q
إنسانيات - تاريخيات

تَأَمُّلَاتٌ عَقَائِدِيَّةٌ فِي غَزوَةِ الأَحْزَاب

ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ تَعْدِلُ عَمَلَ الثَّقَلَينِ

فإذا كانت ضربة واحدة من أمير المؤمنين (ع) ترجح على عمل أمة النبي الأعظم (ص)، بل هي أفضل من عبادة الثقلين، الإنس والجن إلى قيام السَّاعة، وفيهم الأنبياء والمرسلين، والأوصياء والأولياء والصالحين، والصحابة أجمعين، لأن الرسول الأعظم (ص) لم يستثن منهم أحداً، فما رأيك بجهاد نصف قرن...

تقديم عقائدي

المتأمل في كل الأديان السماوية، أو المسارات العقائدية يجد أن أول شيء فيها هي طلب الطاعة من الإنسان المعتقد بها، وفي القرآن الحكيم والدِّين الإسلامي الحنيف لا نقاش في مسألة الطاعة المطلقة لله تعالى، لأنه الخالق البارئ، والرازق المنعم على عباده جميعاً، حيث ورد الأمر بطاعة الله في (11) مورد في القرآن الحكيم، وكلها مقرونة بطاعة الرسول الأعظم (ص).

يقول تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 32)

والملاحظ من سياق الآيات الكريمة أنه ليس الطاعة التي هي أمر عملي مطلوبة، بل المحبة التي هي أمر قلبي أيضاً مطلوبة ومرغوبة بل هي سبب لمحبة الله وقربه، كما هي الدليل على طاعته وذلك (لأن المحب لمَنْ أحبَّ مطيع) كما يقول الشاعر.. والطاعة سبب في نزول الرحمة، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور: 56)

ومعصية الرسول هي معصية لله تعالى، وهي سبب في إبطال الأعمال، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 33)

هذه الطاعة التي هي لله بالأصالة، جعلها سبحانه لرسوله(ص)، ولوليه(ع) بالعَرَض، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59)

وعليه فالله سبحانه لا يقبل طاعة مَنْ أطاعه إلا من هذا الطريق الحصري الذي جعله سبيلاً واضحاً للمؤمنين به في طاعتهم له، فالإيمان لا يتجزأ ولا يتبعَّض (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) نعم؛ هو حقيقة مشككة تزداد وتنقص، حسب الإقبال على الله وتختلف في الزمان والمكان والأشخاص، فمَنْ كان مع رسول الله (ص) يراه بعينيه، ويسمع كلامه بأذنيه، ويتلقى الوحي من فمه الشريف مباشرة، ويتعلم منه التفسير والتأويل والأحكام والعبادات وكل ما يحتاجه في حياته الشخصية والعامة الاجتماعية، هذا غير الذين جاؤوا بعدهم من التابعين، وكذلك هم يختلفون عنَّا في هذا العصر الأغبر الذي نحاول فيه أن نبحث عن أيِّ شيء يربطنا برسول الله (ص) رغم أن صبيان النار الأموية، وقطعان الظلام الصهيووهابية دمروا كل أثر لرسول الله (ص) ومواقعه ومكاتيبه التي كانت بالآلاف فأحرقوها وأرادوا أن يدفنوا الإسلام كما كان يرغب معاوية بن هند من قبلهم بقرون ولكن الله أخزاهم جميعاً، فنور الله لا يُطفأ.

ففي الرواية عن أبى بصير عن أبى جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: أللهم لقِّني إخواني مرتين. فقال مَنْ حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: لا إنكم أصحابي وإخواني قومٌ من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني لقد عرَّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يُخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم لأحدهم أشد بقيَّة على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدُّجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة). (بصائر الدرجات ج1 ص107)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي؛ قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي) (مسند أحمد (3/155، رقم 12601) والهيثمى (10/66)

وفي رواية أخرى يصفهم بأنهم آمنوا سواداً على بياض، أي بالأوراق المكتوب عليها العلم، ففي الرواية عنه (صلى الله عليه وآله): (أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة... قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟! قالوا: فالأنبياء... قال: فما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟! قالوا: فنحن... قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟! ألا إن أعجب الخلق إليَّ إيماناً لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيه) (الدر المنثور: 1 / 65)

فالحُجة على الأصحاب أبلغ والحساب عليهم أشد، والمعصية منهم أبشع، وعليهم أشنع ممَنْ جاء بعدهم وذلك لوجود رسول الله (ص) شخصياً بينهم، ويُريهم الآيات والمعجزات فلماذا يعصونه ولا يُطيعونه، وهم يرون رؤية العين كل شيء؟!

والعجب العُجاب فيهم أن رسول الله (ص) فيهم، والآيات تنزل عليه ويُخبرهم بكل ما سيجري عليهم لا سيما في أوقات الشِّدة والمحنة ورغم ذلك يعصون ولا يُطيعون كما جرى في أُحد.

غزوة الأحزاب

غزوة الخندق عند العرب، الأحزاب عند الله، هي من الغزوات التي امتحن الله فيها كل أولئك الذين كانوا مع رسول الله (ص)، ومَنْ يُسمونهم الصحابة، امتحانات كثيرة وشديدة حتى وصف سبحانه حالهم: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12)

نعم؛ جيش جرار جاءهم ليستأصلهم كما كان يُفكر عدوَّهم أبو سفيان ومَنْ معه، ولكن معهم الله تعالى بقوته، وجنوده، ورسوله (ص) يأمرهم وينهاهم، ويعدهم النَّصر، فلماذا الشك بالله ورسوله والعياذ بالله؟ ولماذا كل هذا الجُبن والخوف من لقاء العدو ومصيرهم إلى الجنة إن كانوا مؤمنين؟

وإذا كانوا جبناء عند لقاء العدو، فلماذا يتَّهمون رسول الله (ص) كما قال المنافقون، وحاولوا الفرار، (قال ابن إسحاق وعظُم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق، حتى قال معتب بن قشير أخو بنى عمرو بن عوف (بل هو عبد الله بن أُبي بن أبي السلول): "كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط"! وقال أوس بن قيظي: يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نرجع إلى دارنا فإنها خارج من المدينة).

قال ابن زيد(أسامة)، قال: قال رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله): يا فلان أرأيتَ إذ يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) فأين هذا من هذا؟ وأحدنا لا يستطيع أن يخرج ليبول من الخوف". فتصوَّر هذا الذي يروي حديث رسول الله (ص) ويُكذِّبه؟

هؤلاء هم الصحابة وكان عددهم ثلاثة آلاف كما في معظم الروايات، فلم يكونوا أقلاء، وكانوا في جوار المدينة فلم يكونوا بُعَداء، وحفروا الخندق فصاروا في حصن حصين فلم يكونوا في العراء، وقائدهم رسول الله (ص) أخبرهم بالنصر، والفتح العظيم وهو يعمل معهم في حفر الخندق، ويُحدِّث عمرو بن عوف: كنتُ أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار نقطع أربعين ذراعاً فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوَّرةً فكسرت حديدنا وشقَّت (صعبت) علينا فقلنا: يا سلمان ارقَ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره عن الصخرة فأما أن نَعدِل عنها فإن المَعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطَّه؛ فرقيَ سلمان حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مضروب عليه قبَّةً فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدوَّرة فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحكُّ فيها قليل ولا كثير فمُرنا فيها بأمرك؛ فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع سلمان في الخندق وأخذ المعول وضرب به ضربةً فلَمَعَتْ منها بَرقَةٌ أضاءت ما بين لابتيها - يعني لابتي المدينة- حتى لكأن مصباحاً في جوف ليل مظلم فكبَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكبيرةَ فتح، فكبَّر المسلمون، ثم ضرب ضربةً أخرى فلمَعت برقةٌ أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقةٌ أخرى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي أرى؟

فقال (ص): أما الأولى فإن الله عز وجل فتح عليَّ بها اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح عليَّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح عليَّ بها المشرق).

فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا: الحمد لله موعد صادق؛ قال: وطلعت الأحزاب، فقال: المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وقال المنافقون: أ لا تعجبون يُحدِّثكم ويَعِدُكم الباطل ويُخبركم أنه يُبصر في يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تُفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا) (مجمع البيان).

هذا حالهم ووضعهم يرون الآيات ويجحدونها، ويسمعون الكلمات ويُكذِّبونها، ويأتيكَ مَنْ يقول لك: إنهم الصحابة، الصادقون، المخلصون، المتقون، والعدول جميعاً، ولا يجوز الطعن بأحدهم وأنا أسال أليسوا هؤلاء جميعاً من الصحابة؟ فما لكم كيف تحكمون؟

ضربة علي يوم الخندق

والأعجب أنه في يوم من أيام الحصار استطاع أن يجتاز الخندق بعض الرجال من قريش، فلم يكونوا من عفاريت الجن، ولا ملائكة السماء، ولا أساطير الإغريق، وهم لا يبلغون عدد أصابع اليد الواحدة، بقيادة عمرو بن عبد ود العامري فارس يليل، الذي يُعدُّ بألف، وثلاثة معه كان خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي الجهل ورجل من بني مخزوم، فتحدى هؤلاء ثلاثة آلاف من الصحابة جهاراً نهاراً ولم يجرؤ أحدٌ منهم أن يرفع رأسه، بل اليك العجب العجاب مما ورد في الروايات.

جاء في الرواية: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صفَّ أصحابه بين يديه، فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصاروا - أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كلهم خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدَّموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين لرجل بجنبه من إخوانه: أما ترى هذا الشيطان عمرو لا والله ما يفلت من يديه أحد فهلمُّوا ندفع إليه محمداً ليقتله ونلحقُ نحن بقومنا، فأنزل الله على نبيه في ذلك الوقت قوله: (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم - إلى قوله - وكان على الله يسيرا).

ورَكَزَ عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض (تحدياً) وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول (أبياته المعروفة)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ لهذا الكلب؟ (توهيناً وتحقيراً له).

فلم يُجبه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: أنا له يا رسول الله، فقال: يا علي هذا عمرو ابن عبد ود فارس يليل)، يُكررها ثلاث مرات وفي رواية: (مَنْ يبرز إلى عمرو وأنا أضمن له على الله الجنة)؟

قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدنُ منِّي فدنا منه فعممه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار، فقال له: اذهب وقاتل بهذا، وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.

فمرَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يهرول في مشيه وهو يقول (أبياته المشهورة)، فشيَّعه رسول الله (ص) بقوله: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله)، كل ذلك يرونه بعيونهم ويسمعونه بآذانهم.

ولكن تقول الرواية: (وارتفعت بينهما عجاجة فقال المنافقون: قُتِلَ عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، (هكذا كانوا يأملون ويحلمون على ما يبدو).

ثم انكشف العجاجة فنظروا فاذا أمير المؤمنين (عليه السلام) على صدره قد أخذ بلحيته يُريد أن يذبحه فلم يضربه بل تركه وقام عنه قليلاً، قال الحلبي: فوقع المنافقون في علي (ع) فردَّ عنه حذيفة بن اليمان، فقال له النبي (ص): مِه يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته). (راجع كتابنا؛ الإمام علي (ع) وحروب التنزيل: ص254)

فلمَّا ذبحه وأخذ رأسه وأقبل إلى رسول الله (ص) والدِّماء تسيل من رأسه من ضربة عمرو وسيفه يقطر منه الدَّمُ وهو يقول: أنا علي بن عبد المطلب * الموت خير للفتى من الهرب

فقال عمر: ألا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يمشي؟ (ينظر إلى مشية علي (ع) وينقدها، ولا يلتفت إلى تحدي عمرو بن عبد ود العامري، فلماذا رأيتَ مشية علي ولم ترَ فعله وضربته؟).

فقال رسول الله(ص): (إنها مشية لا يمقتها الله في هذا المقام)، فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه وقال: أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد (ص) لرجح عملك على عملهم)

ويروي القصَّة مفصَّلة جناب السيد الإمام الراحل في كتابه الرائع (لأول مرة في تاريخ العالم)، يقول في نهايتها: ثم استقبله رسول الله (ص) ومسح الغبار عن عينيه، وقال له: (أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أُمّة محمد لرجح عملك بعملهم)، وذاك أنه لم يبقَ بيت من المشركين إلاّ وقد دخله ذُلّ بقتل عمرو، ولم يبقَ بيت من المسلمين إلاّ وقد دخله عزّ بقتل عمرو.. ثم قال (ص): (ضربة عليٍّ(ع) يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين). (لأول مرة في تاريخ العالم: ج1 ص 179)

وروى الأودي قال: سمعتُ ابن عياش يقول: لقد ضَرب عليّ (ع) ضربة ما كان في الإسلام ضربة أعزّ منها، يعني بها ضربة عمرو بن عبد ود العامري، ولقد ضُرب عليٌّ (ع) ضربةً ما كان في الإسلام أشأم منها، يعني بها ضربة ابن ملجم المرادي" (لأول مرة في تاريخ العالم: ج1 ص 180)

وروي أنه لما قَتل عليٌّ (ع) عمرو بن عبد ودّ نُعيَ إلى أُخته عمرة بنت عبد ود، فلما جاءت إليه ورأته على حلّته لم يسلبه قاتله، قالت: مَنْ ذا الذي اجترأ عليه؟

قالوا لها: علي بن أبي طالب(ع).

قالت: لم يعدْ موته إلا على يد كفو كريم، لا رقأت دمعتي إن هَرَقتُها عليه، قتل الأبطال، وبارز الأقران، وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه، ما سمعتُ بأفخر من هذا يا بني عامر، ثم أنشأت تقول: لو كان قـاتل عمـرو غير قاتله***لكنـتُ أبـكي عـليه آخـر الأبد

لكـن قـاتل عمرو لا يُعـاب به***مـَنْ كـان يُـدعى قديماً بيضة البلد (لأول مرة في تاريخ العالم: ج1 ص 179)

فإذا كانت ضربة واحدة من أمير المؤمنين (ع) ترجح على عمل أمة النبي الأعظم (ص)، بل هي أفضل من عبادة الثقلين، الإنس والجن إلى قيام السَّاعة، وفيهم الأنبياء والمرسلين، والأوصياء والأولياء والصالحين، والصحابة أجمعين، لأن الرسول الأعظم (ص) لم يستثن منهم أحداً، فما رأيك بجهاد نصف قرن في سبيل الله، نصفها بين يدي رسول الله (ص)؟

تلك هي فضيلة الإمام علي بن أبي طالب (ع) فمتى تفهم هذه الأمة أقوال رسولها ومواقف وليِّها؟

اضف تعليق