q
الكاظمي الذي ولد في رحم المؤسسة المخابراتية، ويعرف ادق تفاصيل المؤسسة العسكرية امام فرصة تاريخية لحل أكبر مشكلة للعراق نتجت بعد هزيمة داعش، وهي تطويع القوات العسكرية وتحديد دورها وضمان عدم خلطها للجانب السياسي بالجانب العسكري، والجرح الذي احدثته سياسة حكومة عبد المهدي الضعيفة وأزمة التظاهرات الأخيرة بحاجة الى...

زار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم السبت مقر هيئة الحشد الشعبي، في ظل الاتهامات للرئيس الجديد بتورطه في عملية اغتيال رئيس اركان الحشد أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع العام الجاري بغارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي، اذ تبنت بعض الفصائل رسميا هذه التهمة ووصفته بالفاظ سيئة جدا، فيما تتهم بعض فصائل الحشد بقتل المتظاهرين في دوامة من الاتهام والاتهام المضاد.

وبعد تنصيبه رسميا لمنصب رئاسة الوزراء قللت بعض الفصائل من اللهجة العدائية تجاه الكاظمي، ابتداء من بيانات القبول المشروط بإخراج القوات الامريكية وليس انتهاء ببيانات الخضوع للامر الواقع، لتاتي بعدها التصريحات الإيرانية المتتالية التي ركزت على العلاقات الودية مع الكاظمي وتاكيدها على ضرورة الاستفادة من المرحلة الحالية لتحقيق المصالح الإيرانية مثل مد خطوط السكك الحديدية وإعادة العمل باتفاقية الجزائر التي ترسم الحدود بين الطرفين فيما يتعلق بشط العرب.

ولتعزيز الهدنة بين الحشد بصنوفه المتشددة والمعتدلة، وبين رئيس الوزراء بفريقه المتشدد والمعتدل، جاءت زيارة مصطفى الكاظمي الى مقر هيئة الحشد الشعبي لتعطي عدة رسائل اطمئنان للشعب العراقي عموما ولفصائل الحشد خصوصا التي كانت تخشى من تهميشها او تفكيك هيئة الحشد، فالفصائل متهمة من الفريق المتشدد للكاظمي باستهداف المتظاهرين، ويدعم هذه الرؤية فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووسائل الدعاية الأميركية التي سوقت بقوة لما عرف فيما بعد بالطرف الثالث.

ارتدى الكاظمي سترة الحشد الشعبي، فبردت الرؤوس الحامية لدى الأطراف المتصارعة، ويبدو ان الهدنة في الداخل العراقي هي نتيجة طبيعية للهدنة الخارجية، والاتفاق الأميركي الإيراني الذي ساهم بفك عقدة الحكومة مقابل بعض الصفقات السياسية والمالية، فقد كشف موقع ميدل ايست آي ان تمرير الكاظمي جاء وفق صفقة أمريكية إيرانية تقضي بالافراج عن بعض الأصول الإيرانية المجمدة في اوربا وخفض التوتر في الخليج حفاظا على المصالح الإيرانية، الا انه وبالرغم مما يشاع عن اتفاق دولي، فان البعد الداخلي لا يمكن اغفاله تماما، اذ ان تواجد الكاظمي بين قيادات الحشد يعطي دلالات عدة:

اولاً: الحشد قوة عسكرية لا يمكن لاي رئيس وزراء مهما كان مقربا من الولايات المتحدة الأميركية ان يغفل دور هذه المؤسسة العسكرية المحورية في حفظ التوازنات السياسية وحماية العراق من التهديدات الخارجية.

ثانياً: يتوقف سلوك الحشد الشعبي المؤسسي على طريقة تعاطي الدولة معه بطريقة مؤسسية، ومحاولة دمج فصائله المتطرفة في بوتقة الدولة واقناع اطرافه بان قوة الدولة من قوة الحشد، ويتوقف ذلك على إعطاء ضمانات دائمة بصداقة طويلة الأمد مع طهران.

ثالثاً: اتباع سياسة العزل التدريجي للعناصر غير الراغبة بالانخراط الكلي في الدولة يأتي بصورة غير مباشرة وبعيدة كل البعد عن الحروب الإعلامية، اذ ان اكثر الصراعات التي نتجت بين الحشد والحكومة هي انعكاس للحرب الإعلامية غير المنصفة تجاه الحشد.

رابعاً: ضرورة ابتعاد الحشد كليا عن العمل السياسي واقتصار عمله على الجهد العسكري يعطيه قوة هائلة، لكن ذلك لا يمكن اذ لم يحصل على ضمانات قوية ومؤكدة بان الحكومات المتلاحقة لا تعمل على تفكيك هذه المنظومة لاهداف وغايات لا تصب في صالح العراق، او حماية لمصالح الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية.

الكاظمي الذي ولد في رحم المؤسسة المخابراتية، ويعرف ادق تفاصيل المؤسسة العسكرية امام فرصة تاريخية لحل اكبر مشكلة للعراق نتجت بعد هزيمة داعش، وهي تطويع القوات العسكرية وتحديد دورها وضمان عدم خلطها للجانب السياسي بالجانب العسكري، والجرح الذي احدثته سياسة حكومة عبد المهدي الضعيفة وأزمة التظاهرات الأخيرة بحاجة الى عمل كبير وجهد حقيقي يبدأ أولا بانهاء الحرب الإعلامية وخاصة من فريق الكاظمي الإعلامي الذي يتمتع بقوة اقناعية وهذا ما تخشاه قيادة الحشد، ثم العمل بعيدا عن الأضواء لتحقيق نقلة نوعية في توطيد العلاقة بين المكونات العراقية التي انهكتها المهاترات الكلامية والنزاعات السياسية.

....................................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق