q
مع استمرار تزايد الإصابات والوفيات في مختلف دول العالم، يتواصل الجدل وتستمر التحقيقات بشأن منشأ فيروس كورونا المستجد، والذي اثار ايضاً ازمة كبيرة بسبب الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية، حيث اكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنه أطلع على \"أدلة\" عن أن مصدر فيروس كورونا...

مع استمرار تزايد الإصابات والوفيات في مختلف دول العالم، يتواصل الجدل وتستمر التحقيقات بشأن منشأ فيروس كورونا المستجد، والذي اثار ايضاً ازمة كبيرة بسبب الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية، حيث اكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنه أطلع على "أدلة" عن أن مصدر فيروس كورونا هو أحد المختبرات الصينية متهما بيكين، التي قالت أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الأساسيّ لفيروس “كورونا الجديد” وأنّها تعمّدت نشره في الصين من خِلال عُملاء وكالة المُخابرات الأمريكيّة المركزيّة “سي آي إيه”. هذه الاتهامات دفعت العديد من الدول للمطالبة بإجراء تحقيق خاص لمعرفة منشأ فيروس كورونا.

وفيما يخص اخر تطورات هذه القضية، فقد اعتبر مدير منظمة الصحة العالمية وكما نقلت بعض المصادر، أن الفرضيات حول منشأ جائحة كوفيد-19 تبقى مفتوحة وتحتاج الى مزيد من الدرس، بعد اطلاعه على تقرير مهمة الخبراء الدوليين الى ووهان للتحقيق في أصل فيروس كورونا. وقال تيدروس أدهانوم غيبرييسوس خلال مؤتمر صحافي افتراضي من جنيف “كل الفرضيات مفتوحة، بالنظر الى ما قرأته في التقرير (…) ويتطلب أبحاثا تامة والمزيد من الدراسات”.

ورجّح تقرير مشترك لخبراء منظمة الصحة العالمية وآخرين صينيين أن يكون فيروس كورونا قد انتقل إلى الإنسان عبر حيوان وسيط انتقلت إليه العدوى من خفّاش، مستبعدا فرضية تسرّب الفيروس من مختبر صيني على خلفية تشكيك بالاستقلالية. ويأتي نشر التقرير المشترك الذي طال انتظاره ولم تكن استنتاجاته مفاجئة، بعد15 شهرا على ظهور أولى الإصابات بكوفيد-19 في ووهان في نهاية ديسمبر 2019. ومذّاك أوقعت الجائحة أكثر من 2.7مليون وفاة في العالم، وألحقت ضررا بالغا بالاقتصاد الدولي.

والتقرير، وإن لم يحل لغز منشأ سارس-كوف-2 (الفيروس المسبب لكوفيد-19) فهو يشدد على ضرورة إجراء تحقيقات أخرى تشمل نطاقا جغرافيا أوسع في الصين وخارجها، ويعتبر أن فرضية انتقال الفيروس إلى الإنسان عبر حيوان وسيط “محتملة إلى محتملة جدا”، مقابل “استبعاد تام” لفرضية تسرّب الفيروس من مختبر جراء حادث.

نتائج التحقيق

كشف مسؤولون صينيون، عن نتائج التحقيق في أصل فيروس كورونا "كوفيد -19" المنتشر في جميع أنحاء العالم، موقعًا ملايين الوفيات والإصابات منذ انتشاره في ديسمبر 2019. ويأتي كشف الصين عما توصلت إليه أبحاث مسؤوليها الجارية، قبل صدور التقرير المتوقع من منظمة الصحة العالمية عن أصل كوفيد _19. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الصينية يدعى يانغ تاو "هدفنا هو إظهار انفتاحنا وشفافيتنا، لقد حاربت الصين الجائحة بشفافية وليس لديها ما تخفيه". ويستند التقرير، الذي تأجل مرارا، إلى نتائج زيارة قام بها فريق من الخبراء الدوليين من منظمة الصحة العالمية، في وقت سابق من العام الجاري إلى مدينة ووهان بوسط الصين، حيث تم تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد للمرة الأولى أواخر عام 2019.

وعمل الخبراء مع نظرائهم الصينيين، وعلى الجانبين الاتفاق على التقرير النهائي، لكن من غير الواضح متى سيعلن. وقال عضو الفريق الصيني ونائب مدير المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فنغ تسي جيان، إن الخبراء ناقشوا أربع طرق محتملة وصل بها الفيروس إلى ووهان. وتلك الطرق هي: "أن خفاشا يحمل الفيروس أصاب إنسانا بالعدوى، أو أن خفاشا أصاب حيوانا من الثدييات كان وسيطا في نقل العدوى للإنسان، أو شحنات من الأطعمة الباردة أو المجمدة، أو مختبر لأبحاث الفيروسات في ووهان".

وأجرى الخبراء تصويتا على الفرضيات بعد مناقشة متعمقة، وخلصوا إلى أن أحد المسارين الحيوانيين أو أن السلسلة الباردة كانت على الأرجح طريقة انتقال العدوى. وقال فنغ إن التسرب في المختبر كان مستبعدا للغاية. ونقلت محطة "سي سي تي في" التلفزيونية الرسمية عن تصريحاته أن مبعوثين من خمسين دولة، إضافة إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي حضروا الإحاطة في وزارة الخارجية.

وقالت الوزارة في تصريح نشرته عبر الإنترنت بشأن الإحاطة إن "الصين تعارض بشدة محاولات دول معينة لتسييس قضية تعقب المنشأ وتوجيه اتهامات لا أساس لها ومحاسبة الصين". من ناحية أخرى، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ: "أود أن أؤكد أن تعقب الفيروس هو مسألة علمية يجب أن يدرسها العلماء من خلال التعاون". وأوضحت للصحفيين أن الخبراء ما زالوا يناقشون فحوى التقرير وترجمته، وأنها لا تعرف متى سيصدر. يشار إلى أن عملية الإحاطة الدبلوماسية بدت وكأنها محاولة من جانب الصين للتعبير عن رأيها في التقرير، الذي تداخل مع خلاف دبلوماسي، حسب ما أفادت "أسوشيتد برس".

ويؤكد تقرير الخبراء كما نقلت بعض المصادر، ان الاستنتاجات الأولية التي قدّموها في التاسع من فبراير في المدينة الصينية التي ظهر فيها الفيروس للمرة الأولى. ولن تحول استنتاجات التقرير دون تجدد الاتهامات لمنظمة الصحة العالمية باسترضاء الصين، ويقول مراقبون إن الخبراء لم يكن لديهم المجال الكافي للعمل بحرية خلال فترة الأسابيع الأربعة لإقامتهم في ووهان.

واجهت البعثة التي عُد عملها بالغ الأهمية لتعزيز فرص التصدي لأي جائحة جديدة قد يشهدها العالم وكُلفت تحديد كيفية انتقال الفيروس إلى الإنسان، صعوبات في الوصول إلى الصين التي ترددت كثيرًا في السماح لهؤلاء الخبراء العالميين متعددي الاختصاصات، من الأوبئة إلى علم الحيوان، بدخول أراضيها. وفي نهاية المطاف سمحت السلطات الصينية للخبراء بالعمل على أراضيها لفترة امتدت بين 14 يناير و9 فبراير.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اتّهمت معهد ووهان للفيروسات الذي يجري أبحاثا حول مسببات أمراض خطرة بالتسبب بتسريب الفيروس، عمدا أم عن غير عمد. وفي التقرير، أشار الخبراء إلى أنهم لم يدرسوا فرضية التسريب العمد، واعتبروا أن التسرّب جراء حادث مختبر “مستبعد تماما”. وخلص الخبراء في تقريرهم إلى أن دراسات سلسلة الإمداد لسوق هوانان (وغيرها من أسواق ووهان) لم تؤد إلى إيجاد “أدلة على وجود حيوانات مصابة، لكن تحليل سلاسل الإمداد وفّر معلومات” مجدية لدراسات لاحقة محددة الأهداف، خصوصا في مناطق مجاورة.

ويدعو الخبراء إلى “عدم إهمال المنتجات الحيوانية المصدر القادمة من مناطق تقع خارج نطاق جنوب شرق آسيا”. ويوصي التقرير بإجراء تحقيقات “في مناطق أوسع نطاقا وفي عدد أكبر من البلدان”. وشددت منظمة الصحة على ضرورة التحلي بالصبر من أجل الوصول إلى أجوبة على التساؤلات المطروحة. وأنشئت البعثة بموجب قرار تبنّاه أعضاء منظمة الصحة العامة في 19 مايو 2020، كلّف الخبراء “تحديد المنشأ الحيواني للفيروس وطريق انتقاله إلى الإنسان (…) عبر مهمات علمية وتنسيق ميداني”.

الصين ومنظمة الصحة

ومع نشر التقرير حول منشأ الفيروس، تم تسليط الضواء على العلاقات بين منظمة الصحة العالمية والصين منذ بدء جائحة كوفيد-19، وتزايد الاهتمام بها أكثر. ويعتبر الناقدون أن بكين الحريصة على تفنيد أي اتهام لها بسوء إدارة الأزمة الصحيّة، خدعت باستمرار الوكالة الأممية وتحفّظت عن مشاركة معطيات توضح منشأ المرض الذي أودى بحياة أكثر من 2.7 مليون شخص منذ ديسمبر 2019.

واٌتهمت منظمة الصحة العالمية بأنها تساهلت أكثر مما يجب مع الصين منذ الأيام الأولى لما صار لاحقا أسوأ جائحة خلال قرن. لكن الوكالة في موقف حساس لحاجتها لموافقة الدولة المعنية قبل إجراء أي تحقيق. ولم يحصل ذلك حتى يناير 2021، حين وصل محققون دوليون أوفدتهم المنظمة إلى مدينة ووهان التي تعتبر مهد الأزمة الصحيّة. ويتساءل كثيرون عن غياب الشفافية في تعاملات السلطات الصينيّة، في حين يشير آخرون إلى أن التحقيق حول انتقال الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 من الحيوان إلى الإنسان جرى بتعاون كامل مع علماء صينيّين.

ومن بين الناقدين كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش الذي يتهم منظمة الصحة العالمية ب”تواطؤ مؤسسي” مع بكين. وقال روث في وقت سابق “رفضت منظمة الصحة العالمية بشكل قاطع، كمؤسسة، قول أي شيء ينتقد الطريقة التي أخفت بها الصين انتقال العدوى بين البشر أو حقيقة أنها لا تزال ترفض تقديم أدلة”. وأضاف “ما نحتاج هو تحقيق صادق وصارم بدلا من الاستمرار في الرضوخ لمساعي الصين لإخفاء الحقيقة”.

وأشار مصدر مقرّب من الدوائر الدبلوماسية في جنيف إلى أن منظمة الصحة العالمية سمحت للصينيين التفرد بإنجاز تحضيرات التحقيقات وثم التقرير بشأن كيفية إجراء التحقيق في حين تجنبت دول أعضاء التعبير عن انتقاداتها في العلن. أما أكبر ناقدي المنظمة العالمية فكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي وصفها بأنها “دمية بين يدي الصين”. ورغم أن خلفه جو بايدن أعاد بلاده إلى المنظمة التي تتخذ مقرا في جنيف، إلا أن ذلك لم ينه الانتقادات.

وقال الدبلوماسي الأميركي الرفيع في جنيف مارك كاساير إن واشنطن “مستاءة” من الوقت الطويل الذي تطلبه ذهاب الخبراء إلى الصين، وشكّك في مدى الحرية التي نالوها للبحث الميداني. وأضاف أن “هذا سيكون المعيار الذي سنقيّم به العلاقة” بين منظمة الصحة العالمية وبكين. لكن، عندما غادرت الولايات المتحدة المنظمة التي كانت أكبر مموليها، تركت فراغا سعت بكين جاهدة لملئه.

في المقابل، اعتبر سفير الصين لدى الأمم المتحدة في جنيف شن جو أن تلك الاتهامات “لا أساس لها”. وقال الدبلوماسي إن “التعاون بين الصين ومنظمة الصحة العالمية يسير بشكل جيّد في الأعوام الأخيرة”، مضيفا أنه “دون عوائق وشامل” منذ ظهور كوفيد-19. وقال ديفيد هايمان رئيس الفريق الاستشاري الاستراتيجي والتقني حول المخاطر المعدية في منظمة الصحة العالمية إن المعلومات التي “قدمتها الصين طوعا” بعد وقت مبكر من بداية الأزمة سمحت ب”فهم سريع لآلية العدوى”، وأوضح أن المعطيات التي طلبها فريقه “جرى توفيرها سريعا”.

فيما يرى سفير الاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة بجنيف والتر ستيفنز أنه عندما يشعر الصينيون أنهم “تحت الضغط” فإن ذلك “لا يجعلهم بالضرورة يسهّلون الأمور”. ويقول الدبلوماسي الأوروبي أن المشكل يتعلق بثقل وقدرة الوكالة الأممية على التأثير وليس بسلوك الصين. ويقول في هذا السياق “لا أتفق بتاتًا مع فكرة أن الصين تسيطر على منظمة الصحة العالمية”. بينما يرى البعض أن تأخر مهمة تقصي الحقائق حول منشأ الفيروس يسيء لمصداقية منظمة الصحة العالمية، يعتقد بيتر بن امبارك الذي قاد الفريق أن الذهاب إلى هناك في وقت مبكر لم يكن ليغيّر الكثير، خاصة وأن الأعمال التحضيرية الصينية لم تكن جاهزة. من جانبها، توصي عضو الفريق ماريون كومبانز أن يكون هذا النوع من البعثات تلقائيًا، وذلك لتجنّب جعلها أشبه برحلة بحث عن مذنبين. وتقول “إذ أردنا تجاوز هذه الحزازيات، فلنجعلها (التحقيقات) روتينية”.

اضف تعليق