن يتخيله الخبراء، وبعد إصدار أول صورة حقيقية للثقب الأسود هذا الأسبوع، حاول معظم الناس في جميع أنحاء العالم التفكير في ما سيحدث بالضبط، حال السقوط في الحلقة الدائرية السوداء.

وبالطبع، لدى العلماء العشرات من النظريات في هذا الخصوص، وفيما يلي بعض الفرضيات الأكثر غرابة:

- "تأثيرات المعكرونة"

تأتي الثقوب السوداء عبارة عن نقاط كثيفة بشكل لا يصدق، مع قوة جاذبية أقوى بملايين المرات من تلك التي نشعر بها على الأرض، وفي حال الاقتراب من هذه القوة، يقوم الثقب الأسود بسحب جسمك وتفتيته إلى أشلاء. ولكما اقتربت، فإن الفرق في الجاذبية بين رأسك وقدميك، يمكن أن يساهم باستطالة الجسد مثل قطعة من العلكة، وفي نهاية المطاف، يصبح الإنسان مجرد مجرى من الجزيئات دون الذرية، التي تدور في الثقب الأسود.

- العيش للأبد

كلما كان الثقب الأسود أكبر، صغر حجم الجاذبية، ما دفع بعض الخبراء إلى التفكير فيما إذا كانت الثقوب السوداء الأكبر، تعمل على محوك كليا، لأن قوى الجاذبية ليست كبيرة لتفكيكك، وبدلا من ذلك، فإن السقوط في إحدى الثقوب السوداء، قد يساعدك في خداع الموت تماما، ويُقال إن الوقت والزمن يتجمدان عند حافة الثقب الأسود، نظرا لأن قوته الشديدة تساهم في انحناء نسيج المكان والزمان، وفي حال وصلت إلى هذه البقعة دون أن تتمزق، يمكن أن تصبح خالدا.

- النظر عبر الزمن

أثناء السقوط في الثقب الأسود، ينحني الزمن أمامك وخلفك، ما يتيح لك "رؤية" الماضي والمستقبل، وقال تشارلز ليو، عالم الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي: "أولا وقبل كل شيء، أنت تقترب من سرعة الضوء أثناء السقوط في الثقب الأسود. لذا، كلما ازدادت سرعة تحركك عبر الفضاء، تباطأت حركتك عبر الزمن"، وفقا لـ "Live Science"، واستطرد موضحا: "في النهاية، ستتمكن من رؤية التاريخ الكامل لتلك البقعة في الكون".

- السفر إلى عالم آخر ومحو ماضيك

طرح البروفيسور الراحل، ستيفن هوكينغ، أفكاره الخاصة عن الحياة داخل ثقب أسود، ويعتقد الفيزيائي أن هناك فرصة لتجد نفسك في بُعد مختلف، حيث قال: "إذا كنت تشعر بأنك في ثقب أسود، فلا تستسلم. هناك طريقة للخروج".

وادعى هوكينغ أن أي شخص غبي بما فيه الكفاية لرمي نفسه في ثقب أسود، يمكن أن ينتهي به المطاف في عالم آخر، وأوضح العالم الفيزيائي قائلا: "يجب أن يكون الثقب كبيرا، وإذا كان يدور، فقد يكون هنالك ممر إلى كون آخر. لكنك لن تستطيع العودة إلى عالمنا"، وتقترح نظرية أخرى أن السفر إلى أحد هذه الأبعاد الأخرى، قد يمحو الماضي لعدم اتباع القوانين الأساسية الخاصة بنا.

اضف تعليق