q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

كيف نبني دولة العدالة الاجتماعية؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

التوتر والتطرف والتصادم وإشعال الفتن من ألدّ أعداء الشعوب، لأنها أشبه بالجراح التي لا تندمل، فيبقى الشعب متصادماً يلعق جراحه وينشغل عن التطور بالصراعات والمصادمات، وما من شك أن العراق اليوم يجتاز أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، وهو لا يزال في مخاض التجربة السياسية التي يُراد منها...

التوتر والتطرف والتصادم وإشعال الفتن من ألدّ أعداء الشعوب، لأنها أشبه بالجراح التي لا تندمل، فيبقى الشعب متصادماً يلعق جراحه وينشغل عن التطور بالصراعات والمصادمات، وما من شك أن العراق اليوم يجتاز أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، وهو لا يزال في مخاض التجربة السياسية التي يُراد منها نقله إلى برّ الحرية بأمان وتوازن واستقرار، وهناك عقبات جدية وتعقيدات بالغة الخطورة تعترض طريق العراقيين لتعبيد الطريق نحو دولة قادرة على حماية الحقوق وتأمين متطلبات حياة مرفّهة، وهو حق أساسي لا يمكن التنازل عنه، أو التقاعس في الوصول إليه.

نبذ الفتن وإطفاء بؤر التوتر والتطرف، والعيش بسلام ووئام وانسجام بين الأطياف العراقية المختلفة أمر في غاية الأهمية، على الرغم من وجود التنوّع في التركيبة السكانية، فالاختلاف ليس خلافا، إنما هو فسيفساء التنوع الذي يمنح الشعب العراقي ميزة تساعده على بلوغ مراتب التقدم أسرع من غيره من الشعوب الأخرى، ولعل الوعي الذي يتحلى به العراقيون وحبهم للثقافة وتمسكهم بإنسانيتهم وقيمهم النبيلة لكفيل بتحقيق تطلعاتهم نحو غد مشرق ودولة مؤسسات راسخة.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظلّه)، يركّز على الأولويات المطلوبة من العراقيين اليوم فيقول سماحته: (من أهم ما يجب اليوم على الجميع في العراق، جمع كلمة المؤمنين، وذلك بنبذ الخلافات القبلية والإقليمية والفئوية، وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه).

هناك من يتربص بالعراقيين، ويسعى ويخطط لاستغلال نقاط الاختلاف بين المكونات العراقية، لكي يحولها من صيغة الاختلاف إلى الخلاف، وتصبح ثغرات يتسلل منها هؤلاء المتربصون كي يخلقوا نوعا من الهشاشة التي تصيب النسيج المجتمع، ويسعون من خلال التركيز على الاختلافات لزرع الفتن والتناحر بين العراقيين، من أجل إضعافهم وإلهائهم بالمشكلات الداخلية، حتى يتسنى لهؤلاء المتربصون ومن يقف وراءهم تحقيق مآربهم الشريرة التي تسعى إلى سلب ثروات العراق، وزعزعة أمنهم، ولإفشال وصولهم إلى تحقيق دولتهم العادلة ونظامهم السياسي اللامركزي الذي يعتمد التعددية وضمان الحريات.

من الأهمية بمكان أن يتم رصد مشعلي الفتن والخلافات بين العراقيين وهم يسعون اجتياز هذه المرحلة العصيبة، لذلك ينبغي التنبّه إلى هذه الثغرات المجتمعية وغلقها، وعدم فسح المجال أمام صانعي الشقاق والفُرقة بين العراقيين، لأن مثل هذه الأمور تصبح معيقات للتجربة، وتضع الحجر في طريق المؤمنين وتسعى لمنعهم من بناء الدولة المدنية القائمة على تحقيق الأهداف الإنسانية السامية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على: (عدم فسح المجال للرؤى المختلفة، لكي تتسلّل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزّق وحدة الصفّ والكلمة، فإنها هي الأخرى تعوّق سير المؤمنين قدماً إلى تحقيق الأهداف الإسلامية السامية).

كيف تتحقّق أهدافنا العظيمة؟

توجد أدوات مادية وفكرية يمكنها تحقيق الأهداف التي تنقذ العراق، وكما هو معروف على مر التاريخ، أن الأهداف العظيمة لا تتحقق بين ليلة وضحاها، ولا يمكن أن تتبلور وتنضج من خلال سياسة حرق المراحل، فالنمو السياسي السليم وحده الكفيل بإنضاج التجربة السياسية، أما القفز من حال إلى حال بسرعة ومن دون رويّة وتأنٍ وتخطيط سليم وتخطٍ مدروس وصبور للعقبات، فإنه في الحقيقة لا يكفل الانتقال الصحيح إلى نظام تحرري يضمن الحريات العامة، وخصوصا حرية الرأي وغيرها من الحريات.

التحرّر من الفساد، والتناقضات التي تضعف الدولة والمجتمع، يحتاج إلى صبر ومطاولة مع التخطيط والتجديد في أساليب السعي للتغيير، ولابد من وجود قادة دولة محنكين وطنيين، يفهمون ويتقنون سياسة الحلم والتأني، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر التسلّح بالثقافة والإيمان وسموّ الأخلاق، لكي تتوافر أرضية التغيير اللازمة وإمكانية الانتقال من صيغة حياة قائمة على الأحادية والكبت والقمع وسيادة الأمر الأوحد، إلى حياة سياسية واجتماعية عمادها تلاقي الآراء وتفاعلها بحرية وازدهار، تمهيدا لترسيخ منهج التعددية القادر على ضمان حقوق الجميع بالأخص الأقليات، وهذا يستدعي أيضا ثقافة رصينة قوية وجديدة لكيفية المطالبة بالحقوق واستردادها بالطرق السلمية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (على المؤمنين في العراق تقوية أنفسهم، والتسلّح بالثقافة الدينية والسياسة، ورصّ الصفوف، ونبذ الخلافات، وجمع الكلمة، والمطالبة، بـ الطرق السلمية).

أما قضية تطويق حرائق الفتن بين المكونات والأطياف العراقية، فهي مهمة تتصدر جميع المهام، ومن يتصدى لها بشكل عام هم العراقيون جميعا، أم التصدي للتطويق بشكل خاص فهو من مهمة الحكماء والعقلاء من علية القوم، لأم الهدف الأهم والأكثر إلحاحا هو قبر الفتن وهي لما تزل في مهدها، هذه المهمة تتطلب عناصر متعددة تتآزر فيما بينها، أهمها جانب التثقيف والتوعية المستمرة من الحكماء والخطباء لعامة الشعب، وقد أظهرت نتائج التوعية نتائج واضحة في النسيج المجتمعي الذي استطاع أن يستوعب الصدمات المتتالية، ويعي الأهداف الخبيثة للمتربصين، فقاوم الشعب التفرقة بالوعي والثقافة والتقارب والالتفاف حول قادته من الحكماء والخطباء والعقلاء.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (من اللازم على جميع الأحبّة في العراق في هذه المرحلة الحسّاسة والعصيبة، التزام الصبر والحلم، كما أنه ينبغي تطويق الحكماء للفتن التي يراد إشعالها، والقضاء عليها في مهدها).

لماذا أرَّقتْ التجربة العراقية الآخرين؟

لا يوجد تجنّي على أحد عندما نقول أن الأنظمة السياسية في المنطقة الإقليمية التي تضم العراق، غير تعددية، لذلك هي تخشى هذا النوع من التجارب، وقد بات واضحا كلّ الوضوح أن نجاح الشعب العراقي في بناء دولته القوية المستقرة، عبر نظام تحرري تعددي، يؤرّق الكثير من الأنظمة الإقليمية التي ترى في نجاح العراق تهديدا مباشرا لها، وإثباتاً لفشل أنظمتها في تحقيق شرط الحرية الذي في حال توافره يهدد وجودهم!.

انطلاقا من هذا التصور، نجدهم يسعون إلى تعطيل مساعي العراقيين الهادفة لبناء دولتهم ونظامهم السياسي الناجح، لذلك لابد من الحذر الشديد من إثارة الفتن، ورصد التحركات المشبوهة التي تسعى الى خلخلة حالة التعايش التي يتحلى بها العراقيون مع بعضهم، وتوصد الأبواب والنوافذ أما صانعي الفتن سواء الأنظمة التي لا يروق لها نجاح العراق، أو تلك الذيول التي تتحرك في الداخل لزعزعة السلم الأهلي عبر إثارة الفتن وسواها من الدسائس التي تُحاك في الدهاليز المظلمة للحاقدين الخائفين من تجربة العراق التعددية الساعية إلى صنع دولة العدالة الاجتماعية والقضاء على الفاسدين.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على: (إن عدم درء الفتن لا ينتهي إلاّ بفشل الجميع، كما أن الفتن تعبّد الطريق لهيمنة الضلال والانحراف، والظلم والفساد).

وقد عُرف عن العراقيين عبر تأريخهم الطويل، أنهم شعب أبيّ طيب، ذوّاق ومثقف وباسل في مواجهة التحديات أيَا كان منشؤها أو مصدرها، وهو الشعب الذي اعتاد أن يكون من أوائل المضحين، الذين يفتدون مبادئهم وقضاياهم المصيرية بالأنفس والدماء والممتلكات وبكل غالٍ ونفيس، وعلى الرغم من أن محاولات الأعداء والمغرضين لثني العراقيين عن مواصلة جهودهم الحثيثة في بناء دولتهم وتقوية نسيجهم المجتمعي، إلا أن جميع تلك المحاولات الخبيثة باءت بالفشل حاضرا، وسوف تفشل مستقبلا، من خلال قوة الوعي والصبر والحلم والحرية التي يتمسك بها العراقيون ويتشبثون بها كخيار وحيد لا بديل له ولا حياد عنه.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يرى أن: (شعب العراق الطيّب وعبر تاريخه الطويل كان وسيبقى شعب الصمود والصبر والفداء والتضحية، فهو شعب لا تثنيه كثرة المحاولات الأثيمة عن عزمه، ولا يستلب منه المنحرفون والمنافقون الصبر والحلم، والتعايش ووحدة الصفّ).

في خلاصة القول، لابد أن يتسلح العراقيون بالصبر والأناة والحلم، ويبتعدوا عن التطرف والفتن، وعليهم وضع الأهداف القريبة والبعيدة المدى، والتخطيط وفق خطوات سليمة، في مقدمتها دعم السلم الأهلي وتقوية أواصر التعايش، والتأكيد على مبادئ أساسية لنظام الدولة الحاكم، فلا قبول بغير التعددية منهجا، ولا تنازل على بناء دولة العدالة الاجتماعية الضامنة لحقوق الجميع.

اضف تعليق