q
الأمر يبدو قد حسم وطالبان على اتم الاستعداد لإعلان الامارة الاسلامية ويبدو ان الحنكة السياسية للحركة ودخول قادة جدد او قادة الخط الثاني قد ادارت او تحاول ان تدير الازمة بصورة جيدة، وربما فريقها السياسي في قطر كان له الدور في ذلك، فطالبان اليوم هم ليسوا أولئك...

مدخل

منذ هزيمة حركة طالبان والاطاحة بها عام 2001 بعد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية وسط اعتقال او قتل او هزيمة غالبية قادة الحركة الى الجبال الوعرة او الى باكستان، ومنذ ذلك الحين وحتى دخولهم كابل استمروا بمقاتلة القوات الامريكية والحكومة الافغانية باستثناء مدد محددة خاضت الحركة من خلالها مفاوضات مع الولايات المتحدة في قطر الا ان تلك المفاوضات لم تتوصل الى نتيجة على الاقل ظاهريا، لذلك مع اعلان البدء بسحب القوات الامريكية من افغانستان بأمر من الرئيس بايدن سارعت الحركة وبتحرك كبير للسيطرة على الولايات البعيدة دون الخوض في عواصم المدن، وانما الاطراف والمعابر الحدودية اضافة الى ضخ اعلامي كبير، وشيئاً فشيئاً تمكنت من السيطرة على كامل افغانستان خلال مدة لا تتجاوز العشرة ايام وهو موضوع يثير الشكوك والتساؤلات نحاول الاجابة عنه.

أسباب انهيار الجيش الافغاني

تثار مجموعة من التساؤلات حول الانهيار السريع للجيش الافغاني لاسيما وان تعداده يفوق الـ350 ألف جندي مدرب ومجهز ناهيك عن الصنوف الاخرى، كما وان مقاتلي حركة طالبان في بداية هجومهم كانوا يعتمدون على اسلحة تقليدية خفيفة ومتوسطة عكس الجيش الافغاني الذي يمتلك اسلحة ثقيلة ومتطورة اضافة الى الطيران؟

تتوافر مجموعة من الاسباب التي ادت لانهيار الجيش بهذه الصورة وقد نشرت عدة وكالات اضافة الى مختصين بالشأن الافغاني مجموعة من الاسباب يأتي في مقدمتها أن قادة الجيش الافغاني كانوا وطيلة مدة تسلمهم المسؤولية يتصرفون كأمراء حرب وليس قادة جيش ملتزم بضوابط وتعليمات ذات مهنية وشعور وطني، اذ حسب التقارير فإن هؤلاء القادة يقيمون شبكة علاقات من المحسوبية والمنسوبية والنفعية بعيداً عن روح المؤسسة العسكرية، لذلك فان مثل هذا النمط عندما يكون في اي مؤسسة عسكرية ستنهار ويهرب جنودها دون قتال، فالفساد يقضي على الروح العسكرية والولاء للوطن والمهنية، وهذا ما يفسر عدم صمود هذا الجيش الكبير امام حركة طالبان التي لا يتجاوز مجموع مقاتليها الـ60 الف بأحسن الأحوال، الا ان الحركة تمكنت من عقد اتفاقيات مع زعماء قبائل وقوى اهلية للانضمام لها في القتال وهذه القوى قد زودت الحركة بأعداد من المقاتلين فضلاً عن توفير البيئة الامنة لهم.

الامر الآخر ان مقاتلي الحركة وطيلة المدة السابقة قد اكتسبوا مهارة قتالية عالية ودراية كبيرة بوعورة الارض وجغرافية المنطقة، كما تمكنت الحركة من الاستيلاء وبسهولة على مخازن اسلحة الجيش الافغاني والتي غالبيتها اسلحة امريكية حديثة وكثيرة، فضلاً عن ظهور اسلحة باكستانية وايرانية بيد عناصر الحركة وهو ما عزز من ديمومة استمرار تقدم الحركة ومن عدة محاور.

كذلك فإن طالبان لجأت لتكتيك الكماشة ومحاصرة العمق وضرب الاطراف اضافة الى انها تحاصر المدن وتمطرها بوابل من النيران بكثافة عالية حتى الاستسلام او تسليمها المدينة. ولا يفوتنا فإن الجيش الافغاني مدرب على الغطاء الجوي والتقدم ارضا كما هو حال جنود الولايات المتحدة وعندما انسحبت القوات الامريكية وفقدت القوات الأفغانية الغطاء الجوي تدهورت وانهارت، وايضاً الدعم من بعض الدول للحركة والغطاء السياسي وخيانة بعض القادة ادت لهذا الانهيار السريع وتخلي الولايات المتحدة بهذه الصورة قد أدت لهذه النتائج.

مستقبل طالبان في افغانستان

بحسب الادارة الامريكية فإن الولايات المتحدة لا ينبغي لها الاستمرار بدعم افغانستان بعد عشرين عاماً دون ان يساعدوا انفسهم ويتمكنوا من الدفاع عن بلادهم وهذا القول لتبرير الفشل، لكون واشنطن هي من دخلت لأفغانستان واسقطت الحركة، وبالتالي ما هو الهدف الذي حققته من هذا الانسحاب وتسليم أفغانستان للحركة من جديد وهي تعلم مدى ضعف الجيش الافغاني وحكومته، وحجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ولم يقدم الزعماء الافغان اي مشروع او اتفاق او شكل للدولة بعد الانسحاب.

اما صورة هروب الرئيس الافغاني وتسليم القصر الحكومي سلمياً فهذا يشير لعدة امور أولها هناك اتفاق مسبق ما بين الادارة الافغانية والحركة على دخول العاصمة دون اراقة دماء وهذا الاتفاق كان قد حصل بعلم او تخطيط الادارة الامريكية التي لم يتخذ جيشها هناك او بقايا الجيش اي اجراء سوى تكثيف عمليات اجلاء موظفي سفارتها والمتعاونين الافغان معها، وما عملية فوضى مطار كابل وطريقة الاجلاء الا دليل على حجم الارباك وترك افغانستان بهذه الصورة يعيد للأذهان ما حصل في فيتنام 1975.

على أي حال، الأمر يبدو قد حسم وطالبان على اتم الاستعداد لإعلان الامارة الاسلامية ويبدو ان الحنكة السياسية للحركة ودخول قادة جدد او قادة الخط الثاني قد ادارت او تحاول ان تدير الازمة بصورة جيدة، وربما فريقها السياسي في قطر كان له الدور في ذلك، فطالبان اليوم هم ليسوا اولئك الطلاب الطامحون لتحرير البلاد واعلان الشريعة الاسلامية، اذ ان الحركة قد اعلنت انها لن تعتدي على اي سفارة او قنصلية او وافدين او مقيمين اجانب كما وتهربت عن اي اجابة حول احتمالية المواجهة او طريقة التعامل مع الولايات المتحدة، كذلك بعثت رسائل لدول الجوار بأنها ستحترم سيادتها وتقوي العلاقة معها، وصرحت عدة مرات بأنها لا تنوي العيش في عزلة وانما تريد ان تتواصل مع المجتمع الدولي، كذلك لم تقوم الحركة وطيلة اجتياحها للمدن بالمساس بالأقليات الدينية والقومية ومن ضمن ما اعلنت عنه بأنها ستسمح بخروج المرأة دون مرافق، وانها لا تنوي الاستئثار بالسلطة بل ستعمل على تشكيل حكومة مشاركة، وهذه الطروحات هي للمجتمع الدولي قبل المحلي، وربما لتثبيت أركانها، او تمكنها او قد تكون تعلمت من الدروس السابقة لتجنب الحرب الاهلية او العزلة الدولية واسقاطها من جديد.

في مقابل ذلك لم نشهد ردود فعل دولية تليق بمستوى الحدث وهذا ما يفسر بأن تطمينات طالبان قد وصلت لتلك الدول، واول من فهمها الولايات المتحدة خلال جولات المحادثات في قطر. مع ذلك يبقى الامر مفتوحاً لعدة احتمالات وربما الحرب الاهلية أقربها.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2021
www.fcdrs.com

اضف تعليق