q
أزمة السكن في العراق أصبحت مستعصية على جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم البلد، وكل الحلول التي تم طرحها غير عملية وغير حقيقية ولا يمكن لها أن تساهم في حل الأزمة، ومنها مبادرة السكن التي أطلقتها حكومة الكاظمي مؤخراً وفي اعتقادي انها ولدت ميتة...

أزمة السكن في العراق أصبحت مستعصية على جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم البلد، وكل الحلول التي تم طرحها غير عملية وغير حقيقية ولا يمكن لها أن تساهم في حل الأزمة، ومنها مبادرة السكن التي أطلقتها حكومة الكاظمي مؤخراً وفي اعتقادي انها ولدت ميتة ولا تتعدى كونها دعاية إعلامية وسياسية كسابقاتها.

تتلخص المبادرة بنية الحكومة توزيع مليون قطعة أرض سكنية كمرحلة أولى في بغداد والمحافظات حيث تتوقع الحكومة بأنها ستساهم في إسكان أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مواطن، وفكرة الحكومة أنه بعد استلام المواطن لقطعة الأرض يمكنه من الاقتراض من احدى الجهات التي حددتها الحكومة لاستلام مبلغ يساعده على بناء الدار السكنية، ولو ناقشنا بشكل منطقي ومبسط هذه المبادرة والمعوقات التي يمكن أن تقف في طريقها سنجد ان المعوق الأول هو مسألة الخدمات والبنى التحتية لتلك المناطق السكنية.

وكما هو معلوم لجميع المختصين ان البناء الأفقي يحتاج الى تكلفة عالية جداً لإنشاء البنى التحتية والخدمات والتي تشمل شبكات المجاري والماء الصالح للشرب والشبكة الكهربائية والتبليط والانارة والمدارس والمراكز الصحية وغيرها في حين أن البناء العمودي تكون تكاليفه أقل بكثير من هذه الناحية.

هنا نتساءل ومعنا كل مواطن عراقي ماذا فعلت جميع الحكومات العراقية منذ عام 2003 ولحد الآن في مجال تقديم الخدمات والبنى التحتية بشكل عام؟ والجواب سهل ويعرفه الجميع هو لا شيء حيث ان الخدمات والبنى التحتية في جميع محافظات العراق في حالة يرثى لها وفي أسوأ حالاتها لأسباب عديدة أهمها سوء الإدارة وانتشار الفساد بشكل كبير وضياع واردات الدولة الانفجارية على النفقات الحكومية التي تتضخم عاماً بعد عام على منافع الكتل السياسية والرئاسات الثلاثة والوزارات والبقية تذهب رواتب للموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية ولا يبقى للميزانية الاستثمارية غير مبلغ يسير لا يكاد أن يذكر لا يمكنه من انشاء أي مشروع ولا النهوض بالواقع الخدمي المتردي وبالمقابل تتصاعد معدلات التضخم وحجم الديون في موازنة الدولة عاماً بعد عام.

وهنا السؤال الهام وهو هل تتمكن حكومة الكاظمي أو أي حكومة تأتي بعدها في ظل هذا الواقع البائس أن توفر البنى التحتية والخدمات للمناطق السكنية الجديدة، والجواب الأكيد أنها لن تتمكن من ذلك ولو كان لها القدرة على ذلك لنهضت بالواقع الخدمي في البلاد.

من هذه المعطيات البسيطة فتوقعاتي بأن مشروع هذه المبادرة لحل أزمة السكن لن ينجح، ولو أن الحكومة صدقت وفعلتها ووزعت قطع الأراضي ولو أني أشك بذلك، ولكن لو حدث هذا الأمر المستحيل واستلم المواطنون هذه الأراضي المزعومة وبعدها استلموا قروضاَ ميسرة من المصارف وشيدوا بيت الاحلام لظهرت أمامهم مشكلة كبيرة ستحطم كل آمالهم العريضة وهي انعدام الخدمات التي لن تستطيع الدولة من توفيرها مطلقاً.

وسنكون أمام مناطق سكنية شبيهة بالعشوائيات التي انتشرت في معظم محافظات العراق والتي تعاني من نقص كبير في جميع الخدمات حيث تنعدم فيها البنى التحتية لأنها شيدت بطرق غير قانونية ولم تلتفت اليها الدولة وبقى المواطن العراقي هو الضحية الوحيدة سواء في المناطق العشوائية القديمة أو في المناطق العشوائية الرسمية التي ستظهر لنا نتيجة مبادرة السكن الحكومية.

انا هنا لا أريد ان أحبط فرحة المواطن العراقي الذي استبشر خيراً بهذه المبادرة ولكنني أفكر بصوت عال وأنظر للأمور بشكل منطقي وعلمي وواقعي وأقول كان المفروض من الحكومات أن تفكر بحلول علمية سليمة وواقعية وتستطيع أن تنفذها.

وكان عليها أن تفكر بالبناء العمودي وذلك بإنشاء مجمعات سكنية تحتوي على أكبر عدد ممكن من الوحدات السكنية وعلى مساحات صغيرة نسبياً وتستطيع الاستعانة بالمستثمرين وبطريقة الاستثمار الحقيقي والذي لا تنفق به الحكومة دولاراً واحداً كما مطبق في جميع دول العالم وباتفاقات رسمية ومغرية تضمن مصلحة المستثمر ومصلحة الحكومة وعلى مدى زمني طويل مثل عشرون أو خمسة وعشرون عاماً ويمكن وضع آلية عادلة لتوزيع هذه الوحدات السكنية على المواطنين وبذلك تقلل من تفاقم أزمة السكن وبتكاليف أقل وتقلل من معاناة المواطن وتجنبه الدخول في دوامة القروض والبناء ونقص الخدمات وانعدام البنى التحتية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال ق لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق