q

عام 2014 الذي مضى قبل أيام، هو العام الاول بعد عشر سنوات من عمر التجربة السياسية الجديدة في العراق، بمعنى أن أحداث 2014 كانت تشكل خلاصة لعشر سنوات من العمل السياسي المتواصل، لتشكيل نظام جديد في العراق، يقوم على ركيزة أساسية ومهمة بل جوهرية، ألا وهي الديمقراطية، كان علينا كعراقيين أن نفهم الى ماذا وصلنا بعد عشر سنوات، وماذا حققنا، وما هي إخفاقاتنا، وفي اي المجالات نجحنا، في عام يشكل خلاصة لعقد مضى.

ولكننا عندما نتفحّص الاحداث السياسية التي تخللها العام الماضي، فإننا لاشك سنصل الى نتائج تنطوي على إخفاق في السياسة وسواها من المجالات، ولكننا طالما نتكلم عن الديمقراطية، فهذا يعني اننا نخوض في السياسة، وماذا حققت للعراقيين في العام الذي مضى، وعندما نعرف ذلك على وجه الدقة، ونحدد موطن الاخفاق او النجاح في تجربتنا التي يراد لها ان تكون ديمقراطية، سوف يتوجب علينا هدف آخر أكثر أهمية، يتحدد بإمكانية نقل الاخفاقات من أماكنها ومعالجة اسبابها، وتحويلها الى نجاحات.

فهل يمكننا أن نستفيد من الاخفاق والفشل في السنوات العشر التي مضت، ومما حدث في العام الخلاصة وهو عام 2014، وهل نمتلك القدرة والارادة على الاستفادة من التراجع والفشل في تحقيق الاهداف التي نصبوا اليها جميعا؟، هنا سوف يكمن الاختبار للارادة العراقية، ونعني بها ارادة السياسيين العاملين والناشطين والمشاركين في العمل السياسي، ونعني بهم القادة الحكوميين واعضاء السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكذلك المنظمات والمؤسسات الرديفة، كل هؤلاء هل عرفوا ما هي الأخطاء التي وقعوا فيها، فرديا او جماعيا، خاصة ما يتعلق بالنهج الديمقراطي الصحيح وتطبيقه في ادارة البلاد بصورة صحيحة؟.

اذن ليس هناك مفر من معرفة، مناطق الاخفاق في ادارة العملية السياسية، ولماذا لم تستطع الجهات السياسية المعنية ان تطبقها بالصورة الصحيحة، واين تكمن بالضبط، مكامن الخلل حتى يتم الشروع بتصحيحها في العام الجديد الذي دخلناه توا، بمعنى أدق أننا كسياسيين ومعاونين لهم، لابد أن نربح ما خسرناه سياسيا عام 2014 في عامنا الجديد هذا، ترى هل هناك تخطيط للجهات السياسية في العراق لدراسة خسائرنا في العام الماضي، حتى يتسنى لنا ربحها في العام 2015؟، إن الفرصة لتحقيق هذا الهدف متاحة بطبيعة الحال، ولكن يتعلق الامر بارادة السياسيين انفسهم، وتصميمهم على تحديد مكامن الخلل بدقة، عبر خبراء ومختصين في هذا المجال، ولجان قادرة على الرصد الدقيق وتأشير الزلل السياسي بمجسات فاعلة ودقيقة، ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا أن الخطأ الأول في مجال التطبيق الديمقراطي، يتعلق بعدم وجود ارادة جماعية تجمع الفرقاء على تطبيق المنهج الديمقراطي في السياسة الداخلية والخارجية، وسياسة الاقتصاد والخدمات والصحة والتعليم والاهتمام بالمستوى المعاشي للمواطن.

هناك مشكلة لابد ان يتخلص منها السياسيون العراقيون، تتمثل بتفضيلهم لمصالحهم الآنية، الفردية او الحزبية، السريعة العاجلة، مع اهمال وترك التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، ولعل المشكلة هنا، أن الجميع يخطئون، وأنهم جميعا يتحدثون عن تمسكهم بالديمقراطية والدستور، لكن عندما نأتي لنتفحّص التطبيق، نجد انهم بعيدون كل البعد عن العمل الديمقراطي، لذلك لابد أن تتغير هذه الطريقة في العام الجديد الراهن، بمعنى يجب ان يتم تحويل العمل الديمقراطي الى مشاريع راسخة لتطوير البني الاقتصادية والسياسية وسواهما، على أن يتم هذا من خلال ترسيخ الديمقراطية كسلوك يفهمه السياسيون ويتمسكون به ضمن ضوابط وتحديدات لا يجوز القفز عليها أيا كانت الاسباب والمبررات.

ومن الاخطاء التي وقع فيها السياسيون، ونعني بهم قادة الكتل والاحزاب واعضائهما، هي قضايا التسقيط والتهم المتبادلة، واللهاث خلف المناصب بعيدا عن الاستحقاق، واهمال الكفاءات، وحصر الولاء بالهوية المناطقية او العشائرية وسواها، ولعل المشكلة الواضحة والمعقدة في هذا الصدد، أن الجميع يتحدث عن تمسكه بالديمقراطية والدستور، وعندما نحاول أن نختبر ذلك، نجد ان التصريحات غالبا ما تحاول تفسير الدستور لصالح اهداف ضيقة آنية قصيرة النظر، على حساب خطط مستقبلية استراتيجية تبني الدولة والمجتمع وتضمن حاضرا متوازنا ومستقبلا زاهرا، من هنا لابد من السعي الى تحويل خسائر العام الماضي الى ارباح في العام الراهن.

أما الآليات والاجراءات الفعلية التي يمكنها ان ترسّخ العمل الديمقراطي، فهي تقوم على قواعد معروفة، تسمى قواعد اللعبة الديمقراطية، لابد أن يتقنها السياسيون، حتى ينضبط العمل السياسي ضمن اطار هذه القواعد ولا يخرج عليها، عند ذاك سوف يصبح العمل السياسي ديمقراطيا، ويتحول الى منهج وسلوك، لا يمكن تجاوزه، وعندها سوف نقطف الثمار كدولة وكحكومة وكشعب في وقت واحد، لكن الامر يحتاج الى جهد حكومي مؤسساتي كبير ومنظّم، تقوم عليه إرادة سياسية، تسعى جديا وفعليا، الى الاستفادة من إخفاقات العام الفائت، لتحيلها الى نجاحات شاخصة في العام الراهن.

اضف تعليق