q
خمس أسئلة يطرحها ستيفن هوكنغ أخر عباقرة الفيزيائيين الكبار في العالم، ويشير الى القلق الذي يعترينا بعض الوقت تجاهها لا سيما وان العالم الذي هو موضوع البحث العلمي والوجودي بالنسبة للإنسان لن نستطيع الكشف عنه انه بالنسبة لنا موضوع تقدمه أدمغتنا لنا أو وفق هوكنغ نموذج...

كيف يمكن فهم العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه... كيف يسلك الكون... ما طبيعة الواقع... من أين أتى كل ذلك... هل الكون بحاجة الى الخلق؟

خمس أسئلة يطرحها ستيفن هوكنغ أخر عباقرة الفيزيائيين الكبار في العالم، ويشير الى القلق الذي يعترينا بعض الوقت تجاهها لا سيما وان العالم الذي هو موضوع البحث العلمي والوجودي بالنسبة للإنسان لن نستطيع الكشف عنه انه بالنسبة لنا موضوع تقدمه أدمغتنا لنا أو وفق هوكنغ نموذج تقدمه عملية التفكير لنا نستطيع من خلاله أن نفهم هذا العالم، وهي الفكرة التي يريد هوكنغ تعميمها على رؤية العلم تجاه العالم.

يقول هوكنغ "أدمغتنا تقوم بترجمة الاشارات الواردة من أعضائنا الحسية على شكل نموذج للعالم"، وهكذا يبدو العالم عصيا على الكشف عن ذاته عن جوهره عن حقيقته انه ما نصنعه نحن من أفكار وحقائق وتصورات عبرّ عنها هوكنغ بـ (النماذج) حتى وان بدت متناقضة. ويشدد هوكنغ على النماذج المتعددة للعالم والمتغيرة مع التغيرات التي تطرأ على العقل او العلم، اذا يظل العالم بالذات مجهولا لنا وبشكل مطلق فأفكارنا وتصوراتنا من خلال نماذجنا هي نحن وليس العالم، وبذلك فالعلم يقودنا الى الجهل المطبق بالعالم أو العالم بالذات مما يدع مسارات القلق الوجودي تمر بنا من خلال العلم الذي تكفل في أيديوولوجيته بالكشف عن الحقيقة – الموضوعية.

وفي تلك المسارات من القلق الوجودي ينشأ البحث في السؤال الرابع من أسئلة هوكنغ "من أين أتى كل ذلك؟" حتى يكون من الممكن الاجابة على السؤال الأول لديه "كيف نفهم العالم ؟" وهي اجابات أساسية تدخل في معالجات القلق الوجودي، ويرى هوكنغ أن تلك الاجابات عصية على التحقق حتى يتمكن العلم من اكمال مشروع هوكنغ في نظرية "أم" التي يبدو أن الطريق لازال طويلا أمامها، وهنا يدخل هوكنغ في مواجهة مع الدين، وهو ينسب تلك المواجهة الى العلم مع الدين.

فالقلق الوجودي في تاريخ البشر هو المحرك الاساس في البحث في السؤال الخامس من أسئلة هوكنغ "هل الكون بحاجة الى خالق ؟" ومن الممكن تاريخيا ونظريا تفسير تاريخ الايمان ونشأة الدين بهذا النوع من القلق الانساني–البديهي ووضعه في قبالة تفسيرات الجهل والخوف والسلطة التي انيطت بها في الغرب مسؤولية نشأة وظهور الدين، وقد عبّر هوكنغ عن هذا القلق الوجودي من خلال طرح أسئلته الخمس تلك واحال فيها الجواب الى العلم ومنعه من الدين، وهكذا يوفر عالمنا الحديث مجددا ذلك القلق ويطرحه على أعلى المستويات العقلية والعلمية وهو يؤشر عدم انفكاك هذا القلق عن تاريخ البشر، فهو العلامة الفارقة في صنع هذا التاريخ ويمكن تحديد تاريخ هذا القلق مع خروج الانسان من الغابة وانفكاكه عن الطبيعة فقد كان انتماؤه الى الطبيعة يتيح له الايمان وينفي عنه القلق.

وحين تتوفر الاجابات على تساؤلات القلق ينشأ الايمان وحين تتعطل الاجابات يكون الالحاد، لكن بقائها أي التساؤلات قائمة فإنها تعكس حالة القلق المستمرة لدى الانسان وهو ما يفسر التأرجح بين الايمان والالحاد لدى هوكنغ لاسيما في كتابه موجز في تاريخ الزمان، فهو ليس ملحدا بالمرة فهو يؤمن بالخلق وينفي الخالق بعد إحالة صفاته في القدم والخلق واللاشيئية–المادية الى قانون الجاذبية، بل هو لا يعترض على فكرة أن الاله تجسيد للقوانين الطبيعية التي يستشفها من الفيزيائيين الكبار – المؤمنين غاليليو وكيبلر ونيوتن.

ولعل من أبرز ظواهر القلق الوجودي المستمر في عالمنا الحديث هو التساؤل الذي يطرحه العالم الحديث أمام العلم حول "الله" يقول اللاهوتي جون لينكس "يريد الملايين منا أن يعرفوا ماذا بإمكان العلم أن يخبرنا عن الله" بل ان ظاهرة كتب الالحاد الأكثر مبيعا في أوربا التي يؤشرها لنكس تعكس من وجهة نظرنا حقيقة هذا القلق الوجودي الذي يستبد بالإنسان الحديث، وهو يصدم توقعات العلمنة الأوربية المبكرة في عصر التنوير حول نهاية الدين واختفاء الاله.

ومن جانبه يقوم هوكنغ بصياغة ذلك التساؤل الوجودي بشكل مقنن في أسئلته الخمسة ويتكفل هوكنغ أو يحتكر بالأحرى جواب العلم، مما يدع الباب مفتوحا على مصراعيه في الجدل حول وظيفة العلم في الطبيعة ووظيفة الفلسفة في الوجود التي يحكم هوكنغ بانتهاء عصرها وفقدان مؤهلاتها في الجدل العلمي وكذلك يعيد الجدل في العلاقة بين الدين والعلم، بعدما أعلن عن تقديم اجابات تطرحها الاكتشافات الحديثة والنظريات العلمية المتقدمة تقود الى رسم صورة جديدة عن الكون الذي لايحتاج الى خالق.

ولكن الى أي مدى تكون إثارة ذلك الجدل في العلاقة بين الدين والعلم إثارة تكتنفها تلك الموضوعية من البحث العلمي والعقلي وجدل في المنطلقات الانسانية والوجودية في المعرفة وتلبية للطموحات الانسانية في البحث عن الحقيقة، لا شك أنها جزئيا وبقدار مهم تختزن على ذلك النور المعرفي والنزوع الانساني نحو الحقيقة لكنها من جانب آخر تخضع الى تحديات ظرفية ومصالح أيديولوجية.

فقد شهدت طروحات هوكنغ تزامنا أو تداخلا مع موجة إلحاد مؤسساتية شهدتها أوربا في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وقد أشارت مؤسسات أوربية مثل غالوب الى نسب متفاوتة في اللادينية والالحاد في أوربا التي جاوزت في بعض دولها نسبة الـ " 70و80%" مثل السويد وبريطانيا وفرنسا لكنها في الولايات المتحدة كانت بنسبة " 33 %" بينما ظل العالم في كثير من دوله لا سيما الاسلامية دون نسبة الـ " 10 % " وبعضها دون " 20% " لاسيما الدول الاسيوية والاقل من هذه الدول لا سيما في أميركا الجنوبية دون نسبة " 30 % " – راجع ويكيبيديا الموسوعة الحرة، اللادينية –

بينما أشارت استطلاعات أخرى أجرتها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين مؤسسة يوروباروميتير وصحيفة وول ستريت جورنال يوروب الى نسب أقل في الالحاد وأعلى في الايمان في أوربا والعالم حيث ظهر في هذه الاستطلاعات أن 51% من سكان الاتحاد الأوربي مؤمنون بالله وأن 25% يؤمنون بروح خارقة وأن 20% غير مؤمنين بشيء وأن نسبة الالحاد في أوربا في هذه الاستطلاعات بلغت 18% وظهرت زيادة في معدلات الايمان في بريطانيا وفرنسا والسويد عن ما ظهر في استطلاعات غالوب –راجع ويكيبيديا الموسوعة الحرة،الدين في أوربا–.

لكن كل هذه الاستطلاعات تؤشر زيادة نسبة الالحاد في أوربا وان كان بنسب متفاوتة بينها. ولعل هناك تكريس إعلامي يهدف الى زيادة مفتعلة في أعداد الملحدين في أوربا تقف خلفه مؤسسات سياسية وامبريالية.

وكانت زيادة الالحاد في أوربا تتزامن مع موجات التطرف الديني التي اجتاحت العالم بأسره، وفي مقال بعنوان (أحدث الديانات الكبرى في العالم... اللادينية) نشرته ناشينول جغرافيك في 2016م يقول غابي بولارد أحد منظري الالحاد الجديد "إن ما يُسمى أحيانًا بالإلحاد الجديد تأسَّس في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وكانت هناك سنوات من الحرب، عندما وُصف الإسلام باعتباره تهديدًا، وتشبعت السياسة الأمريكية بالمسيحية، خارجيًّا ومحليًّا" –موقع كيبوست-.

ويؤشر الكاتب اللاهوتي جون لينكس ذلك التوظيف المؤسساتي الذي يقوم به زعيم الملاحدة كما يسميه "ريتشارد دوكنز" باتجاه الالحاد فهو يتحدث عن تخطيط معلن و"تجنيده أكبر عدد ممكن من التلاميذ لنشر إيمانه بان الالحاد هو وجهة النظر الوحيدة المحترمة فكريا في السوق" ويمارس نوعا من الدعاية التجارية عبر وضع ملصقات على الحافلات وفي المخيمات الصيفية المعدة للأطفال وهي تحمل عبارة "ربما لايوجد إله توقف الآن عن القلق واستمتع بحياتك" وابتكر دوكنز شارات طية صدر السترة التي تحمل شارة حمراء للملحد، –الإله، جون لينكس ترجمة سيبان سعيد شرو–.

وقد أشار بولارد في مقاله الى عدد من المؤسسات الالحادية منها الاتحاد الدولي للملحدين ومؤسسة ريتشارد دوكنز ومركز الاستقصاء ومؤسسة اللادينين السود وينقل عن ستيفاني جوتور مسون مديرة العمليات في مؤسسة ريتشارد دوكنز قولها (إن تنظيم الملحدين يشبه رعي قطيع من القطط... مضيفةً... لكنّ كثيرًا من القطط عرفت طريقها إلى المواء) ويتفاءل الملحدون ومؤسساتهم بالنهاية الالحادية للعالم.

يقول بولارد (اذا كان العالم الآن على حافة الهاوية الدينية فإننا نتحرك نحوها ببطء منذ عقود) لكن اللاهوتي لينكس يرفض هذه التوقعات ويرى ان دفع مسألة الإله الى واجهة النقاش الفكري أكثر من أي وقت مضى في أوربا إنما يؤشر الفشل الملحوظ للعلمنة وفق قوله ويستشهد بمقال نشرته صحيفة إيكونومست في العام 2009 م بعنوان (الإله عاد) كتبه الصحفيان جون ميكلثويت وأدريان فولدريدج.

وفي تلك الأجواء المحتدمة بالصراع الأيديولوجي مع فكرة أو مبدأ الإله يطرح ستيفن هوكنغ أفكاره في الإله المستمدة من وجهة نظره من اخر كشوفات الفيزياء الحديثة، لكنها تبدو خاضعة الى توجه ايديولوجي عام يستبد بأوربا باتجاه الالحاد أكثر من استمدادها من نظريات العلم الطبيعي، فلا زال الكثير من العلماء في أوربا لم يتخلوا عن إيمانهم وهنا يحيل لينكس الصراع ليس بين الدين والعلم وإنما بين الايمان والالحاد.

لا سيما وأن هوكنغ وغيره من العلماء الملحدين لم يبرهنوا من خلال نظرية العلم أو الاكتشافات العلمية المادية وبشكل مباشر على الالحاد وإنما من خلال توظيف العلم او نظرياته بهذا الاتجاه، أو أن هذه النظريات لم تقودهم الى الله مباشرة مما دعاهم الى نفيه هم وليس العلم او النظريات التي استدلوا بها على التكوين او التصميم لهذا الكون، وكان منطلق هوكنغ في نفي الإله هو النظام الذاتي أو التصميم الداخلي العظيم للكون الذي تحكمه وتسيره القوانين الطبيعية مما يدع الكون ليس بحاجة الى خالق وفق رأيه بينما يحاجج المؤمنون بهذه النقطة حصرا في حاجة الكون الى خالق.

وبهذا شكلت قوانين الطبيعة نقطة حاسمة ومهمة في نقاشات الايمان والالحاد من وجهة نظر المؤمنين أو في نقاشات العلم والدين من وجهة نظر الملحدين، والغرض العلمي منها هو تفسير نشأة وسيرورة نظام هذا الكون والتوظيف العلمي لها عند هوكنغ هو منع وقوع أو تحقق المعجزة. فالكون منتظم ذاتيا بواسطة هذه القوانين ولايحتاج في هذه الحالة او هذا الاستنتاج الى الإله الخالق، فالسلوك المتبع في حركة الكون هو هوية أو صيغة القوانين الطبيعية لكنها دقيقة جدا وفق الحسابات الرياضية والفيزيائية ولذلك فهي تمنع من اختراقها أو تغيير مساراتها وفروضاتها في الكون، تلك الاختراقات التي تشكل وظيفة وعمل المعجزة وبالتالي فإن لها من القوة الدقيقة ما يمنع الإله من اختراقها وصنع المعجزة في النظرية العلمية وفق هوكنغ. وهكذا يشرع هوكنغ في تناول دليل أو افتراض عدم الحاجة الى الخالق للكون بعد الخلق.

لكن الشيء الجذري في جدلية الخالق – الإله هي لحظة قبل الخلق او في لحظة الخلق الأولى التي يتجنب الخوض فيها هوكنغ بشكل أساسي ورئيسي في أطروحته في نفي الإله، فالكون مخلوق من اللاشيء لكنه يلجأ اضطرارا نظريا الى توكيد سابقة القوانين الطبيعية على الكون حين تسببت بوجوده وفق رأيه فهي والحال هذا لا تنتمي الى الكون زمانيا أو وجوديا، مما يسعنا واستنتاجا عن هوكنغ الى تمييز القوانين الطبيعية بوجود مستقل عن الكون وسابق عليه وبهذا يسعنا أيضا مقارنة الكون العظيم أو الأكوان المتعددة لدى هوكنغ بالوجود الأعظم الذي يشكل الكون أو هذه الأكوان جزء أو أجزاء فيه لاتستوعبه كله أي كل الوجود، فالوجود لا نهائي بينما الأكوان مهما إتسعت فهي نهائية والحدود بينها تؤكد نهائيتها.

ويحيل هوكنغ خلق العالم الى وجود الجاذبية التي يبدو أنها مصدر القوانين الطبيعية لدى هوكنغ لكنها بنفس الوقت هي اللاشيء الذي جاء منه أو خُلق منه هذا الكون لدى هوكنغ أيضا، فاللاشيء فيزيائيا هو اللاكم أو الفراغ الكمي والعالم والكون هو تراكمات الكم وهو الشيء فيزيائيا، ولكن الجاذبية هل هي كم بذاتها أم فراغ كمي والعلم يحدد الجاذبية بأثرها وآثارها لكنه غير قادر على تحديد هوية الجاذبية أو معرفة الجاذبية بذاتها بمعزل عن تأثيراتها وبذلك فهي لاشيء بذاتها، لكن الجاذبية لها وجود رغم انها اللاشيء فقولك لا شيء هو تحديد قاطع في وجود اللاشيء لاسيما أن العدم يستمد هويته من الوجود فهو موجود لكنه ليس عالم كمي ليس خلق مادي وبالتالي فهو يدخل في التمايزات بين الوجود والكون – الخلق فالعدم وجود لكنه يقف عند حدود الوجود دون ان يتجاوزه الى العالم الى الكون، الى الخلق، انك تنفي عنه محددات الخلق لكنك لا يمكن أن تنفي عنه محددات الوجود وبالتالي نكتشف خطأ عبارة (عدم الوجود) التي تصف العدم ونرى أنها تختلط بالحقيقة الثابتة (عدم الخلق) ونستطيع ان ندلل على كلامنا ذلك بالجاذبية فهي عدم في الخلق لكنها ليس عدم في الوجود بناء على نظرية هوكنغ في الخلق، فهوكنغ يؤمن بنظرية الخلق وأن العالم حادث وليس بقديم وقد خلق نفسه بواسطة نفسه أو بواسطة قوانينه الطبيعية ويشدد هوكنغ على دور الجاذبية في خلق الكون بنفسه.

ولكن هل تدخل الجاذبية في نطاق هذا العالم – الكون أم انها منعزلة عنه خارجة عنه متسببة فيه، واذا كانت داخلة فيه وهي بنفس الوقت السبب في الخلق كما يقول هوكنغ فهل تصنع مبدأ متناقضا في العقل في امتزاج أو اندماج السبب فيما تسبب به وهو معنى التولد الذاتي أو قريبا منه الذي يشدد عليه هوكنغ والتداخل بين السبب وما يتسبب عنه وفي تناقضه العقلي يقود الى اللامعنى، وقد كان ريتشارد فاينمان صريحا في هذا اللامعنى في حالة غياب فكرة الإله عن الفهم لسلوك العالم والاكتفاء بالعلم في فهم سلوك العالم، أنه يقول (التراكم الكبير- في العلم- لفهم سلوك العالم المادي يقنعنا فقط بأن هذا السلوك له نوع من اللامعنى) واللامعنى يبدو واضحا في حالة نظرية التداخل بين السبب وما يتسبب عنه الذي تنتهي اليه نظرية هوكنغ في التصميم العظيم.

لكننا نجد فكرة المعنى في الوجود تستبطن نظرية هوكنغ بقوة وهي تعبر عن تردده الضمني في الالحاد ونفي الآله، ويلجا الى طريق مواز في فهم المعنى في الوجود فالكون ليس لديه نظام واحد وليس لديه تاريخ واحد وبذلك فالكون لديه إمكانات كل تاريخ ممكن وهو ما يعزز من إمكانية وجود أكوان أخرى متسعة ومتعددة في هذا الفضاء المتسع للتصميم العظيم، وبهذا تتعدد القوانين الطبيعية الخاصة بكل كون وهي خلاصة نظرية التصميم العظيم لدى هوكنغ، لكن الضبط الدقيق في هذه القوانين وإمكانات الأكوان المتعددة تشكل ما يسميه هوكنغ "المعجزة الواضحة" وهي التي تستبطن فكرة المعنى في الوجود.

لكن هذا الضبط الدقيق في هذه القوانين والأكوان المتعددة تغني عن حاجة الكون أو هذه الأكوان الى الخالق فهي تشكل ضبطا دقيقا لذاتها بواسطة القوانين الطبيعية النافذة فيها وهو مؤدى نفي الإله لدى هوكنغ واجابته في نفي الخالق، وهي اجابة تمارس الافلات الدائم عن الكيفية التي وجدت بها هذه القوانين ومصدر عملها الذي يظل سؤالا أبديا وبديهيا يمارسه العقل الإنساني، وعمليا لايجد هوكنغ ضرورة في هذا السؤال بعد أن يسرد تاريخ الألوهة الإغريقي ليفضي به الى إله المعجزات المسيحي والخارق للقانون الطبيعي، وتظل الفكرة الإغريقية في حلول الإله تهيمن على العقل الأوربي في تصوراته عن عقيدة الألوهية في الايمان وهي التي سمحت بتطوير الالحاد علميا في أوربا، ولازال هذا العقل يتكأ في إلحاده على الفكرة الإغريقية بأن الآلهة تتخصص في صناعة الأشياء في الكون وأنها تنظم مسيرة ونظام الكون وكل آلهة تشغل عملها في سياق تخصصها فلكل حادثة طبيعية آلهة خاصة بها وليس قانون طبيعي خاص بعملها ووجودها.

وكان لإبعاد العقل الأوربي فكرة الإله الواحد – الأحد ذات الأصول الشرقية وانكفائه على الإله الإغريقي إله المعجزات بما فيه الإله المسيحي في الجدل العلمي الخاص بالإيمان والالحاد تعبير أخر عن انحيازات هذا العقل الى البيئة المعرفية والثقافية الخاصة بالغرب، وقد توصل في هذا الجدل الى أن قوانين الطبيعة هي التي تفسر لنا العالم وهو ما عبر عنه لودفج فنجشتاين بخداع الحداثة التي هي وكل ما فعلته هو وصف الانتظامات الهيكلية وفق فنجشتاين.

لقد انشغل هوكنغ بتأثير فكرة المعجزة ذات المضمون الإغريقي والشكل المسيحي وفق مقارنته هو أو استنتاجا عنه، وهي تصوغ فكرته عن الإله الديني ومدى تأثيرها أي المعجزة على القانون الطبيعي الذي يعده غير قابل للاستثناء هذا الاستثناء الذي تقوم عليه فكرة المعجزة وبالتالي فإن استناد فكرة الإله الى المعجزة وفق الرؤيتين الإغريقية والمسيحية تجعلها تناقض العلم وتدل منذ البداية على إستحالة الايمان بالإله نتيجة إستحالة الاستثناء في القانون الطبيعي، فالإله الذي ينفيه هوكنغ هو إله العهدين لا سيما إله العهد القديم الذي تقوم فكرته على المعجزة/الاستثناء.

وهو لا يعترض على إله غاليلو وكيبلر وديكارت ونيوتن لأن هذا الإله في نظره هو تجسيد للقوانين الطبيعية فهؤلاء العلماء الكبار هم من أسسوا فكرة القوانين الطبيعية وأسسوا للايمان بها كإنجاز إلهي خلق ونظم الإله من خلالها الكون.

لكن عمل ومهمة القوانين الطبيعية لدى هوكنغ تنفي الارادة الحرة وهو يرد بذلك على ديكارت الذي يؤمن بالارادة الحرة للانسان موضحا هوكنغ أن فهمه للأساس الجزيئي للبيولوجيا قد أوضح له أن العمليات البيولوجية محكومة بقوانين الفيزياء والكيمياء ولذلك فهي محكومة تماما مثل مدارات الكواكب وأن علم الأعصاب يقوده بقوة الى ذلك وفق قوله، وهو يهدف أيضا الى نفي الارادة الحرة عن الإله التي قال بها ديكارت لغرض تفسير عملية الخلق التي قام بها الإله، ويلجأ هوكنغ الى هذا النفي اضطرارا عن فكرته الخلق بواسطة القوانين الطبيعية وأيضا لغرض الافلات عن الاجابة على السؤال الأبدي - البديهي عن كيفية الخلق وكيف وجدت القوانين الطبيعية في هذا الكون اضافة الى كيفية وجود الكون.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2021
http://shrsc.com

................................
مراجع البحث
1- التصميم العظيم، ستيفن هوكنغ وليونارد مولدينوو، ترجمة أيمن أحمد عياد
2- الإله، لمن التصميم على أية حال، اللاهوتي جون لينوكس، ترجمة سيبان سعيد شرو

اضف تعليق