q
هناك تباين واضح في الآراء حول تشريع قانون الجرائم المعلوماتية، فمنهم من أيّد، ومنهم من عارض القانون، فبعد جدل واسع أجرى البرلمان العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون الجرائم المعلوماتية والذي يتضمن عقوبات مادية والسجن للأشخاص الذين يرتكبون جرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي...

يعرف جميع المعنيين من ساسة ومفكرين ورجال دين وحتى بسطاء الناس، أن الفارق بين نظام سياسي ديمقراطي وآخر دكتاتوري، هو حرية الرأي والإعلام وحق الحصول على المعلومة وحرية التعبير، هذه العناصر مجتمعةً تمثل دلائل وعلامات دامغة على ديمقراطية النظام وشرعيته، وعلى خلاف ذلك حين تتم محاصرة الحريات والرأي وحرية التعبير وتحديد الحصول على المعلومة وتقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه علامات تشي بنظام فردي أو تحوّل مخيف من الديمقراطية إلى الدكتاتورية.

هذه الأيام هنالك نشاط قوي لإعادة سن قانون سمّي (بجرائم المعلوماتية)، حيث تمت قراءته في مجلس النواب مما أثار الكثير من الجدل حول طبيعة هذا القانون، وهل أننا بحاجة له لتنظيم استخدام الإعلام ووسائل التواصل، أم أنه سيكون بمثابة المسمار الأخير الذي يُدَق في نعش الحرية والديمقراطية على مستوى العراق؟.

هناك تباين واضح في الآراء حول تشريع قانون الجرائم المعلوماتية، فمنهم من أيّد، ومنهم من عارض القانون، فبعد (جدل واسع أجرى البرلمان العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون الجرائم المعلوماتية والذي يتضمن عقوبات مادية والسجن للأشخاص الذين يرتكبون جرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن بعض اللجان البرلمانية ترى أن مشروع هذا القانون فيه تقييد للحريات، فيما يرى البعض الآخر أن هذا القانون يعد خطوة مهمة في طريق منع تفشي الجرائم الالكترونية).

فيما حاول بعض نواب البرلمان تخفيف حدة القانون ليس في فقراته، وإنما إجراء بعض التغيير الطفيف في اسم القانون!، وهنا تكمن الطامة الكبرى في رأينا، بمعنى أن التقييد باقٍ كما هو والتخفيف أو التغيير لا يتجاوز اسم أو عنوان القانون، فقد قالت عضو لجنة التعليم العالي غيداء كمبش إن "أغلب اللجان ومنها لجنة التعليم العالي والبحث العلمي البرلمانية اقترحت أن يغير اسم هذا القانون إلى الجرائم الالكترونية باعتبار أن هناك فرق بين المعلومة التي من حق المواطن أن يعرفها وحرية التعبير وفق الوثائق الحقيقية والأدلة والثبوتات التي يمتلكها المواطن أو أي مؤسسة".

لا لإفشال التجربة الديمقراطية

لكننا نعتقد أن هذا النوع من التغيير لا ينفع بشيء، خصوصا أن العراق تميز عن جميع الدول المجاورة له ودول المنطقة بأنه الأكثر سماحاً باعتماد حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وأنه الأقرب من غيره من الدول الإقليمية إلى الديمقراطية - لو لا وباء الفساد- كما أن هناك (أكثر من 13 مليون مستخدم للإنترنت في العراق، وتعج أسواقه بالأجهزة والأدوات الالكترونية وقد باتت التكنولوجيا وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي ذات تأثير كبير في الحياة اليومية ومن الصعب تجنبها).

لكن مع هذه السعة المضطردة من الاستخدام الإلكتروني لوسائل التواصل الاجتماعي برزت مشكلة تتمثل بالعلاقة الطردية بين نسبة الإقبال على استخدام مواقع التواصل وبين الجرائم المرتكبة من خلالها، هل يعني هذا أننا يجب أن نحدد الحريات الفردية، وهل يحق للنظام السياسي في العراق أن يتذرع بهذه الجرائم أو غيرها كي يحد من حرية التعبير عن الرأي ويعيدنا إلى أجواء الدكتاتورية التي كانت تكتم أنفاسنا وتخيط أفواهنا ولا تسمح لنا بقول أو كلام إلا إذا كان يتناسب مع أفكار النظام وما يصب في حماية السلطة من خلال تكريس المنع والتكميم؟.

إن هذا القانون الذي تعد له بعض الأوساط السياسية وربما بعض الجهات الدينية، على درجة من الحساسية والخطورة بحيث لا يمكن أن يمر دون دراسة آثاره الخطيرة على حرية الإعلام والتعبير، لأننا جرّبنا الأنظمة القمعية وكيف كانت تغلق علينا الجدران والنوافذ وتعزلنا عن العالم بل حتى عن أنفسنا بحجة (الأمن) وما شابه من أعذار كانت في الغالب غير واقعية، لكن مصلحة النظام السياسي آنذاك أوجبت محاصرة الرأي ومنعت الناس من التعبير عن آرائهم بحرية، لذا نحن كمواطنين نتخوّف بجدية من عودة عصر القمع مرة أخرى وقد يكون هذا القانون في حالة تشريعه بوابة أولى لممنوعات لا أول لها ولا آخر!.

بين تأييد الكبار ورفض الشباب!

ولهذه الأسباب وغيرها تفاوتت آراء الأهالي فيما يخص محاولات تشريع قانون الجرائم المعلوماتية حيث رفضها فئة الشباب، فيما عبر كبار السن عن دعمهم لمشروع القرار، الأمر الذي يبيّن أن التحفّظ الشديد لكبار العمر بسبب طبيعة الميول إلى التروّي يتعارض مع حماسة الشباب وحقّهم في التمتع بأجواء الحرية في مجال التعبير عبر الإعلام ووسائل التواصل، والحقيقة نحن بحاجة إلى تربية شباب واع يفهم ماذا تعني حرية الرأي وتكون له القدرة على قول ما يريد قوله بصدق وأمانة بعيدا عن أساليب التخويف التي عانينا منها في شبابنا، فهناك من يقف مع هذا القانون ويؤيد تشريعه خصوصا الكبار في السن، فيما هناك من يعلن صراحة وبصوت عال قوله "نحن ضد هذا القانون وذلك لأن كل شخص حر، ينشر ما يريد".

ويرى معارضون لإقرار هذا القانون بأنه مكرس لحماية صانعي القرار، (فرغم المعارضة الواسعة لمشروع قانون جرائم المعلوماتية العراقي، يصر البرلمان على مناقشته والتصويت عليه، حيث حذر مركز رقمي متخصص من إمكانية تحوله إلى أداة استبدادية لقمع الحريات الشخصية والعامة، وقد عبر مركز الإعلام الرقمي العراقي عن مخاوفه من أن يكون مشروع قانون جرائم المعلوماتية، الذي يناقشه مجلس النواب حاليا ويستعد للتصويت عليه رغم الاعتراضات المحلية والدولية الواسعة عليه، مكرسا لحماية مجموعة قليلة من صانعي القرار وربما سيتحول القانون إلى مجموعة مواد استبدادية لقمع أي رأي معارض، وأكد انه بحاجة ماسة للمراجعة وإعادة دراسة فقراته وصياغتها من خلال إشراك المختصين في المجال المتعلق بالقانون المذكور).

لذلك نحن نعتقد، أن هكذا قوانين حساسة، لا يجب أن تمرر دون تدقيق وتمحيص من جهات وشخصيات وعلماء مختصين بالقانون وبقضايا التشريع، على أن تؤخذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة التي تمنع انحدارنا إلى زنازين القمع، وتجعل من تكميم الأفواه أمرا مشروعا يمكن للحكومة أن تستخدمه ضد معارضيها متى ما تشاء، أو يتم اعتماده لمحاصرة الآراء بأنواعها كافة، فردية كانت أو جماعية، لأن العراقيين في واقع الحال يتخوّفون من تحديد الحرية بحجج واهية، وقد تكون البداية (قانونية) أو شرعية، لكنها ستكون جسرا للعبور إلى العبودية والقمع وتوظيف مثل هذه القوانين لصالح السلطة على حساب حقوق الفرد في مجال حرية الرأي والاستخدام غير المقيّد لوسائل التواصل والإعلام بشكل عام.

لهذا نحن نحذر من الإقدام على تشريع قوانين من هذا النوع قبل قراءة ودراسة تداعياتها الجدية على المكتسبات الكبيرة التي تحققت في مجال حرية الرأي، حيث المواطن العراقي تنفس الصعداء في هذا المجال وبات قادرا على البوح بما يراه بحرية، خصوصا في مجال الانتقادات الموجهة إلى الحكومة والنظام السياسي بشكل عام، الأمر الذي قد يكون دافعا معجّلا لإقراء هذا القانون الذي يرى فيه قسم من العراقيين حماية للسلطة على حساب المواطن.

اضف تعليق