q
لم يُنجب النظام الديمقراطي في العراق، معارضات سياسية بملامح واضحة، وسياقات راسخة، تمكّنها من إرساء أداء احتجاجي راشد، يُركن اليه، وكل ما يحدث هو عناد سياسي، ومواقف تسقيطية، وأشواط من الانفعالات والمصالحات، بينما أبرز سمة للأنظمة الديمقراطية العريقة، هي الأحزاب المُعارضة، بتقاليد عريقة، متأصّلة...

لم يُنجب النظام الديمقراطي في العراق، معارضات سياسية بملامح واضحة، وسياقات راسخة، تمكّنها من إرساء أداء احتجاجي راشد، يُركن اليه، وكل ما يحدث هو عناد سياسي، ومواقف تسقيطية، وأشواط من الانفعالات والمصالحات، بينما أبرز سمة للأنظمة الديمقراطية العريقة، هي الأحزاب المُعارضة، بتقاليد عريقة، متأصّلة.

في 19 آب 1991، وهو تاريخ قريب نسبياً، انقلبت مجموعة من الشيوعيين المحافظين على الزعيم السوفييتي غورباتشوف، لكن الانقلاب انتهى بيومين، وهرب مدبّروه، لحقه انهيار الحزب الشيوعي، الأداة القوية التي هيمنت على المجتمع لأكثر من 70 عاماً، وقد كانت تجربة مرة، تعلّم منها الروس، ضرورة أن تكون هناك معارضة حقيقية، لتلافي الصراعات الدموية الانقلابية.

لا يكفي إدخال الديمقراطية لتغيير كل شيء في غمضة عين، وفي بلد مثل العراق، تبرز الحاجة الى المعارضة المنهجية، كطريق للتغيير السلمي وبديل لانتفاضات شعبية تتكرّر، وتُسفك فيها الدماء، كل مرّة.

ثمة قطيعة واضحة المعالم، بين الواقعيْن الرسمي والحقيقي، فالعراق الذي هو دولة ديمقراطية، لا يزال الكثير من أفراده، لا يتحسس هذه الصفة لأنها غائبة عن المدار المُعاش، فعدا حرية الكلام والنشر، فإن من الواضح أن الذي يوجّه المسارات، ليست السلطة الديمقراطية، بل القوى صاحبة المال والنفوذ، والتي تتبادل أدوار المعارضة، بحسب الوقت والمصلحة.

العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، يشهد ذبح المجتمع المدني والديمقراطية، تحت ذريعة واحدة، وهي التهديد الوجودي من الخارج، أو الداخل، وهو أمر تلهي به السلطات، الشعب، كي تقنعه بالتضحيات، وأنّ الوقت ليس وقت معارضة وديمقراطية، لحين الانتهاء من حسم المعركة مع العدو الخارجي.

دول عديدة، صاغت ديمقراطياتها على مقاسِها، مثل أوغندا، التي اشتغلت على ديمقراطية بلا أحزاب، وكل أوغندي هو بالولادة عضو في حركة “شعوب أوغندا”، ويمكن لأي شخص أن يترشح للبرلمان بصفته الشخصية، والسبب في ذلك، أن ولادة أحزاب هائلة طبقية ومناطقية وطائفية في ذلك البلد الافريقي، أدت الى استقطاب عرقي وديني، سّبب الموت والبؤس الذي عانت منه أوغندا، بعد عقدين من الاستقلال.

ما حدث في أوغندا وفي العراق، يعزّز وجهات نظر لا تؤمن بديمقراطية مفاجئة، تنزل مثل الصاعقة، بينما الغرب نفسه لم يحقق نظامه المستقر، الحر، إلا في غضون قرون.

في ذلك نوع من الواقعية، لأنّ الأحزاب السياسية في الدول النامية، تتشكّل من نفس المذهب أو المجموعة المناطقية أو العرقية، الأمر الذي يسهّل ترجمة الخلافات السياسية إلى صراع عرقي أو ديني، بينما المعارضات تحمل نفس العيوب والأدواء.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دعا “المعارضين”، الأسبوع الماضي، الى حوار مفتوح وصريح مع الحكومة على قاعدة دعم الدولة وسيادة القانون، في مصطلح نادراً ما يُسمع في العراق، وإذا ما استُخدِم فانه يعني بشكل أساس، الأعداء والخصوم.

آن الأوان الى عقد سياسي منصف وحضاري يبرمه أصحاب السلطة، والمعارضون.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق