q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

اسعاد الناس

العمل على اقامة دولة خدمات غايتها اسعاد المواطن، وهذه هي الدولة الحضارية الحديثة لا غير، واقامتها هي الهدف الذي ينبغي ان يكون في رأس اهداف المواطن العادي الذي عليه ان يدرك ان الدولة الحضارية الحديثة، بوصفها دولة خدمات غايتها اسعاد المواطن، هي الطريق الوحيد لتحقيق سعادته في الدنيا...

أُبتلي العراق، بالمعنى السلبي للفعل، منذ عام ١٩٥٨ باحزاب وحكومات ايديولوجية عقائدية او شبه عقائدية جعلت هدفها تطبيق عقائدها وليس تحقيق السعادة للمواطنين. وهذا ينطبق على الحزب الشيوعي وحزب البعث والاحزاب الاسلامية. ومع ان هذه الاحزاب حققت شعبية لنفسها كل في مرحلته، الا انها في المحصلة الاخيرة خسرت قواعدها الشعبية لان الانسان العادي يسعى بالدرجة الاولى الى تحقيق سعادته الشخصية (هو وافراد عائلته).

وغالبا ما يكون الافراد العقائديون اقلية في المجتمع لا يمكن القياس عليها. وبسبب حالة التخلف الحضاري التي يعاني منها المجتمع العراقي منذ مئات السنين، فقد خاضت الأحزاب العقائدية صراعات دموية فيما بينها على السلطة كان اقساها ما فعله حزب البعث خلال ٣٥ سنة من حكمه يضاف اليها تسعة اشهر بعثية في عام ١٩٦٣.

وقد سالت دماء كثيرة في هذا المجرى العاصف بدون ان يكون لها اية ثمرة حقيقية في صالح المواطن والوطن. ولا يبدو ان هناك اجماعا وطنيا على ما اقول حيث مازالت شرائح من المجتمع العراقي "مؤدلجة" وعلى استعداد لان تخوض صراعات ايديولوجية فيما بينها.

لنقل ان بعض المجتمعات سبقت المجتمع العراقي في نبذ الاحتراب الايديولوجي واستثمرت طاقاتها وامكانياتها بطريقة اخرى، مثل المجتمع الانكليزي، والاميركي، والفرنسي، وهي مجتمعات ثارت على الانظمة الاستبدادية في بلدانها واقامت حكومات على اسس غير ايديولوجية.

بعد ١٠٠ سنة من التخبط وسفك الدماء وهدر الثروات آن الاوان لان يكون للسياسة هدف اخر منتزع من طبيعة الانسان العادي وليس منتزعا من الأيديولوجيات. وهذا الهدف هو تحقيق السعادة للانسان.

وهذا الهدف يتطلب اقامة دولة خدمات غايتها اسعاد المواطن، ومساعدته في سعيه لتحقيق السعادة. ويتحقق هذا حين تعمل الدولة على توفير شروط السعادة وفي مقدمتها الحرية والعدالة والمساواة والامن وفرص العمل وتحسين الخدمات الصحية والتربوية وتيسير الاجراءات ودعم القطاع الخاص والتنمية وحقوق الانسان والبنية التحتية وغير ذلك.

وكل هذه الاهداف يمكن ان تشكل قاعدة عريضة لبناء اجماع وطني مجتمعي يسعى الجميع الى تحقيقها من خلال الدولة والحكومة والمجتمع والمبادرات الفردية. ويلغي الاجماعُ الوطني على هذه الاهداف الحاجة الى تشكيل الاحزاب الكثيرة ويجعل من الممكن تأسيس حزب او او حزبين لتبنى هذه الاهداف والعمل على تحقيقها.

كما ان العمل على تحقيق هذه الاهداف ينفي الحاجة الى الاحزاب المكوناتية الامر الذي يزيد من فرص تحقيق الاندماج المجتمعي والقضاء على الانقسامات المجتمعية على اساس مكونات عرقية او طائفية. وكل هذا يؤدي الى القضاء طبيعيا على الكثرة المفرطة في الاحزاب السياسية. وهي حالة مرضية في المجتمع السياسي لا تخدم قضية اسعاد المواطن. وبالتالي تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية ويسهّل عملية تشكيل الحكومات.

وكل هذا يعتمد على وعي المواطن وقدرته على الخروج من الشرنقات المكوناتية. ان الاحزاب المغلقة مكوناتيا تراهن على الفرد المنغلق، وبالتالي فان تناقص اعداد هذا النوع من الافراد يجفف المنابع التي تتغذى عليها الاحزاب المكوناتية كثيرة العدد ويمهد الطريق لظهور الاحزاب الوطنية قليلة العدد. وغني عن الذكر ان تقليص عدد الاحزاب هو من الخطوات الضرورية لتحقيق الاصلاح السياسي الجذري.

كل هذا يتحقق بالعمل على اقامة دولة خدمات غايتها اسعاد المواطن. وهذه هي الدولة الحضارية الحديثة لا غير. واقامتها هي الهدف الذي ينبغي ان يكون في رأس اهداف المواطن العادي الذي عليه ان يدرك ان الدولة الحضارية الحديثة، بوصفها دولة خدمات غايتها اسعاد المواطن، هي الطريق الوحيد لتحقيق سعادته في الدنيا. وما عدا ذلك يمكن تحقيقه بطرق اخرى لا تتعارض مه هذا الهدف.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق