q
بمثل هذه الظروف ومع ازدياد اعداد الإصابات يوميا، لا أحد يضمن عدم إصابة الطلبة المشاركين بالامتحانات العامة، ونقلها الى ذويهم، وبالنتيجة تهدم ما بنته الجهات الصحية منذ شهور وخصوصا وهنالك تصريحات تؤكد انخفاض حالات الإصابة بفضل الحظر الجزئي والشامل المفروض في الأيام السابقة...

اليوم أجريت أولى امتحانات المدارس الابتدائية والمتوسطة، بعد أربعة أيام فقط من تحديد الموعد من قبل وزارة التربية، ولم نعلم ما مدى تعاطي الطلبة مع الأسئلة الموضوعة، وهل تسبب بإرباك لهم ام انها سارت بصورة انسيابية مثلما كان في السابق؟

لا حاجة لنتقدم بالسؤال لاحد الطلبة الخارجين من قاعات الامتحان فالأمور بيّنة، ولا داعي لبذل المزيد من البحث لمعرفة الحقيقة المرة التي اصابت القطاع التعليمي في العراق، وأصحاب الشأن متأكدين من الوصول الى هذه النتيجة المخيبة للآمال والمدمرة للأجيال.

يعمل المزارع شهور عديدة ويبذل ما يختزنه من خبرة وجهد لإنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة، فلا يمكن ان يكون كسولا ويجني زرعا، او يلتهي بغير الأرض ومن ثم يسعى لقطف الثمار، بالتأكيد هذه النتيجة معروفة ومن لا يعرفها لديه قصور في المهارات المعرفية والاستدلالية.

وينطبق هذا الشيء على بقية الجوانب، فالحياة الدراسية كالمزرعة التي تتطلب عناية فائقة على مدى شهور وصولا لمرحلة حصد النتائج وهو النجاح، لكن ما يثير الاستغراب هو عدم اهتمام الجهات المعنية بالعملية التربوية، وبهذا البستان المعرفي، وتتخذ قرارات غير صائبة ولا تخدم المسيرة جملة وتفصيلا.

قرار وزارة التربية المفاجئ والمتعلق بإجراء الامتحانات للطلبة بشكل حضوري خلق ازمة في اغلب الاسر العراقية، فالكثير منها بقيت متحيرة لا تعرف ماذا تفعل الى جانب تخبط الوزارة واحراجهم بشكل لا يقبل النقاش، وابقاهم تحت طائلة الحيرة والترقب لما ينتظر مستقبل أبنائهم.

التعليم في السنوات التي سبقت جائحة كورونا يتم بصورة حضورية وتجري الاختبارات الأولية لجميع الطلبة لتهيئتهم للامتحانات الفصلية، ومع ذلك تقوم مديريات التربية في المحافظات بإبلاغ المدارس قبل أكثر من شهر عن موعد الامتحانات من اجل ترتيب الأمور اللوجستية والمتطلبات الضرورية لتوفير أجواء تربوية سليمة يتم فيها الاختبار.

تحديد الموعد مسبقا له إيجابيات عديدة، نجملها بإذابة الخوف من نفوس الطلبة، والعمل على شحذ الهمم لما تحتله المرحلة الدراسية من أهمية قصوى في مستقبلهم، اذ تكثف الطواقم التربوية جهودها خلال هذه الفترة، وتبدأ بنمط تعليم مغاير عما كان سائدا في الأيام الاعتيادية، فيبادر بعض المدرسين الى اخذ الدروس الإضافية، يسلط الضوء فيها على اهم وحدات المادة، فضلا عن إيضاح الغامض فيها ويفكك الالتباس حولها.

ومع هذا كله تأتي النتائج على عكس ما تشتهيه السفن، فنسب النجاح لم تكن بمستوى الطموح، ونلاحظ الكثير من الإخفاقات وعدم العبور الى المرحلة الدراسية القادمة، فما بالك ونحن نعيش زمن التعليم الجديد على النظام التعليمي العراقي، ولا نزال نعاني من بعض الثغرات التي لم نجد الحلول لها وأصبحت تشكل خللا واضحا وفقدان ركنا أساسيا من اركان التعليم.

البيئة التعليمية بزمن كورونا تضررت كثيرا واقصد في العراق على وجه الخصوص، ربما الدول الأخرى لديها تجربة لفترات طويلة مع التعليم عن بعد واستخدام التقنيات الحديثة لإيصال المواد الدراسية، اما نحن في البلدان العربية، لانزال نفتقر الى الكثير من المقومات التي تجعلها تواكب التقدم الحاصل والمتزايد في هذا المجال.

النقص الحاصل في المجالات التقنية اوقعنا بالحرج خلال الفترة الماضية لاسيما مع الاغلاق التام الذي شهدته مدن عالمية كثيرة ولا يقتصر ذلك على العراق، لكن الأخير ظهرت على ملامحه التأثيرات بشكل كبير لما يعانينه من تراجع ملموس في معظم مرافقه.

فالطلبة اليوم ومع التذبذب المرافق لإعطاء المواد الدراسية اصبحوا يعانون من نقص حاد بالمعلومة التي تمكنهم من اجتياز الاختبارات، وهم بالأساس لديهم معاناة مزمنة من المواد الدراسية والطرق التدريسية التقليدية المتبعة في جميع المؤسسات التربوية العراقية.

قرار التعليم الالكتروني لم يكن اختيارا عراقيا، وانما جاء بتوصيات دولية من قبل الجهات المعنية بالجوانب الصحية والتربوية كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وتلويح هذه الجهات بتوجيه العقوبات بحق من يخالف التعليمات العامة حفاظا على سلامة الطلبة.

اما القرار الأخير فهو عراقي بامتياز لهذا جاء مثقلا بالمغالطات، ففي الوقت الذي قررت فيه وزارة التربية اجراء الامتحانات، هنالك قرار من اللجنة العليا للصحة والسلامة بحظر التجوال يومي السبت والأحد من كل أسبوع، فكيف يخرج الطلبة لأداء الامتحان؟، نحتاج إجابة مقنعة لفك التضارب غير المنطقي.

كما ان هنالك مشكلة قد يغفلها الكثير، وهي سفر بعض الطلبة مع اسرهم خارج البلد قد يكون لأجراء الفحوصات العلاجية او في بعض الأحيان لأغراض السياحة المحدودة، وهنا تكون الوزارة حرمت الطلبة من هذا الحق، وقد يكون من الصعب عودتهم بالمدة المحددة من قبل الجهات الرسمية في البلد.

بمثل هذه الظروف ومع ازدياد اعداد الإصابات يوميا، لا أحد يضمن عدم إصابة الطلبة المشاركين بالامتحانات العامة، ونقلها الى ذويهم، وبالنتيجة تهدم ما بنته الجهات الصحية منذ شهور وخصوصا وهنالك تصريحات تؤكد انخفاض حالات الإصابة بفضل الحظر الجزئي والشامل المفروض في الأيام السابقة.

يُعتقد ان وزارة التربية تعاملت مع الموضوع على انه عبئ تريد التخلص منه وتزيح الهم عن ظهرها، فلا تعطي الجانب التربوي والرصانة العلمية أهمية تستحقها، وخير دليل على ذلك هو عدم التأن باتخاذ القرار الذي ستظهر تداعياته وسلبياته فيما بعد، فإجراء الامتحانات بهذه الشاكلة بمثابة صعقة كهربائية وليس عملية تربوية نحاول ان نجني منها الفائدة.

اضف تعليق