q
القوى السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات، متخوفة من اختلال طبيعة التوازنات السياسية داخل السلطة التشريعية؛ الأمر الذي يقلقها من تعديل بعض القوانين السابقة أو اقرار قوانين أخرى، التي من الممكن ان تؤدي إلى تداعيات سياسية على نفوذها وهيمنتها ونشاطها السياسي، أو تفعيل بعض القوانين المعطلة، كتلك التي تتعلق...

افرزت نتائج العملية الانتخابية الأخيرة في العراق، التي جرت في العاشر من تشرين الماضي، نتائج قد تكون غير متوقعة للبعض، لكنها بدت متوقعة للبعض الآخر، ولاسيما لعامة الجماهير التي شاركت من اجل التغيير أو من قبل الجماهير التي قاطعت العملية الانتخابية؛ ونتيجة لذلك احتجت بعض القوى السياسية على خسارتها الانتخابية متهمة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) بالتزوير.

وعلى الرغم من نزاهة العملية الانتخابية، اذا ما قورنت بكل العمليات الانتخابية السابقة، إلا أن القوى السياسية الخاسرة، متمثلة بالإطار التنسيقي الشيعي وتحالف قوى الدولة الوطنية، بقيت مصرة على مواقفها الرافضة لنتائج الانتخابات وابقت جماهيرها معتصمة على ابواب المنطقة الخضراء.

ولعل الكثير منا يتساءل عن السبب او الاسباب التي تدفع تلك القوى السياسية في التمسك بمواقفها ورفض نتائج الانتخابات، ولماذا لم يقوم السيد المالكي بذات الدور الذي قام به بعد انتخابات آيار 2018، بعد ان تنازل عن دعوته للمحكمة الاتحادية؛ بسبب عدم قناعته بنتائج الانتخابات آنذاك والتزوير الفاحش الذي رافقها "على حد تعبيره"، على الرغم من قدرته على اقناع هذه القوى بنتائجها، وقناعته بنزاهة الانتخابات الاخيرة؟

لو رجعنا قليلاً إلى الوراء واستذكرنا مواقف القوى السياسية المعترضة حاليا، على نتائج العملية الانتخابية، من النتائج التي اعلنتها المفوضية العليا بعد يوم او يومين من الانتخابات، لنرى بانها كانت طبيعية جداً، وبدأت تلك القوى مقتنعة تماماً بحجمها ومقاعدها نوعا ما، ولاسيما اذا ما اخذنا المواقف الشعبية بعد احتجاجات تشرين 2019 وقانون الانتخابات الأخير، بنظر الاعتبار، إلا ان خطاب الفوز الذي اعلنه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بعد إعلان النتائج الأولية، الذي تطرق فيه إلى موقفه من الحشد الشعبي والفصائل المسلحة ورؤيته إلى تشكيل الحكومة المقبلة ومواقفه من بعض القوى السياسية الشيعية الاخرى كدولة القانون، ورأيه من قضية قصف السفارات والبعثات الدبلوماسية الاجنبية، كان بمثابة السبب الرئيس الذي استفز القوى السياسية المعترضة حالياً على نتائج الانتخابات.

فالمواقف السياسية الرافضة لهذه القوى بدأت طبيعية وتصاعدت تدريجياً، كمن يكذب الكذبة ثم يصدقها، أو يبدأ بتسويقها على انها حقيقية ويقتنع بها تدريجياً، كذلك هو موقف القوى السياسية المعترضة، بدأت تقتنع بسلوكها الاحتجاجي على نتائج الانتخابات بعد الضجة الإعلامية واصطفاف القوى السياسية الشيعية الخاسرة لجانبها كتيار الحكمة الذي يتزعمه السيد الحكيم، وتحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق السيد حيدر العبادي، على الرغم من دعايتهم الانتخابية التي حملها تحالفهم الانتخابي بالضد من قوى اللادولة والفصائل والجماعات المسلحة.

إن رفض القوى السياسية المعترضة أو الخاسرة المستمر لنتائج الانتخابات وعدم قناعتها بموقف مفوضية الانتخابات والقضاء العراقي ومجلس الامن الدولي والبعثة الأوروبية، وتهديد بعض الفصائل المسلحة للعملية السياسية، هو مماطلة من اجل كسب الوقت والضغط على الجهات المعنية في تعطيل مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات؛ والوصول إلى توافق سياسي بشأن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

فضلاً عن ذلك، فان القوى السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات، متخوفة من اختلال طبيعة التوازنات السياسية داخل السلطة التشريعية؛ الأمر الذي يقلقها من تعديل بعض القوانين السابقة أو اقرار قوانين أخرى، التي من الممكن ان تؤدي إلى تداعيات سياسية على نفوذها وهيمنتها ونشاطها السياسي، أو تفعيل بعض القوانين المعطلة، كتلك التي تتعلق بالقوى والجماعات المسلحة أو القوى الرديفة للتشكيلات العسكرية العراقية المسلحة.

كذلك تبدو أن الاحتجاجات والمواقف السياسية، التي تسلكها القوى المعترضة او الرافضة لنتائج الانتخابات، تهدف إلى الضغط على السيد الصدر لضمان أن تكون تلك القوى طرفاً اساسياً في تشكيل الحكومة، وان ينأى بعيداً عن مشروع أو فكرة حكومة الاغلبية السياسية، وبغض النظر عن عدد المقاعد التي فازت بها، وأن يتم التعامل معها بناءً على عدد المصوتين لها، وهذا ما يتنافى ما اسس الديمقراطية البدائية، وليس ديمقراطية القرن الواحد والعشرين. فعلى الرغم من إدراك القوى السياسية الخاسرة لطبيعة الانتخابات ونتائجها بشكل جيد، إلا أنها لا تريد الاعتراف بنتائجها، خشية من تلك المواقف وغيرها، التي من شانها أن تؤدي إلى تداعيات سياسية على مستقبلها السياسي.

إن استمرار رفض نتائج الانتخابات من القوى المعترضة، سيؤدي إلى تداعيات وخيمة على العراق كدولة ومجتمع، فمن الممكن أن يؤدي إلى صراع مسلح بين الاطراف المتنافسة، او بين الاجهزة الأمنية والفصائل التي تتبع السيد مقتدى الصدر من جهة، والفصائل المسلحة الرافضة للانتخابات من جهة اخرى، ولاسيما في حال استمرت الاحتجاجات، أو في حال اخذت تصّعد من مواقفها الاحتجاجية، سواء من خلال اقتحام المنطقة الخضراء او غيرها من الوسائل الاخرى، كالمواجهة مع قوات الامن العراقية، ولاسيما في ظل المواجهة التي رفعتها بعض الفصائل المسلحة كالتغريدة التي رفعها ابو علي العسكري وقال فيها: "بأن لا ضمان للعملية الديمقراطية في العراق"، اذا ما تم تسويف مطالب القوى المعترضة على نتائج الانتخابات، او المواجهة التي رفعها ابو الاء الولائي واسماها بـ "المنازلة الكبرى" ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق نهاية شهر كانون الاول القادم.

ولهذا من الممكن ان تضغط تلك القوى –ونتيجة لتلك المواقف والمخاوف والتهديدات التي رفعتها بعض الفصائل– باتجاه تشكيل حكومة توافقية كسابقتها، على الرغم من اصرار السيد الصدر على حكومة الاغلبية والتزامه الصمت السياسي، او ان تدفع باتجاه تأجيل الوضع وابقاءه على ما هو عليه، والذهاب بعد سنة او سنتين إلى انتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات الحالي، وهذا ما روج له السيد عمار الحكيم في مواقفه الاخيرة.

بموازاة ذلك من الممكن أن يرفض زعيم التيار الصدري كل تلك الضغوط وينسف سياسية التوافقات السابقة، وان يتجه نحو تشكيل تحالف ثلاثي يضم التيار الصدري وتحالف تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد يلتحق بهم العزم وقوى كردية أخرى، وهذا من شانه أن يضع القوى الخاسرة أمام خيارين، إما أن تكون في المعارضة وإما أن تصعّد في مواقفها الاحتجاجية، وهذا ما يرجحه الخبير الاستراتيجي دكتور احمد الشريفي، ولعل شكل التصعيد سيكون من خلال استمرار الاحتجاجات والاعتصامات التي قد ترفع مع مرور الأيام منسوب التوتر، مع احتمال الاحتكاك بين المتظاهرين والقوات الأمنية بسبب قطع الطرق أو غيرها من وسائل الاحتجاج.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2021
www.fcdrs.com

اضف تعليق