q
ملفات - حوارات

في حوار مع الشاعر الحسيني رضا الخفاجي

المسرح الحسيني جسّد قيم الفكر الحسيني بأنصع المواقف

لقد جسد المسرح الحسيني أروع مشاهد الإيثار والتضحية التي استطاعت الوصول إلى أذهان اغلب الناس، فما أن يُكتب نص فيه حبكة ودراية ووعي حتى تتوافر له فرص الوصول إلى القلب بصورة مباشرة، ولا ننسى إن واقعة الطف هي ملحمة ورسالة أخلاقية إلى كل العالم...

كل شخص في هذا العالم تصل له الأفكار بطرق وأساليب متعددة، وكذلك المشاعر لها عدة طرق كي تصل إلى قلوب الناس، ومن هنا انطلق الأدب كي يوصل للناس مشاعر الكتاب وأحاسيسهم التي تعد جوهر الكيان الإنساني، فالكتابة قد توصل جزءا من المشاعر ولكن الأداء هو الذي يوصل المشاعر أكثر، فكيف إذا كانت هذه المشاعر مبنية على مشاهد حقيقية تستمد حضورها من التاريخ غير المزيَّف.

لقد جسد المسرح الحسيني أروع مشاهد الإيثار والتضحية التي استطاعت الوصول إلى أذهان اغلب الناس، فما أن يُكتب نص فيه حبكة ودراية ووعي حتى تتوافر له فرص الوصول إلى القلب بصورة مباشرة، ولا ننسى إن واقعة الطف هي ملحمة ورسالة أخلاقية إلى كل العالم، تؤكد على أن التضحية من اجل القيم والمبادئ هي التي تجعل من الإنسان خالدا.

ويجدر بنا القول أن أساس بناء المجتمع هو المسرح، والأدب بصورة عامة، وأستشهد هنا بمقولة شهيرة للأديب الألماني برخت قال فيها: (أعطني خبزا ومسرحا أُعطيك شعبا مثقفا)، وعليه فإن الثقافة والقيم المعنوية هي ما تجعل من الشعوب شعوبا عظيمة، وان المبادئ والقيم المحمدية التي جسدها الإمام الحسين يوم عاشوراء، هي التي جعلت من الخلود أمرا ممكنا ويستحق العناء.

هذه المقدمة تمكننا من الدخول إلى عالم الأديب والكاتب المسرحي (رضا الخفاجي) الذي أصدر أكثر من (20) مسرحية شعرية، تناول فيها واقعة الطف، بكل تفاصيلها وقيمها المشعّة، ومنها على سبيل المثال، مسرحية (سفير النور)، ومسرحية (صوت الحر الرياحي) وسلسلة من المسرحيات المكتوبة شعراً، وقد التقت (شبكة النبأ المعلوماتية) بالشاعر والمؤلف

المسرحي (رضا الحفاجي)، وكان لنا معه هذا الحوار:

س: الأستاذ الشاعر القدير رضا الخفاجي.. لديكم مسرحيات شعرية مهمة عن أهل البيت عليهم السلام.. حبذا لو تُطلِع القارئ على مؤلفاتكم في هذا المجال؟

ج: بعون من العلي القدير أنجزنا أكثر من عشرين مسرحية تنتمي إلى الفكر الحسيني المحمدي الأصيل، الغالبية العظمى فيها مسرحيات شعرية، وقسم منها مسرحيات نثرية، وعدد منها مسرحيات ذات فصل واحد.

س: مسرحية الحر الرياحي تعد من المسرحيات الشعرية الرائدة.. هل أوصلتم من خلالها رسالة إلى الناس وما هي؟

ج: رسالتنا في المسرح الحسيني لم تقتصر على مسرحية صوت الحر الرياحي، لأن هدف مشروعنا الرسالي واحد لكن الظروف الاستثنائية التي نفذت فيها مسرحية صوت الحر وقدمت على المسرح، ومصداقية وايمان رسالتنا بما قدمناه ونقدمه، جعلت للمسرحية أصداء واسعة واعطت ثمارها منذ اللحظة الاولى التي قدمت فيها على المسرح، وباختصار شديد المسرحية أكدت على الفرق بين من يبيع آخرته بدنياه من اجل مكاسب زائلة، وبين من يرفض العبودية والاضطهاد والظلم وينتفض للقيم الانسانية والاسلامية السامية، ويقف مع الحق مضحيا بالدنيا من اجل الخلود مع الشهداء والانبياء والاولياء الصالحين في جنات النعيم، وهذا ما حصل مع الحر ابن يزيد الرياحي، وهذه المسرحية تعطينا درسا في الاخلاق والمبادئ والمواقف العظيمة، فهي تحتوي على قيم فكرية وتربوية مهمة، وقد كتب عنها الناقد الراحل لواء الفواز مؤكدا على الجوانب الفكرية والتربوية فيها.

س: هناك من يلتزم بالأحداث التاريخية ويعرضها كما هي في المسرحية.. هل يمكن أن يصبح المؤلف المسرحي مؤرخا؟

ج: ليس ضروريا أن يصبح المؤلف المسرحي مؤرخا، ولكن لا بأس ان يستخدم جانبا من الوثيقة التاريخية ويسخرها حسب رؤيته الإبداعية، وهذا ما حصل معنا في جميع مسرحياتنا الحسينية لان الكاتب المسرحي ليس مؤرخا ولا خطيبا منبريا، لكن يمكنه ان يستفيد من الفعاليات الحسينية الاخرى لتفعيل الجانب الدرامي في عمله المسرحي.

س: كتبتم سلسلة من المسرحيات الحسينية.. كيف يمكن النهوض بالشباب في هذا الوقت العصيب في ظل الانترنيت والانفتاح الثقافي؟

ج: الصراع بين الحق والباطل كان وما زال وسيظل قائما، لكنه يأخذ اشكالا واساليب متعددة في كل زمان ومكان، والتقدم العلمي والتقني له جوانب سلبية وجوانب ايجابية، لذلك علينا ان نتسلح بالوعي، لابد ان تكون لنا حصانة فكرية ضد الهجمات المستمرة للأعداء التي تهدف الى النيل من ثقافتنا وحضارتنا ومبادئ ديننا الاسلامي العظيم، لذلك على شبابنا ان يدركوا هذه الملاحظة جيدا وان يستفيدوا من الجانب العلمي والمفيد للمجتمع وتطوره وان يحذروا من السموم التي تبثها شبكات الانترنيت، والمسرح الحسيني هو احد المتصدين والمناهضين للافكار الدخيلة، فالمسرح الحسيني هو مسرح رسالي ومسرح الحياة وقيمها السامية، إذن هو مسرح الضرورة كونه يقدم الفكر الحسيني الإنساني الأصيل، ويوفر المعالجات المناسبة لمشاكل العصر فهو يعد المسرح المعاصر والحديث كونه يتفاعل ايجابيا مع مشكلات جميع العصور، ويوفر لها سبل النجاة سبل التقدم والازدهار.

س: على صعيد الترجمة هل تم ترجمة مؤلفاتكم إلى لغات أجنبية؟

ج: نعم لقد تمت ترجمة اغلب نصوصنا المسرحية الشعرية الى اللغة الانكليزية والهندية والفارسية، حيث صدرت الترجمات الاولى من كربلاء المقدسة وتحديدا من العتبة العباسية المقدسة، حيث قام البروفسور حيدر الموسوي استاذ الادب الانكليزي المعاصر في جامعة بابل بهذا العمل الرائد، مع دراسات نقدية مقارنة مناسبة كذلك صدرت اعمالنا المسرحية من لندن ومن المانيا والحمد لله رب العالمين الذي مكننا في نشر مبادئ المسرح الحسيني الاصيل عالميا، وهذا هو الهدف الرئيسي الذي كنا نريد تحقيقه، وقد تحقق ولابد لنا ان نذكر بأن عددا من الاطاريح والرسائل الجامعية قد كتبت عن اعمالنا المسرحية داخل العراق وفي بعض الدول العربية والاسلامية.

س: لديكم معرفة كبيرة بالشعر الحسيني وبردّات مواكب العزاء.. كيف تقيّمون هذا الإرث الكبير؟

ج: بالنسبة للشعر الحسيني ومواكب العزاء العاشورائية فإن الجانب الوراثي هو الفيصل في هذا النشاط الرسالي المبارك، فقد ولدت في بيت شاعر حسيني يكتب الشعر الشعبي الحسيني، ومنذ انتباهة الوعي كنت اساهم في هذا النشاط، حيث ظهرت الموهبة الشعرية عندي في سن مبكرة، وان الوضع الاجتماعي لعائلتي كونها عائلة حسينية انعم الله عليها بموهبة الشعر الحسيني كان لزاما عليَّ ان لا اتخلى عن هذا الموقع الريادي، وهذا المجد الذي تحقق ببركة سيد الشهداء الحسين الخالد، لذلك كتبت العشرات من القصائد الحسينية المنبرية والإلقائية باللغة العربية الفصحى وبالشعبية الدارجة، اضافة الى مستهلات المواكب وضمن المعروف ان موكب عزاء طرف باب الطاق ومنذ اكثر من ثمانين عاما نحن من نكتب له القصائد والردات الحسينية، منذ اربعينيات القرن الماضي، أي من زمن والدي المرحوم الحاج كاظم الحاج جواد البناء الخفاجي، وابن عمتي بعده الشاعر سليم البياتي، حتى وصل الامر إلينا والآن انا اكتب المستهلات الحسينية باللهجة الشعبية لطرف باب الطاق، وكذلك عزاء صنف الصاغة، ومن المناسب هنا ان اذكر بأني كتبت مستهلات حسينية باللغة العربية الفصحى الى مواكب جامعات العراق التي تأتي في العاشر من محرم وفي زيارة الأربعين منذ عام 2004 والى عام 2019 حيث كتبت أكثر من الف مستهل بالفصحى.

س: ما مدى التقارب بين التشابيه التي تُقام في عاشوراء.. وبين المسرح الحسيني؟

ج: لا يوجد تقارب بين التشابيه والطقوس الحسينية الارتجالية التي تقدم في شوارع مدينة كربلاء وبين المسرح الحسيني الذي قمنا بتأسيسه، فالتشابيه تؤدى بحركات ايمائية صامته خاضعة للزيادة او النقصان حسب مزاج ووعي المؤدي، اما المسرح الحسيني فهو عمل درامي منتظم ينفذ على قاعات العرض المسرحي، وتتوفر فيه شروط الدراما المعروفة، وله مخرج وكادر تمثيلي متخصص ويعتمد على الافكار والحركات التي تجسد الاحداث، كذلك له نظرية اسمها نظرية المسرح الحسيني، ولكن يمكن للمؤلف المسرحي والمخرج ايضا ان يستفيد من بعض الطقوس العاشورائية، ويوظفها عند تقديم العرض المسرحي الحسيني لكي يصعد من فاعلية الحدث المسرحي، ويجعله أكثر تأثيرا على المتلقي.

س: المسرحيات الشعرية التي تناولت الطف وعاشوراء كثيرة.. ما هو تقييمكم لها.. وهل تميزت تجربتكم في المسرح الحسيني عن غيرها؟

ج: تجربتنا المسرحية تميزت بكونها تجربة رائدة، اي اننا اقترحنا مصطلح المسرح الحسيني في مؤتمر عالمي خاص بالمسرح الحسيني اقيم في العتبة العباسية المقدسة، قبل اكثر من عقدين من الزمن، اي ان مصطلح المسرح الحسيني لم يكن متداولا قبل تجربتنا، لذلك نقول بكل تواضع واعتزاز نحن المؤسسين للمسرح الحسيني، أما بالنسبة لتقيمنا لما كتب او تكتب من مسرحيات تحاول الانتماء الى الفكر الحسيني، فهناك تفاوت في مستويات الكتابة ناتجة عن تفاوت في مستوى الوعي عند الكتاب، فمنهم من أبدع واضاف وابتكر ومنهم من اعتقد بأن الابداع والابتكار يأتي بإضافات غير مبررة ودخيلة على المنظومة الفكرية الحسينية الاصيلة، بدعوى الحداثة والمعاصرة، وقد فشلت مثل هذه المحاولات، وهنا لابد ان نحذر القائمين على المسرح الحسيني من قبول النصوص التي تحاول تشويه المسرح الحسيني بدعوى الحداثة والمعاصرة، لأنه ليس كل جديد أصيل، وعليهم ان يختاروا من أعضاء اللجان المحكمة في المهرجانات والمسابقات المسرحية من الاشخاص الذين يؤمنون حقيقة بالفكر الحسيني الاصيل، وبجدوى الفعاليات المسرحية المنتمية الى الفكر الحسيني الاصيل، من اجل تطويره وتقديمه للعالم حتى يتعرف على مبادئ الحسين الخالدة النابعة من الإسلام المحمدي الاصيل.

س: مجلة المسرح الحسيني تعد خطوة رائدة.. ما هي سياسة وأهداف هذا المطبوع المهم؟

ج: بالنسبة لمجلة المسرح الحسيني الفصلية الرائدة فإن الفضل الاكبر يعود في ظهورها هو لأمانة العتبة الحسينية المقدسة، حيث احتضنت تجربتنا المسرحية الرائدة بالكامل وبالدعم المطلق وما زالت، وقد أثبتت المجلة حضورها في الساحة الثقافية بداخل العراق وفي الوطن العربي وبعض الدول الاسلامية والاوربية، من خلال الاساتذة الباحثين من المهتمين بالشأن المسرحي، والذين وقفوا معنا وساهموا بكتاباتهم ودراساتهم النقدية ونصوصهم المسرحية، والذين ما زالوا يتواصلون معنا، فرغم عمر المجلة القصير كتب عنها عدد من الباحثين الأكاديميين رسائل واطاريح جامعية، وما زالت المجلة مستمرة بعطائها بعزم كادرها الرسالي المؤمن بجدوى وضرورة استمرار هكذا عطاء.

س: وأخيرا كيف تنظرون إلى واقع ومستقبل المسرح الحسيني.. وكيف نستفيد منه لتطوير قيم عاشوراء؟

ج: بالنسبة الى واقع ومستقبل المسرح الحسيني وكيفية الاستفادة منه في تطوير قيم عاشوراء، بداية نستشهد بالآية القرآنية الكريمة ( وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض )، وهذا ما حصل على ارض الواقع، فالمسرح الحسيني يقف الآن على ارضية صلبة لأنه ظهر نتيجة الحاجة الضرورية له، لكي يقوم بعملية التنوير والتطهير والوعي والتصدي لمقارعة الحرب الفكرية التي يشنها علينا اعداء الاسلام والانسانية، من متكبرين وصهاينة وعملاء تابعين وخاضعين وأذلاء ارتضوا الخنوع والخيانة من اجل حياة مادية ومكاسب زائلة، وقد حقق المسرح الحسيني حضوره الفاعل، ونضيف ان اعمالنا المسرحية قدمت على قاعات العرض المسرحي داخل العراق وباللغتين العربية والانكليزية، اضافة الى تقديمها في بعض الدول العربية والاسلامية، وان الكتابة عن المسرح الحسيني سواء كانت نصوصا او بحوثا او رسائل جامعية مستمرة ومتصاعدة، وهذا انجاز استثنائي، اذن علينا ان نطور التجربة ونعمقها ونقدمها الى الجماهير المليونية التي هي بأمس الحاجة إليها، ونحن في مرحلة التأسيس قمنا بتسليط الضوء على ابطال الملحمة الحسينية، وسخرنا الوثيقة التاريخية بأسلوب معاصر ومؤثر، ولنا في تجربة مسرحيتنا الشعرية صوت الحر الرياحي خير دليل على ذلك، ويجب على الكتاب والباحثين بالمساهمة في هذه الفعاليات المسرحية الرسالية الهادفة لأهميتها الكبيرة، فالإيمان يحقق المعجزات واننا نسعى لدعم كافة المنجزات الابداعية التي تسعى لتقديمه بإيمان ووعي وصدق، لأن هذه القيم هي التي تحقق المسرح الحسيني والتي تدعوا للأخذ بيد الشعوب المضطهدة لتحقيق الحياة الافضل لها، استلهاما لمقولة الإمام الحسين: لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي.

فما أحوجنا الآن الى الاصلاح بعد ان انتشر الظلم والفساد في جميع انحاء العالم ومفاصل الحياة، وبعد ان تمكن أعداء الإنسانية من فرض هيمنتهم على العالم، مع الأسف الشديد، اذن المسرح الحسيني هو مسرح مقاومة وتحدي وصمود، ولابد ان نقدم رسالتنا الى العالم مستشهدين برموزنا العظام وبمواقفهم البطولية الخالدة.

اضف تعليق