q
الكلام ايضا عن تحول الانتفاضة في العراق من سلمية الى مسلحة، يجب ان لانستهين به ايضا، ونؤكد مرة اخرى، ان هناك من يريد جر العراق الى مستنقع دم جديد، فالقوى الخارجية والداخلية نفسها، تعمل على الدفع بهذا الاتجاه، لاحداث فوضى عارمة، على امل ان تحسم كل جهة...

لم يستجب يزيد بن عمر بن هبيرة، والي العراق، لطلب والي خراسان، نصر بن سيار، الذي اوصله اليه شعرا، حيث بدأت ارهاصات حركة معادية للأمويين هناك .. كانت القصيدة تحذر من خطر داهم؛ (( ابلغ يزيدا وخير القول اصدقه .. وقد تيقّنت الاّ خير في الكذب/ بان ارض خراسان رايت بها .. بيضا اذا افرخت حدّثت بالعجب / فراخ عامين الاّ انها كبرت .. لماّ يطرن وقد سربلن بالزغب ))، وكان سبب عدم استجابة والي العراق، ابن هبيرة، هو انشغاله في مجالدة الخوارج.

لم يهدأ ابن سيار، فكتب الى الخليفة مروان بن محمد، في دمشق، اخر خلفاء بني امية، وايضا بقصيدة شعرية ستبقى خالدة، او تستحضر كمثل يساق في المواقف المشابهة، يقول مطلعها؛ (( ارى تحت الرماد وميض جمر .. ويوشك ان يكون له ضرام/ فان النار في العودين تذكى .. وان الحرب مبدؤها الكلام )) .. ويقال ايضا، ان الخليفة كان مشغولا بمحاولة انهاء الاقتتال بين قبائل القيسية واليمانية، ولم ينجد واليه .. مايعني ان البلاد في اواخر عهدها، كانت واهنة تماما، قبل سقوطها، وقيام الدولة العباسية على انقاضها، والتي بدات رحلتها من خراسان!

قد تختلف ظروف عراق اليوم عن ظروف دولة بني امية في اواخر عهدها، لكن الفتن والحوادث تكرر نفسها، ولو بأشكال مختلفة، وهو ما ينبغي التحوط منه باستمرار ... يستهين البعض بالمناكفات التي نسمعها يوميا، سواء بين الدول المتنافسة على العراق، او بين ساسة البلاد والقائمين على امرها، وكذلك بين فئات من المواطنين العراقيين انفسهم، ممن اختلفت اهواؤهم بعد انتفاضة تشرين .. مصدر هذه الاستهانة، اعتقاد الكثيرين، ان لاشيء سيحدث، وان كل شيء متفق عليه مسبقا! .. هذا الكلام، وان انطوى على قدر من الصحة، لكن الركون اليه، يعني الدعوة الى الاستسلام لنظرية المؤامرة، بالاضافة الى الاقرار بالعجز عن القيام باي دور، فقرار واحد في لحظة تاريخية مرتبكة كالتي نعيش، قد ينتقل بالبلاد الى محطة قاسية، يصعب العودة منها ... المواجهة بين اميركا ومعسكرها، من جهة، وبين ايران ومعسكرها، من جهة اخرى، قائمة، وهي ليست بالضرورة عسكرية تقليدية، وانما بادوات مختلفة.

من بينها استثمار العامل الجيوسياسي للضغط على الخصم، وهو ما يجري العمل عليه الآن، وفق تسريبات غير مؤكدة .. الحديث عن (الاقليم السني)، لم يات اعتباطا، وانما له جذر قريب، وتصاعد بقوة في السنين الماضية، اضافة الى ماسمعناه عن اقليم نينوى او صلاح الدين وغيرها، وهناك في الخارج والداخل، من يدفع بهذا الاتجاه، لأكثر من غرض، ليس بينها واحدا لمصلحة العراق، وهو ماينبغي الحذر منه والتصدي له، منوهين الى ان اعلان هذا الاقليم، يعني عمليا، اكمال تقسيم العراق، لان اقليم كردستان قائم وشبه مستقل، ويعني ايضا، ان اميركا ضمنت موقعا جيوسياسيا، يؤمن لها قطع الطريق على ايران باتجاه سوريا ولبنان، وسيتعزز وجودها مستقبلا في الاقليم المقترح، بانشاء قواعد ثابتة، وصياغة واقع سياسي متناغم مع مزاجها هناك، مستثمرة حالة التذمر من العملية السياسية المشوهة في بغداد.

الكلام ايضا عن تحول الانتفاضة في العراق من سلمية الى مسلحة، يجب ان لانستهين به ايضا، ونؤكد مرة اخرى، ان هناك من يريد جر العراق الى مستنقع دم جديد، فالقوى الخارجية والداخلية نفسها، تعمل على الدفع بهذا الاتجاه، لاحداث فوضى عارمة، على امل ان تحسم كل جهة الامر عسكريا لصالحها .. نعم، علينا جميعا ان نحذر ونحذّر من خطورة الامر، وان دماء العراقيين ووحدة العراق اهم من كل المكاسب السياسية وغير السياسية، وهو مايجب ان يضعه الجميع امام اعينهم، قبل كل شيء.

نعم، الحرب مبدؤها الكلام دائما، وقبل ان يولد نصر بن سيار وتقوم دولة بني امية، وبعد خرابها ايضا!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق