q
إنسانيات - مجتمع

الزواج هل هو الحل؟؟

في عالم اليوم، ومجتمعنا المعاصر، هل يمكن أن يكون الزواج حلًّا للفقر؟، مع اختلاف الظواهر وأنماط العيش وأساليب الحياة بين الماضي البعيد وبين عصرنا الراهن، لكنني أقدّم للقارئ هذه القصة التي عايشتها بنفسي وكنت شاهدا عليها خطوة خطوة، هناك شاب من أقاربي كان لا يعرف من الدنيا سوى إتقان دراسته...

ما هي الأسباب الأكثر تعويقا لإتمام الزواج؟، كثيرة هي الأسباب التي تمنع الشباب من تكوين أسرة، لكن الفقر يقع في المقدمة من تلك الأسباب، فقلة موارد الشاب، وصراعه الدائم مع البطالة، وانحسار فرص العمل، تجعله يضع الزواج في آخر أهدافه واحتياجاته، وكلما هيمنت المظاهر المادية على المجتمع، تضاعفت المعوقات أمام الشباب.

انتشار النزعة الاستهلاكية، وهيمنة المظاهر المادية أدت إلى غلاء غير مسبوق في (مهر العروس)، وباتت قضية المهور العالية ظاهرة اجتماعية، وسبب انتشارها يعود إلى تأثّر العائلات ببعضها والعرائس ببعضهن أيضا، ومن النادر أن نجد عائلة أو فتاة تقبل بمهر قليل أو حتى معقول، في حين أن الهدف من تأسيس العائلة ليس كنز الذهب والأموال، وإنما خلق أسرة سعيدة تضمن حياة مستقرة متنامية للزوجين.

إذاً الزواج يتأثّر بغلاء المهور، ويتأثر أيضا بقلة فرص عمل الشباب، ويتأثر بازدهار الظواهر المادية على حساب المعنوية والأخلاقية، ومن بين هذه الأسباب وسواها، تبقى قلة فرص العمل هي العائق الأشد والأقوى تأثيرا على قلة إقبال الشباب على الزواج، ولكن إذا افترضنا أن الناس والعرائس على وجه الخصوص وعتْ وتنبّهت إلى مخاطر رفع المهور وتواصل ارتفاعها، ورضيت بالأقل أو بالمهر المقبول، فهل ستنتهي مشكلة عدم إقبال الشباب على الاقتران بشابة لتكوين مشروع العمر؟

السيطرة على النزعة المادية

بالطبع لا تكمن معالجة ظاهرة العزوف عن الزواج بحل مشكلة ارتفاع المهر، وحتى لو تم السيطرة على النزعة المادية عند الناس، وقلّ تكالبهم على الاستهلاك، وتم التعامل بتوازن مع القضايا المادية، هل ستنتهي مشكلة رفض الزواج من قبل الشباب؟

الجواب، كلا، فالسيطرة على النزعة المادية، وتقليل المهور، لا يكفيان لتشجيع الشباب على الزواج، هنالك المشكلة الأكبر والعقدة التي يصعب تجاوزها، ونعني بها شحة موارد الشاب وقلة فرص العمل المتاحة أمامه، وباختصار شديد، الفقر هو السبب الأكبر أمام عزوف الشباب عن تأسيس مشروع الخلية الاجتماعية الأصغر.

في قصة استمعنا لها من رجل دين ورد فيها، إن أحدهم جاء إلى الرسول محمد (ص)، وأخبره بأنه يعاني من الفقر، فما هو الحل لكي يتخلص من فقره؟، أجابه الرسول (ص): عليك أن تتزوج، فذهب الشاب وعاد في اليوم التالي وسأل الرسول (ص) نفس السؤال، وأجابه بنفس الجواب (عليك أن تتزوج)، وفي اليوم الثالث تكرر السؤال نفسه، وجاء الجواب نفسه أيضا، فهل الزواج يمكن أن يكون حلا لمشكلة الفقر؟؟

نحن نتفق على أن هناك اختلافا كبيرا في واقع الأمس وما حدث من تطور كبير في واقع اليوم، وأن عالم البساطة الذي كان يطبع حياة الناس، لم يعد يتوافق مع طبيعة وتفاصيل الحياة المعاصرة، هناك فارق كبير جدا بين الواقعين، وما يصح على عالم الأمس قد لا يصح في عالم اليوم بسبب التغييرات والتعقيدات الكبيرة في الحياة المعاصرة.

لقد ذهب الشاب الذي نصحه الرسول (ص)، وبحث عن عمل، وصار جادا في بحثه عن فرصة تدرّ عليه موردا ما، وحين أخفق مرة واثنتين وثلاثا، لم يتوقف، لأنه استلم الرسالة أو الحل الصحيح، ألا وهو العثور على عمل ومصدر رزق، وبسبب إصراره وإيمانه بأن لا حل له لمعالجة فقره سوى العمل، فإنه قدّم كل ما يلزم وأصرّ وبحث بجدية عالية وحصل على ما يريد، ثم استطاع أن يتزوج ويعيل عائلته.

التخلّص من الفقر المزدوج

في عالم اليوم، ومجتمعنا المعاصر، هل يمكن أن يكون الزواج حلًّا للفقر؟، مع اختلاف الظواهر وأنماط العيش وأساليب الحياة بين الماضي البعيد وبين عصرنا الراهن، لكنني أقدّم للقارئ هذه القصة التي عايشتها بنفسي وكنت شاهدا عليها خطوة خطوة، هناك شاب من أقاربي كان لا يعرف من الدنيا سوى إتقان دراسته (وهو الأمر الوحيد الذي يُحسَب له)، وما تبقى من وقته كان يقضيه في اللهو الفارغ، مما أدى إلى إصابته بالفقر.

الفقر الذي اصاب هذا الشاب لم يقتصر على المادة (بل أصبح فقره من النوع المزدوج)، فأصابه الفقر المادي (شحة الفلوس)، واصابه أيضا الفقر المعنوي والروحي، فأصبحت شخصيته فقيرة مهزوزة، وصار يعاني من الاحباط والاكتئاب والضعف أمام الآخرين، ولم يشفع له تفوقه في الدراسة، لأن الفقر المادي والمعنوي أسقطه في حالة وهن وضعف.

بطريقة أو أخرى لاحظتُ أن هذا الشاب يبحث عن حل لمشاكله المادية والمعنوية، وعرفت منه بشكل مباشر بأنه يرغب بالزواج، لكنه لم يتردد في إخباري بعجزه التام عن تحقيق هذا الهدف، فهو أنهى دراسته الجامعية، وليس لديه أي مورد مادي، بسبب انعدام فرص العمل بشكل تام أمامه، ولهذا من المحال عليه الزواج.

حين لاحظت عليه رغبته بالزواج شجعته عليها، وأعلنت له أنني مستعد أن أدعمه في إقامة مشروع صغير يدرّ عليه رزقا بسيطا، لكن عليه أن يكون جادا ويترك اللهو جانبا ويغيّر نمط حياته الكسول ويحرص على وقته الفائض، ويصر على إيجاد فرصة عمل والبحث عنها يوميا، وحين فشل في مشروعه بسبب انعدام خبرته بالعمل لأنه أمضى وقته سابقا باللهو، لم ييأس لاسيما أنني كنتُ أقف معه وأدعمه بالنصح والتحفيز والإشادة.

بالنتيجة وبعد محاولات حثيثة متكررة حصل على عمل مناسب، الدافع الأول لحصوله على هذه الفرصة هو الزواج، حيث أصر قبل إقامة مشروعه الصغير الفاشل على إعلان خطوبته على طالبة من دورته في الجامعة، هذه الخطوبة المعلنة جعلته يفكر ليل نهار بالعمل، ويسعى للعثور على فرصته المناسبة وتحقّق له هذا بالفعل.

هل الزواج هو الذي خلّص هذا الشاب من (الفقر المادي والمعنوي)؟، بحسب متابعتي لهذا الشاب، كان في السابق بلا هدف، لا يعتني بنفسه، ولا يعبأ ولا يهتم بضياع وقته، لكنه حين بدأ بتغيير تفكيره، ووضع هدفا واضحا ومحدّدا له وهو (الزواج) صار يبحث بجدية تامة عن فرصة عمل لتغيير حياته بشكل تام، قد لا تصح هذه التجربة مع آخرين، ولكن الهدف (أي هدف جيد) سوف يساعد الشاب على النجاح، فما بالك لو كان هذا الهدف هو (الزواج) الذي يؤدي إلى توهّج الحياة واستمراريتها؟؟

اضف تعليق