q
لو تتمكن عزيزي القارئ قبل قراءة هذا المقال من النظر الى صورة توضح مدينة كربلاء او أي مدينة تسكن بها، شريطة ان تكون الصورة تم التقاطها من الجو قبل العام 2003، ومقارنتها بأخرى التقطت حديثا، بعد المشاهدة ستشعر بالفارق الكبير ومدى التمدد الذي شهدته المدينة عبر...

لو تتمكن عزيزي القارئ قبل قراءة هذا المقال من النظر الى صورة توضح مدينة كربلاء او أي مدينة تسكن بها، شريطة ان تكون الصورة تم التقاطها من الجو قبل العام 2003، ومقارنتها بأخرى التقطت حديثا، بعد المشاهدة ستشعر بالفارق الكبير ومدى التمدد الذي شهدته المدينة عبر بناء الدور السكنية بأطرافها وكذلك ملأ الفراغ في الداخل.

هذه الزيادة لم تأتي بمحض الصدفة بل وقفت وراءها او تسببت بها عوامل عدة منها الانفجار السكاني الذي عليه اغلب المدن العراقية، فضلا عن التنقل غير المدروس الذي منيت به محافظات دون غيرها من المحافظات العراقية، فبعضها تتمتع بإرث تاريخي ومكانة دينية مقدسة.

التوسع الافقي الذي حل بمدن كثيرة من المؤسف انه جاء بصورة عشوائية مع غياب تام للتخطيط الذي وفقه تنشأ المدن وتوضع المخططات للأحياء السكنية، حسب التطورات الحديثة والتسارع التكنولوجي في فن العمارة الذي غزى العالم.

بالتوازي مع التوسع الافقي برزت الحاجة الى التوسع العمودي، كشكل من اشكال التماشي مع الطفرة العصرية، فالبناء الشاهق أصبح من معالم المدن الحضارية الحديثة ولا تستطيع ان ترى مدينة بدون وجود برج تجاري او عمارة تتكون من طوابق متعددة خصصت للسكن فضلا عن احتوائها المكاتب التجارية والعيادات الطبية.

لم نعرف لماذا هذا الاعتماد الكبير او الذهاب خلف هذا النوع من التقدم العمراني، في ظل وجود مساحات واسعة من الأراضي الصالحة لان تكون وحدات سكنية، فهل الالتصاق بالحداثة يمكن ان يُفضل على راحة الانسان؟، وإهمال وجود بيئة ملائمة للسكن قريبة منه تشعره بالطمأنينة أكثر من الأبراج المرتفعة في الهواء.

بدأت ملامح هذا الشكل العمراني بالظهور في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما اخذ الأوروبيون يبحثون عن نظام جديد يمثل أحد أنواع الرفض للطراز القديم الذي يعود للماضي البرجوازي، الى جانب ذلك فان اتباع هذا النوع من البناء يأتي للتعبير بشكل أدق وأصح عن العصر والتغيرات الحادثة به، والتمسك بالاحتياجات الجديدة، بالإضافة إلى التخلص من الفوضى والظروف غير الصحية للمدن آنذاك.

من الأشياء التي تحمل قدرا كبيرا من الأهمية هو مراقبة التطورات العمرانية ومواكبتها ومراعاتها خلال وضع التصاميم الرئيسية للمدن، وتعتمد على الجمع بين مختلف المناطق الحضرية والصناعية والريفية، ولا مشكلة في دعم النظرية التي تصطف الى جانب النمو العمودي بمحاذاة الافقي.

من المآخذ التي تؤخذ على البناء العمودي او التصاميم الجاهزة لمدينة او مجمع سكني، هو مصادرتها للحرية الفردية في اختيار تصميم المنزل الذي يريد ان يكمل بقية حياته برفقة افراد اسرته، ومن هذه الجزئية هنالك دعوات او رغبات بان توضع التصاميم بالاتفاق مع الأشخاص وما تتطلبه احتياجاتهم الرئيسة.

من الممكن ان يوفر التوسع العمودي الكثير من الجهود على الجهات المعنية، وهنا اقصد الجهات الحكومية التي تقع عليها مسؤولية توفير سكن ملائم لجميع الافراد، كما ان العمارات السكنية تضغط النفقات الى حد كبير من التكلفة الشاملة للمشروع المراد بناءه وبالمحصلة النهائية نكون قد وفرنا أموالا وزدنا من العدد الكلي للوحدات السكنية.

السؤال الأهم والذي من المفترض ان يكون حاضرا بأذهان من يضعون التصاميم الحديثة، هو ما هي الحياة التي يريد الافراد ان يعيشونها داخل منازلهم؟، وليس الغاية الأساسية من وضع التصميم هو اللحاق بركب الحداثة التي تسير بسرعة جنونية قد يكون من الصعب مجاراتها ونسيان الفرد وحاجاته الأساسية بكل تفصيلاتها البسيطة والمعقدة.

وتقول احدى الناشطات المعماريات ان على الرغم من أن الشغل الشاغل للعمارة الحديثة كان ينصب على التنمية الاجتماعية والحضرية، فإن المباني الشاهقة عادة ما تكون مرتفعة التكلفة ومنخفضة الخصوصية ولا تتمتع بالإضاءة الجيدة، وهذا ينسف فكرة توجيه تلك المباني كتوفير سكني للمشردين والفقراء الذين بوجه كبير لن يتحملوا التكلفة الاقتصادية للسكن في تلك المباني.

النفس البشرية بطبيعتها ميالة الى العيش المنفتح والفضاء الرحب والاستئناس بالمناظر الجميلة والحدائق المخضرة بغض النظر عن حجمها، فهي تؤدي وظيفة كبيرة لا يمكن ان يستغني أي شخص عنها، الا إذا اجبرته الظروف على القبول بما لا يرغب المكوث فيه.

التزاحم الموجود بين الصنفين من البناء خلقته الحاجة الفردية وساعد على برزوه التقصير الحكومي، المدن العراقية لا يزال فيها المزيد من المساحات الشاسعة والمنبسطة، فهي لا تحتاج سوى بنى تحتية غير مكلفة بالنسبة لإمكانات الدولة، وتحويلها الى احياء سكنية تخفف من الاختناقات السكانية في الاحياء الأكثر شعبية، والتي تفتقر لأدنى مقومات العيش الكريم.

عدم القيام بهذه الخطوة من قبل الجهات المعنية، مكن المستثمرين من استثمار رؤوس أموالهم وتشييد مجمعات سكنية ذات كلفة خيالية مقارنة بغيرها من الوحدات، كما انها لا تراعي الموروث الحضاري لهذا البلد، فاغلب التصاميم لا تمت لإرثنا الهندسي بصلة وعملت على تشويه المعالم العمرانية التي نتميز بها.

إضافة الى ما تم ذكره من سلبيات، لا يمكن ان نتجاوز إيجابيات البناء العمودي، فهي أيضا تحمل مزايا عدة، بضمنها الاستفادة القصوى من المساحات الشاغرة والمخصصة للسكن من قبل جهة معينة سواء كانت الحكومة او المستثمر، كما انها تتميز بتكوين علاقات اجتماعية ربما تكون أكثر ترابط مقارنة بالوحدات الافقية التي تبعد مسافات الواحدة عن الأخرى.

اذواق وميول البشر تختلف من مكان الى آخر ومن شخص الى آخر ومن زمن الى آخر، ففي الوقت الذي لا نجد فيه من يُحبب السكن بالبيت العمودي، (الشقة)، هنالك من لا يفضل السكن بغيرها، وبين هذا وذلك تبقى المسألة الجوهرية والنقطة الأساسية التي تتحكم بموضوع بناء المنازل وتصميمها هي ذوق الفرد نفسه وقناعته الشخصية بكيفية إيجاد الراحة النفسية، كون العائلة هي من تعيش في البيت أطول فترة لا غيرها.

اضف تعليق