q
كلما كانت الأعمال أصغر حجما، زادت صعوبة التعامل مع مثل هذه التعقيدات، والتجزؤ، والغموض. لكن النظام التجاري الأكثر ترابطا رقميا من شأنه أن يساعد الشركات المتناهية الـصِـغَـر والصغيرة والمتوسطة الحجم في بيع منتجاتها لبلدان وشرائح من العملاء لا يمكنها الوصول إليها حاليا. عام 2030، سيحتاج العالم إلى إضافة 600 مليون وظيفة...
بقلم: جون دبليو. دينتون، فيكتور كيه فونج، بوب ستيرنفيلز، ماركوس والنبرغ

باريس ــ تتنقل السلع والخدمات حول العالم عبر بنية أساسية بالغة الأهمية: الطرق، والموانئ، وشبكات السكك الحديدية، وطرق الشحن، وخوادم البيانات. ولا يقل عن هذه البنية الأساسية أهمية النظام البيئي الذي تدور فيه عمليات تمويل التجارة العالمية بقيمة 5.2 تريليون دولار ويعمل على تسهيل هذه التدفقات. من المؤسف أن هذا النظام لا يعمل دائما كما ينبغي له.

يتسم نظام تمويل التجارة اليوم بشبكة معقدة من العمليات اليدوية التي تعود إلى عقود من الزمن، فضلا عن "جزر رقمية" أحدث عهدا ــ أنظمة مغلقة للشركاء التجاريين منفصلة عن الكل العالمي. يسلط بحث جديد أجرته المجموعة الاستشارية لتمويل التجارة التابعة للغرفة التجارية الدولية، ومؤسسة فونج لتكنولوجيات ذكاء الأعمال، ومؤسسة ماكينزي آند كمبوني، الضوء على الكيفية التي قد يعمل بها تبسيط العمليات وربط هذه الجزر ودمجها عبر الشبكات والأنظمة على تحويل الاقتصاد العالمي.

وفقا لبنك التنمية الآسيوي، اتسعت فجوة تمويل التجارة العالمية في عام 2020 إلى مستوى غير مسبوق بلغ 1.7 تريليون دولار أميركي ــ ما يعادل 10% من تجارة السلع العالمية، ارتفاعا من 8% في عام 2018. يزداد هذا النقص حِـدة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات المتناهية الصِـغَـر، والصغيرة، والمتوسطة الحجم، والتي مثلت 40% من طلبات التمويل التجاري المرفوضة في عام 2020. وعلى هذا ففي حين تُـعَـد الشبكات الرقمية مستقبل التجارة بلا أدنى شك، فإن توسيعها على هيئتها الحالية يهدد بزيادة الفجوة اتساعا بين الشركات المتعددة الجنسيات الضخمة ذات الصلات القوية والشركات المتناهية الصِـغر والصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل ضرورة أساسية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في مختلف أنحاء العالم النامي.

لنتخيل هنا، على سبيل المثال، أحد الحرفيين من رواد الأعمال في جنوب شرق آسيا يدير مشروعا صغيرا يوظف أربعة أشخاص محليا. وهو بارع في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، وقد وجد سوقا صغيرة لكنها قَـيّـمة على الإنترنت لمنتجاته على الجانب الآخر من العالم. لكن الأنظمة الضريبية والائتمانية والجمركية المعمول بها في بلد هذا الحرفي، بما في ذلك سندات الشحن وأوامر الشراء، ليست مصممة لخدمة شركته الصغيرة. والأصول التي يملكها أقل من العتبات المطلوبة لاجتياز اختبارات التقييم الائتماني، وكل الأوراق يجب تقديمها يدويا. كما تختلف مستندات الاستيراد المطلوبة في بلد المقصد تماما عن مستندات التصدير في بلد صاحب الشركة، مما يضيف المزيد من العمل والتكلفة. والآن، لنتخيل أن شيئا ما قد ضاع وسط كل هذا.

كلما كانت الأعمال أصغر حجما، زادت صعوبة التعامل مع مثل هذه التعقيدات، والتجزؤ، والغموض. لكن النظام التجاري الأكثر ترابطا رقميا من شأنه أن يساعد الشركات المتناهية الـصِـغَـر والصغيرة والمتوسطة الحجم في بيع منتجاتها لبلدان وشرائح من العملاء لا يمكنها الوصول إليها حاليا.

الواقع أن إصلاح النظام أمر بالغ الأهمية. بحلول عام 2030، سيحتاج العالم إلى إضافة 600 مليون وظيفة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى قوة العمل، وأغلبهم في بلدان نامية. وسوف تضطلع الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تمثل نحو 90% من الأعمال العالمية والغالبية العظمى من العمالة، بدور كبير في تلبية هذا الطلب وإطلاق العنان لإمكانات التجارة لدفع عجلة النمو الاقتصادي. علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد نظام التمويل التجاري المحسن في تخفيف اختناقات سلاسل التوريد التي تتسبب في إبطاء التعافي الاقتصادي وتساهم في ارتفاع معدلات التضخم وسط جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).

أدت جهود سابقة لتحسين تمويل التجارة إلى انتشار الشبكات، والمعايير الرقمية، ومبادرات التحول الرقمي. ورغم أن العديد من هذه الجهود كانت ممتازة، فإننا في احتياج إلى حل يصلح لكل العالم من أجل إغلاق فجوة التمويل التجاري التي تبلغ 1.7 تريليون دولار.

نحن نقترح نموذجا أكثر منهجية يجمع كل شيء رقميا، في ما نسميه "طبقة التشغيل البيني". لن تكون هذه طبقة جديدة من البيروقراطية ولن تكون بديلا للضوابط التنظيمية. بل هي عبارة عن بنية افتراضية توفر إطار عالميا للمعايير والبروتوكولات والمبادئ القائمة والمستقبلية، بهدف ربط كل المشاركين في النظام البيئي لتمويل التجارة بشبكات الحاضر والمستقبل.

ستستند هذه البنية إلى ثلاث ركائز رئيسية: عوامل تمكين التجارة الرقمية، أو المعايير التي تساهم في تسهيل التحول الرقمي لكل من تمويل التجارة والتجارة العالمية؛ والمعايير النوعية التي تعمل على تمكين التحول الرقمي في صناعة التمويل التجاري؛ وأفضل الممارسات في التشغيل البيني للتجارة والتمويل. ومن الممكن أن يتولى كيان صناعي عالمي منفرد أو اتحاد يضم كيانات عدة إدارة هذه الطبقة، مع الاستفادة من المخططات القائمة مثل مبادرة المعايير الرقمية للغرفة التجارية الدولية التي أطلقت العام الماضي.

من المنتظر أن تنشئ طبقة التشغيل البيني شيئا أشبه بمعايير الجودة العالمية ISO لنظام التجارة، وأن تعمل عل غرار فريق عمل هندسة الإنترنت، الذي يتولى تطوير معايير الإنترنت. ويتطلب إنشاؤه التزاما قويا من جانب البنوك، والحكومات، والهيئات التجارية، والمنظمات غير الحكومية. إن التعاون الآن من شأنه أن يمكن جميع الأطراف من الحصول على فوائد ملموسة، وربما في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام في ظل حوكمة قوية.

بالنسبة إلى الحرفي المفترض في جنوب شرق آسيا، يعني هذا الإصلاح المنهجي أن كل خطوة في عملية التجارة ستكون عبر الإنترنت ويمكن نقلها من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به. وسوف يجري توجيه ودعم العديد من الخطوات، بما في ذلك المرجعية الائتمانية، بواسطة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكون مفصلة لتناسب أعماله الصغيرة. وسوف تشترك أنظمة الاستيراد والتصدير في لغة واحدة لإدخال البيانات، مما يؤدي إلى عملية أكثر وضوحا بالنسبة للحرفي المفترض، ومسؤولي الجمارك، والنطاق الكامل من مشغلي الأنظمة، في حين يجعل استكشاف الأخطاء وإصلاحها أمرا بسيطا وسريعا.

إن بناء التشغيل البيني على هذا النحو أمر معقد، لكن فوائده ستكون عريضة وعميقة. من المرجح أن يتمتع المشترون والموردون بقدر أكبر من السيولة، وتكاليف أقل، وتعقيدات أقل، فضلا عن المزيد من القدرة على الوصول إلى الائتمان والأسواق المباشرة بين الشركات. الواقع أن نظام تمويل التجارة المحسن والمتكامل من الممكن أن يجتذب المستثمرين المؤسسيين الذين ظلوا بعيدين إلى حد كبير حتى الآن. وسوف يستفيد مقدمو الخدمات اللوجستية، الذين لا يزال كثيرون منهم يستخدمون الأوراق، من التكاليف الأقل وزيادة الأمان والكفاءة الناجمة عن توحيد المستندات التجارية. وسوف تتمكن الحكومات والهيئات التنظيمية من الوصول إلى معلومات أكثر وأفضل لدعم التعاون مع الهيئات المالية، وربما إطلاق العنان لمزيد من التمويل.

إلى جانب كل هذا، من الممكن أن يساعد الإبداع في تكنولوجيا سلسلة الكتل والتحول الرقمي في تحسين أنظمة تمويل التجارة العالمية إلى حد كبير، وضمان امتداد المكاسب إلى الأعمال والشركات من كل الأحجام والمستهلكين في مختلف أنحاء العالم.

إن إصلاح تمويل التجارة أمر بالغ الأهمية من أجل اقتصاد عالمي أكثر استدامة وشمولية. ولأنه من الضروري أيضا ضمان التعافي القوي بعد الجائحة، فقد تكون العوائد المحتملة في الأمد القريب هائلة.

..............................
- جون دبليو. دينتون، الأمين العام لغرفة التجارة الدولية.
- فيكتور كيه فونج، رئيس مجلس إدارة مجموعة فونج والرئيس المشارك للمجموعة الاستشارية لتمويل التجارة التابعة لغرفة التجارة الدولية.
- بوب ستيرنفيلز، الشريك الإداري العالمي لشركة ماكينزي.
- ماركوس والنبرغ، رئيس مجلس الإدارة في SEB والرئيس المشارك للمجموعة الاستشارية لتمويل التجارة التابعة لغرفة التجارة الدولية.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق