q
نعرف ان الطريق طويل جداً لإيقاظ وعيك ومراقبته وتحكمك بمشاعرك وهو ليس بالأمر السهل، وان احرزت هذه الخطوة سوف تتخلص من معظم اسباب عدم استمتاعك بالحياة، لذا فان الطريقة الاكثر نجاحاً في التحكم بمشاعرنا هي الترشيد النفسي الذي يتم عبر محاكاة الذات واصلاحها بوعي...

من منا لم يسمع عن ترشيد استهلاك الماء والكهرباء والمال، وربما اغلبنا التزم بتطبيقها، وعمل على عدم الاسراف والاعتدال في الاستهلاك، لكن هل فكرنا يوماً بطريقة ما او كيف يمكننا ترشيد استهلاكنا لمشاعرنا وانفسنا؟

خلق الله سبحانه وتعالى الانسان بأحسن تكوين نفسي وجسدي وأكرم هيئة وفضله عن سائر المخلوقات، فمنحه شرف الخلافة في الارض وتعميرها واعطاه حرية الاختيار في ما يعمل من صالح او طالح في الحياة الدنيا، هذا المخلوق تكون من جسد ونفس، والنفس هي كتلة من المشاعر والاحاسيس، فاذا خدشت حتماً ستترك ندبة مكانها تؤثر في سلوكه وطبيعة اختياراته، واذا استطاع ان يحقق الاستقامة والاعتدال في سلوكياته ويفهم مشاعره جيداً سيعرف حتماً كيف يتعامل معها وتحقيق الهدفية من الحياة.

والمشاعر هي القوة المحركة وراء الدافع، سواءً كان إيجابياً أم سلبياً لأنها حالات من الشعور الذي يؤدي إلى التغيرات الجسدية والنفسية المؤثرة في السلوك والعواطف. ومهما بلغ الانسان من العلم والمعرفة والثروة، يسعى جاهداً لتحقيق مطلباً اساسياً، يتمثل بالتقدير والاهتمام المنتج للمشاعر السعيدة.

ويتحدث علماء النفس عن منطقة معتمة غير مستكشفة في شخصية الفرد، لا يعرفها ولا يراها هو، ولا حتى الآخرون، تتجلى في لحظات معينة، فتتفجر عبقريةً، أو إجراما، أو إبداعا، أو نوعاً من الجنون، وهذا ما يؤكد أن الإنسان كتلة من المشاعر الغامضة والمتناقضة التي يستحيل تحليلها أو اختزالها بعبارة منمقة أو بجملة شاملة.

وأحياناً نتصرف بسلوكيات مفرطة غير معتدلة قد تكون اقرب الى كونها متناقضة او غريبة، والسبب في ذلك اضطراب مشاعرنا، فمن الممكن ان نكون هادئين في لحظة ما وبعد لحظة نثور غضباً بدون سابق انذار وهذا التحول الغامض والمتناقض تختلف اسبابه، فقد تكون بسبب أسلوب المستفز أم معنى كلامه أم طبيعة شخصيته ولماذا تصرف معي بهذه الطريقة؟ معرفة الجواب على ذلك يساعد في تفهم المشاعر والتعامل معها، قد ينظر البعض للمشاعر على أنها ضعف، وأنه من المفترض السيطرة عليها وعدم إظهارها مهما كانت، وهذه النظرة غير صائبة، فمثلاً اذا تعرض الانسان الى موقف حزين او اثار غضبه امر ما او بسبب مشكلات اجتماعية معينة سواء في المنزل ام العمل ام تردي الوضع المادي او بسبب الوضع العام للبلد، فعليه ان لا يفرط او يخفي او يكبت مشاعره النفسية وبالوقت ذاته ان لا تطيل تلك الحالة الى الحد غير الطبيعي لأنها غالباً ما تدخل الفرد في حالة من الاكتئاب، وهنا تبرز ضرورة الترشيد النفسي اي الاستقامة، والاعتدال في الاستهلاك الانفعالي، والاستخدام الأمثل والمتوازن للمشاعر المختلفة، من غير هدر أو زيادة، بما يحقق الهدف والمصلحة المرجوة، ويشبع رغبات وحاجات الإنسان، بشكل متوازن بين ما يحتاجه المرء وما هو متاح، حتى لا تؤثر في الصحة النفسية والجسدية للفرد، مما يعزز من أهميّة التوازن وعدم الافراط في المشاعر.

لذا لا نسمح للمشاعر السيئة او السلبية ان تأخذ من روحنا ونفسنا الكثير لان الحياة هي مجموع اللحظات والساعات التي نعيشها، بغض النظر عن مضمونها وشكلها، فالساعة التي تمر لا يمكن أن تتكرر، واليوم الذي ينقضي لا يعوض أبداً، حتى لو تشابهت الأيام وتناسلت من بعضها كنسخة مصورة، فالمعنى الحقيقي للحياة نجده في قيمة ونوعية اللحظة التي نعيشها ومدى شغفنا بتلك اللحظة.

وبالتأكيد قد تصادفك الكثير من المواقف تكون أكبر من طاقتك وقدرتك على التحمل، تضطرك ان تستنزف عصارة صحتك الجسدية والنفسية ولا يوجد منها مفر، تأخذ منك أحلى اللحظات وربما سنوات من العمر إلى أن تصل للمرحلة التي تتخلص من كل العواصف الحياتية وتبدأ باستعادة ذاتك ونشاطك الذهني والنفسي والجسدي، لكن ربما تكون مرحلة متأخرة من شتاء العمر لأن ربيع وصيف عمرك انتهى بمقاومة العواصف العاتية.

وربما استهلكنا أنفسنا على مواقف لا تساوي ذرة قياساً لصحتنا ومشاعرنا، وللأسف ندرك هذا بعد فوات الأوان والقطار على مقربة من محطته الأخيرة، والانسان ليس بآلة حتى يستطيع ان يسيطر على مشاعره بكبسة زر، لان الله سبحانه وتعالى زرع في جوف كل شخص احاسيس ومشاعر ليس بالسهل التحكم فيها.

نعرف ان الطريق طويل جداً لإيقاظ وعيك ومراقبته وتحكمك بمشاعرك وهو ليس بالأمر السهل، وان احرزت هذه الخطوة سوف تتخلص من معظم اسباب عدم استمتاعك بالحياة، لذا فان الطريقة الاكثر نجاحاً في التحكم بمشاعرنا هي الترشيد النفسي الذي يتم عبر محاكاة الذات واصلاحها بوعي، لمعرفة ماذا تستهلك وكم تستهلك وكيف تستهلك ولماذا تستهلك ومتى تستهلك، وينصح خبراء الصحة النفسية باتباع الخطوات الاتية:

* لا تستهلك أعصابك "بالزعل او الحزن" من كل شيء أو على أي شيء.

* وفر قوتك وأعصابك على ظروف ومشكلات تستحق ذلك.

* لا تستهلك عيونك وتتعبها ودموعك الثمينة لأي سبب وأي ناس.

* لا تستهلك قلبك وتتمادى بعواطفك، ولا تسمح له يتعلق أو يحب يكره بإفراط (كلنا قلوبنا خذلتنا إن كان بالحب أو بالكره)، وفر عواطفك ومشاعرك لقضايا أكبر وأجمل.

* لا تستهلك جسمك بالتعب والعمل المتواصل ليلاً ونهاراً لأن العمل لا ينتهي ولنفسك عليك حق بأخذ قسطاً من الراحة.

* استهلك كل شيء الا صحتك وابتسامتك وراحتك فوفر بها قدر الامكان لأنها لا تعوض ولا تقدر بثمن.

اضف تعليق


التعليقات

د. علاء الانباري
العراق
تحدثت كاتبة المقال عن معطيات واسباب ونصائح من غير أن تظهر لنا المصدر الذي أستقت منه المعلومة .... فبإمكان الجميع التعبير عن تجاربهم كنصائح او محذورات لكن هناك نظريات في علم النفس السلوكي والتربوي لم تذكرها حللت ما وصفته بالمنطقة المظلمة التيلم يكتشفها احد2021-06-29
مروة الأسدي
تحية طيبة دكتور علاء الانباري (أبو موج) شكراً لتفاعلك مع المقال
هذا المقال ليس مقالاً علمياً وما ورد من الآراء والمعلومات في المقال هي استنتاجات الكتابة بعد الاطلاع على مجموعة من المصادر والاستفسار من ذوي الاختصاص والملاحظة الشخصية لتجارب الاخرين، ولا اتفق معك في ان الجميع لديه الامكانية في التعبير عن تجاربهم، ولست بصدد الخوض في شرح النظريات العلمية لأن المقال يهدف الى الارشاد والتوجيه لمشكلة اجتماعية نفسية ضمن الممارسات الحياتية اليومية البسيطة.2021-06-29